العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام العامة ]:::::+ > ۞ مكتبة الــوٍد الإسلامية ۞
إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-05-2014, 06:07 AM   رقم المشاركة : 1
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور
۩ تفسير سورة آل عمران عدد آياتها 200 ...

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

تفسير سورة آل عمران عدد آياتها 200 ...
وهي مدنية
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

مقدمة
سورة آل عمران سورةٌ مدنيّة، لأنّ صدرها من الآية الأولى إلى الآية الثالثة والثمانين منها نزل في وفد نجران، وكان قدومهم في سنة تسع من الهجرة. هذه السورة، ذكرت فيها غزوة بدر وما صاحبها من أحداث.
.وعن أبي أمامة الباهلي ‏قال:‏ ‏سمعت رسول الله ‏‏يقول:

«اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرءوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيمتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 02-05-2014, 06:21 AM   رقم المشاركة : 2
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏1 ‏:‏4‏)‏
‏{‏الم ‏.‏ الله لا إله إلا هو الحي القيوم ‏.‏ نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل ‏.‏ من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام ‏}‏
قد ذكرنا الحديث الوارد في ان اسم اللّه الأعظم في هاتين الآيتين ‏{‏الله لا إله إلا هو الحي القيوم‏}‏، ‏{‏الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم‏}‏ في تفسير
آية الكرسي‏.‏
وقد تقدم الكلام على قوله‏:‏ ‏{‏الم‏}‏ في أول
سورة البقرة بما أغنى عن إعادته، وتقدم الكلام على قوله‏:‏ ‏{‏الله لا إلاه إلا هو الحي القيوم‏}‏ في تفسير
آية الكرسي‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏نزل عليك الكتاب بالحق‏}‏ يعني نزل عليك القرآن يا محمد بالحق، أي لا شك فيه ولا ريب بل هو منزل من عند اللّه، أنزله بعلمه والملائكة يشهدون، وكفى باللّه شهيداً‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏مصدقا لما بين يديه‏}‏ أي من الكتب المنزلة قبله من السماء على عباد اللّه والأنبياء، فهي تصدقه بما أخبرت به وبشرت في قديم الزمان، وهو يصدقها لأنه طابق ما أخبرت به وبشرت من الوعد من اللّه بإرسال محمد صلى اللّه عليه وسلم وإنزال القرآن العظيم عليه، وقوله‏:‏ ‏{‏وأنزل التوراة‏}‏ أي على موسى بن عمران، ‏{‏والإنجيل‏}‏ أي على عيسى بن مريم عليهما السلام، ‏{‏من قبل‏}‏ أي من قبل هذا القرآن ‏{‏هدى للناس‏}‏‏:‏ أي في زمانهما، ‏{‏وأنزل الفرقان‏}‏‏:‏ وهو الفارق بين الهدى والضلال، والحق والباطل، والغي والرشاد، بما يذكره اللّه تعالى من الحجج والبينات والدلائل والوضحات، والبراهين القاطعات، ويبينه ويوضحه ويفسره ويقرره ويرشد إليه وينبه عليه من ذلك‏.‏ وقال قتادة والربيع‏:‏ الفرقان ههنا القرآن، واختار ابن جرير أنه مصدر ههنا لتقدم ذكر القرآن في قوله‏:‏ ‏{‏نزل عليك الكتاب بالحق‏}‏ وهو القرآن‏.‏ وأما ما روي عن أبي صالح‏:‏ أن المراد بالفرقان ههنا التوراة، فضعيف أيضاً، لتقدم ذكر التوراة، واللّه أعلم‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الذين كفروا بآيات اللّه‏}‏ أي جحدوا بها وأنكروها وردوها بالباطل، ‏{‏لهم عذاب شديد‏}‏ أي يوم القيامة، ‏{‏واللّه عزيز‏}‏ أي منيع الجناب عظيم السلطان، ‏{‏ذو انتقام‏}‏‏:‏ أي ممن كذب بآياته وخالف رسله الكرام وأنبياءه العظام‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏5 ‏:‏ 6‏)‏
{‏إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ‏.‏ هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم ‏}‏
يخبر تعالى أنه يعلم غيب السماء والأرض لا يخفى عليه شيء من ذلك، ‏{‏هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء‏}‏ أي يخلقكم في الأرحام كما يشاء من ذكر وأنثى، وحسن وقبيح، وشقي وسعيد، ‏{‏لا إله إلا هو العزيز الحكيم‏}‏ أي هو الذي خلق وهو المستحق للإلهية، وحده لا شريك له وله العزة التي لا ترام، والحكمة والأحكام، وهذه الآية فيها تعريض بل تصريح بأن عيسى بن مريم عبد مخلوق كما خلق اللّه سائر البشر، لأن اللّه صوره في الرحم وخلقه كما يشاء، فكيف يكون إلهاً كما زعمته النصارى عليهم لعائن اللّه‏!‏‏!‏ وقد تقلب في الأحشاء وتنقل من حال إلى حال‏!‏‏؟‏ كما قال تعالى‏:‏{‏يخلقكم في بطون امهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏7 ‏:‏ 9‏)‏
هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب ‏.‏ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ‏.‏ ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد ‏}‏
يخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات ‏{‏هنَّ أم الكتاب‏}‏ أي بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد، ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم، فمن رد ما اشتبه إلى الواضح منه وحكَّم محكمه على متشابهه عنده فقد اهتدى، ومن عكس انعكس، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏هن أم الكتاب‏}‏ أي أصله الذي يرجع إليه عند الإشتباه ‏{‏وأخر متشابهات‏}‏ أي تحتمل دلالتها موافقة المحكم، وقد تحتمل شيئاً آخر من حيث اللفظُ والتركيبُ لا من حيث المراد، وقد اختلفوا في المحكم والمتشابه، فقال ابن عباس‏:‏ المحكمات ناسخة وحلاله وحرامه وحدوده وأحكامه وما يؤمر به ويعمل به‏.‏ وقال يحيى بن يعمر‏:‏ الفرائض والأمر والنهي والحلال والحرام، وقال سعيد بن جبير‏:‏ ‏{‏هنّ أم الكتاب‏}‏ لأنهن مكتوبات في جميع الكتب، وقال مقاتل‏:‏ لأنه ليس من أهل دين إلا يرضى بهن‏.‏ وقيل في المتشابهات‏:‏ المنسوخة والمقدم والمؤخر والأمثال فيه والأقسام وما يؤمن به ولا يعمل به، روي عن ابن عباس، وقيل‏:‏ هي الحروف المقطعة في أوائل السور قاله مقاتل بن حيان، وعن مجاهد‏:‏ المتشابهات يصدق بعضها بعضاً وهذا إنما هو في تفسير
قوله‏:‏ ‏{‏كتابا متشابهاً مثاني‏}‏ هناك ذكروا أن المتشابه هو الكلام الذي يكون في سياق واحد، والمثاني هو الكلام في شيئين متقابلين كصفة الجنة وصفة النار، وذكر حال الأبرار وحال الفجّار ونحو ذلك، وأما ها هنا فالمتشابه هو الذي يقابل المحكم، وأحسن ما قيل فيه هو الذي قدمنا، وهو الذي نص عليه ابن يسار رحمه اللّه حيث قال‏:‏ ‏{‏منه آيات محكمات‏}‏ فهن حجة الرب وعصمة العباد ودفع الخصوم الباطل، ليس لهن تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه، قال‏:‏ والمتشابهات في الصدق ليس لهن تصريف وتحريف وتأويل، ابتلى اللّه فيهن العباد كما ابتلاهم في الحلال والحرام ألا يصرفن إلى الباطل ولا يحرفن عن الحق‏.‏
ولهذا قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فأما الذين في قلوبهم زيغ‏}‏ أي ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل ‏{‏فيتبعون ما تشابه منه‏}‏ أي إنما يأخذون منه المتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه‏.‏ فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه لأنه دامغ لهم وحجة عليهم، ولهذا قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ابتغاء الفتنة‏}‏ أي الإضلال لأتباعهم، إيهاماً لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن، وهو حجة عليهم لا لهم، كما لو احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى روح اللّه وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وتركوا الإحجاج بقول‏:‏
‏{‏إن هو إلا عبدُ أنعمنا عليه‏}‏، وبقول‏:‏ ‏{‏إن مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون‏}
، وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرحة بأنه خَلْقٌ من مخلوقات اللّه، وعبد ورسول من رسل اللّه‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وابتغاء تأويله‏}‏ أي تحريفه على ما يريدون، وقال مقاتل والسدي‏:‏ يبتغون أن يعلمون ما يكون وما عواقب الأشياء من القرآن، وقد
قال الإمام أحمد عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏‏{‏هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏أولو الألباب‏}‏ فقال‏:‏ ‏(‏إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى اللّه فاحذروهم‏)‏‏.‏ وقد روى هذا الحديث البخاري عند تفسير
هذه الآية ومسلم في كتاب القدر من صحيحه وأبو داود في السنة من سننه ثلاثتهم عن القاسم بن محمد
عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية‏:‏ ‏{‏هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وما يذكر إلا أولو الألباب‏}‏ قالت‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمَّى اللّه فاحذروهم‏)‏‏.‏
وروى أحمد عن أبي أمامة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه‏}‏ قال‏:‏ ‏(‏هم الخوارج‏)‏، وفي قوله تعالى‏:
‏{‏يوم تبيض وجوه وتسود وجوه‏}‏ قال‏:‏ ‏(‏هم الخوارج‏)‏، وهذا الحديث أقل أقسامه أن يكون موقوفاً من كلام الصحابي، ومعناه صحيح فإن أول بدعة وقعت في الإسلام فتنة الخوارج، وكان مبدؤهم بسبب الدنيا حين قسم النبي صلى اللّه عليه وسلم غنائم حنين فكأنهم رأوا - في عقولهم الفاسدة - أنه لم يعدل في القسمة ففاجأوه بهذه المقالة، فقال قائلهم وهو ذو الخويصرة - بقر اللّه خاصرته - إعدل فإنك لم تعدل، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏لقد خبت وخسرت‏.‏ إن لم أكن أعدل، أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني‏)‏‏!‏ فلما قفل الرجل استأذن عمر بن الخطاب في قتله، فقال‏:‏ ‏(‏دعه فإنه يخرج من ضئضىء هذا - أي من جنسه - قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وقراءته مع قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم‏)‏‏.‏ ثم كان ظهورهم أيام علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه وقتلهم بالنهروان، ثم تشعبت منهم شعوب وقبائل وآراء وأهواء ومقالات ونِحل كثيرة منتشرة، ثم انبعثت القدرية، ثم المعتزلة، ثم الجهمية، وغير ذلك من البدع التي أخبر عنها الصادق المصدوق صلى اللّه عليه وسلم في قوله‏:‏ ‏(‏وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة‏)‏، قالو‏:‏ ومن يا رسول اللّه‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏من كان على ما أنا عليه وأصحابي‏)‏
أخرجه الحاكم في مستدركه بهذه الزيادة‏.‏
وروى الحافظ أبو يعلى،
عن حذيفة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه ذكر‏:‏ ‏(‏إنّ في أمتي قوما يقرؤون القرآن ينثرونه نثر الدَّقل أردأ التمر يتأولونه على غير تأويله‏)‏‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما يعلم تأويله إلا اللّه‏}‏ اختلف القراء في الوقف ههنا، فقيل على الجلالة كما تقدم عن ابن عباس رضي اللّه عنه أنه قال‏:‏ التفسير على أربعة أنحاء، فتفسير لا يعذر أحد في فهمه، وتفسير تعرفه العرب من لغاتها، وتفسير يعلمه الراسخون في العلم، وتفسير لا يعلمه إلا اللّه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏: ‏(‏إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا فما عرفتم منه فاعملوا به، وما تشابه منه فآمنوا به‏)‏،
وقال عبد الرزاق‏:‏ كان ابن عباس يقرأ‏:‏ وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون آمنا به وكذا رواه ابن جرير عن عمر بن عبد العزيز ومالك ابن أنَس أنهم يؤمنون به ولا يعلمون تأويله، وحكى ابن جرير أن في قراءة عبد اللّه بن مسعود‏:‏ إنْ تأويله إلاا عند اللّه والراسخون في العلم يقولن آمنا به واختار ابن جرير هذا القول‏.‏
ومنهم من يقف على قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والراسخون في العلم‏}‏ وتبعهم كثير من المفسرين وأهل الأصول، وقالوا الخطاب بما لا يفهم بعيد، وقد روى مجاهد عن ابن عباس أنه قال‏:‏ أنا من الراسخين الذي يعلمون تأويله، وقال مجاهد‏:‏ والراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به، وكذا قال الربيع بن أنَس، وقال محمد بن جعفر بن الزبير‏:‏ وما يعلم تأويله الذي أراد ما أراد إلا اللّه والراسخون في العلم يقولون آمنا به، ثم ردوا تأويل المتشابهات على ما عرفوا من تأويل المحكمة التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويل واحد، فاتسق بقولهم الكتاب وصدق بعضه بعضاً فنفذت الحجة، وظهر به العذر وزاح به الباطل ودفع به الكفر،
وفي الحديث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دعا لابن عباس فقال‏:‏ ‏(‏اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل‏)‏‏.‏ ومن العلماء من فصل في هذا المقام وقال‏:‏ التأويل يطلق ويراد به في لقرآن معنيان، أحدهما‏:‏ التأويل بمعنى حقيقة الشيء وما يؤول أمره إليه؛ ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل‏}‏، وقوله‏: ‏{‏هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله‏}‏ أي حقيقة ما أخبروا به من أمر المعاد‏.‏ فإن أريد بالتأويل هذا فالوقف على الجلالة؛ لأن حقائق الأمور وكنهها لا يعلمه على الجلية إلا اللّه عزّ وجلّ؛ ويكون قوله ‏{‏والراسخون في العلم‏}‏ مبتدأ و‏{‏يقولون آمنا به‏}‏ خبره‏.‏ وأما إن أريد بالتأويل المعنى الآخر‏:‏ وهو التفسير والبيان والتعبير عن الشيء كقوله‏:‏ ‏{‏نبئنا بتأويله‏}‏ أي بتفسيره، فإن أريد به هذا المعنى فالوقف على ‏{‏والراسخون في العلم‏}‏ لأنهم يعلون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار، وإن لم يحيطوا علما بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه، وعلى هذا فيكون قوله‏:‏ ‏{‏يقولون آمنا به‏}‏ حالاً منهم، وساغ هذا وإن يكون من المعطوف دون المعطوف عليه كقوله‏:‏ {‏للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم - إلى قوله - يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا‏} الآية، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وجاء ربك والملك صفاً صفاً‏}
أي وجاء الملائكة صفوفاً صفوفاً‏.‏
وقوله تعالى - إخباراً عنهم - أنهم يقولون آمنا به أي المتاشبه ‏{‏كلّ من عند ربنا‏}‏ أي الجميع من المحكم والمتشابه حق وصدق، وكل واحد منهما يصدق الآخر ويشهد له، لأن الجميع من عند اللّه وليس شيء من عند اللّه بمختلف ولا متضاد، كقوله‏:
‏{‏أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كبيرا‏}
، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وما يذكر إلا أولو الألباب‏}‏ أي إنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها أولو العقول السليمة والفهوم المستقيمة، وقد قال ابن أبي حاتم بسنده‏:‏
حدَّثنا عبد اللّه بن يزيد - وكان قد أدرك أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم أنَسا وأبا أمامة وأبا الدرداء - أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سئل عن الراسخين في العلم فقال‏:‏ ‏(‏من برت يمينه، وصدق لسانه، واستقام قلبه، ومن عف بطنه وفرجه، فذلك من الراسخون في العلم‏)‏، وقال الإمام أحمد بسنده‏:‏ سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قوماً يتدارؤن، فقال‏:‏ ‏(‏إنما هلك من كان قبلكم بهذا؛ ضربوا كتاب اللّه بعضه ببعض، وإنما أنزل كتاب اللّه ليصدق بعضه بعضاً فلا تكذبوا بعضه ببعض‏.‏ فما علمتم منه فقولوا به، وما جهلتم فكلوه إلى عالمه‏)‏‏.‏
وعن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏نزل القرآن على سبعة أحرف، والمراء في القرآن كفر - قالها ثلاثا - ما عرفتم منه فاعملوا به وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه جل جلاله‏)‏
‏"‏رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده‏"‏وقال ابن المنذر في تفسيره عن نافع بن يزيد قال‏:‏ الراسخون في العلم المتواضعون للّه المتذللون للّه في مرضاته، لا يتعاظمون على من فوقهم ولا يحقرون من دونهم‏.‏ ثم قال تعالى عنهم مخبراً أنهم دعوا ربهم قائلين‏:‏ ‏{‏ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا‏}‏ أي لا تُمِلها عن الهدى بعد إذ أقمتها عليه، ولا تجعلنا كالذين في قلوبهم زيغ، الذين يتبعون ما تشابه من القرآن، ولكن ثبتنا على صراطك المستقيم، ودينك القويم‏.‏ ‏{‏وهب لنا من لدنك رحمة‏}‏ تثبت بها قلوبنا، وتجمع بها شملنا، وتزيدنا بها إيمانا وإيقاناً ‏{‏إنك أنت الوهاب‏} عن أم سلمة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يقول‏:‏ ‏(‏يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك‏)‏، ثم قرأ‏:‏ ‏{‏ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب‏}‏ ‏"‏رواه ابن أبي حاتم عن أم سلمة‏"‏وعن أم سلمة، عن أسماء بنت يزيد بن السكن، سمعتها تحدّث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يكثر من دعائه‏:‏ ‏(‏اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك‏)‏، قالت، قلت يا رسول اللّه وإن القلب ليتقلب‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم، ما خلق الله من بني آدم من بشر إلا أن قلبه بين أصبعين من أصابع اللّه عزّ وجلّ، فإن شاء أقامه وإن شاء أزاغه‏)‏ ‏"‏رواه ابن مردويه وابن جرير‏"‏‏.
‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه ألا تعلمني دعوة أدعو به لنفسي، قال‏:‏ ‏(‏بلى، قولي‏:‏ اللهم رب محمد النبي اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي وأجرني من مضلات الفتن‏)‏‏.‏
وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كثيرا ما يدعو‏:‏ ‏(‏يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك‏)‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء، فقال‏:‏ ‏(‏ليس من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن إذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه‏.‏ أما تسمعي قوله‏:‏ ‏{‏ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب‏}‏‏)‏
"‏رواه ابن مردويه، قال ابن كثير‏:‏ وأصله في الصحيحين‏"‏وعن سعيد بن المسيب عن عائشة رضي اللّه عنها‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل قال‏:‏ ‏(‏لا إله إلا أنت سبحانك أستغفرك لذنبي، واسألك رحمتك، اللهم زدني علماً، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة‏.‏ إنك أنت الوهاب‏)‏ ‏
"‏رواه أبو داود والنسائي‏"‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه‏}‏ أي يقولون من دعائهم إنك يا ربنا ستجمع بين خلقك يوم معادهم، وتفصل بينهم وتحكم فيهم فيما اختلفوا فيه، وتجزي كلاً بعمله، وما كان عليه في الدنيا من خير وشر‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 03-05-2014, 12:46 AM   رقم المشاركة : 3
شمس القوايل
المشرفة العامة
 
الصورة الرمزية شمس القوايل

بارك الله فيج وجزاج الله الخير

وجعله في ميزان حسناتج







التوقيع :


اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 04-05-2014, 03:05 AM   رقم المشاركة : 4
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شمس القوايل
بارك الله فيج وجزاج الله الخير

وجعله في ميزان حسناتج

●●●
هلااااااااااوغلاااااااااااا

يسعدلي قلبك ويسلمووو وربي على الحضور الرائع بصفحتي
وجزاك الله كووول خير ويعطيك الصحة والسعادة يارب
تقبلي شكري وتقديري واحترامي
مع تحياتي : قلب الزهـــور ..بباي









التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 04-05-2014, 03:19 AM   رقم المشاركة : 5
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏10 ‏:‏ 11‏)‏
{‏إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار ‏.‏ كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب ‏}‏
يخبر تعالى عن الكفار بأنهم وقود النار‏:‏{‏يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار‏}‏، وليس ما أوتوه في الدنيا من الأموال والأولاد بنافع لهم عند اللّه، ولا بمنجيهم من عذابه وأليم عقابه، كما قال تعالى‏: ‏{‏ولا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد اللّه ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون‏}
‏‏
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد، متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد‏}وقال ههنا‏:‏ ‏{‏إن الذين كفروا‏}‏ أي بآيات اللّه، وكذبوا رسله، وخالفوا كتابه، ولم ينتفعوا بوحيه إلى أنبيائه‏:‏ ‏{‏لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئاً وأولئك هم وقود النار‏}‏ أي حطبها الذي تسجر به وتوقد به كقوله‏:‏ ‏{‏إنكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنم‏}
الآية‏.‏ وعن أم الفضل‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قام ليلة بمكة، فقال‏:‏ ‏(‏هل بلغت‏؟‏ يقولها ثلاثاً، فقام عمر بن الخطاب - وكان أوَّاهاً - فقال‏:‏ اللهم نعم، وحرصت وجهدت، ونصحت فاصبر؛ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ليظهرن الإيمان حتى يرد الكفر إلى مواطنه، وليخوضن رجال البحار بالإسلام، وليأتين على الناس زمان يقرؤون القرآن فيقرؤونه ويعلمونه، فيقولون قد قرأنا وقد علمنا فمن هذا الذي هو خير منا‏؟‏ فما في أولئك من خير‏)‏ قالوا‏:‏ يا رسول اللّه فمن أولئك‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏أولئك منكم، أولئك هم وقود النار‏)‏
‏"‏رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه‏"‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كداب آل فرعون‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ كصنيع آل فرعون، وكذا روي عن عكرمة ومجاهد والضحاك وغير واحد، ومنهم من يقول‏:‏ كسنة آل فرعون، وكفعل آل فرعون وكشبه آل فرعون، والألفاظ متقاربة والدَّأب - بالتسكين والتحريك أيضاً كنَهَر ونَهْر - هو الصنيع والحال والشأن والأمر والعادة، كما يقال‏:‏ لا يزال هذا دأبي ودأبك، وقال امرؤ القيس‏:‏
كدأبك من أم الحويرث قبلها * وجارتها أم الرباب بمأسل
والمعنى كعادتك في أم الحويرث حين أهلكتَ نفسك في حبها وبكيت دارها ورسمها‏!‏ والمعنى في الآية‏:‏ إنَّ الكافرين لا تغني عنهم الأموال ولا الأولاد، بل يهلكون ويعذبون كما جرى لآل فرعون ومن قبلهم من المكذبين للرسل فيما جاؤوا به من آيات اللّه وحججه‏:‏ ‏{‏واللّه شديد العقاب‏}‏ أي شديد الأخذ، أليم العذاب، لا يمتنع منه أحد، ولا يفوته شيء، بل هو الفعال لما يريد الذي قد غلب كل شيء، لا إله غيره ولا رب سواه‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم‏(‏12 ‏:‏ 13‏)‏
‏{‏ قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ‏.‏ قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ‏}‏
يقول تعالى‏:‏ قل يا محمد للكافرين ‏{‏ستغلبون‏}‏ أي في الدنيا، ‏{‏وتحشرون‏}‏ أي يوم القيامة إلى جهنم وبئس المهاد‏.‏ وقد ذكر محمد بن إسحاق أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما أصاب من أهل بدر ما أصاب، ورجع إلى المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع وقال‏:‏ ‏(‏يا معشر اليهود أسلموا قبل أن يصيبكم اللّه بما أصاب قريشاً‏)‏ فقالوا‏:‏ يا محمد لا يغرنك من نفسك أن قتلت نفراً من قريش كانوا أغمارً لا يعرفون القتال، إنك واللّه لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وأنك لم تلق مثلنا فأنزل اللّه في ذلك من قوله‏:‏ ‏{‏قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏لعبرة لأولي الأبصار‏}‏
"‏أخرجه محمد بن إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس‏"‏ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏قد كان لكم آية‏}‏ أي قد كان لكم أيها اليهود القائلون ما قلتم آية، أي دلالة على أن اللّه معزّ دينه، وناصر رسوله، ومظهر كلمته، ومعلن أمره ‏{‏في فئتين‏}‏ أي طائفتين ‏{‏التقتا‏}‏ أي للقتال، ‏{‏فئة تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرة‏}‏ وهم مشركو قريش يوم بدر‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏يرونهم مثليهم رأي العين‏}‏، قال بعض العلماء‏:‏ يرى المشكون يوم بدر المسلمين مثليهم في العدد رأي أعينهم، أي جعل اللّه ذلك فيما رأوه سبباً لنصرة الإسلام عليهم، وذا لا إشكال عليه إلا من جهة واحدة، وهي أن المشركين بعثوا عمر بن سعد يومئذ قبل القتال يحزر لهم المسليمن، فأخبرهم بأنهم ثلثمائة يزيدون قليلاُ أو ينقصون قليلا، وهكذا كان الأمر، كانوا ثلثمائةة وبضعة عشر رجلاً، ثم لما وقع القتال أمدهم اللّه بألف من خواص الملائكة وساداتهم‏.‏
والقول الثاني‏:‏ أن المعنى في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يرونهم مثليهم راي العين‏}‏ أي يرى الفئة المسلمة الفئة الكافرة ‏{‏مثليهم‏}‏ أي ضعفهم في العدد ومع هذا نصرهم اللّه عليهم، والمشهور أنهم كانوا ما بين التسعمائة إلى الألف، وعلى كل تقدير، فقد كانوا ثلاثة أمثال المسلمين، وعلى هذا فيشكل هذا القول والله أعلم، لكن وجَّه ابن جرير هذا وجعله صحيحاً‏.‏ كما تقول‏:‏عندي ألف وأنا محتاج إلى مثليها، وتكون محتاجاً إلى ثلاثة آلاف كذا قال‏.‏ وعلى هذا فلا إشكال، لكن بقي سؤال آخر وهو وارد على القولين، وهو أن يقال‏:‏ ما الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى في قصة بدر‏:‏
‏{‏وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقللكم في أعينهم ليقضي اللّه أمراً كان مفعولاً‏}

فالجواب‏:‏ أن هذا كان في حالة، والآخر كان في حالة أخرى، كما قال ابن مسعود في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قد كان لكم آية في فئتين التقتا‏}‏ الآية‏.‏ قال‏:‏ هذا يوم بدر، وقد نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا‏.‏ ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلاً واحدا‏.‏ وذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقللكم في أعينهم‏}‏ الآية‏.‏ وقال أبو إسحاق عن عبد اللّه بن مسعود‏:‏ لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جانبي‏:‏ تراهم سبعين‏!‏ قال‏:‏ أراهم مائة، قال‏:‏ فأسرنا رجالً منهم فقلنا‏:‏ كم كنتم‏؟‏ قال‏:‏ ألفاً، فعندما عاين كل من الفريقين الآخر رأى المسلمون المشركين مثليهم، أي أكثر منهم بالضعف ليتوكلوا ويتوجهوا، ويطلبوا الإعانة من ربهم عزّ وجلّ، ورأى المشركون المؤمنين كذلك ليحصل لهم الرعب والخوف والجزع والهلع‏.‏ ثم لما حصل التصاف والتقى الفريقان قلّل اللّه هؤلاء في أعين هؤلاء، وهؤلاء في أعين هؤلاء ليقدم كل منهمها على الآخر‏:‏ ‏{‏ليقضي اللّه أمراً كان مفعولاً‏} أي ليفرق بين الحق والباطل فيظهر كلمة الإيمان على الكفر والطغيان، ويعزُ المؤمنين ويذل الكافرين، كما قال تعالى‏:‏{‏ولقد نصركم اللّه ببدر وأنتم أذلة‏}‏، وقال ههنا‏:‏ ‏{‏واللّه يؤيد بنصر من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار‏}‏ أي‏:‏ إن في ذلك لعبرة لمن له بصيرة وفهم ليهتدي به إلى حكم اللّه وأفعاله، وقدره الجاري بنصر عباده المؤمنين في هذه الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏14 ‏:‏ 15‏)
‏{‏ زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ‏.‏ قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد ‏}‏
يخبر تعالى عما زين للناس في هذه الحياة الدنيا من أنواع الملاذ من النساء والبنين، فبدأ بالنساء لأن الفتنة بهن أشد، كما ثبت في الصحيح أنه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء‏) فأما إذا كان القصد بهن الإعفاف وكثر الأولاد، فهذا مطلوب مرغوب فيه مندوب إليه، كما وردت الأحاديث بالترغيب في التزويج والاستكثار منه، وأن خير هذه الأمة من كان أكثرها نساء، وقوله صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة، إن نظر إليها سرَّته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله‏)‏ ‏"‏أخرجه النسائي وروى بعضه مسلم في صحيحه‏"‏وقوله في الحديث الآخر‏:
‏(‏حبّب إليّ النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة‏)‏‏.‏
وحبُّ البنين تارة يكون للتفاخر والزينة فهو داخل في هذا، وتارة يكون لتكثير النسل وتكثير أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم ممن يعبد اللّه وحده لا شريك له، فهذا محمود ممدوح كما ثبت في الحديث‏:‏(‏تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة‏) وحب المال كذلك، تارة يكون للفخر والخيلاء والتكبر على الضعفاء والتجبر على الفقراء فهذا مذموم، وتارة يكون للنفقة في القربات وصلة الأرحام والقرابات ووجوه البر والطاعات فهذا ممدوح محمود شرعاً، وقد اختلف المفسرون في مقدار القنطار على أقول، وحاصلها‏:‏ أنه المال الجزيل كما قال الضحاك وغيره، وقيل‏:‏ ألف دينار، وقيل‏:‏ ألف ومائتا دينار، وقيل‏:‏ اثنا عشر ألفاً، وقيل‏:‏ أربعون ألفاً، وقيل‏:‏ ستون ألفاً، وقيل غير ذلك‏.‏
و
حب الخيل على ثلاثة أقسام:‏ تارة يكون ربطها أصحابها معدة لسبيل اللّه متى احتاجوا إليها غزوا عليها، فهؤلاء يثابون‏.‏ وتارة تربط فخراً ونِواء مفاخرة ومعارضة لأهل الإسلام فهذه على صاحبها وزر‏.‏ وتارة للتعفف واقتناء نسلها ولم ينس حق اللّه في رقابها فهذه لصاحبها ستر، كما سيأتي الحديث بذلك إن شاء اللّه تعالى عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأعدوه لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل‏}الآية، وأما المسوّمة‏:‏ فعن ابن عباس رضي اللّه عنهما المسومة الراعية، والمطهمة الحسان، قال مكحول‏:‏ المسومة الغرة والتحجيل، وقيل غير ذلك وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والأنعام‏}‏ يعني الإبل والبقر والغنم، ‏{‏والحرث‏}‏ يعني الارض المتخذة للغراس والزراعة‏:‏ وقال الإمام أحمد عن سويد بن هبيرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏خير مال امرىء له مهرة مأمورة، أو سكة مأبورة‏)‏ المأمورة الكثيرة النسل، والسكة النخل المصطف، والمأبورة الملقحة‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ذلك متاع الحياة الدنيا‏}‏ أي إنما هذا زهرة الحياة الدنيا وزينتها الفانية الزائلة، ‏{‏واللّه عنده حسن المآب‏}‏ أي حسن المرجع والثواب، قال عمر بن الخطاب‏:‏ لما نزلت ‏{‏زين للناس حب الشهوات‏}‏ قلت‏:‏ الآن يا رب حين زينتها لنا، فنزلت‏:‏ ‏{‏قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا‏}‏ الآية، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏قل أؤنبيئكم بخير من ذلكم‏}‏ أي قل يا محمد للناس أؤخبركم بخير مما زين للناس في هذه الحياة الدنيا، من زهرتها ونعيمها الذي هو زائل لا محالة‏؟‏ ثم أخبر عن ذلك فقالك ‏{‏للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار‏}‏ أي تنخرق بين جوانبها وأرجائها الأنهار من أنواع الأشربة من العسل واللبن والخمر والماء وغير ذلك، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ‏{‏خالدين فيها‏}‏ أي ماكثين فيها أبد الآباد لا يبغون عنها حولاً، ‏{‏وأزواج مطهرة‏}‏ أي من الدنس والخبث والأذى والحيض والنفاس وغير ذلك مما يعتري نساء الدنيا ‏{‏ورضوان من اللّه‏}‏ أي يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم بعده ابداً، ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى التي في براءة ‏{‏ورضوان من اللّه أكبرْ أي أعظم مما أعطاهم من النعيم المقيم، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏واللّه بصير بالعباد‏}‏ أي يعطي كلا بحسب ما يستحقه من العطاء‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 04-05-2014, 03:31 AM   رقم المشاركة : 6
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏16 ‏:‏ 17‏)‏
‏{‏الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار ‏.‏ الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار ‏}‏
يصف تبارك وتعالى عباده المتقين الذين وعدهم الثواب الجزيل فقال تعالى‏:‏ ‏{‏الذين يقولون ربنا إننا آمنا‏}‏ أي بك وبكتابك وبرسولك، ‏{‏فاغفر لنا ذنوبنا‏}‏ أي بإيماننا بك وبما شرعته لنا فاغفر لنا ذنوبنا بفضلك ورحمتك ‏{‏وقنا عذاب النار‏}‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏الصابرين‏}‏ أي في قيامهم بالطاعات وتركهم المحرمات، ‏{‏والصادقين‏}‏ فيما أخبروا به من إيمانهم بما يلتزمونه من لأعمال الشاقة، ‏{‏والقانتين‏}‏ والقنوت‏:‏ الطاعة والخضوع، ‏{‏والمنفقين‏}‏ أي من أموالهم في جميع ما أمروا به من الطاعات، وصلة الأرحام والقرابات، وسد الخِّلات، ومواساة ذوي الحاجات، ‏{‏والمستغفرين بالأسحار‏}‏دل على فضيلة الاستغفار وقت الأسحار، وقد قيل‏:‏ إن يعقوب عليه السلام لما قال لبينه‏:‏‏{‏سوف أستغفر لكم ربي‏}‏
إنه أخرهم إلى وقت السحر، وثبت في الصحيحين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ينزل اللّه تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول‏:‏ هل من سائل فأعطيه هل من داع فأستجيب له‏؟‏ هل من مستغفر فأغفر له‏؟‏‏)‏
وفي الصحيحين عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ من كل الليل قد أوتر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، من أوله وأوسطه وآخره، فانتهى وتره إلى السحر‏
.‏ وكان عبد اللّه بن عمر يصلي من الليل ثم يقول‏:‏ يا نافع هل جاء السحر‏؟‏ فإذا قال‏:‏ نعم، أقبل على الدعاء والاستغفار حتى يصبح ‏"‏رواه ابن أبي حاتم‏"‏وقال ابن جرير، عن إبراهيم بن حاطب، عن أبيه قال‏:‏ سمعت رجلاً في السحر في ناحية المسجد وهو يقول‏:‏ يا رب أمرتني فأطعتك، وهذا السحر فاغفر لي، فنظرت فإذا هو ابن مسعود رضي اللّه عنه، وعن أنس بن مالك قال‏:‏ كنا نؤمر إذا صلينا من الليل أن نستغفر في آخر السحر سبعين مرة ‏"‏رواه ابن مردويه‏"‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم‏(‏18 ‏:‏ 20‏)‏
‏{‏ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ‏.‏ إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب ‏.‏ فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد
شهد تعالى وكفى به شهيدا وهو أصدق الشاهدين وأعدلهم وأصدق القائلين ‏{‏إنه لا إله إلا هو‏}‏ أي المنفرد بالإلهية لجميع الخلائق، وأن الجميع عبيده وخلقه وفقراء إليه، وهو الغني عما سواه كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لكن اللّه يشهد بما أنزل إليك‏}‏ الآية، ثم قرن شهادة ملائكته وأولي العلم بشهادته فقال‏:‏ ‏{‏شهد اللّه أنه لا إله إلا هو والملائكة وألو العلم‏}‏، وهذه خصوصية عظيمة للعلماء في هذا المقام‏.‏ ‏{‏قائماً بالقسط‏}‏ منصوب على الحال وهو في جميع الأحوال كذلك‏.‏ ‏{‏لا إله إلا هو‏}‏ تأكيد لما سبق، ‏{‏العزيز الحكيم‏}‏ العزيز الذي لا يرام جنابه عظمة وكبرياء ‏{‏الحكيم‏}‏ في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره‏.‏ عن الزبير بن العوام قال‏:‏ سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو بعرفة يقرأ هذه الآية‏:‏ ‏{‏شهد اللّه أنه لا إله إلا هو والملائكة وأول العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم‏}‏، ثم قال‏:‏ وأنا على ذلك من الشاهدين يا رب ‏"‏رواه أحمد وابن أبي حاتم‏"‏
وعن غالب القطان قال‏:‏ أتيت الكوفة في تجارة فنزلت قريباً من الأعمش، فلما كانت ليلة أردت أن أنحدر، قام فتهجد من الليل فمر بهذه الآية‏:‏ ‏{‏شهد اللّه أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم، إن الدين عند اللّه الإسلام‏}‏ ثم قال الأعمش‏:‏ وأنا أشهد بما شهد اللّه به وأستودع اللّه هذه الشهادة وهي لي عند اللّه وديعة ‏{‏إن الدين عند اللّه الإسلام‏}‏ قالها مراراً‏.‏ قلت‏:‏ لقد سمع فيها شيئاً، فغدوت إليه فودعته ثم قلت‏:‏ يا أبا محمد إني سمعتك تردد هذه الآية، قال‏:‏ أوما بلغك ما فيها‏؟‏ قلت‏:‏ أنا عندك منذ شهر لم تحدثني‏!‏ قال‏:‏ واللّه لا أحدثك بها إلى سنة؛ فأقمت سنة فكنت على بابه، فلما مضت السنة، قلت‏:‏ يا أبا محمد قد مضت السنة‏.‏ قال، حدثني أبو وائل عن عبد اللّه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏يجاء بصاحبها يوم القيامة، فيقول اللّه عزّ وجلّ‏:‏ عبدي عهد إليّ، وأنا أحق من وفى بالعهد أدخلوا عبدي الجنة‏)
‏"‏رواه الطبراني في الكبير‏"‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الدين عند اللّه الإسلام‏}‏ إخبار منه تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم اللّه به في كل حين، حتى ختموا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد صلى اللّه عليه وسلم، فمن لقي اللّه بعد بعثة محمد صلى اللّه عليه وسلم بدين على غير شريعته فليس بمتقبل كما قال
تعالى‏:‏
‏{‏ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه‏} الآية، وقال في هذه الآية مخبراً بانحصار الدين المتقبل منه عنده في الإسلام‏:‏ ‏{‏إن الدين عند اللّه الإسلام‏}‏ ثم أخبر تعالى بأن الذين أوتوا الكتاب الأول إنما اختلفوا بعد ما قامت عليه الحجة بإرسلا الرسل إليهم، وإنزال الكتب عليهم، فقال‏:‏ ‏{‏وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم‏}‏ أي بغي بعضهم على بعض، فاختلفوا في الحق بتحاسدهم وتباغضهم وتدابرهم، فحمل بعضهم بغض البعض الآخر على مخالفته في جميع أقواله وأفعاله وإن كانت حقاً، ثم
قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يكفر بآيات اللّه‏}‏ أي من جحد ما أنزل اللّه في كتابه ‏{‏فإن اللّه سريع الحساب‏}‏ أي فإن اللّه سيجازيه على ذلك ويحاسبه على تكذيبه ويعاقبه على مخالفته كتابه‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏فإن حاجوك‏}‏ أي جادلوك في التوحيد، ‏{‏فقل أسلمت وجهي للّه ومن اتبعن‏}‏ أي فقل أخلصت عبادتي للّه وحده لا شريك له، ولا ندَّ له، ولا ولد له ولا صاحبة له‏.‏ ‏{‏ومن اتبعن‏}‏ أي على ديني، يقول كمقالتي كما قال تعالى‏:‏
{‏قل هذه سبيلي أدعو إلى اللّه على بصيرة أنا ومن اتبعني‏} الآية، ثم قال تعالى آمراً لعبده ورسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم أن يدعو إلى طريقته ودينه والدخول في شرعه وما بعثه اللّه به إلى الكتابيين من المليين‏؟‏‏؟‏ والأميين من المشركين، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا، وإن تولوا فإنما عليك البلاغ‏}‏ أي واللّه عليه حسابهم وإليه مرجعهم ومآبهم، وهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة‏.‏ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏واللّه بصير بالعباد‏}‏ أي هو عليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلالة وهو الذي {‏لا يسأل عما يفعل وهم يسألون‏}
وما ذلك إلا لحمكته ورحمته‏.‏
وهذه الآية وأمثالها من أصرح الدلالات على عموم بعثته صلوات اللّه وسلامه عليه إلى جميع الخلق كما هو معلوم من دينه ضرورة، وكما دل عليه الكتاب والسنّة في غير ما آية وحديث فمن ذلك قوله تعالى‏:‏
{‏قل يا أيها الناس إني رسول اللّه إليكم جميعاً‏} وقال تعالى‏:‏ ‏{‏تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً‏}‏، وفي الصحيحين وغيرهما مما ثبت تواتره بالوقائع المتعددة أنه صلى اللّه عليه وسلم بعث كتبه يدعو إلى اللّه ملوك الآفاق وطوائف بني آدم من عربهم وعجمهم، كتابيهم وأميهم امتثالاً لأمر اللّه له بذلك، وقد روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار‏)‏ ‏"‏رواه مسلم عن أبي هريرة‏"‏وقال صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏بعثت إلى الأحمر والأسود‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏كان النبي بعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة‏)‏ ‏"‏أخرجاه في الصحيحين‏"‏
وروى الإمام أحمد، عن أنَس رضي اللّه عنه‏:‏ أن غلاماً يهودياً كان يضع للنبي صلى اللّه عليه وسلم وضوءه ويناوله نعليه، فمرض فأتاه النبي صلى اللّه عليه وسلم فدخل عليه وأبوه قاعد عند رأسه، فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏يا فلان قل لا إله إلا اللّه‏)‏، فنظر إلى أبيه فسكت أبوه‏.‏ فأعاد عليه النبي صلى اللّه عليه وسلم فنظر إلى أبيه، فقال أبوه‏:‏ أطع أبا القاسم، فقال الغلام‏:‏ أشهد أن لا إله إلا اللّه وأنك رسول اللّه، فخرج النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو يقول‏:‏ ‏(‏الحمد للّه الذي أخرجه بي من النار‏)‏
‏"‏أخرجه البخاري وأحمد‏"‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم‏(‏21 ‏:‏22‏)‏
‏{‏ إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم ‏.‏ أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين ‏}‏
هذا ذم من اللّه تعالى لأهل الكتاب، بما ارتكبوه من المآثم والمحارم في تكذيبهم بآيات اللّه قديماً وحديثاً، التي بلَّغتهم إياها الرسل استكباراً عليهم، وعناداً لهم وتعاظماً على الحق واستنكافاً عن اتباعه، ومع هذا قتلوا من قتلوا من النبيين حين بلّغوهم عن اللّه شرعه، بغير سبب ولا جريمة منهم إليهم إليهم إلا لكونهم دعوهم إلى الحق ‏{‏ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس‏}‏ وهذا هو غاية الكبر‏.‏ عن أبي عبيدة بن الجراح رضي اللّه عنه قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏رجل قتل نبياً، أو من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر‏)‏ ثم قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏إن الذين يكفرون بآيات اللّه، ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، فبشرهم بعذاب أليم‏}‏ الآية‏.‏ ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً من أول النهار في ساعة واحد، فقام مائة وسبعون رجلا من بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوهم جميعاً من آخر النهار من ذلك اليوم، فهم الذين ذكر اللّه عزّ وجلّ‏)‏ ‏"‏رواه ابن أبي حاتم وابن جرير‏"‏وعن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال‏:‏ قتلت بنو إسرائيل ثلاثمائة نبي من أول النهار وأقاموا سوق بقلهم من آخره، ولهذا لما أن تكبروا عن الحق واستكبروا على الخلق قابلهم اللّه على ذلك بالذلة والصغار في الدنيا، والعذاب المهين في الآخرة، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏فبشرهم بعذاب أليم‏}‏ أي موجع مهين ‏{‏أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم‏(‏23 ‏:‏ 25‏)‏
‏{‏ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون ‏.‏ ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ‏.‏ فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ‏}‏
ينكر اللّه تعالى على اليهود والنصارى، المتمسكين فيما يزعمون بكتابيهم اللذين بأيديهم، وهما التوراة والإنجيل إذا دعوا إلى التحاكم إلى ما فيهما من طاعة اللّه، فيما أمرهم به فيهما من اتباع محمد صلى اللّه عليه وسلم، تولوا وهم معرضون عنهما، وهذا في غاية ما يكون من ذمهم التنويه بذكرهم بالمخالفة والعناد، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا اياماً معدودات‏}‏ أي إنما حملهم وجرأهم على مخالفة الحق افتراؤهم على اللّه فيما ادعوه لأنفسهم، أنهم إنما يعذبون في النار سبعة أيام عن كل ألف سنة في الدنيا يوماً، وقد تقدم تفسير ذلك في سورة البقرة، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون‏}‏ أي ثبتهم على دينهم الباطل ما خدعوا به أنفسهم، من زعمهم أن النار لا تمسهم بذنوبهم إلا أياماً معدودات، وهم اللذن افتروا هذا من تلقاء أنفسهم، واختلقوه ولم ينزل اللّه به سلطاناً، قال اللّه تعالى متهدداً لهم ومتوعداً‏:‏ ‏{‏فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه‏}‏، أي كيف يكون حالهم وقد افتروا على اللّه وكذبوا رسله وقتلوا أنبياءه والعلماء من قومهم، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر‏!‏‏!‏ واللّه تعالى سأئلهم عن ذلك كله وحاكم عليهم ومجازيهم به، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه‏}‏‏؟‏ أي‏:‏ لا شك في وقوعه وكونه، ‏{‏ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون‏}‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 04-05-2014, 03:44 AM   رقم المشاركة : 7
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏26 ‏:‏ 27‏)‏
{‏قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ‏.‏ تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب ‏}‏
يقول تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏قل‏}‏ يا محمد معظماً لربك وشاكراً له ومفوضاً إليه ومتوكلاً عليه ‏{‏اللهم مالك الملك‏}‏ أي لك الملك كله، ‏{‏تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء‏}‏‏:‏ أي أنت المعطي وأنت المانع، وأنت الذي ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن، وفي هذه الآية تنبيه وإرشاد إلى شكر نعمة اللّه تعالى، على رسوله صلى اللّه عليه وسلم وهذه الأمة، لأن اللّه تعالى حوّل النبوّة من بني إسرائيل إلى النبي العربي القرشي خاتم الأنبياء على الإطلاق، ورسول اللّه إلى جميع الثقلين الإنس والجن، الذي جمع اللّه فيه محاسن من كان قبله، وخصَّه بخصائص لم يعطها نبياً من الأنبياء، ولا رسولاً من الرسل، في العلم باللّه وشريعته وإطلاعه على الغيوب الماضية والآتية، وكشفه له عن حقائق الآخرة، ونشر أمته في الآفاق في مشارق الأرض ومغاربها، وإظهار دينه وشرعه على سائر الأديان والشرائع فصلوات اللّه وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين ما تعاقب الليل والنهار، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏قل اللّهم مالك الملك‏}‏ الآية، أي‏:‏ أنت المتصرف في خلقك الفعّال لما تريد، كما رد تعالى على من يحكم عليه في أمره حيث قال‏:‏ {‏وقالوا لولاً نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم‏}، قال اللّه رداً عليهم‏:‏ ‏{‏أهم يقسمون رحمة ربك‏}‏‏؟‏الآية‏:‏ نحن نتصرف فيما خلقنا كما نريد، بلا ممانع ولا مدافع، ولنا الحكمة البالغة والحجة التامة في ذلك، وهكذا يعطي النبوة لمن يريد، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏واللّه أعلم حيث يجعل رسالته‏}‏ وقال تعالى‏{‏انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض‏}
الآية‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل‏}‏ أي تأخذ من طول هذا فتزيده في قصر هذا فيعتدلان، ثم تأخذ من هذا في هذا فيتفاوتان ثم يعتدلان، وهكذا في فصول السنة ربيعاً وصيفاً وخريفاً وشتاء‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي‏}‏ أي تخرج الزرع من الحب، والحب من الزرع، والنخلة من النواة والنواة من النخلة، والمؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، والدجاجة من البيضة والبيضة من الدجاجة، وما جرى هذا المجرى من جميع الأشياء‏:‏ ‏{‏ترزق من تشاء بغير حساب‏}‏ أي تعطي من شئت من المال ما لا يعده ولا يقدر على إحصائه، وتقتر على آخرين لما لك في ذلك من الحكمة والأرادة والمشيئة‏.‏ عن ابن عباس رضي اللّه عنهما عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏اسم اللّه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في هذه الآية من آل عمران ‏{‏قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير‏}‏‏)‏ "‏أخرجه الطبراني عن ابن عباس مرفوعاً‏"‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم‏(‏28‏)
{‏ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ‏}‏
نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين، وأن يتخذوهم أولياء يسرون إليهم بالمودة من دون المؤمنين، ثم توعدهم على ذلك فقال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يفعل ذلك ليس من اللّه في شيء‏}‏ أي ومن يرتكب نهي اللّه من هذا فقد برىء من اللّه، كما قال تعالى‏:{‏يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودّة - إلى أن قال - ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل‏}‏، وقال تعالى‏:{‏يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين، أتريدون أن تجعلوا للّه عليكم سلطاناً مبيناً‏}‏، وقال تعالى‏:‏ {‏يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم‏} الآية‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا أن تتقوا منهم تقاة‏}‏، أي إلا من خاف في بعض البلدان والأوقات من شرهم، فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته، كما قال البخاري عن أبي الدرداء إنه قال‏:‏ ‏(‏ إنَّا لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم‏)‏ وقال الثوري، قال ابن عباس‏:‏ ليس التقية بالعمل إنما التقية باللسان، ويؤيده قول اللّه تعالى‏:‏{‏من كفر باللّه من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان‏} الآية‏.‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ويحذركم اللّه نفسه‏}‏ أي يحذركم نقمته في مخالفته وسطوته، وعذابه والى أعدءه وعادى أولياءه، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏وإلى اللّه المصير‏}‏ أي إليه المرجع والمنقلب ليجازى كل عامل بعمله‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏29 ‏:‏ 30‏)
‏{‏قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير ‏.‏ يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد ‏}‏
يخبر تبارك وتعالى عباده أنه يعلم السرائر والضمائر والظواهر، وأنه لا يخفى عليه منهم خافية، بل علمه محيط بهم في سائر الأحوال والأزمان، والأيام واللحظات وجميع الأوقات، وجميع ما في الأرض والسموات، لا يغيب عنه مثقال ذرة ولا أصغر من ذلك في جميع أقطار الأرض والبحار والجبال، ‏{‏واللّه على كل شيء قدير‏}‏ أي وقدرته نافذة في جميع ذلك‏.‏ وهذا تنبيه منه لعباده على خوفه وخشيته، لئلا يرتكبوا ما نهى عنه وما يبغضه منهم، فإنه عالم بجميع أمورهم، وهو قادر على معاجلتهم بالعقوبة، وإن أَنظَرَ من أنظر منهم، فإنه يمهل ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر، ولهذا قال بعد هذا‏:‏ ‏{‏يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً‏}‏ الآية، يعني يوم القيامة يحضر للعبد جميع أعماله من خير وشر كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ينبأ الإنسان يومئذ بما قدّم وأخر‏}‏ فما رأى من أعماله حسناً سره ذلك وأفرحه، وما رأى من قبيح ساءه وغصَّه، وودَّ لو أنه تبرأ منه وأن يكون بينهما أمد بعيد، كما يقول لشيطانه الذي كان مقروناً به في الدنيا، وهو الذي جرأه على فعل السوء‏:‏{‏يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين‏}‏، ثم قال تعالى مؤكداً ومهدداً ومتوعداً‏:‏ ‏{‏ويحذركم اللّه نفسه‏}‏ أي يخوفكم عقابه، ثم قال جلّ جلاله مرجياً لعباده لئلا ييأسوا من رحمته ويقنطوا من لطفه‏:‏ ‏{‏واللّه رؤوف بالعباد‏}‏ قال الحسن البصري‏:‏ من رأفته بهم حذّرهم نفسه وقال غيره‏:‏ أي رحيم بخلقه يحب لهم أن يستقيموا على صراطه المستقيم ودينه القويم، وأن يتبعوا رسوله الكريم‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏31 ‏:‏ 32‏)‏
{‏قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ‏.‏ قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين ‏}

هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة اللّه، وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله، كما ثبت في الصحيح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد‏)‏، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏إن كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه‏}‏ أي يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم وهو أعظم من الأول، كما قال بعض العلماء الحكماء‏:‏ ليس الشان أن تُحِب إنما الشأن أن تُحَب، وقال الحسن البصري‏:‏ زعم قوم أنهم يحبون اللّه فابتلاهم اللّه بهذه الآية فقال‏:‏{‏قل إن كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه‏}‏ عن عروة عن عائشة رضي اللّه عنها قالت، قالت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏(‏هل الدين إلا الحب في اللّه والبغض في اللّه‏؟‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏قل إن كنتم تحبون اللّه فاتبعوني‏}‏ ‏
"‏رواه ابن أبي حاتم عن عائشة مرفوعاً وفي سنده ضعف‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ويغفر لكم ذنوبكم، واللّه غفور رحيم‏}‏ أي باتباعكم الرسول صلى اللّه عليه وسلم، يحصل لكم هذا من بركة سفارته، ثم قال تعالى آمراً لكل أحد من خاص وعام‏:‏ ‏{‏قل أطيعوا اللّه والرسول فإن تولوا‏}‏ أي تخالفوا عن أمره، ‏{‏فإن اللّه لا يحب الكافرين‏}‏ فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر، واللّه لا يحب من اتصف بذلك، وإن ادعى وزعم في نفسه أنه محب للّه ويتقرب إليه، حتى يتابع الرسول النبي الأمي خاتم الرسل، ورسول اللّه إلى جميع الثقلين الجن والإنس، الذي لو كان الأنبياء بل المرسولن بل أولو العزم منهم في زمانه ما وسعهم إلا اتباعه، والدخول في طاعته واتباع شريعته، كما سيأتي تقريره عند قوله تعالى‏:‏ ‏
{‏وإذ أخذ اللّه ميثاق النبيين‏} الآية، إن شاء اللّه تعالى‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏33 ‏:‏ 34‏)‏
‏{‏إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ‏.‏ ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ‏}‏
يخبر تعالى أنه اختار هذه البيوت على سائر أهل الأرض، فاصطفى ‏{‏آدم‏}‏ عليه السلام خلقه بيده ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وعلّمه أسماء كل شيء، وأسكنه الجنة، ثم أهبطه منها لما له في ذلك من الحكمة واصطفى ‏{‏نوحاً‏}‏ عليه السلام، وجعله أول رسول بعثه إلى أهل الأرض، لما عبد الناس الأوثان وأشركوا باللّه ما لم ينزل به سلطاناً، وانتقم له لما طالت مدته بين ظهراني قومه يدعوهم إلى اللّه ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً فلم يزدهم ذلك إلا فراراً فدعا عليهم فأغرقهم اللّه عن آخرهم، لم ينج منهم إلا من اتبعه على دينه الذي بعثه اللّه به، واصطفى ‏{‏آل إبراهيم‏}‏ ومنهم سيد البشر خاتم الأنبياء على الإطلاق محمد صلى اللّه عليه وسلم، و‏{‏آل عمران‏}‏ والمراد بعمران هذا هو والد مريم بنت عمران أم عيسى بن مريم عليه السلام، فعيسى عليه السلام من ذرية إبراهيم كما سيأتي بيانه في سورة الأنعام إن شاء اللّه تعالى‏:‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏35 ‏:‏ 36‏)‏
‏{‏إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم ‏.‏ فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ‏}‏
امرأة عمران هذه هي أم مريم عليها السلام وهي حنة بنت فاقوذ ، قال محمد بن إسحاق، وكانت امرأة لا تحمل فرأت يوماً طائراً يزق فرخه، فاشتهت الولد فدعت اللّه تعالى أن يهبها ولداً، فاستجاب اللّه دعاءها فواقعها زوجها فحملت منه، فلما تحققت الحمل نذرت أن يكون محرراً، أي خالصاً مفرغاً للعبادة لخدمة بيت المقدس، فقالت‏:‏ يارب‏{‏إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني إنك أنت السميع العليم‏}
أي السميع لدعائي العليم بنيتي، ولم تكن تعلم ما في بطنها أذكراً أم أنثى، ‏{‏فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى واللّه أعلم بما وضعت، وليس الذكر كالأنثى‏}‏ أي في القوة، والجلد في العبادة، وخدمة المسجد الأقصى، ‏{‏وإني سميتها مريم‏}‏ فيه دليل على جواز التسمية يوم الولادة كما هو الظاهر من السياق لأنه شرع من قبلنا، وقد حكي مقرراً وبذلك ثبتت السنّة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حيث قال‏:‏ ‏(‏ولد لي الليلة ولد سميته باسم أبي إبراهيم‏)‏ أخرجاه، وكذلك ثبت فيهما أن أنَس بن مالك ذهب بأبيه حين ولدته أمه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فحنكه وسماه عبد اللّه وفي صحيح البخاري‏:‏ أن رجلاً قال‏:‏ يا رسول اللّه ولد لي الليلة ولد فما أسميه‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏سم ابنك عبد الرحمن‏)‏ فأما حديث قتادة عن الحسن البصري، عن سمرة بن جندب‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏كل غلام مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم السابع ويسمى ويحلق رأسه‏( فقد رواه أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي‏.‏
وقوله تعالى إخباراً عن أم مريم أنها قالت‏:‏ ‏{‏وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم‏}‏ أي عوذتها باللّه عزّ وجلّ من شر الشيطان، وعوذت ذريتها وهو ولدها عيسى عليه السلام، فاستجاب اللّه لها ذلك‏.
عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ما من مولود يولد إلا مسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخاً من مسه إياه إلا مريم وابنها‏)‏، ثم يقول أبو هريرة‏:‏ اقرأوا إن شئتم‏:‏ ‏{‏وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم‏}‏ ‏"‏أخرجه البخاري ومسلم‏"‏وعن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ما من مولود إلا وقد عصره الشيطان عصرة أو عصرتين إلا عيسى ابن مريم ومريم‏)‏، ثم قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم‏} ‏"‏أخرجه مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً‏"‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 04-05-2014, 03:56 AM   رقم المشاركة : 8
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏37‏)‏
‏{‏فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ‏}‏
يخبر ربنا تعالى أنه تقبلها من أمها نذيرة، وأنه أنبتها نباتاً حسناً أي جعلها شكلاً مليحاً ومنظراً بهيجاً، ويسر لها أسباب القبول، وقرنها بالصالحين من عباده، تتعلم منهم العلم والخير والدين، فلهذا قال‏:‏ ‏{‏وكفَّلها زكريا‏}‏ بتشديد الفاء ونصب زكريا على المفعولية أي جعله كافلاً لها، قال ابن إسحاق‏:‏ وما ذلك إلا أنها كانت يتيمة، وذكر غيره أن بني إسرائيل أصابتهم سنة جدب فكفل زكريا مريم لذلك ولا منافاة بين القولين واللّه أعلم، وإنما قدر اللّه كون زكريا كفلها لسعادتها، لتقتبس منه علماً جماً وعملاً صالحا، ولأنه كان زوج خالتها على ما ذكره ابن إسحاق وابن جرير وغيرهما، وقيل‏:‏ زوج أختها كما ورد في الصحيح‏:‏ ‏:‏‏(‏فإذا بيحيى وعيسى وهما ابنا الخالة‏)‏ وقد يطلق على ما ذكره ابن إسحاق ذلك أيضاً توسعاً، فعلى هذا كانت في حضانة خالتها، وقد ثبت في الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قضى في عمارة بنت حمزة أن تكون في حضانة خالتها امرأة جعفر بن ابي طالب وقال‏:‏ ‏(‏الخالة بمنزلة الأم‏)‏ ثم أخبر تعالى عن سيادتها وجلادتها في محل عبادتها فقال‏:‏ ‏{‏كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً‏}
‏، قال مجاهد وعكرمة والسدي‏:‏ يعني وجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، وعن مجاهد‏:‏ ‏{‏وجد عندها رزقاً‏}‏ أي علماً والأول أصح وفيه دلالة على كرامات الأولياء، وفي السنة لهذا نظائر كثيرة، فإذا رأى زكريا هذا هندها ‏{‏قال يا مريم أى لك هذا‏}‏ أي يقول من أين لك هذا‏؟‏ ‏{‏قالت هو من عند اللّه إن اللّه يرزق من يشاء بغير حساب‏}‏‏.‏

عن جابر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اقام أياماً لم يطعم طعاماً، حتى شقّ عليه، فطاف في منازل أزواجه فلم يجد عند واحدة منهن شيئاً، فأتى فاطمة فقال‏:‏ ‏(‏يا بنية هل عندك شيء آكله فإني جائع‏؟‏ ‏)‏قالت‏:‏ لا واللّه - بأبي أنت وأمي - فلما خرج من عندها بعث إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم، فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وقالت‏:‏ واللّه لأوثرن بهذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على نفسي ومن عندي، وكانوا جمعاً محتاجين إلى شبعة طعام، فبعثت حسناً - أو حسيناً - إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرجع إليها، فقالت‏:‏ بأبي أن وأمي قد أتى اللّه بشيء فخبأتيه لك، قال‏:‏ ‏(‏هلمي يا بنية‏)‏، قالت‏:‏ فأتيته بالجفنة فكشفت عنها فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً، فلما نظرت إليها بهتُ وعرفت أنها بركة من اللّه، فحمدت اللّه وصليت على نبيّه، وقدمته إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلما رآه حمد اللّه، وقال‏:‏ ‏(‏من أين لك هذا يا بنية‏)‏ قالت‏:‏ يا أبت ‏{‏هو من عند اللّه إن اللّه يرزق من يشاء بغير حساب‏}‏ فحمد اللّه، وقال‏:‏ ‏(‏الحمد للّه الذي جعلك يا بنية شبيهة بسيدة نساء بني إسرائيل فإنها كانت إذا رزقها اللّه شيئاً وسئلت عنه قالت هو من عند اللّه، إن اللّه يرزق من يشاء بغير حساب، فبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى علي ثم أكل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأكل علي وفاطمة وحسن وحسين، وجميع أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم، وأهل بيته حتى شبعوا جميعاً‏.‏ قالت‏:‏ وبقيت الجفنة كما هي‏.‏ قالت‏:‏ فأوسعت ببقيتها على جميع الجيران، وجعل اللّه فيها بركة وخيراً كثيراً ‏"‏رواه الحافظ أبو يعلى عن جابر بن عبد اللّه‏"‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏38 ‏:‏ 41‏)
‏‏{‏هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء ‏.‏ فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين ‏.‏ قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء ‏.‏ قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار ‏}‏
لما رأى زكريا عليه السلام أن اللّه يرزق مريم عليها السلام فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء، طمع حينئذ في الولد، وإن كان شيخاً كبيراً قد وهن منه العظم، واشتعل الرأس شيباً، وكانت امرأته مع ذلك كبيرة وعاقراً، ولكنه مع هذا كله سأل ربه وناداه نداء خفياً، وقال‏:‏ ‏{‏رب هب لي من لدنك‏}‏ أي من عندك ‏{‏ذرية طيبة‏}‏ أي ولداً صالحاً ‏{‏إنك سميع الدعاء‏}‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب‏}‏ أي خاطبته الملائكة شفاهاً خطاباً أسمعته، وهو قائم يصلي في محراب عبادته، ومحل خلوته ومجلس مناجاته وصلاته، ثم أخبر تعالى عما بشرته به الملائكة ‏{‏أن اللّه يبشرك بيحيى‏}‏ أي يولد يوجد لك من صلبك اسمه يحيى‏.‏ قال قتادة‏:‏ إنما سمي يحيى لأن اللّه أحياه بالإيمان، وقوله ‏{‏مصدقاً بكلمة من اللّه‏}‏ روى العوفي عن ابن عباس في هذه الآية‏:‏ ‏{‏مصدقاً بكلمة من اللّه‏}‏ أي بعيسى بن مريم، وقال الربيع بن أنس‏:‏ هو أول من صدق بعيسى بن مريم، وقال ابن جريج‏:‏ قال ابن عباس‏:‏ كان يحيى وعيسى ابني خالى، وكانت أم يحيى تقول لمريم‏:‏ إني أجد الذي في بطني يسجد للذي في بطنك فذلك تصديقه له في بطن أمه، وهو أول من صدق عيسى وكلمة اللّه عيسى، وهو أكبر من عيسى عليه السلام وهكذا قال السدي أيضاً‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وسيداً‏}‏ قال أبو العالية حليماً، وقال قتادة‏:‏ سيداً في العلم والعبادة، وقال ابن عباس‏:‏ السيد الحليم التقي، وقال ابن المسيب‏:‏ هو الفقيه العالم، وقال عطية‏:‏ السيد في خُلُقه ودينه، وقال ابن زيد‏:‏ هو الشريف، وقال مجاهد‏:‏ هو الكريم على اللّه عز وجل‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وحصوراً‏}‏ روي عن ابن مسعود وابن عباس ومجاهد أنهم قالوا‏:‏ الذي لا يأتي النساء، وعن أبي العالية والربيع بن أنس‏:‏ هو الذي لا يولد له ولا ماء له، وعن عبد اللّه بن عمروا بن العاص يقول‏:‏ ليس أحد من خلق اللّه لا يلقاه بذنب غير يحيى بن زكريا، ثم قرأ سعيد ‏{‏وسيداً وحصوراً‏}‏ ثم أخذ شيئاً من الأرض فقال‏:‏ الحصور من كان ذكره مثل ذا‏.‏
وقد قال‏(‏ القاضي عياض‏)‏ في كتابه ‏(‏الشفاء‏)‏ اعلم أن ثناء اللّه تعالى على يحيى أنه كان حصورا ليس كما قاله بعضهم إنه كان هيوباً، أو لا ذَكَر له، بل قد أنكر هذا حذَاق المفسرين، ونقاد العلماء، وقالوا‏:‏ هذه نقيصة وعيب لا يليق بالأنبياء عليهم السلام، وإنما معناه أنه معصوم من الذنوب أي لا يأتيها كأنه حصور عنها، وقيل‏:‏ مانعاً نفسه من الشهوات، وقيل‏:‏ ليست له شهوة في النساء، وقد بان لك من هذا أن عدم القدرة على النكاح نقص، وإنما الفضل في كونها موجودة ثم يمنعها، إما بمجاهدة كعيسى، أو بكفاية من اللّه عزّ وجلّ كيحيى عليه السلام، ثم هي في حق من قدر عليها - وقام بالواجب فيها، ولم تشغله عن ربه - درجة عليا، وهي درجة نبينا صلى اللّه عليه وسلم الذي لم يشغله كثرتهن عن عبادة ربه، بل زاده ذلك عبادة بتحصينهن، وقيامه عليهن وإكسابه لهن وهدايته إياهن، بل قد صرح أنها ليست من حظوط دنياه هو وإن كانت من حظوظ دنيا غيره فقال‏:‏
‏(‏حبب إليّ من دنياكم‏)‏[1]‏"‏انظر الشفاء للقاضي عياض فهو كتاب جليل ونفيس‏"هذا لفظه والمقصود أنه مدح ليحيى بأنه حصور ليس أنه لا يأتي النساء، بل معناه كما قاله هو وغيره‏:‏ أنه معصوم من الفواحش والقاذورات، ولا يمنع ذلك من تزويجه بالنساء الحلال وغشيانهن وإيلادهن، بل قد يفهم وجود النسل له من دعاء زكريا المتقدم حيث قال‏:‏ ‏{‏هب لي من لدنك ذرية طيبة‏}‏ كأنه قال ولداً له ذرية ونسل وعقب، واللّه سبحانه وتعالى أعلم‏.‏
قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ونبياً من الصالحين‏}‏ هذه بشارة ثانية بنبوة يحيى بعد البشارة بولادته، وهي أعلى من الأولى، كقوله لأم موسى‏:
{‏إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين‏}فلما تحقق زكريا عليه السلام هذه البشارة أخذ يتعجب من وجود الولد منه بعد الكبر، ‏{‏قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال‏}‏‏:‏ أي الملك، ‏{‏كذلك اللّه يفعل ما يشاء‏}‏ أي هكذا أمر اللّه عظيم لا يعجزه شيء ولا يتعاظمه أمر، ‏{‏قال رب اجعل لي آية‏}‏ أي علامة استدل بها على وجود الولد مني، ‏{‏قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلى رمزاً‏}‏ أي إشارة لا تستطيع النطق مع أنك سوي صحيح، كما في قوله‏:‏ ‏{‏ثلاث ليال سوياً‏}
ثم أمره بكثرة الذكر والتكبير والتسبيح في هذه الحال، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشي والإبكار‏}‏‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏42 ‏:‏ 44‏)‏
‏{‏ وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ‏.‏ يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ‏.‏ ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون ‏}
هذا إخبار من اللّه تعالى بما خاطبت به الملائكة مريم عليها السلام، عن أمر اللّه لهم بذلك أن اللّه قد اصطفاها، أي اختارها لكثرة عبادتها وزهادتها، وشرفها وطهارتها من الأكدار والوساوس، واصطفاها ثانياً مرة بعد مرة لجلالتها على نساء العالمين، عن رسول اللّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏(‏خير نساء ركبن الإبل نساء قريش أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده، ولم تركب مريم بنت عمران بعيراً قط‏)‏ ‏"‏رواه عبد الرزاق عن أبي هريرة وأخرجه مسلم بنحوه‏"‏وعن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خوليد‏)‏"‏رواه الشيخان عن علي بن أبي طالب‏"‏وعن أنَس بن مالك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏خير نساء العالمين أربع، مريم بن عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت رسول اللّه‏)‏
‏"‏رواه ابن بمردويه عن أنَس بن مالك‏"‏
وفي البخاري‏:‏
‏(‏كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام‏)ثم أخبر تعالى عن الملائكة أنهم أمروها بكثرة العبادة والخشوع الركوع والسجود، والدأب في العمل لما يريد اللّه بها من الأمر الذي قدره اللّه وقضاه، مما فيه محنة لها ورفعة في الدراين، بما أظهر اللّه فيها من قدرته العظيمة، حيث خلق منها ولداً من غير أب، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏يا مريم أقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين‏}‏ أما القنوت فهو الطاعة في خشوع، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وله من في السموات والأرض كل له قانتون‏}‏
وقال مجاهد‏:‏ كانت مريم عليها السلام تقوم حتى تتورم كعباها، والقنوت هو طول الركوع في الصلاة، يعني امتثالاً لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يا مريم اقنتي لربك‏}‏ قال الحسن‏:‏ يعني اعبدي لربك ‏{‏واسجدي واركعي مع الراكعين‏}‏ أي كوني منهم، ثم قال لرسوله بعدما أطلعه على جلية الأمر‏:‏ ‏{‏ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك‏}‏ أي نقصه عليك، ‏{‏وما كنت لديهم‏}‏ أي ما كنا عندهم يا محمد، فتخبرهم عن معاينة عما جرى، بل أطلعك اللّه على ذلك كأنك حاضر وشاهد لما كان من أمرهم، حين اقترعوا في شأن مريم أيهم يكفلها وذلك رغبتهم في الأجر‏.‏
قال ابن جرير عن عكرمة‏:‏ ثم خرجت أم مريم بها، يعني بمريم في خرقها إلى بني الكاهن بن هارون أخي موسى عليهما السلام - وهم يومئذ يلون من بيت المقدس ما يلي الحجبة من الكعبة - فقالت لهم ‏:‏ دونكم هذه النذيرة فإني حررتها، وهي أنثى ولا يدخل الكنيسة حائض، وأنا لا أردها إلى بيتي، فقالوا‏:‏ هذه ابنة إمامنا - وكان عمران يؤمهم في الصلاة - وصاحب قرباننا فقال زكريا‏:‏ ادفعوها لي فإن خالتها تحتي، فقالوا‏:‏ لا تطيب أنفسنا، هي ابنة إمامنا، فذلك حين اقتروعوا عليها بأقلامهم التي يكتبون بها التوراة، فقرعهم زكريا فكفلها‏.‏ وقد ذكر عكرمة والسدي وقتادة أنهم ذهبوا إلى نهر الأردن واقترعوا هنالك إلى ان يلقوا أقلامهم فأيهم يثبت في جرية الماء فهو كافلها، فألقوا أقالامهم فاحتملها الماء إلا قلم زكريا فإنه ثبت ويقال‏:‏ إنه ذهب صاعداً يشق جرية الماء، وكان مع ذلك كبيرهم وسيدهم وعالمهم وإمامهم ونبيّهم صلوات اللّه وسلامه عليه وعلى سائر النبيين‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 04-05-2014, 04:22 AM   رقم المشاركة : 9
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏45 ‏:‏ 47‏)‏
‏{‏ إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ‏.‏ ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين ‏.‏ قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ‏}

هذه بشارة من الملائكة لمريم عليها السلام، بأنه سيوجد منها ولد عظيم له شأن كبير، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏إذ قالت الملائكة يا مريم إن اللّه يبشرك بكلمة منه‏}‏ أي بولد يكون وجوده بكلمة من اللّه، أي يقول له كن فيكون، وهذا تفسير قوله‏:‏ ‏{‏مصدقا بكلمة من اللّه‏}‏ كما ذكره الجمهور على ما سبق بيانه ‏{‏اسمه المسيح عيسى ابن مريم‏}‏ أي يكون مشهوراً في الدنيا يعرفه المؤمنون بذلك، وسمي المسيح - قال بعض السلف - ‏:‏ لكثرة سياحته، وقيل‏:‏ لأنه كان مسيح القدمين لا أخمص لهما، وقيل‏:‏ لأنه كان إذا مسح أحداً من ذوي العاهات بريء بإذن اللّه تعالى‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏عيسى ابن مريم‏}‏ نسبة إلى أمه حيث لا أب له، ‏{‏وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين‏}‏ أي له وجاهة ومكانة عند اللّه في الدنيا بما يوحيه اللّه إليه من الشريعة، وينزله عليه من الكتاب وغير ذلك مما منحه اللّه به، وفي الدار الآخرة يشفع عند اللّه فيمن يأذن له فيه، فيقبل منه أسوة بإخوانه من أولي العزم صلوات اللّه وسلامه عليه وعليهم أجمعين، وقوله‏:‏ ‏{‏ويكلم الناس في المهد وكهلاً‏}‏ أي يدعو إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له في حال صغره، معجزة وآية، وفي حال كهولته حين يوحي اللّه إليه‏:‏ ‏{‏ومن الصالحين‏}‏ أي في قوله وعمله له علم صحيح وعمل صالح‏.‏ وقال ابن ابي حاتم‏:‏ عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏
‏(‏لم يتكلم في المهد إلا ثلاث، عيسى وصبي كان في زمن جريج، وصبي آخر‏)‏ فلما سمعت بشارة الملائكة لها بذلك عن اللّه عزّ وجلّ، قالت في مناجاتها‏:‏ ‏{‏أنَّى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر‏}‏‏؟‏ تقول‏:‏ كيف يوجد هذا الولد مني وأنا لست بذات زوج، ولا من عزمي أن أتزوج، ولست بغياً حاش للّه‏!‏‏!‏ فقال لها الملك عن اللّه عزّ وجلّ في جواب ذلك السؤال ‏{‏كذلك اللّه يخلف ما يشاء‏}‏ أي هكذا أمرُ اللّه عظيم، لا يعجزه شيء، وصرح ههنا بقوله‏:‏ ‏{‏يخلق ما يشاء‏}‏، ولم يقل يفعل كما في قصة زكريا، بل نص ههنا على أنه يخلق لئلا يبقى لمبطل شبهة، وأكذ ذلك بقوله‏:‏ ‏{‏إذا قضى أمراً فإنما يقول له من فيكون‏}‏ أي فلا يتأخر شيئاً، بل يوجد عقيب الأمر بلا مهلة كقوله‏:‏ و‏{‏وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر‏}‏
أي إنما نأمر مرة احدة لا مثنوية فيها، فيكون ذلك الشيء سريعاً كلمح البصر‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏48 ‏:‏ 51‏)‏
‏{‏ ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ‏.‏ ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ‏.‏ ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون ‏.‏ إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ‏}‏
يقول تعالى مخبراً عن تمام بشارة الملائكة لمريم بابنها عيسى عليه السلام‏:‏ إن اللّه يعلمِّه الكتاب والحكمة، الظاهر أن المراد بالكتاب ههنا الكتابة، والحكمة تقدم تفسيرها في سورة البقرة، والتوراة والإنجيل‏.‏ فالتوراة هو الكتاب الذي أنزل على موسى بن عمران، والإنجيل الذي أنزل على عيسى بن مريم عليهما السلام، وقد كان عيسى عليه السلام يحفظ هذا‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ورسولاً إلى بني إسرائيل‏}‏ قائلاً لهم‏:‏ ‏{‏إني قد جئتكم بآية من ربكم، أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن اللّه‏}‏ وكذلك كان يفعل‏:‏ يصور من الطين شكل طير، ثم ينفخ فيه فيطير عياناً بإذن اللّه عزّ وجلّ الذي جعل هذا معجزة له تدل على أنه أرسله، ‏{‏وابرىء الأكمه‏}‏ قيل‏:‏ الأعشى، وقيل‏:‏ الأعمش، وقيل‏:‏ هو الذي يولد أعمى، وهو أشبه لأنه أبلغ في المعجزة وأقوى في التحدي ‏{‏والأبرص‏}‏ معروف، ‏{‏أحيي الموتى بإذن الله‏}‏ قال كثير من العلماء‏:‏ بعث اللّه كل نبي من الأنبياء بما يناسب أهل زمانه، فكان الغالب على زمان موسى عليه اسلام السحر وتعظيم السحرة، فبعثه اللّه بمعجزة بهرت الأبصار وحيرت كل سحَّار، فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار، انقادوا للإسلام وصاروا من عباد اللّه الأبرار، وأما عيسى عليه السلام فبعث في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة، فجاءهم من الآيات بما لا سبيل أحد إليه أن أن يكون مؤيداً من الذي شرَّع الشريعة، فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد، أو على مداواة الأكمه والأبرص، وبعثِ من هو في قبره رهينٌ إلى يوم التناد‏؟‏ وكذلك محمد بعث في زمان الفصحاء والبلغاء وتجاويد الشعراء، فأتاهم بكتاب من اللّه عزّ وجلّ، فلو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتبوا بمثله، أو بعشر سور من مثله، أو بسورة من مثله لم يستطيعوا أبداً ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، وما ذاك إلا أن كلام الرب عزّ وجل لا يشبه كلام الخلق أبداً‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في يوتكم‏}‏ أي أخبركم بما أكل أحدكم الآن، وما هو مدخر له في بيته لغد إن في ذلك كله، ‏{‏لآية لكم‏}‏ أي على صدقي فيما جئتكم به، ‏{‏إن كنتم مؤمنين ومصدقاً لما بين يديَّ من التوراة‏}‏ أي مقرراً لها ومثبتاً، ‏{‏ولأحل لكم بعض الذي حُرِّم عليكم‏}‏
فيه دلالة على أن عيسى عليه السلام نسخ بعض شريعة التوراة وهو الصحيح من القولين، ومن العلماء من قال‏:‏ لم ينسخ منها شيئاً، وإنما أحل لهم بعض ما كانوا يتنازعون فيه، كما قال في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه‏}‏ واللّه أعلم‏.‏ ثم قال‏:‏ ‏{‏وجئتكم بآية من ربكم‏}‏ أي بحجة ودلالة على صدقي فيما أقوله لكم، ‏{‏فاتقوا اللّه وأطيعون، إن اللّه ربي وربكم فاعبدوه‏}‏ أي أنا وأنتم سواء في العبودية له والخضوع والاستكانة إليه ‏{‏هذا صراط مستقيم‏.‏ ‏}‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏52 ‏:‏ 54‏)‏
‏{‏ فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ‏.‏ ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ‏.‏ ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ‏}‏
يقول تعالى‏:‏ ‏{‏فلما أحسَّ عيسى‏}‏ أي استشعر منهم التصميم على الكفر والاستمرار على الضلال، قال‏:‏ ‏{‏من أنصاري إلى اللّه‏}‏‏؟‏ قال مجاهد‏:‏ أي من يتبعني إلى اللّه، وقال سفيان الثوري‏:‏ أي من أنصاري مع اللّه، وقول مجاهد أقرب، والظاهر أنه أراد من أنصاري في الدعوة إلى اللّه، كما كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول في مواسم الحج قبل أن يهاجر‏:‏ ‏(‏من رجل يؤويني حتى أبلغ كلام ربي، فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي‏)‏حتى وجد الأنصار فآووه ونصروه، وهاجر إليهم فواسوه ومنعوه من الأسود والأحمر، رضي اللّه عنهم وأرضاهم‏.‏ وهكذا عيسى بن مريم عليه السلام انتدب له طائفة من بني إسرائيل فآمنوا به ووازروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، ولهذا قال اللّه تعالى مخبراً عنهم‏:‏ ‏{‏قال الحواريون‏:‏ نحن أنصار اللّه، آمنا باللّه، واشهد بأنا مسلمون ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين‏}‏، الحواريون قيل‏:‏ كانوا قصّارين، وقيل سموا بذلك لبياض ثيابهم، وقيل‏:‏ صيادين، والصحيح أن الحواري‏:‏ الناصر كما ثبت في الصحيحين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما ندب الناس يوم الأحزاب فانتدب الزبير، ثم ندبهم فانتدب الزبير رضي اللّه عنه، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏
‏(‏لكل نبي حواريّ، وحواريَّ الزبير‏)‏
عن ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاكتبنا مع الشاهدين‏}‏ قال‏:‏ مع أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم، وهذا إسناد جيد‏.‏ ثم قال تعالى مخبراً عن ملأ بني إسرائيل، فيما هموا به من الفتك بعيسى عليه السلام وإرادته بالسوء والصلب، حين تمالؤا عليه ووشوا به إلى ملك ذلك الزمان - وكان كافراً - أن هنا رجلاً يضل الناس، ويصدهم عن طاعة الملك، ويفسد الرعايا، ويفرق بين الأب وابنه، إلى غير ذلك، مما تقلدوه في رقابهم، ورموه به من الكذب، وأنه ولد زنية، حتى استثاروا غضب الملك فبعث في طلبه من يأخذه ويصلبه وينكل به، فلما أحاطوا بمنزله وظنوا أنهم قد ظفروا به نجّاه اللّه تعالى من بينهم، ورفعه من روزنة ذلك البيت إلى السماء، وألقى اللّه شبهه على رجل ممن كان عنده في المنزل، فلما دخل أولئك اعتقدوه في ظلمة الليل ‏{‏عيسى‏}‏ فأخذوه وأهانوه ووصلبوه ووضعوا على رأسه الشوك وكان هذا من مكر اللّه بهم، فإنه نجّى نبيّه ورفعه من بين أظهرهم، وتركهم في ضلالهم يعمهون، يعتقدون أنهم قد ظفروا بطلبتهم، وأسكن اللّه في قلوبهم قسوة وعناداً للحق ملازماً لهم، وأورثهم ذلة لا تفارقهم إلى يوم التناد، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومكروا ومكر اللّه واللّه خير الماكرين‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏55 ‏:‏ 58‏)‏
‏{‏ إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون ‏.‏ فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين ‏.‏ وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين ‏.‏ ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم ‏}‏
اختلف المفسرون في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إني متوفيك ورافعك إلي‏}‏، فقال قتادة‏:‏ هذا من المقدم والمؤخر تقديره إني رافعك إلي ومتوفيك، يعني بعد ذلك‏.‏ وقال ابن عباس‏:‏ إني متوفيك أي مميتك، وقال وهب بن منبه‏:‏ توفاه اللّه ثلاث ساعات من أول النهار حين رفعه إليه، قال مطر الوراق‏:‏ إني متوفيك من الدنيا وليس بوفاة موت، وكذا قال ابن جرير‏:‏ توفيه هو رفعه‏.‏ وقال الأكثرون‏:‏ المراد بالوفاة ههنا النوم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وهو الذي يتوفاكم بالليل‏}‏ الآية، وقال تعالى‏:‏ {‏اللّه يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها‏}‏ الآية،وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول إذا قام من النوم‏:‏ ‏(‏الحمد للّه الذي أحيانا بعد ما أماتنا‏)
الحديث‏.‏ وعن الحسن أنه قال في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إني متوفيك‏}‏ يعني وفاة المنام‏:‏ رفعه اللّه في منامه‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومطهرك من الذين كفروا‏}‏ أي برفعي إياك إلى السماء، ‏{‏وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة‏}‏ وهكذا وقع فإن المسيح عليه السلام لما رفعه اللّه إلى السماء، تفرقت أصحابه شيعاً بعده، فمنهم من آمن بما بعثه اللّه به على أنه عبد اللّه ورسوله وابن أمته، ومنهم من غلا فيه فجعله ابن اللّه، وآخرون قالوا‏:‏ هو اللّه، وآخرون قالوا‏:‏ هو ثالث ثلاثة وقد حكى اللّه مقالتهم في القرآن وردّ على كل فريق، فاستمروا على ذلك قريباً من ثلثمائة سنة‏.‏
ثم نبغ لهم ملك من ملوك اليونان يقال له قسطنطين فدخل في دين النصرانية قيل‏:‏ حيلة ليفسده، فإنه كان فيلسوفاً، وقيل‏:‏ جهلاً منه، إلا أنه بدَّل لهم دين المسيح وحرَّفه وزاد فيه نقص منه، ووضعت له القوانين والأمانة الكبرى التي هي الخيانة الحقيرة، وأحل في زمانه لحم الخنزير، وصلوا له إلى المشرق، وصوروا له الكنائس والمعابد والصوامع، وزاد في صيامهم عشرة أيام من أجل ذنب ارتكبه فيما يزعمون، وصار دين المسيح دين قسطنطين إلا أنه بنى لهم من الكنائس والمعابد والصوامع والديارات ما يزيد على اثنتي عشر ألف معبد، وبنى المدينة المنسوبة إليه، واتبعه طائفة الملكية منهم، وهم في هذا كله قاهرون لليهود، أيده اللّه عليهم لأنه أقرب إلى الحق منهم، وإن كان الجميع كفاراً عليهم لعائن اللّه، فلما بعث اللّه محمداً فكان من آمن به يؤمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله على الوجه الحق، فكانوا هم أتباع كل نبي على وجه الأرض، إذ قد صدقوا النبي الأمي العربي خاتم الرسل وسيد ولد آدم على الإطلاق، الذي دعاهم إلى التصديق بجميع الحق فكانوا أولى بكل نبي من أمته الذين يزعمون أنهم على ملته وطريقته مما قد حرفوا وبدلوا، ثم لو لم يكن شيء من ذلك لكان قد نسخ اللّه شريعة جميع الرسل بما بعث اللّه به محمداً صلى الله عليه وسلم من الدين الحق الذي لا يغير ولا يبدل إلى قيام الساعة، ولا يزال قائماً منصوراً ظاهراً على كل دين، فلهذا فتح اللّه لأصحابه مشارق الأرض ومغاربها، واحتازوا جميع الممالك، ودانت لهم جميع الدول وكسروا كسرى وقصروا قيصر، وسلبوهما كنوزهما وأنفقت في سبيل اللّه، كما أخبرهم بذلك نبيّهم عن ربهم عزّ وجلّ في قوله‏:
‏{‏وعد اللّه الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً، يعبدونني لا يشركون بي شيئاً‏}‏
الآية‏.‏ فلهذا لما كانوا هم المؤمنين بالمسيح حقاً سلبوا النصارى بلاد الشام وألجؤوهم إلى الروم فلجأوا إلى مدينتهم القسطنطينية، ولا يزال الإسلام وأهله فوقهم إلى يوم القيامة‏.‏
وقد أخبر الصادق المصدوق صلى اللّه عليه وسلم أمته بأن آخرهم سيفتحون القسطنطينية ويستفيئون ما فيها من الأموال، ويقتلون الروم مقتلة عظيمة جداً لم ير الناس مثلها ولا يرون بعدها نظيرها، وقد جمعت في هذا جزءاً مفرداً، ولهذا قال تعالى‏:
‏{‏وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إليّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون* فأما الذين كفروا فأعذبهم عذاباً شديداً في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين‏}‏، وكذلك فعل بمن كفر بالمسيح من اليهود أو غلا فيه أو أطراه من النصارى، عذبهم في الدنيا بالقتل والسبي وأخذ الأموال وإزالة الأيدي عن الممالك وفي الدار الآخرة عذابهم أشد وأشق ‏{‏وما لهم من اللّه من واق‏}‏
،{‏وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم‏}‏ أي في الدنيا والآخرة، في الدنيا بالنصر والظفر، وفي الآخرة بالجنات العاليات ‏{‏واللّه لا يحب الظالمين‏}‏
ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم‏}‏ أي هذا الذي قصصنا عليك يا محمد في أمر عيسى ومبدأ ميلاده وكيفية أمره، هو مما قاله تعالى وأوحاه إليك، ونزله عليك من اللوح المحفوظ، فلا مرية فيه ولا شك، كما قال تعالى في سورة مريم‏:
‏{‏ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون* ما كان للّه أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون‏}‏ وههنا قال تعالى‏:‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 04-05-2014, 04:23 AM   رقم المشاركة : 10
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور




الآية رقم ‏(‏59 ‏:‏ 63‏)‏
‏{‏ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ‏.‏ الحق من ربك فلا تكن من الممترين ‏.‏ فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ‏.‏ إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم ‏.‏ فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين ‏}‏
يقول جلّ وعلا‏:‏ ‏{‏إن مثل عيسى عند اللّه‏}‏ في قدرة اللّه حيث خلقه من غير أب ‏{‏كمثل آدم‏}‏ حيث خلقه من غير أب ولا أم، بل ‏{‏خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون‏}‏ فالذي خلق آدم من غير أب قادر على أن يخلق عيسى بطريق الأولى والأحرى، وإن جاز ادعاء البنوة في عيسى لكونه مخلوقاً من غير أب فجواز ذلك في آدم بالطريق الأولى، ومعلوم بالإتفاق أن ذلك باطل، فدعواهم في عيسى أشد بطلاناً وأظهر فساداً، ولكن الرب جلّ جلاله أراد أن يظهر قدرته لخلقه حين خلق آدم لا من ذكر ولا من أنثى، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، خلق عيسى من أنثى بلا ذكر، كما خلق بقية البرية من ذكر وأنثى، ولهذا قال تعالى في سورة مريم‏:‏ {‏ولنجعله آية للناس‏}‏
، وقال ههنا‏:‏ ‏{‏الحق من ربك فلا تكن من الممترين‏}‏ أي هذا هو القول الحق في عيسى الذي لا محيد عنه ولا صحيح سواه، وماذا بعد الحق إلا الضلال‏!‏ ثم قال تعالى آمراً رسوله صلى اللّه عليه وسلم أن يباهل من عاند الحق في أمر عيسى بعد ظهور البيان‏:‏ ‏{‏فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم‏}‏ أي نحضرهم في حال المباهلة ‏{‏ثم نبتهل‏}‏ أي نلتعن ‏{‏فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين‏}‏ أي منا ومنكم‏.‏
وكان سبب نزول هذه المباهلة وما قبلها من أول السورة إلى هنا في وفد نجران‏:‏ أن النصارى لما قدموا فجعلوا يحاجون في عيسى ويزعمون فيه ما يزعمون من البنوَّة والإلهية، فأنزل اللّه صدر هذه السورة رداً عليهم‏.‏ قال ابن إسحاق في سيرته‏:‏
و
قدم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وفد نصارى من نجران ستون راكباً، فيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم يؤول أمرهم إليهم فدخلوا عليه مسجده حين صلى العصر، عليهم ثياب الحبرات جبب وأردية في جمال رجال بني الحارث بن كعب قال - يقول من رآهم من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم ما رأينا بعدهم وفداً مثلهم - وقد حانت صلاتهم فقاموا في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏دعوهم‏)‏، فصلوا إلى المشرق‏.‏ قال‏:‏ فكلّم رسولَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم منهم أبو حارثة بن علقمة، والعاقب عبد المسيح، والأيهم - وهم من النصرانية على دين الملك مع اختلاف أمرهم - يقولون‏:‏ هو اللّه، ويقولون‏:‏ هو ولد اللّه، ويقولون‏:‏ هو ثالث ثلاثة، تعالى اللّه عن قولهم علواً كبيراً، وكذلك النصرانية فهم يحتجون في قولهم هو اللّه بأنه كان يحيي الموتى ويبرىء الأكمه والأبرص والأسقام ويخبر بالغيوب، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً، وذلك كله بأمر اللّه‏.‏ وليجعله اللّه آية للناس، ويحتجون في قولهم بأنه ابن اللّه يقولون‏:‏ لم يكن له أب يعلم، وقد تكلم في المهد بشيء لم يصنعه أحد من بني آدم قبله، ويحتجون على قولهم بأنه ثالث ثلاثة بقول اللّه تعالى‏:‏ فعلنا، وأمرنا وخلقنا، وقضينا، فيقولون لو كان واحداً ما قال إلا فعلت وأمرت وقضيت وخلقت، ولكنه هو عيسى ومريم - تعلى اللّه وتقدس وتنزه عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيرا - وفي كل ذلك من قولهم‏:‏ قد نزل القرآن‏.‏
فلما كلمه الحبران قال لهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏أسلما‏)‏ قال‏:‏ قد أسلمنا‏.‏ قال‏(‏ إنكما لم تسلما فأسلما‏)‏ قال‏:‏ بلى، قد أسلمنا قبلك، قال‏:‏ ‏(‏كذبتما يمنعكما من الإسلام ادعاؤكما للّه ولداً وعبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير‏)‏، قالا‏:‏ فمن أبوه يا محمد‏؟‏ فصمت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عنهما فلم يجبهما، فأنزل اللّه في ذلك من قولهم واختلاف أمهم صدر سورة آل عمران إلى بضع وثماني آية منها‏.‏ ثم تكلم ابن أسحاق على تفسيرها إلى أن قال‏:‏ فلما أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الخبر من اللّه والفصل من القضاء بينه وبينهم، وأمر بما أمر به من ملاعنتهم إن ردوا ذلك عليه دعاهم إلى ذلك، فقالوا‏:‏ يا أبا القاسم، دعنا ننظر في أمرنا، ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه، ثم انصرفوا عنه، ثم خلوا بالعاقب، وكان ذا رأيهم، فقالوا‏:‏ يا عبد المسيح ماذا ترى‏؟‏ فقال‏:‏ واللّه يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمداً لنبي مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم، ولقد علمتم أنه ما لاعن قوم نبياً قط فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم، وإنه للإستئصال منكم إن فعلتم، فإن كنتم أبيتم إلا إلف‏؟‏‏؟‏ دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلدكم‏.‏ فأتوا النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقالوا‏:‏ يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك، ونتركك على دينك ونرجع على ديننا، ولكن ابعث معنا رجلاً من أصحابك ترضاه لنا يحكم بيننا في أشياء اختلفانا فيها في أموالنا فإنكم عندنا رضا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ائتوني العشية أبعث معكم القوي الأمين‏)‏ فكان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يقول‏:‏ ما أحببت الإمارة قط حبي إياها يومئذ، رجاء أن أكون صاحبها، فرحت إلى الظهر مهجِّراً، فلما صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الظهر سلم، ثم نظر عن يمينه وشماله فجعلت أتطاول له ليراني، فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح فدعاه، فقال‏:‏ ‏(‏أخرج معهم فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه‏)‏، قال عمر فذهب بها أبو عبيدة رضي اللّه عنه‏.‏
وقال البخاري، عن حذيفة رضي اللّه عنه قال‏:‏ جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يريدان أن يلاعناه، قال‏:‏ فقال أحدهما لصاحبه‏:‏ لا تفعل فواللّه لئن كان نبياً فلاعنَّاه لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا، قالا‏:‏ إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلاً أميناً ولا تبعث معنا إلا أميناً، فقال‏:‏ ‏(‏لأبعثن معكم رجلاً أميناً، حق أمين‏)‏، فاستشرف لها أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏قم يا أبا عبيدة بن الجراح‏)‏ فلما قام قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏هذا أمين هذه الأمة‏)‏ وفي الحديث عن ابن عباس قال، قال أبو جهل قبّحه اللّه‏:‏ إن رأيت محمداً يصلي عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على رقبته‏.‏ قال، فقال‏:‏ ‏(‏لو فعل لأخذته الملائكة عياناً، ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار، ولو خرج الذين يباهلون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لرجعوا لا يجدون مالاً ولا أهلاً‏)‏
‏"‏رواه أحمد والترمذي والنسائي، وقال الترمذي‏:‏ حسن صحيح‏"‏
والغرض أن وفودهم كان في سنة تسع لأن الزهري قال‏:‏ كان أهل نجران أول من أدى الجزية إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وآية الجزية إنما أنزلت بعد الفتح، وهي قوله تعالى‏: ‏{‏قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر‏}‏ الآية‏. وقال أبو بكر بن مردويه عن جابر‏:‏ قدم على النبي صلى اللّه عليه وسلم العاقب والطيب فدعاهما إلى الملاعنة، فواعداه على أن يلاعناه الغداة، قال‏:‏ فغدا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيباً وأقرا له بالخراج، قال، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏والذي بعثني بالحق لو قالا‏:‏ لا لأمطر عليهم الوادي ناراً‏)‏ قال جابر‏:‏ وفيهم نزلت‏:‏ ‏{‏ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم‏}
‏"‏رواه ابن مردويه والحاكم في المستدرك ورواه الطيالسي عن الشعبي مرسلاً، قال ابن كثير‏:‏ وهذا أصح‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن هذا لهو القصص الحق‏}‏ أي هذا الذي قصصناه عليك يا محمد في شأن عيسى هو الحق الذي لا معدل عنه ولا محيد، ‏{‏وما من إله إلا اللّه، وإن اللّه لهو العزيز الحكيم* فإن تولوا‏}‏ أي عن هذا إلى غيره، ‏{‏فإن اللّه عليم بالمفسدين‏}‏ أي من عدل عن الحق إلى الباطل فهو المفسد، واللّه عليم به وسيجزيه على ذلك شر الجزاء، وهو القادر الذي لا يفوته شيء سبحانه وبحمده ونعوذ به من حلول نقمته‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:29 AM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية