إن الحديث عن العقل الباطن من الأحاديث الاستراتيجية لأنه
يحدد حركة الإنسان التلقائية
فان الفرد مهما حاول أن يراقب نفسه ، فانه يميل بشكل
لا إرادي إلى ما يمليه عليه
عقله الباطني سواء في جانب الخير أو الشر وهذا العقل الباطني
ليس حصيلة فترة قصيرة من الحياة ، و إنما لمجموعة
التراكمات في سلوك الفرد الذي يبدأ من الأيام الأولى لوعيه
ولو في سن مبكرة جدا
أن سلوك الإنسان اليومي يتحدد كثيرا بفعل العقل الباطني فيندفع لا شعوريا
- حبا وبغضا - إلى من رسم له في باطنه صورة جميلة أو قبيحة
ومع الأسف فإننا نلاحظ في اغلب الأحيان أن الباطن يبالغ في وصف الخارج
أما تحقيرا أو تعظيما ، وذلك بحسب المواقف النفسية الباطنية ، وعليه فان
النجاح لا يتوقف على مراقبة السلوك الخارجي عند الشعور، و إنما إلى إعادة
تقييم الوضع الباطني الذي يحرك الفرد عند اللاشعور
أن روافد المحرك الباطني للإنسان متعددة : فمنها البيئة الجغرافية فان من يعيش
في بيئة قاسية قد يميل طبعه إلى الحدة والخشونة . ومنها البيئة الأسرية
فمن يتربى بين أبوين متنازعين قد لا يسلم من العقد النفسية والميل للانتقام
و منها البيئة التربوية ، فان من ينشا بين أصدقاء ! السوء المائلين إلى التحلل
الخلقي قد لا يمكنه مقاومة المنكر وخاصة في جو المنكر الجماعي
ومنها الانتماء العائلي ، فان ( الحسب ) كما في منطوق الروايات له وزنه في التقييم
إذ كيف يمكن إنكار الصفات الوراثية المتراكمة من سلسلة الأباء و الأمهات؟!
و من هنا لا يبتغي المسارعة في اختيار ذات الجمال من منبت السوء للسبب نفسه
أن من روافد التأثير الباطني هي: الشخصيات العملاقة في نظر الفرد
فان الإنسان يحاول دائما أن يسير في منهج الأشخاص الذين يراهم كأبطال
تستحق التشبه بها في ساحة الحياة .. ومن هنا التفت أعداء الدين إلى هذه النقطة
فتراهم من خلال الوسائل الإعلامية المتعددة ، يحاولون صرف نظر الفرد
عن الشخصيات التي تستحق لقب ( الأسوة )
بجدارة ، إلى شخصيات يغلب عليها المجون والاستهتار رافعة شعار
استمتع في حياتك كيفما شئت ، فان فترة الشباب فرصة لكل لذيذ
إننا لا نسجل حقيقة جديدة ، عندما نقول بان وسائل الإعلام المثيرة من
المواقع والقنوات الإباحية ، تؤثر تدريجيا في تحقيق حالة المسخ الباطني
فيرى كل ما حوله مثيرا ، ولا ينظر إلى الجنس الأخر إلا من منطلق !
الغريزة المحضة ، نتيجة لتراكم الصور الخليعة التي تزدحم بها ذاكرته !!..
وهذا ما يفسر لنا النظرة الجائعة لشباب اليوم في مواضع اصطياد الفريسة
وذلك لوجود نداء قاهر من الدوافع اللاواعية يدعوهم إلى ذلك، ولو كان على
حساب الدين ، والعرف ، والقانون .. وتبلغ المشكلة اوجها في الشاب المراهق
الذي يدعى انه لا سلطة له على نفسه ، وحينئذ لا تنفعه موعظة واعظ
إن علماء النفس – حتى غير الموحدين منهم – يرون بان الرصيد الديني لدى الفرد
من أهم عناصر العقل الباطن ، فهو الذي يدفع العبد في تعامله مع نفسه
وغيره بحسب ما تملى عليه مرتكزا ته الدينية ومن هنا لزم على الفرد أن يكون
دقيقا في نظرته إلى المفردات الصحيحة للدين ، فان من يفهم الدين بطريقة خشنة
من الطبيعي أن يتعامل بعنف مع الآخرين ، كما نلاحظه في الذين
يسارعون إلى مهاجمة المسلم وتكفيره
و أما الحل لمن رأي باطنه يختزن بعض بوادر الانحراف فهو
أن يجلس في ساعة استرخاء مع نفسه ، ليتحدث مع نفسه مليا وكأنها أجنبية عنه !
محاولا معرفة النوايا الخفية ، كما لو رأى بغضا غير مبرر لإنسان بريء مثلا
ثم يحاول أن يناقش نفسه مناقشة موضوعية ، ليعلم بطلان دوافع الكره
الذي يعيشه ، ثم بعد ذلك ينتقل إلى مرحلة أخرى وهى مرحلة الإيحاء
المستمر لخلاف ما يمليه عليه عقله الباطني ، فما جاء بالإيحاء الباطل
يذهب بالإيحاء الحق ، أو ليس الأمر كذلك
أن من سبل التخلص من التأثير القاهر للعقل الباطني هو
تكلف مخالفة مقتضى الميل المتأصل ، فمن يرى في نفسه انجرافا وميلا
إلى الحرام في جانب العنصر النسائي مثلا - وهو ابتلاء القرن كما هو واضح -
فعليه أن يعلم أن مثله ، كمثل سفينة في مهب ريح ، يسوقه إلى دوامة قاتلة
ومن هنا لزم عليه الابتعاد عن الأجواء المثيرة أولا ، فإنها من
سلب الإرادة لديه ، ومن ثم مضاعفة الجهد والمراقبة لو تورط في
جو مثير ثانيا ، فان الشيطان يستنفر كل قواه لإلقائه في فخه وقد يكون ذلك
بعد تاريخ طويل من الاستقامة والثبات
منقول
اخوكم اخوكم اخوكم
المهـــــــــــــ روح ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا
*r *r
العرض العادي
