العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام العامة ]:::::+ > ۞ مكتبة الــوٍد الإسلامية ۞
 
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 16-03-2014, 12:30 AM   رقم المشاركة : 1
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور
۩ خطبتي الجمعة من المسجد الحرام بعنوان : حِكم الابتلاء‎

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

خُطَبّتى الجمعة من المسجد الحرام
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله -
خطبتي الجمعة من المسجد الحرام بمكة المكرمة بعنوان :
حِكم الابتلاء
والتي تحدَّث فيها عن الحِكَم العظيمة للابتلاء، والأسباب المعينة على الثبات على ذلك.
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


الحمد لله الذي جعل الابتلاءَ سُنّةً ماضيةً في عباده المؤمنين،
أحمدُه - سبحانه - والحمدُ حقٌّ له في كل حين،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ الحق المبين،
وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه وخيرتُه من خلقِه
إمام المرسلين وقُدوة الصابرين،
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه الأئمة الأبرار المهديين،
والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد ....
فاتقوا الله - عباد الله -، وابتغُوا إليه الوسيلة، وراقِبوه، وأنيبُوا إليه،
وتوكَّلُوا عليه، واذكروا وقوفَكم بين يديه
{ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ }
[ عبس: 34- 37 ]
أيها المسلمون :
عندما ينزل البلاء، وتحُلُّ المِحَن، وتُحدِقُ الخُطوب،
تطيشُ أحلامُ فريقٍ من الناس فيُذهِلُهم ما نزل بهم عن كثيرٍ من الحق الذي يعلمون،
فتقعُ الحيرةُ ويثورُ الشكُّ، وتُهجرُ الحقائق، وتُتَّبعُ الظُّنون، ويُحكَم على الأمور بغير علمٍ،
ويُقضَى فيها بغير العدل، ويُنسَى أن سُنَّة الله في الابتلاء ماضيةٌ في خلقِه.
وهي سُنَّةٌ جاء حديثُ القرآن عنها جليًّا واضِحًا لا خفاء فيه،
فقال ربُّنا - سبحانه -:
{ الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ }
[ العنكبوت: 1- 3 ]
وقال - عز وجل -:
{ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ
وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ
وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }
[ آل عمران: 186 ]
وقال - عزَّ اسمُه -:
{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }
[ البقرة: 155- 157 ]
إنها - يا عباد الله - سُنَّةٌ ربَّانيةٌ عامَّة، لم يستثنِ الله منها أنبياءَه ورُسُلَه مع علُوِّ كعبِهم،
ورِفعة مقامِهم، وشرفِ منزلتِهم، وكرمِهم على ربِّهم؛ بل جعلَهم أشدَّ الناس بلاءً،
كما جاء في الحديث - الذي أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"،
والترمذي والنسائي وابن ماجه في "سننهم" –
بإسنادٍ صحيحٍ عن سعد بن أبي وقاصٍ - رضي الله عنه - أنه قال:
( قلتُ: يا رسول الله! أيُّ الناس أشدُّ بلاءً ؟
قال: أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثلُ فالأمثل، يُبتلَى الرجلُ على حسب دينِه؛
فإن كان في دينِه صُلبًا اشتدَّ بلاؤُه، وإن كان في دينِه رِقَّةٌ ابتُلِي على قدرِ دينِه،
فما يبرَحُ البلاءُ بالعبدِ حتى يتركَه يمشِي على الأرضِ وما عليه خطيئةٌ )
وقد نزل برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا البلاء أعظمُه،
وحسبُكم ما نالَه من أذى قومِه وتكذيبِهم له، واستِهزائِهم به، وصدِّهم الناس عن دينِه،
وحملِهم له على مُفارقة وطنِه، وإعلان الحربِ عليه، وتأليبِ الناس عليه وعلى دعوتِه،
وغزوِهم دار هجرته ومقرَّ أهلِه وصحابتِه للقضاء عليه ووأد دينِه واستئصال شأْفَته،
ومُمالأة أعدائِه من اليهود والمُنافقين في المدينة عليه، وكيد هؤلاء جميعًا له،
ومكرهم به، ونقضِهم ميثاقَهم الذي واثقَهم به، والتحالُف مع المشركين على حربِه،
وسعيِهم إلى قتلِه غِيلةً وغدرًا.
فكان - صلوات الله وسلامُه عليه - كمثل الذي سبَقوه على درب المِحن والابتلاء
من النبيين، ثابتًا على المِحَن، صابِرًا على البلاء،
مُجاهِدًا في الله حقَّ جِهادِه حتى أتاه نصرُ الله ودخل الناسُ في دينِ الله أفواجًا،
وأكمل الله الدين، وأتمَّ على عباده النعمة، وغمَرَت أنوارُ الهداية أقطارَ النفوس،
وخالطَت بشاشةُ الإيمان القلوبَ.
ولحِق النبي - صلى الله عليه وسلم - بربِّه راضِيًا، قريرَ العين،
تارِكًا في أمته من بعده شيئين ما إن تمسَّكوا بهما لن يضِلُّوا أبدًا: كتاب الله وسنَّته
عليه الصلاة والسلام .
عباد الله:
إن انتهاج هذا النَّهج في الصبر على البلاء،
والثبات للمِحَن إنما هو لكمال اليقين بأن الله تعالى لم يكتُب على عباده البلاء
إلا لحِكَم عظيمة، ومقاصِد جليلة تربُو على الحصر، وتجِلُّ على العدِّ.
وإن من أجلِّ ذلك - كما قال ابن القيم - رحمه الله -:
[ أن يمتحِنَ الله صبرَ عبدِه، فيتبيَّن حينئذٍ صلاحُه لأن يكون من أوليائِه،
وأن يُعدَّ من حزبِه، فإن ثبتَ للخُطوب وصبرَ على البلاء اصطفاه الله واجتباه،
وخلعَ عليه خِلَع الإكرام، وألبَسَه ألبِسَة الفضل، وكساه حُلَل الأجر،
وغشَّاه أغشِيَة القبول، وختمَ له بخاتمة الرِّضوان،
وجعل أولياءَه وحزبَه خدمًا له وعونًا.
وإن انقلبَ على وجهِه، ونكصَ على عقِبَيه؛ طُرِد وأُقصِيَ، وحُجِب عنه الرِّضَا،
وكُتِب عليه السَّخَط، وتضاعَفَت عليه أثقال البلاء، وهزمَتْه جيوش الشقاء،
وهو لا يشعرُ في الحال بضعفٍ ولا بهزيمةٍ،
لكنه يعلم بعد ذلك أن المُصيبةَ صارَت في حقِّه مصائب.
وما بين هذين المنزلتَين - وهي منزلة الصبر ومنزلة السخَط - صبرُ ساعة،
وتشجيعُ القلب في تلك الساعة، والمُصيبةُ لا بُدَّ أن تُقلِع عن هذا وهذا،
ولكن تُقلِع عن هذا بأنواع الكرامات والخيرات، وعن الآخر بالحِرمان والخذلان؛
لأن ذلك تقديرُ العزيز العليم، وفضلُ الله يُؤتيه من يشاءُ، والله ذو الفضل العظيم ]
كما جاء في الحديث - الذي أخرجه الترمذي وابن ماجه :
في "سننهما" بإسنادٍ حسنٍ - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال:
قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
( إن عِظَن الجزاء مع عِظَم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم؛
فمن رضِيَ فله الرِّضا، ومن سخِطَ فله السَّخَط )
فلا غرْوَ أن كان عطاءُ الصبر - يا عباد الله - خيرَ ما يُعطَى العبد،
كما جاء في "الصحيحين" عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ - رضي الله عنه :
أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
( ما أُعطِيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ من الصبر )
ألا وإن من أعظم حِكَم الابتلاء - يا عباد الله -: تحقيقَ العبودية لله؛
فإن الله تعالى يُربِّي عبدَه على السرَّاء والضرَّاء، والنعمة والبلاء،
حتى يستخرِجَ منه العبودية في جميع الأحوال؛
إذ العبدُ على الحقيقة هو القائِمُ بعبوديَّة الله على اختلاف أحوالِه.
أما عبدُ النعمة والسرَّاء الذي يعبُد الله على حرفٍ هو الشكُّ والقلقُ والتزلزلُ في الدين،
أو على حالٍ واحدةٍ؛ فإن أصابَه خيرٌ اطمأنَّ به، وإن أصابَتْه فتنةٌ انقلَبَ على وجهِه،
فهذا ليس من عبيدِه الذين اختارهم - سبحانه - لعبوديَّته، وشرَّفهم بها،
ووعدَهم بحُسن العاقِبَة عليها.
ومن حِكَم الابتلاء أيضًا: أن تكون للعبد عند ربِّه منزلةٌ رفيعةٌ، ومقامٌ كريمٌ،
لا يبلُغها بأعماله؛ فيكون سببًا لبلوغه إياها،
كما جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال:
قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( إن الرجلَ ليكونُ له عند الله المنزِلة، فما يبلُغُها بعملٍ،
فما يزالُ يبتَليه بما يكرَه حتى يُبلِّغَه إياها )
أخرجه أبو يعلى في "مسنده"، وابن حبان في "صحيحه" بإسنادٍ حسنٍ.
ولهذا كان الابتلاء من الخير الذي أرادَه الله بعبدِه وكتبَه له وإن لم يظهَر له ذلك،
كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه :






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:50 PM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية