ميــس
هناك, عند الشاطئ.. لمحتُ ذلك المرسى,
آه من المرسى,
هناك كان يدفن إحدى رجليه في الرمال, ويسندُ للأخرى قيثارته البنّيّة..يضمها إلى حيث تتناغم ألحانها مع إيقاع قلبه, كان يداعبُ أوتارها بحنان, بهدوء, و كأنها مدلّلته الصغيرة التي يخاف عليها حتى من مشافهة الهواء.
انطلقت الألحان, تناثرت, انصهرت مع صوت آخر.. الريح هي الأخرى كانت تدندن على صفحة الأمواج.يا له من لحن ساحر, عذب, أخّاذ
لحن الأمواج يذوب مع نغم القيثارة, ونغم القيثارة يذوب مع لحن الأمواج..
والناتج,
مقطوعة هادئة أتممت ألحانها يد الريح الماهرة
...........
كان حاذقا في رسم المشهد, كان يفترش الأرض ويلتحف السماء ..وكأنه تعمد دفن يمنى رجليه ثم حضن قيثارته وجرح أصابعه بأوتار القيثارة ليسقط النزف على الرمال. ذلك اللحاف الذهبي
وتقترب بعدها لكمات الموج لتمسح احمرار الدم من الرمال ثم تطمسه معها وتذهب به إلى البعيد
....
وكأنه تعمّد أن يدخل للمشهد ذلك اللحن المشترك مع الريح, ثم يكتمل المشهد – مشهد الغروب الحزين- ليأسر كلَّ من ينظرُ إليه.
كنتُ أراقبه, استرق السمع إلى الصوت الدافئ الذي تصدره أصابعه الطويلة. والنزف الذي يلوث أوتار قيثارته, كنتُ سأغادر لكن سرقني المشهد, والألحان أيضا, كانت ترنّ في مخيّلتي, تتردد كثيراً
........ صرتُ أجري
سبقت إحدى قدمايَ الأخرى, تحاول الوصول إليه أولاً. لا بد و أن أرتمي في المشهد. لكن سبقت يدي قدماي في الوصول. امتدت لتعانق الأوتار, لتشتبك مع الأصابع الطويلة وتمسح النزف منها ثم تدندن معها لحنا آخر يناسب ألوان الطيف لا منظر رحيل الشمس.
......
التفت إلي, رأيتُ صورتي الحائرة منطبعةً في حدقتيه. فتسارع قلبي يضخ الدّم في أرجاء شراييني.. شعرت بحرارته تتدفق في أعضائي, يا لها من نظرة ملتهبة أعرضت عنّي عندما سحرتني وتوقفت تتأمل البحر من
جديد
كما رأيتها أول مرة.
وبين ذهولي وحيرتي رأيته يفاجئني ,,رأيتُ أصابعه تراقصان الأوتار بجنون وتبعدان يدي عنهما ,, ..كان يضحك بثمالة .. ويرقص حد الجنون ..
لم يعد اللحنُ آسرا ,, بل باتت الصورة مشوهة .. ..
انقلبت الصورة وبات المشهد الجميل في خبر كان.. ثم انتهى ..
العازفُ انتهى ..والأوتار تمددت حتى تمزقت بسبب ذلك اللحن المجنون.. وحبي الأول انتهى مع آخر وتر تمزق بجنونه و آخر أثر لخطواته اندثرت مع أمواج البحر
ترى الكثير من ألوان المرجان و الأصداف و القواقع.. كأنها في مهرجان كلها تشكل حجبا تحمي داخلها حبات اللؤلؤ النفيس
وفي اليابسة: في أحد أطوار الفراشة تنفذ أمر ربها فتفرز خيوطاً لزجة... كأنها تغزلها ثم تنسجيها حجاباً ترتديه لتنتقل للطور الذي يليه وتسمى عذراء وشرنقة فما بال أنثي الإنسان تعصيه وقد ميزها ربها با لعقل والمنطق! الحجاب في الإنسان
!!
نعم ربما يتحدث كثيراً عن من هم حوله فيتربص وميض الأمل يلوح من لأفق البعيد
ولكن ما هو ياترى ربما يكون الخيال السخيف ..
نعم الخيال السخيف نتخيل في عقولنا ونتشكك في قدُراتنا ولكن من ينبهنا
ينبهنا حقيقة زمننا وعندما تدق عقارب الساعه لتعلن بدأ يوماً جديد فلإنسان يخشى
ماذا يكن له الزمن فأنا ممن يخشون وقوع الخطأ ويصعب في وقتِ حلُه
أستغرب كم من الزمن يسير أمام عيناي ولم أرى معشوقي بعد
وكم من الأيام تمر وتحمل بجعبتها الكثير من المفاجأت والكثير من الأصحاب ولكن
الوصول إليه ....
لكني لستُ متسرعه فأنا بأنتاره وبكامل الشوق ولأمتنان فكما يبدو هو يبتعد ويتلاشى
وأنا أهيم بحب غيره وأحلق معهُ بعالم الحقيقة لا للخيال ...
ومن سيمنع صباحات ندية من الشروق!!
ويحجب المطر من الغيم ..ويمنع العطر من الزهر ان يفوح!!
كل يوم نشرع نوافذ قلوبنا للحب..ونستمتع بمعزوفة غناء عصافير القلب
ونصنع الفرح من بين اعاصير الالم ..لنحلق في فضاءات واسعة تمنحنا الدفء
ونسخر ولو لمرة واحدة من الحزن..
وآه من هذا الحزن الذي انهكنا حتى ..تجمدنا!!
في كل مره نعلن ضعفنا وعجزنا وانكسارنا..
لنرسم بداخلنا ملامح يأس لم يخلق لنا..وفيض دمع يلهب اجفاننا!
مللت الالم يا سيدتي مللت!
يقولون ..إن المراءة لغز كبير !
فحيرهم فك هذا اللغز..فظلموها..وربما قتلوها
وليتهم اذ جهلوها اقتربوا منها ليفهموها!
ورموها بصحراء قسوتهم ..يقتلها صقيع برودة مشاعرهم..
لتموت ظمأى تبحث عن سراب حبهم !