لماذا نحن تقليديون؟
هذه القصة لا أكتبها لكم ألا لأثبت لكم أن الإنسان كائن يصعب فهمه، لقد حاولت أن أفهم من حولي، ولكن في كل مرة أظن فيها أني اقتربت من الفهم، أصطدم بنوعيات ليس لها تصنيف ولا يمكن إضافتها تحت نوع معين، كانت رحلة طويلة تلك التي سلكتها، وليالي طويلة أمضيتها وأنا أدرس البشر، كنت استعمل المقابلة الشخصية والشات والمسينجر، وكنت أحاول تسجيل ملاحظاتي بطريقة سريعة ثم أعود لصياغتها، وكنت أتعرف على شخص وأجده مثيرا للاهتمام فأبدأ بالحوار معه لمعرفة أفكاره ومبدئه وطريقة معرفته لدوره في الحياة وطريقة معالجته لأخطائه، قد تتسألون عن داعي كل هذا الجهد، لذلك سوف أعرفكم بنفسي، أنا دارس هاوي لعلم النفس، وأحاول تطبيق نظرياتي على الأشخاص الذين يحيطون بي، وكنت أبذل جهدي في استشفاف الأفكار خلف كلماتهم، حتى أتى اليوم الذي قمت فيه بتمزيق كل ما كتبته ورميت به إلى سلة المهملات، قد تتسألون عن سبب فعلي لذلك أسمعوا قصتي.
*****
كنت يوما في شات ( الشات لمن لا يعرفه هو أشبه بحفلة تنكرية في الانترنت يختار الشخص اسما وقناعا ويدخل ليحدث أناسا لا يعرفهم ولا يعرفونه ) وكنت في إحدى الغرف أتابع الحوار بتركيز محاولا انتقاء شخصا يصلح كتجربة، خبرتي الآن تقول لي أن هناك ممن يقرأ هذا الكلام سيقول لي أجعلت الناس كفئران التجارب؟ لا طبعا ولكن لا تنسى أن الأطباء لا يستطيعون معالجة الرجل ألا إذا شقوا بطنه أو قطعوا يده أو رجله، وهذه نظريتي التي تجعلني أدخل في حوارات مع الناس لا أعرفهم مجرد فائدة علمية وتكوين نظريات قد تكون نافعة، عموما قلت أني كنت في تلك الغرفة عندما ظهرت الإشارة الصفراء التي تعني أن هناك من يرغب في محادثتي، كنت عادة لا أرد على هذه الطلبات لأني كنت أفضل أن انتقي بنفسي الأشخاص الذين سوف أدرسهم، ولكن مللي ذلك اليوم جعلني أخالف قواعدي، ربما كان الاسم الذي اختاره لنفسه دفعني لذلك، كان يدعو نفسه ( لماذا نحن تقليديون؟ ) لذلك تحاورت معه لساعة غيرت مجرى حياتي إلى الأبد، وجعلتني أمزق أوراقي وألقي بها، لا أطيل هذا هو نص الحوار.
*****
لماذا نحن تقليديون؟ : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
زائر الفجر: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لماذا نحن تقليديون؟ : هل أزعجتك؟
زائر الفجر: لا أبدا هلا فيك.
لماذا نحن تقليديون؟ : مشكور. هل لديك وقت لحوار جاد.
زائر الفجر: بالتأكيد. تفضل.
لماذا نحن تقليديون؟ : الحقيقة جذبني الاسم الذي اخترته لنفسك، غير تقليدي.
زائر الفجر: من ذوقك. واسمك أيضا يدل على إنسان يكره المظاهر، والرسميات، صح؟
لماذا نحن تقليديون؟ : نظرتي في محلها، أنت إنسان غير تقليدي، ولهذا أريد التكلم معك، لقد عرفت عني أشياء لم أقلها لك.
زائر الفجر( انتشيت بكلامه وبدأت باستعراض بعض مهاراتي): والمشكلة التي تواجهها أن هناك من يعارض أسلوبك غير التقليدي، ويرى أنه خروج عن التقاليد.
لماذا نحن تقليديون؟ : صح. بالضبط. ممكن أسالك سؤال؟
زائر الفجر: تفضل.
لماذا نحن تقليديون؟ : في البداية أريد أن نتعارف، حتى يكون الحديث بيننا على بينة. ولكن لا أسماء مجرد معلومات عامة، وسأبدأ بنفسي أنا عمري 23 من الرياض، هواياتي الرسم والانترنت.
زائر الفجر: وأنا عمري 22 وأسكن الرياض أيضا.
لماذا نحن تقليديون؟ : 22؟
زائر الفجر: ايه. ليه؟
لماذا نحن تقليديون؟ : لا ظننت من كلامك أنك أكبر من ذلك.
زائر الفجر: هل تخجل من الكلام مع من هو أصغر منك؟
لماذا نحن تقليديون؟ : هههههههههههههه
زائر الفجر: ليه تضحك؟
لماذا نحن تقليديون؟ : أسف. ولكن على قولتك أنا إنسان غير تقليدي فهل برأيك سأكون أرفض الحديث مع من هم أصغر مني؟
زائر الفجر: لا طبعا.
لماذا نحن تقليديون؟ : ممتاز. في البداية بأشرح لك معنى التقليدية في نظري.
زائر الفجر: تفضل.
لماذا نحن تقليديون؟ : التقليدية هي أن تفعل كما يفعل الآخرون دونما محاولة للتجديد والتميز.
زائر الفجر: طيب لو كان الذي يفعله الآخرون شي صحيح ويفعلونه بطريقة صحيحة.
لماذا نحن تقليديون؟ : لا أعترض على ذلك. سأعطيك مثالا على ذلك لتفهم قصدي.
زائر الفجر: اوكي.
لماذا نحن تقليديون؟ : مثلا لو طرح موضوع في مجلس واحتدم النقاش ولم يتفق الجميع على رأي معين، الشخص التقليدي هو الذي سيأتي ليقول في النهاية( أتفق العرب على ألا يتفقوا).
زائر الفجر: هههههههههههههههههه. صح معك حق.
لماذا نحن تقليديون؟ : ومثال أخر، إذا قلت لشخص فاضي وقال لك لا مليان هذا برضه إنسان تقليدي.
زائر الفجر: هههههههههههههه. أمثلتك بالصميم. والله أني أكره الناس التقليديين وأجدهم مملين.
لماذا نحن تقليديون؟ : وأنا كذلك أكره التقليدية في الكلام والتصرف.
زائر الفجر: ولكن المشكلة في اللي حولك لم يرضوا أن يفهموك. صح؟
لماذا نحن تقليديون؟ : يرون أني أطالبهم بشيء صعب.
زائر الفجر: إذا أصدقائك قلة؟
لماذا نحن تقليديون؟ : لا أهتم لأني أدفن نفسي بالرسم، وأجد من أتحدث معهم في الانترنت.
زائر الفجر: الانترنت كله أناس تقليديون، لن تجد من تريدهم فيه.
لماذا نحن تقليديون؟ : عارف، ولكن الملل يسوي أكثر.
زائر الفجر: عموما أنا لي رأي هل تسمح لي بقوله؟
لماذا نحن تقليديون؟ : أكيد. تفضل.
زائر الفجر: لا تكون صعبا، لأن هذه حياتك ولابد أن تعيشها بالطول والعرض، لا يعني أن من حولك تقليديون، أن تنعزل وتكون وحيدا.
لماذا نحن تقليديون؟ : ولكني حاولت ولم أستطع التأقلم مع التقليدية التي تحيط بي.
زائر الفجر: هل تريد نصيحتي؟
لماذا نحن تقليديون؟ : بالتأكيد.
زائر الفجر: كن كما تريد ولا تطالب الناس أن يكونوا كما تريد، أنا مثلا لي مبادئي وأرائي التي لا يحبذها البعض ولكني أتمسك بها ولا أحاول فرضها على غيري مع اقتناعي بها.
لماذا نحن تقليديون؟ : مثل؟
زائر الفجر: مثلا لا أحب التلفظ بالألفاظ السوقية، ولكن أكثر من حولي يقولونها بشكل طبيعي.
لماذا نحن تقليديون؟ : صح، أنا تضايقني الكلمات السوقية.
زائر الفجر: أذن نحن اثنان.
لماذا نحن تقليديون؟ : في بعض الأحيان أكون مع ناس ويبدءون بالحديث فأحس كأني سأختنق، ولكني أسلي نفسي بتوقع كلماتهم.
زائر الفجر:هههههههههههههههههه. فعلا نحن أناس تقليديون، لنا نفس الأسلوب ونفس الأفكار.
لماذا نحن تقليديون؟ : أنا أحاول دائما التميز عن الآخرين، وهذا جعلهم يعتبرونني غريب الأطوار.
زائر الفجر: الناس دائما تقاوم التغيير، الناس أعداء ما يجهلون.
لماذا نحن تقليديون؟ : لكن على الأقل نحن متفاهمان.
زائر الفجر: أنا حقيقة أعجبت بشخصيتك وأتمنى أن تكون علاقتنا أكبر، وأن تكون مباشرة، مثلا نختار مكان ونلتقي فيه.
لماذا نحن تقليديون؟ : هههههههههههههههههه.
زائر الفجر: لماذا تضحك؟
لماذا نحن تقليديون؟ : أخوي كم لك في الشات؟
زائر الفجر: من فترة . ليه؟
لماذا نحن تقليديون؟ : ألا تذكر أننا تقابلنا من قبل؟
زائر الفجر: لا. أنا لا أنسى الناس المميزين.
لماذا نحن تقليديون؟ : ههههههههههههههههه.
زائر الفجر: وراك تضحك وش الموضوع.
لماذا نحن تقليديون؟ : معليش. أخوي لكن حنا تقابلنا من قبل هنا في الشات.
زائر الفجر: مستحيل.
لماذا نحن تقليديون؟ : أنا كنت مسمي نفسي بغير ها لاسم وكذلك أنت، تكلمنا فترة وبعدها قلت لي أنك كنت تتكلم معي بغرض دراسة نفسيتي، وذهبت وتركتني وغيرت اسمك حتى ما تعرف عليك، وأمس شفتك تتكلم في أحدى الغرف وعرفتك من أسلوبك، فقررت أعطيك درس في التعامل، فاخترعت هذي القصة لأثبت لك أنك تخدع نفسك، معليش.
زائر الفجر: ليه سويت كذا؟
لماذا نحن تقليديون؟ : لأنك ما حترمتني، وعاملتني بشكل غير لائق.
زائر الفجر: أنا ما خطأت عليك.
لماذا نحن تقليديون؟ : ألا يوم خلصت محلل نفسيتي على بالك مشيت من دون كلمة، وأنا أثبت لك أنك يسهل خداعك، أسف لكن أنا سويت كذا من القهر اللي أحس به. وبغيت أنزلك من برجك العاجي الذي تطل على الناس منه.
زائر الفجر: الله يسامحك. ليه فكرتك عني كذا.
لماذا نحن تقليديون؟ : هذا الواقع، عموما حنا تساوينا الحين وأنا لا أمانع أنه نكون أصدقاء بس خل عنك شغلة التحليل النفسي وعش حياتك مثل المسلمين. يا لله أنا ماشي تأمرني بشيء؟
زائر الفجر: لا سلامتك.
لماذا نحن تقليديون؟ : مع السلامة، ولا تزعل مني.
زائر الفجر: لا مابيننا زعل.
لماذا نحن تقليديون؟ : مشكور أخوي.
زائر الفجر: العفو.
*****
قطعت الاتصال وألقيت برأسي على طاولة الكمبيوتر، أغمضت عيناي ثم فتحتهما وتناولت الدفتر المليء بملاحظاتي ومزقته وألقيت به إلى سلة المهملات.
خرجت من الملحق الذي اتخذته لي مكتبا، كان هواء المساء يهب خفيفا لينعش روحا مهزومة، وأصوات أخي ورفاقه تأتي من المجلس، كنت لا أجلس معهم ألا بغرض التحليل النفسي، اتجهت إلى المجلس وعندما دخلت كانوا مشغولين بالنقاش عن موضوع لا أعرف ما هو، سكبت لي ماءا واتخذت مجلسا بينهم وجعلت أتفرج على نقاشهم صامتا، وفي النهاية قال أخي عندما عجز عن أقناع الموجودين برأيه( بكيفكم لا تصدقون لكن أنا قلت لكم وأنتم براحتكم)،
قال أحد الموجودين محاولا تهوين الموضوع على أخي (وسع صدرك يا بن الحلال، اتفق العرب على ألا يتفقوا)، ووسط نظراتهم المستغربة انفجرت ضاحكا، وجعلت أضحك وأضحك وأضحك.
ملاحظة : هذه القصة ليست حقيقة ولم تقع لي ولكني تخيلتها وأحببت أن أخبركم بذلك حتى لا يقع لبس كما في قصة ( ليه ما أعتذرنا قبل فوات الاوان؟)
العرض العادي
