السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا رمضانُ الخيرِ قد أهل
الحمدُ للهِ القائل ِ: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {183}) البقرة.
ايًّها الناس: تعيشُ أمة ُالاسلام ِاليومَ في شـَتى بقاع ِالأرض ِأياماً مباركة ًطيبة ًتسبقُ شهرَ رمضانَ المبارك، هذا الشهرُ الذي خصَّهُ اللهُ تعالى بخصائصَ لم تكن لغيرِهِ منَ الشهور، وإن كانَ اللهُ قد خصَّ بعضَها بأمورٍ مُعينةٍ, كالأشهرِ الحُرُم مثلاً, أمَّا رمضان, شهر الله المعظم, فإن لهُ خصائصَمعينة ً, وفضائل كثيرة, تستوجب منا الوقوف عندها, حتى نستقبل هذا الشهر الكريم, ونحن على بينة من أمرنا.
فقد خصَّ اللهُ تعالى شهرَ رمضانَ بعبادةِ الصوم ِدونَ غيرِهِ من الشهور, فأوجب فيه الصومَ على من دخلَ عليه رمضان من المسلمين, ما لم يكن من أصحاب الأعذار, مصداقاً لقوله تعالى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ...185)البقرة. والصوم لغة ً: هو الإمساك, والحبسُ, والمنع, وأما شرعاً: فهو الإمتناع عن شهوتي البطن والفرج, وسائر المفطرات, إيماناً بالله تعالى, واحتساباً للأجر عنده, روى الشيخان:عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً, غـُفر له ما تقدم من ذنبه)
فبالصوم تتحقق العبودية الحقة ُلله تعالى, إلى جانب التقوى, هذا أولاً.
وثانياً, فقد خص الله تعالى شهر رمضان بأن جعله شهر القرآن الكريم, ففيه كان بدء اتصال السماء بالأرض, بعد انقطاع الوحي بانتهاء الرسالات بعيسى عليه السلام, في غار حراء بمكة المكرمة, يوم أنزل الله القرآن على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وصدق الله: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ... 185) البقرة.
فالقرآن الكريم هو دستور أمة محمد, ونظام حياتها, ورسالة الله الخالدة للناس أجمعين, وهو الفصل وليس بالهزل, من قال به صدق, ومن حكم به عدل, وصدق الله العليُّ العظيم: ( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ {42} ) فصلت.
وثالثاً: فقد خص الله تعالى شهر رمضان, بليلة القدر, وهي التي كان بدأ نزول القرآن فيها, مصداقاً لقولهِ تعالى: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ {3} فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ {4} أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ {5} رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {6} ) الدخان .
وهي ليلة خير من ألف شهر, قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إلتمسوها في العشر الأواخر من رمضان } وصدق الله العلي العظيم لقوله: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ {1} وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ {2} لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ {3} تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ {4} سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ{5} ) القدر.
ورابعاً: فهو شهر الجهاد والنصر والفتوحات, كانت فيه معركة الإسلام الأولى, الفاصلة بين الإسلام والكفر, ففي السابع ِعشرَ منهُ, للسنة الثانية من الهجرة, كانت غزوة بدر الأولى, وفيها قال الحق جل وعلا: (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {41}) الأنفال.
وفي العشرين منه, للسنة الثامنة من الهجرة كان فتح مكة, وكانت فيه كذلك وقعة القادسية, وفتح بلاد الأندلس, ومعركة الزَّلاقة, وعين جالوت, وحطين .
وخامساً: فهو شهر تفتح فيه ابواب الجنة, وتغلق فيه أبواب النار, وتصفد فيه الشياطين ومردة الجن, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضي اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: { إِذَا جَاءَ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ } رواه الشيخان.
وأما سادساً: فهو شهر الله المعظم, الشهر الذي خصَّ الله به نفسه, فقد روى البخاري, عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { كل عمل ابن آدم يضاعف, الحسنة بعشر أمثالها, إلى سبعمائة ضعف, قال الله عزَّ وجلَّ: إلاَّ الصومَ, فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي, للصائم فرحتان, فرحة ٌعند فطره، وفرحة عند لقاء ربه, ولخلوفُ فيه أطيب عند الله من ريح المسك}.
أي وربي { كل عمل ابن آدم له, إلاَّ الصوم فإنه لي, وأنا أجزي به } فالله عز وجل يخص نفسه بالصوم دون سائر العبادات, لأن الصوم هو العبادة الوحيدة التي لا يستطيع الإنسان أن يُشرك فيها مع الله أحداً, فلا مجال فيها للرياء, فأي كرم أعظم من هذا؟ وأيُّ منحة أكرم من تلك, وقد قال بعض علمائنا الأفاضل في هذا الحديث: لو لم يأت في بيان فضل رمضان غيرُهُ لكفى, والله تعالى هو المستعان, وعليه التكلان, وهو أكرم الأكرمين, وأرحم الراحمين. اللهم بلغنا رمضان, وأعنا على صيامه, وقيامه, وارزقنا تدبر آياتك فيه آناء الليل وأطراف النهار, اللهم وانظر إلينا بعين رحمتك, وارزقنا جنتك, ورفقة نبيك, والصالحين من عبادك, واجمعنا وأحبتنا فيك تحت ظلَّ عرشك. وأكرمنا مولانا في هذا الشهر العظيم, كما أكرمت نبيك الكريم بالنصر والظفر والتمكين, وبإظهار دينكَ على الدين كله, اللهمَّ آمين, اللهمَّ آمين, اللهمَّ آمين, ربِّ, ربَّ العالمين.
كتبه لكم أخوكم الداعي إلى الله بيت المقدس القدس الشريف فجزاه الله عنا كل خير
هذا رمضانُ الخيرِ قد أهل
العرض العادي
