العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام العامة ]:::::+ > ۞ مكتبة الــوٍد الإسلامية ۞
موضوع مغلق
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-03-2008, 01:18 AM   رقم المشاركة : 1
king-abdullah
( ود فعّال )
 
الصورة الرمزية king-abdullah
 





king-abdullah غير متصل

ولو صُوِّر العلم صورة لكان أجمل من صورة الشمس والقمر.
ولكن عشق هذه الصفات إنما يناسب الأنفس الشريفة الزكية، كما أن محبة الله ورسوله وكلامه ودينه إنما تناسب الأرواح العلوية السماوية الزكية، لا الأرواح الأرضية الدنية.
فإذا أردت أن تعرف قيمة العبد وقَدْرَه فانظر إلى محبوبه ومراده، واعلم أن العشق المحمود لا يعرض فيه شيء من الآفات المذكورة+(58).
وصدق من قال:
ونفاسة الأِشياء في غاياتها
فاحمد رماءك إن أصبت نفيسا(59)
7_الاغترار ببعض الأقوال التي تبيح العشق: فبعض الناس قد يستهين بشأن العشق، بحجة إباحته، وترخُّص بعض العلماء بذكر أقوال العشاق، وذكر قصصهم وأخبارهم، أو بحجة أن بعض أهل الفضل قد وقع في أشراك العشق، أو بحجة أن للعشق بعضَ الفضائل; حيث ذَكَرَ بعضُهم أنه يزيد في رقة الطبع، وترويح النفس، وخفتها، ورياضتها، وحَمْلِها على مكارم الأخلاق من نحو الشجاعة، والكرم، والمروءة، ورقة الحاشية، وغير ذلك مما ذكر(60).
ومن ثم يقع في العشق من يقع، ثم يلاقي ويلاته ومراراته.
والجواب عما مضى: أن تلك الإيراداتِ والأقوالَ لا تقوم بها حجة; فالقول بإباحته، ونَقْلُ ذلك عن السلف قول غير مقبول; لأن الناقلين ذلك عنهم اتكأوا على نقولٍ لا تصح، أو نقولٍ لا تدل على ما ذهبوا إليه.
قال ابن القيم×في شأن تلك النقول: =وشبههم التي ذكروها دائرة بين ثلاث أقسام:
أحدها: نقول صحيحة لا حجة لكم فيها.
والثاني: نقول كاذبة عمن نسبت إليه من وضع الفساق الفجار كما سنبينه.
والثالث: نقول مجملة محتملة لخلاف ما ذهبوا إليه+(61).
ثم شرع×في تفصيل ذلك.
* وقد سئل أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني×مسألة عن العشق، وحُكْمِ مواصلة العاشق للمعشوق، وكان السؤال شعرًا مكتوباً في رقعة، فأجابه أبو الخطاب قائلاً:
يا أيها الشيخ الأديب الذي قد فاق أهل العصر في شعره
ثم قال:
من فارق الفتنة ثم ادعى الـ
ـعصمة قد نافق في أمره
ولا يجيز الشرع أسباب ما
يورِّط المسلم في حظره
فانج ودع عنك صداع الهوى
عساك أن تسلم من شره
هذا جواب الكلوذاني قد
جاءك يرجو الله في أجره(62)
* وسئل ابن الجوزي×بأبيات عن جواز العشق مطلعها:
يا أيها العالم ماذا ترى
في عاشق ذاب من الوجد
فأجابه ابن الجوزي قائلاً:
ياذا الذي ذاب من الوجد
وظلَّ في ضر وفي جهد
اسمه فدتك النفس من ناصح
بنصحه يهدي إلى الرشد
إلى أن قال:
وكل ما تذكر مستفتياً
حرمه الله على العبد
إلا ما حلَّله ربنا
في الشرع بالإبرام والعقد
فعد من طرق الهوى معترضاً
وقف بباب الواحد الفرد
وسلْه يشفيك ولا يبتلي
قلبك بالتعذيب والصد
وعَفَّ في العشق ولا تُبْدِهِ
واصبر وكاتم غاية الجهد
فإن تمت محتسباً صابراً
تفز غدا في جنة الخلد(63)
وأما من احتج على جواز العشق بترخص بعض العلماء بذكر أقوال العشاق، وذكر قصصهم وأخبارهم_فيقال له: إنما كان ذلك منهم من باب الاستشهاد، وتصوير الحال، ثم بعد ذلك يوقفون القارئ على الحكم في هذه المسألة، كما في صنيع ابن الجوزي في كتابه (ذم الهوى) وابن القيم في (الجواب الكافي)، و (روضة المحبين) وغيرها من كتبه.
بل إن ابن حزم×لما ألف كتابه (طوق الحمامة في الألفة والأُلاَّف) وذكر فيه طرائق أهل العشق قال في آخره: =وأنا أستغفر الله_تعالى_مما يكتب الملكان، ويحصيه الرقيبان من هذا وشبهه_استغفارَ مَنْ يعلم أن كلامه من عمله.
ولكنه إن لم يكن من اللغو الذي لا يؤاخذ به المرء فهو_إن شاء الله_من اللمم المعفو+(64).
* وقال×على سبيل الوعظ:
رأيت الهوى سهل المبادي لذيذها
وعقباه مرّ الطعم ضَنْك المسالك
ومن عرف الرحمن لم يعصِ أمرَه
ولو أنه يعطى جميع الممالك(65)
وأما من ابتلي بالعشق من أهل الفضل فغاية أمره أن يكون ذلك من سعيه المعفو المغفور، لا من سعيه المبرور المشكور.
وإن كان لم يكتم في عشقه كان ذلك منقصة في حقه; إذ أعان بذلك على أن يتسلط الناس على عرضه، ويشمتون به(66).
وليس في ذلك حجة لمن أراد أن أن يقتدي به، وإن كان لأحد رغبة في الاقتداء بذلك الفاضل فليكن في أي جانب من جوانب فضله، لا في الجانب الذي يعد زراية به.
وأما القول بأن للعشق فضائل كما ذكر قبل قليل فيقال: بأن هذه الفضائل تحصل في العشق بمفهومه الشامل كما ذكر في فقرة سابقة.
ولو فرض أن هذه المنافع تحصل بالعشق المعهود لما أرْبَتْ على مفاسده ومضاره، وما كان ضرره أكثر من نفعه_فالمتعين تحريمه، وتركه، وتجنب السبل المفضية إليه.
وقد يستدل بعضهم على جواز العشق وإباحته بحديث: =من عشق، فعف، وكتم، وصبر، ثم مات كان شهيداً+.
وهذا الحديث باطل موضوع كما بيَّن ذلك العلماء(67).
8_التهتك والتبرج والسفور: فذلك من أعظم محركات العشق; فهو سبب للنظرات الغادرة، التي تعمل عملها في القلب.
9_إطلاق البصر: فبداية العشق في الأغلب تكون عند النظر إلى المحاسن; فالعين مرآة القلب، وإطلاق البصر يورث المعاطب; فإذا أطلق الإنسان بصره أطلق القلب شهوته، ومن أطلق بصره دامت حسرته; فأضر شيء على القلب إرسال البصر; فإنه يريه ما يشتد طلبه له، ولا صبر له عنه، ولا سبيل إلى الوصول إليه، وذلك غاية ألمه، وعذابه.
ثم إن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس_كما جاء في الحديث_وشأن السهم أن يسري في القلب، فيعمل فيه عمل السم الذي يسقاه المسموم، فإن بادر، واستفرغه، وإلا قتله ولابد.
وكذلك النظرة فإنها تفعل في القلب ما يفعله السهم في الرمية; فإن لم تقتله جرحته.
والنظرة بمنزلة الشرارة التي ترمى في الحشيش اليابس، فإن لم تحرقه كله أحرقت بعضه كما قيل:
كل الحوادث مبداها من النظر
ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها
فتك السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها
في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته
لا مرحباً بسرور عاد بالضرر
والناظر يرمي من نظره بسهام غَرضُها قلبه وهو لا يشعر، قال الفرزدق:
تزود منها نظرة لم تدع له
قؤاد ولم يشعر بما قد تزوَّدا
فلم أرَ مقتولاً ولم أرَ قاتلاً بغير سلاح مثلها حين أقْصَدا
* وقال آخر:
ومن كان يؤتى من عدوٍَ وحاسد
فإني من عيني أُتيتُ ومن قلبي
هما اعتوراني نظرة ثم فكرة
فما أبقيا لي من رقادٍ ولا لُبِّ
* وقال المتنبي:
وأنا الذي اجتلب المنيةَ طرفُه
فَمَنِ المطالَبُ والقتيلُ القاتلُ(68)
قال ابن القيم×: =ولما كان النظر أقرب الوسائل إلى المحرم اقتضت الشريعة تحريمه، وأباحته في موضع الحاجة.
وهذا شأن كل ما حُرِّم تحريم الوسائل; فإنه يباح للمصلحة الراجحة+(69).
قال جرير بن عبد الله_رضي الله عنهما_: =سألت رسول الله"عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري+(70).
قال ابن القيم×: =ونظر الفجأة هي النظرة الأولى التي تقع بغير قصد; فما لم يتَعَمَّده القلب لا يعاقَب عليه; فإذا نظر الثانية تَعَمُّداً أثم; فأمره النبي"عند نظر الفجأة أن يصرف بصره، ولا يستديم النظر; فإن استدامته كتكريره+(71).
10_المعاكسات الهاتفية: فهي من أعظم ما يجر إلى العشق; فقد تكون الفتاة حَصَانًا رزاناً لا تُزْنُّ بريبة، ولا تحوم حولها شبهة، وهي من بيت طهر وفضيلة، قد جلله العفاف، وأُسْدِل عليه الستر.
فما هي إلا أن تتساهل في شأن الهاتف، وتسترسل في محادثة العابثين حتى تقع فيما لا تحمد عقباه، فربما وافقت صفيقاً يغْترُّها بمعسول الكلام، فَتَعْلَقُه، وتقع في أشراكه; ولا يخفى أن الأذن تعشق قبل العين أحياناً.
وربما زاد الأمر عن ذلك، فاستجر الفتاة حتى إذا وافق غرتها مكر بها، وتركها بعد أن يلبسها عارها.
وربما كانت المبادرة من بعض الفتيات; حيث تمسك بسماعة الهاتف، وتتصل بأحد من الناس إما أن يكون مقصوداً بعينه، وإما أن يكون الاتصال خبط عشواء; فتبدأ بالخضوع له بالقول، وإيقاعه في حبائلها.
والحامل على المعاكسات في الغالب تساهل كثير من الناس في شأن الهاتف، أو الجهل بعواقب المعاكسات، أو من باب التقليد الأعمى، أو حب الاستطلاع، أو غير ذلك من الأمور التي يجمعها الجهل، وعدم النظر في العواقب، وقلة المراقبة الله_تعالى _.
والحديث عن المعاكسات الهاتفية وما تجرّه من فساد يطول ذِكْرُه، وليس هذا مجال بسطه.
والمقصود من ذلك الإشارة إلى أن المعاكسات الهاتفية من أعظم الأسباب التي تقود إلى العشق والتعلق; فسَدُّ هذا الباب واجب متعين.
هذه_على سبيل الإجمال_هي الأسباب الحاملة على العشق.

وبعد أن تبيَّن فيما مضى خطورة العشق، وعظيم جنايته_نصل إلى بيت القصيد في هذه المسألة، ألا وهي التوبة من العشق، وكيفية ذلك.
فعلى من وقع في العشق أن يتوب إلى الله_عز وجل_سواء كان عاشقاً، أو معشوقاً، أو معيناً على ذلك.
فتوبة العاشق تكون بترك العشق، والعزم والمجاهدة على ذلك، وبألا يُظْهر أمرَه، ولا من ابتلي بعشقه; فلا يذكره، ولا يشبِّبُ به، ولا يسير إليه، ولا يمد طرفه إليه، وأن يقطع الصلاتِ المُذَكِّرةَ به، وأن يأخذ بالأسباب المعينة على ذلك، وأن يصبر على ما يلاقيه خصوصاً في بداية أمره.
وعلى المعشوق أن يتوب إلى الله إن كان مشاركاً، أو متسبباً في غواية العاشق; فيتوب إلى الله من استمالة العاشق، والتزين له، والتحبب إليه، واللقاء به، ومحادثته، ومراسلته.
وعلى من أعان على العشق بالتقريب بين العاشقين بالباطل أن يتوب إلى الله، وأن يدَعَ ما كان يقوم به، وأن يعلم أن ذلك من الإعانة على الإثم والعدوان، وأنه بذلك يذكي أوار العشق، ويسعر نيرانه; فهو يفسد أكثر مما يصلح، وسعيه مأزور غير مشكور; فعمله ليس من عمل الخير، ولا من ارتكاب أخف الضررين; لدفع أعلاهما.
بل إن هذه المفسدة تجر إلى هلاك القلب، وفساد الدين، وأي مفسدة أعظم من هذه ? وغاية ما يقدَّر من مفسدة الإمساك عن مواصلة المعشوق سقم الجسد أو الموت; تفادياً عن التعرض للمحرم(72).
وإلا فالغالب أن العاقبة تكون نجاة وسلامة.

فمع عظم شأن العشق، وصعوبة الخلاص منه إلا أن ذلك ليس متعذراً ولا مستحيلاً; فلكل داء دواء، ولكن الدواء لا ينفع إلا إذا صادف مَحَلاً قابلاً; فإذا رام المبتلى بهذا الداءِ الشفاءَ، وسعى إليه سعيه_وفق لما يريد، وأعين على بلوغ المقصود، وإلا استمر على بلائه، بل ربما زاد شقاؤه.
يقول ابن الجوزي×: =إنما يوصف الدواء لمن يقبل; فأما المخلِّط فإن الدواء يضيع عنده+(73).
وفيما يلي ذكر لبعض الأسباب المعينة على ترك العشق(74):
1_الإخلاص الله_عز وجل _: فالإخلاص أنفع الأدوية، فإذا أخلص المبتلى بداء العشق، وصدق في توجهه إلى ربه_أعانه الله، وأمده بألطاف لا تخطر له ببال، وصرف عنه كلَّ ما يصده عن توبته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية×: =فإن القلب إذا ذاق طعم عبادة الله، والإخلاص له لم يكن عنده شيء قطُّ أحلى من ذلك، ولا ألذ، ولا أمتع، ولا أطيب.
والإنسان لا يترك محبوباً إلا بمحبوب آخر يكون أحبَّ إليه، أو خوفاً من مكروه; فالحب الفاسد إنما ينصرف القلب عنه بالحب الصالح، أو بالخوف من الضرر.
قال الله_تعالى_في حق يوسف: [وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ] ( يوسف: 24).
فالله يصرف عن عبده ما يسوؤه من الميل إلى الصور، والتعلق بها، ويصرف عنه الفحشاء بإخلاصه الله.
ولهذا يكون قبل أن يذوق حلاوة العبودية الله، والإخلاص له بحيث تغلبه نفسه على اتباع هواها; فإذا ذاق طعم الإخلاص، وقوي في قلبه انقهر بلا علاج+(75).
وقال: =وإذا كان العبد مخلصًا لله اجتباه ربه، فأحيا قلبه، واجتذبه إليه، فينصرف عنه ما يضاد ذلك من السوء والفحشاء، ويخاف من ضد ذلك.
بخلاف القلب الذي لم يخلص الله; فإن فيه طلباً، وإرادة، وحبَّاً مطلقاً، فيهوى كل ما يسنح له، ويتشبث بما يهواه كالغصن أي نسيم مرَّ به عطفه وأماله+(76).
وقال ابن القيم×: =ففي القلب شعثٌ لا يَلُمُّهُ إلا الإقبال على الله، وفيه وحشةٌ لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته، وفيه حزنٌ لا يذهبه إلا السرور بمعرفته، وصدق معاملته، وفيه قلقٌ لا يسكنه إلا الاجتماع عليه، والفرار منه إليه، وفيه نيرانُ حسرات لا يطفئها إلا الرضى بأمره ونهيه، وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه طلب شديد لا يقف دون أن يكون هو وحده مطلوبه، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته، والإنابة إليه، ودوام ذكره، وصدق الإخلاص له، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تُسَدَّ تلك الفاقة منه أبداً+(77).
2_الدعاء: والتضرع إلى الله_عز وجل_وصدق اللجأ إليه، والإخلاص له، وسؤاله السلوَّ; فإن المبتلى بهذا الداء مضطر، والله يجيب المضطر إذا دعاه، والدعاء عدو البلاء، يدافعه، ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه، أو يخففه إذا نزل.
3_غض البصر: فغض البصر يورث الراحة، فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته، قال_تعالى_:[قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ] )النور: 30(.
قال ابن تيمية×: =فجعل_سبحانه_غض البصر وحفظ الفرج هو أقوى تزكية للنفوس، وزكاة النفوس تتضمن زوال جميع الشرور من الفواحش، والظلم، والشرك، والكذب وغير ذلك(78).
وقال ابن الجوزي×: =والواجب على من وقع بصره على مُسْتَحْسَن، فوجد لذة تلك النظرة في قلبه أن يصرف بصره; فمتى ما تَثَبَّت في تلك النظرة، أو عاود وقع في اللوم شرعاً وعقلاً.
فإن قيل: فإن وقع العشق بأول نظرة فأي لوم على الناظر?
فالجواب: أنه إذا كانت النظرة لمحة لم تكد توجب عشقاً، إنما يوجبه جمود العين على المنظور بقدر ما تثبت فيه، وذلك ممنوع منه، ولو قدَّرنا وجوده باللمحة; فأثَّر محبةً سَهُلَ قمعُ ما حصل+(79).
إلى أن قال: =فإن قيل: فما علاج العشق إذا وقع بأول لمحة?
قيل: علاجه الإعراض عن النظر; فإن النظر مثل الحبة تلقى في الأرض; فإذا لم يلتفت إليها يبست، وإن سقيت نبتت; فكذلك النظرة إذا ألحقت بمثلها+(80).
وقال: =فإن جرى تفريط بإتْباع نظرة لنظرة فإن الثانية هي التي تخاف وتُحذر; فلا ينبغي أن تحقر هذه النظرة; فربما أورثت صبابةً صبَّت دَمَ الصبِّ+(81).
وقال ابن القيم×: =فعلى العاقل ألا يحكِّم على نفسه عشق الصور; لئلا يؤدِّيه ذلك إلى هذه المفاسد، أو أكثرها، أو بعضها; فمن فعل ذلك فهو المفرط بنفسه، المغرور بها; فإذا هلكت فهو الذي أهلكها; فلولا تكراره النظر إلى وجه معشوقه، وطمعه في وصاله_لم يتمكن عشقُه من قلبه+(82).
وقد يقول بعض الناس: إذا نظرت نظرةً، فاشتد تعلقي بمن نظرت إليه; فهل لي أن أكرر النظر; لعلي أراه دون ما في نفسي; فأسْلُوَ عنه?
والجواب: أن ذلك من تلبيس الشيطان، ولا يجوز هذا الصنيع; لعشرة أوجه(83):
أحدها: أن الله_سبحانه_أمر بغض البصر، ولم يجعل شفاء القلب فيما حرمه على العبد.
الثاني: أن النبي" سُئِل عن نظر الفجأة، وقد علم أنه يؤثر في القلب; فأمر بمداواته بصرف البصر، لا بتكرار النظر.
الثالث: أنه صرح بأن الأولى له، وليست له الثانية، ومحالٌ أن يكون داؤه مما له، ودواؤه فيما ليس له.
الرابع: أن الظاهر أن الأمر كما رآه أول مرة; فلا تحسن المخاطرة بالإعادة.
الخامس: أنه ربما رأى ما هو فوق الذي في نفسه; فزاد عذابه.
السادس: أن إبليس عند قصده للنظرة الثانية يقوم في ركائبه، فَيُزَيِّنُ له ما ليس بحسن; لِتتمَّ البلية.
السابع: أنه لا يعان على مطلوبه إذا أعرض عن امتثال أمر الشرع، وتداوى بما حرَّمه عليه، بل هو جدير أن تتخلف عنه المعونة.
الثامن: أن النظرة الأولى سهمٌ مسموم من سهام إبليس، ومعلوم أن الثانية أشدُّ سُمَّاً; فكيف يتداوى من السم بالسم?!
التاسع: أن صاحب هذا المقام في مقام معاملة الحق_عز وجل_في ترك محبوب_كما زعم_وهو يريد بالنظرة الثانية أن يتبين حال المنظور إليه; فإن لم يكن مَرْضِيَّ_اً تركه; فإذاً يكون تَرَكَه; لأنه لا يلائم غرضه، لا الله_تعالى_فأين معاملة الله_سبحانه_بترك المحبوب لأجله?!
العاشر: يتبين بضرب مثلٍ مطابقٍ للحال، وهو أنك إذا ركبت فرساً جديداً، فمالت بك إلى درب ضيِّق لا ينفذ، ولا يمكنها أن تستدير فيه للخروج; فإذا همَّت بالدخول فيه فاكبحها; لئلا تدخل; فإذا دخلت خطوة أو خطوتين فَصِحْ بها وردَّها إلى وراءٍ عاجلاً قبل أن يتمكن دخولها، فإذا رددتها إلى ورائها سَهُل الأمر، وإذا توانيت حتى ولَجَتْ، وسقتها داخلاً ثم قمت تجذبها بذنبها عسُر عليك أو تعذر خروجها; فهل يقول عاقل: إن طريق تخليصها سوقُها إلى داخل?!
فكذلك النظرة إذا أثَّرت في القلب; فإن عجَّل الحازم، وحسم المادة من أولها سَهُل علاجُه، وإن كرَّر النظر، ونقَّب عن محاسن الصور، ونقلها إلى قلب فارغ، فنقشها فيه_تمكنت المحبة، وكلما تواصلت النظرات كانت كالماء يسقي الشجرة; فلا تزال شجرة الحب تنمو حتى يفسد القلب، ويُعرض عن الفكر فيما أمر به; فيخرج بصاحبه إلى المحن، ويوجب ارتكاب المحظورات والفتن، ويلقي القلب في التلف.







التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:59 AM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية