العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام العامة ]:::::+ > ۞ مكتبة الــوٍد الإسلامية ۞
إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-05-2014, 11:57 PM   رقم المشاركة : 1
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور
۩ تفسير سورة الفاتحة عدد آياتها 7 ....

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
تفسيرسورة الفاتحة عدد آياتها 7 ....
وهي مكية
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)}.
افتتح بها الصحابةُ كتاب الله، واتّفق العلماء على أنها بعض آية من سورَة النمل، ثمّ اختلفوا: هل هي آية مستقلة في أوّل كل سورة، أو من أول كل سورة كتبت في أوّلها، أو أنها بعض آية من أوّل كل سورة، أو أنها كذلك في الفاتحة دون غيرها، أو أنها إنما كتبت للفصل، لا أنها آية؟ على أقوال للعلماء سلفًا وخلفًا، وذلك مبسوط في غير هذا الموضع.
وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وأخرجه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في مستدركه أيضًا، وروي مرسلا عن سعيد بن جُبَير. وفي صحيح ابن خزيمة، عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وعدّها آية، لكنه من رواية عمر بن هارون البلخي، وفيه ضعف، عن ابن جُرَيْج، عن ابن أبي مُلَيْكَة، عنها.
وروى له الدارقطني متابعًا، عن أبي هريرة مرفوعًا.
وروى مثله عن علي وابن عباس وغيرهما. وممن حكي عنه أنها آية من كل سورة إلا براءة: ابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، وأبو هريرة، وعليّ. ومن التابعين: عطاء، وطاوس، وسعيد بن جبير، ومكحول، والزهري، وبه يقول عبد الله بن المبارك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، في رواية عنه، وإسحاق بن رَاهوَيه، وأبو عبيد القاسم بن سلام، رحمهم الله.
وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما: ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور، وقال الشافعي في قول، في بعض طرق مذهبه: هي آية من الفاتحة وليست من غيرها، وعنه أنها بعض آية من أول كل سورة، وهما غريبان.
وقال داود: هي آية مستقلة في أول كل سورة لا منها، وهذه رواية عن الإمام أحمد بن حنبل. وحكاه أبو بكر الرازي، عن أبي الحسن الكرخي، وهما من أكابر أصحاب أبي حنيفة، رحمهم الله. هذا ما يتعلق بكونها من الفاتحة أم لا. فأمَّا ما يتعلق بالجهر بها، فمفرّع على هذا؛ فمن رأى أنها ليست من الفاتحة فلا يجهر بها، وكذا من قال: إنها آية من أوّلها، وأمَّا من قال بأنها من أوائل السور فاختلفوا؛ فذهب الشافعي، رحمه الله، إلى أنه يجهر بها مع الفاتحة والسورة، وهو مذهب طوائف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين سلفًا وخلفًا، فجهر بها من الصحابة أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، ومعاوية، وحكاه ابن عبد البر، والبيهقي عن عمر وعليّ، ونقله الخطيب عن الخلفاء الأربعة، وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ، وهو غريب. ومن التابعين عن سعيد بن جبير، وعِكْرِمة، وأبي قِلابة، والزهري، وعليّ بن الحسين، وابنه محمد، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وسالم، ومحمد بن كعب القرظي، وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وأبي وائل، وابن سيرين، ومحمد بن المنْكَدِر، وعلي بن عبد الله بن عباس، وابنه محمد، ونافع مولى ابن عمر، وزيد بن أسلم، وعمر بن عبد العزيز، والأزرق بن قيس، وحبيب بن أبي ثابت، وأبي الشعثاء، ومكحول، وعبد الله بن مَعْقِل بن مُقَرِّن. زاد البيهقيّ: وعبد الله بن صفوان، ومحمد بن الحنفية. زاد ابن عبد البر: وعمرو بن دينار.
والحُجَّة في ذلك أنها بعض الفاتحة، فيجهر بها كسائر أبعاضها، وأيضًا فقد روى النسائي في سننه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم في مستدركه، عن أبي هريرة أنه صلى فجهر في قراءته بالبسملة، وقال بعد أن فرغ: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم. وصححه الدارقطني والخطيب والبيهقي وغيرهم.
وروى أبو داود والترمذي، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم. ثم قال الترمذي: وليس إسناده بذاك.
وقد رواه الحاكم في مستدركه، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ثم قال: صحيح وفي صحيح البخاري، عن أنس بن مالك أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كانت قراءته مدا، ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، يمد بسم الله، ويمد الرحمن، ويمد الرحيم.
وفي مسند الإمام أحمد، وسنن أبي داود، وصحيح ابن خزيمة، ومستدرك الحاكم، عن أم سلمة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين.
وقال الدارقطني: إسناده صحيح.
وروى الشافعي، رحمه الله، والحاكم في مستدركه، عن أنس: أن معاوية صلى بالمدينة، فترك البسملة، فأنكر عليه من حضره من المهاجرين ذلك، فلما صلى المرّة الثانية بسمل.
وفي هذه الأحاديث، والآثار التي أوردناها كفاية ومقنع في الاحتجاج لهذا القول عما عداها، فأما المعارضات والروايات الغريبة، وتطريقها، وتعليلها وتضعيفها، وتقريرها، فله موضع آخر.
وذهب آخرون إلى أنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة، وهذا هو الثابت عن الخلفاء الأربعة وعبد الله بن مغفل، وطوائف من سلف التابعين والخلف، وهو مذهب أبي حنيفة، والثوري، وأحمد بن حنبل.
وعند الإمام مالك: أنه لا يقرأ البسملة بالكلية، لا جهرًا ولا سرًا، واحتجوا بما في صحيح مسلم، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين. وبما في الصحيحين، عن أنس بن مالك، قال: صلَّيْتُ خلف النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين. ولمسلم: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أوّل قراءة ولا في آخرها. ونحوه في السنن عن عبد الله بن مُغَفَّل، رضي الله عنه.
فهذه مآخذ الأئمة، رحمهم الله، في هذه المسألة وهي قريبة؛ لأنهم أجمعوا على صحة صلاة من جهر بالبسملة ومن أسر، ولله الحمد والمنة.
فصل في فضلها:
قال الإمام العالم الحبر العابد أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، رحمه الله، في تفسيره:
حدثنا أبي، حدثنا جعفر بن مسافر، حدثنا زيد بن المبارك الصنعاني، حدثنا سلام بن وهب الجَنَديّ، حدثنا أبي، عن طاوس، عن ابن عباس؛ أن عثمان بن عفان سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بسم الله الرحمن الرحيم. فقال: «هو اسم من أسماء الله، وما بينه وبين اسم الله الأكبر، إلا كما بين سواد العينين وبياضهما من القرب».
وهكذا رواه أبو بكر بن مَرْدُويه، عن سليمان بن أحمد، عن عليّ بن المبارك، عن زيد بن المبارك، به.
وقد روى الحافظ ابن مَرْدُويه من طريقين، عن إسماعيل بن عياش، عن إسماعيل بن يحيى، عن مِسْعَر، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إن عيسى ابن مريم أسلمته أمه إلى الكتَّاب ليعلمه، فقال المعلم: اكتب، قال ما أكتب؟ قال: بسم الله، قال له عيسى: وما باسم الله؟ قال المعلم: ما أدري. قال له عيسى: الباء بَهاءُ الله، والسين سناؤه، والميم مملكته، والله إله الآلهة، والرحمن رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم رحيم الآخرة».
وقد رواه ابن جرير من حديث إبراهيم بن العلاء الملقب: زِبْرِيق، عن إسماعيل بن عياش، عن إسماعيل بن يحيى، عن ابن أبي مُلَيْكة، عمن حدثه، عن ابن مسعود، ومسعر، عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، فذكره. وهذا غريب جدًا، وقد يكون صحيحًا إلى من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون من الإسرائيليات لا من المرفوعات، والله أعلم.
وقد روى جُوَيبر، عن الضحَّاك، نحوه من قبله.
وقد روى ابن مَرْدُويه، من حديث يزيد بن خالد، عن سليمان بن بريدة، وفي رواية عن عبد الكريم أبي أمية، عن ابن بريدة، عن أبيه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنزلت عليّ آية لم تنزل على نبي غير سليمان بن داود وغيري، وهي بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ».
وروي بإسناده عن عبد الكبير بن المعافى بن عمران، عن أبيه، عن عمر بن ذَرّ، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله، قال: لما نزل {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} هرب الغيم إلى المشرق، وسكنت الرياح، وهاج البحر، وأصغت البهائم بآذانها، ورُجِمت الشياطين من السماء، وحلف الله تعالى بعزته وجلاله ألا يسمى اسمه على شيء إلا بارك فيه.
وقال وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، ليجعل الله له من كل حرف منها جنة من كل واحد، ذكره ابن عطية والقرطبي ووجهه ابن عطية ونصره بحديث: «فقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها» لقول الرجل: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، من أجل أنها بضعة وثلاثون حرفا وغير ذلك.
وقال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عاصم، قال: سمعت أبا تميمة يحدث، عن رديف النبي صلى الله عليه وسلم قال: عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: تَعِس الشيطان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«لا تقل تعس الشيطان. فإنك إذا قلت: تعس الشيطان تعاظم، وقال: بقوتي صرعته، وإذا قلت: باسم الله، تصاغر حتى يصير مثل الذباب».
هكذا وقع في رواية الإمام أحمد وقد روى النسائي في اليوم والليلة، وابن مَرْدُويه في تفسيره، من حديث خالد الحذاء، عن أبي تميمة هو الهجيمي، عن أبي المليح بن أسامة بن عمير، عن أبيه، قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وقال: «لا تقل هكذا، فإنه يتعاظم حتى يكون كالبيت، ولكن قل: بسم الله، فإنه يصغر حتى يكون كالذبابة». فهذا من تأثير بركة بسم الله؛ ولهذا تستحب في أوّل كل عمل وقول. فتستحب في أوّل الخطبة لما جاء: «كل أمر لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم، فهو أجذم»، وتستحب البسملة عند دخول الخلاء ولما ورد من الحديث في ذلك، وتستحب في أوّل الوضوء لما جاء في مسند الإمام أحمد والسنن، من رواية أبي هريرة، وسعيد بن زيد، وأبي سعيد مرفوعًا: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه»، وهو حديث حسن. ومن العلماء من أوجبها عند الذكر هاهنا، ومنهم من قال بوجوبها مطلقًا، وكذا تستحب عند الذبيحة في مذهب الشافعي وجماعة، وأوجبها آخرون عند الذكر، ومطلقا في قول بعضهم، كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله، وقد ذكر الرازي في تفسيره في فضل البسملة أحاديث منها: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أتيت أهلك فسم الله؛ فإنه إن ولد لك ولد كتب لك بعدد أنفاسه وأنفاس ذريته حسنات» وهذا لا أصل له، ولا رأيته في شيء من الكتب المعتمد عليها ولا غيرها.
وهكذا تستحب عند الأكل لما في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لربيبه عمر بن أبي سلمة:
«قل: باسم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك». ومن العلماء من أوجبها والحالة هذه، وكذلك تستحب عند الجماع لما في الصحيحين، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدًا».
ومن هاهنا ينكشف لك أن القولين عند النحاة في تقدير المتعلق بالباء في قولك: باسم الله، هل هو اسم أو فعل متقاربان وكل قد ورد به القرآن؛ أما من قدره باسم، تقديره: باسم الله ابتدائي، فلقوله تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [هود: 41]، ومن قدره بالفعل أمرًا وخبرًا نحو: أبدَأ ببسم الله أو ابتدأت ببسم الله، فلقوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] وكلاهما صحيح، فإن الفعل لا بُدّ له من مصدر، فلك أن تقدر الفعل ومصدره، وذلك بحسب الفعل الذي سميت قبله، إن كان قيامًا أو قعودًا أو أكلا أو شربًا أو قراءة أو وضوءًا أو صلاة، فالمشروع ذكر اسم الله في الشروع في ذلك كله، تبركًا وتيمنًا واستعانة على الإتمام والتقبل، والله أعلم؛ ولهذا روى ابن جرير وابن أبي حاتم، من حديث بشر بن عُمَارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: إن أوّل ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال: يا محمد قل: أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم، ثم قال: قل: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قال: قال له جبريل: قل: باسم الله يا محمد، يقول: اقرأ بذكر الله ربك، وقم، واقعد بذكر الله.
هذا لفظ ابن جرير.
وأما مسألة الاسم: هل هو المسمى أو غيره؟ ففيها للناس ثلاثة أقوال:
أحدها: أن الاسم هو المسمى، وهو قول أبي عبيدة وسيبويه، واختاره الباقلاني وابن فورك، وقال فخر الدين الرازي- وهو محمد بن عمر المعروف بابن خطيب الري- في مقدمات تفسيره:
قالت الحشوية والكرامية والأشعرية: الاسم نفس المسمى وغير التسمية، وقالت المعتزلة: الاسم غير المسمى ونفس التسمية، والمختار عندنا: أن الاسم غير المسمى وغير التسمية، ثم نقول: إن كان المراد بالاسم هذا اللفظ الذي هو أصوات مقطعة وحروف مؤلفة، فالعلم الضروري حاصل أنه غير المسمى، وإن كان المراد بالاسم ذات المسمى، فهذا يكون من باب إيضاح الواضحات وهو عبث، فثبت أن الخوض في هذا البحث على جميع التقديرات يجري مجرى العبث.
ثم شرع يستدل على مغايرة الاسم للمسمى، بأنه قد يكون الاسم موجودًا والمسمى مفقودًا كلفظة المعدوم، وبأنه قد يكون للشيء أسماء متعددة كالمترادفة وقد يكون الاسم واحدًا والمسميات متعددة كالمشترك، وذلك دال على تغاير الاسم والمسمى، وأيضا فالاسم لفظ وهو عرض والمسمى قد يكون ذاتا ممكنة أو واجبة بذاتها، وأيضًا فلفظ النار والثلج لو كان هو المسمى لوجد اللافظ بذلك حر النار أو برد الثلج ونحو ذلك، ولا يقوله عاقل، وأيضا فقد قال الله تعالى: {وللهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا»، فهذه أسماء كثيرة والمسمى واحد وهو الله تعالى، وأيضا فقوله: {وللهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى} أضافها إليه، كما قال: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74، 96] ونحو ذلك. والإضافة تقتضي المغايرة وقوله: {فَادْعُوهُ بِهَا} أي: فادعوا الله بأسمائه، وذلك دليل على أنها غيره، واحتج من قال: الاسم هو المسمى، بقوله تعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ} [الرحمن: 78] والمتبارك هو الله. والجواب: أن الاسم معظم لتعظيم الذات المقدسة، وأيضا فإذا قال الرجل: زينب طالق، يعني امرأته طالق، طلقت، ولو كان الاسم غير المسمى لما وقع الطلاق، والجواب: أن المراد أن الذات المسماة بهذا الاسم طالق. قال الرازي: وأما التسمية فإنها جعل الاسم معينا لهذه الذات فهي غير الاسم أيضا، والله أعلم.
{الله} عَلَمٌ على الرب تبارك وتعالى، يقال: إنه الاسم الأعظم؛ لأنه يوصف بجميع الصفات، كما قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر: 22- 24]، فأجرى الأسماء الباقية كلها صفات له، كما قال تعالى: {وللهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} وقال تعالى: {قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110] وفي الصحيحين، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة»، وجاء تعدادها في رواية الترمذي، وابن ماجه وبين الروايتين اختلاف زيادات ونقصان، وقد ذكر فخر الدين الرازي في تفسيره عن بعضهم أن لله خمسة آلاف اسم: ألف في الكتاب والسنة الصحيحة، وألف في التوراة، وألف في الإنجيل، وألف في الزبور، وألف في اللوح المحفوظ.
وهو اسم لم يسم به غيره تبارك وتعالى؛ ولهذا لا يعرف في كلام العرب له اشتقاق من فعل ويفعل، فذهب من ذهب من النحاة إلى أنه اسم جامد لا اشتقاق له. وقد نقل القرطبي عن جماعة من العلماء منهم الشافعي والخطابي وإمام الحرمين والغزالي وغيرهم، وروي عن الخليل وسيبويه أن الألف واللام فيه لازمة. قال الخطابي: ألا ترى أنك تقول: يا الله، ولا تقول: يا الرحمن، فلولا أنه من أصل الكلمة لما جاز إدخال حرف النداء على الألف واللام. وقيل: إنه مشتق، واستدلوا عليه بقول رؤْبَة بن العَجّاج:
لله در الغانيات المُدّه *** سبحن واسترجعن من تألهي
فقد صرح الشاعر بلفظ المصدر، وهو التأله، من أله يأله إلاهة وتألهًا، كما روي أن ابن عباس قرأ: {ويذرك وَإلاهَتَك} قال: عبادتك، أي: أنه كان يُعْبَد ولا يَعْبُد، وكذا قال مجاهد وغيره.
وقد استدل بعضهم على كونه مشتقا بقوله: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأرْضِ} [الأنعام: 3] أي: المعبود في السماوات والأرض، كما قال: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84]، ونقل سيبويه عن الخليل: أن أصله: إلاه، مثل فعال، فأدخلت الألف واللام بدلا من الهمزة، قال سيبويه: مثل الناس، أصله: أناس، وقيل: أصل الكلمة: لاه، فدخلت الألف واللام للتعظيم وهذا اختيار سيبويه. قال الشاعر:
لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب *** عني ولا أنت دياني فتخزوني






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2014, 12:05 AM   رقم المشاركة : 2
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

قال القرطبي: بالخاء المعجمة، أي: فتسوسني، وقال الكسائي والفراء: أصله: الإله حذفوا الهمزة وأدغموا اللام الأولى في الثانية، كما قال: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} [الكهف: 38] أي: لكن أنا، وقد قرأها كذلك الحسن، قال القرطبي: ثم قيل: هو مشتق من وله: إذا تحير، والوله ذهاب العقل؛ يقال: رجل واله، وامرأة ولهى، وماء موله: إذا أرسل في الصحاري، فالله تعالى تتحير أولو الألباب والفكر في حقائق صفاته، فعلى هذا يكون أصله: ولاه، فأبدلت الواو همزة، كما قالوا في وشاح: أشاح، ووسادة: أسادة، وقال فخر الدين الرازي: وقيل: إنه مشتق من ألهت إلى فلان، أي: سكنت إليه، فالعقول لا تسكن إلا إلى ذكره، والأرواح لا تفرح إلا بمعرفته؛ لأنه الكامل على الإطلاق دون غيره قال الله تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] قال: وقيل: من لاه يلوه: إذا احتجب. وقيل: اشتقاقه من أله الفصيل، إذ ولع بأمه، والمعنى: أن العباد مألوهون مولعون بالتضرع إليه في كل الأحوال، قال: وقيل: مشتق من أله الرجل يأله: إذا فزع من أمر نزل به فألهه، أي: أجاره، فالمجير لجميع الخلائق من كل المضار هو الله سبحانه؛ لقوله تعالى: {وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ} [المؤمنون: 88]، وهو المنعم لقوله: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53] وهو المطعم لقوله: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ} [الأنعام: 14] وهو الموجد لقوله: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النساء: 78].
وقد اختار فخر الدين أنه اسم علم غير مشتق البتة، قال: وهو قول الخليل وسيبويه وأكثر الأصوليين والفقهاء، ثم أخذ يستدل على ذلك بوجوه:
منها: أنه لو كان مشتقًا لاشترك في معناه كثيرون، ومنها: أن بقية الأسماء تذكر صفات له، فتقول: الله الرحمن الرحيم الملك القدوس، فدل أنه ليس بمشتق، قال: فأما قوله تعالى: {الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ} [إبراهيم: 1، 2] على قراءة الجر فجعل ذلك من باب عطف البيان، ومنها قوله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65]، وفي الاستدلال بهذه على كون هذا الاسم جامدًا غير مشتق نظر، والله أعلم.
وحكى فخر الدين عن بعضهم أنه ذهب إلى أن اسم الله تعالى عبراني لا عربي، ثم ضعفه، وهو حقيق بالتضعيف كما قال، وقد حكى فخر الدين هذا القول ثم قال: واعلم أن الخلق قسمان: واصلون إلى ساحل بحر المعرفة، ومحرومون قد بقوا في ظلمات الحيرة وتيه الجهالة؛ فكأنهم قد فقدوا عقولهم وأرواحهم، وأما الواجدون فقد وصلوا إلى عرصة النور وفسحة الكبرياء والجلال، فتاهوا في ميادين الصمدية، وبادوا في عرصة الفردانية، فثبت أن الخلق كلهم والهون في معرفته، وروي عن الخليل بن أحمد أنه قال: لأن الخلق يألهون إليه بنصب اللام وجرها لغتان، وقيل: إنه مشتق من الارتفاع، فكانت العرب تقول لكل شيء مرتفع: لاها، وكانوا يقولون إذا طلعت الشمس: لاهت.
وأصل ذلك الإله، فحذفت الهمزة التي هي فاء الكلمة، فالتقت اللام التي هي عينها مع اللام الزائدة في أوّلها للتعريف فأدغمت إحداهما في الأخرى، فصارتا في اللفظ لامًا واحدة مشددة، وفخمت تعظيما، فقيل: الله.
{الرحمن الرحيم} اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، ورحمن أشد مبالغة من رحيم، وفي كلام ابن جرير ما يُفْهِم حكاية الاتفاق على هذا، وفي تفسير بعض السلف ما يدل على ذلك، كما تقدم في الأثر، عن عيسى عليه السلام، أنه قال: والرحمن رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم رحيم الآخرة.
وقد زعم بعضهم أنه غير مشتق إذ لو كان كذلك لاتصل بذكر المرحوم وقد قال: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43]، وحكى ابن الأنباري في الزاهر عن المبرد: أن الرحمن اسم عبراني ليس بعربي، وقال أبو إسحاق الزجاج في معاني القرآن: وقال أحمد بن يحيى: الرحيم عربي، والرحمن عبراني، فلهذا جمع بينهما. قال أبو إسحاق: وهذا القول مرغوب عنه.
وقال القرطبي: والدليل على أنه مشتق ما خرجه الترمذي وصححه عن عبد الرحمن بن عوف، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله تعالى: أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسمًا من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته». قال: وهذا نص في الاشتقاق فلا معنى للمخالفة والشقاق.
قال: وإنكار العرب لاسم الرحمن لجهلهم بالله وبما وجب له، قال القرطبي: هما بمعنى واحد كندمان ونديم قاله أبو عبيد، وقيل: ليس بناء فعلان كفعيل، فإن فعلان لا يقع إلا على مبالغة الفعل نحو قولك: رجل غضبان، وفعيل قد يكون بمعنى الفاعل والمفعول، قال أبو علي الفارسي: الرحمن: اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى، والرحيم إنما هو من جهة المؤمنين، قال الله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43]، وقال ابن عباس: هما اسمان رقيقان، أحدهما أرق من الآخر، أي أكثر رحمة، ثم حكي عن الخطابي وغيره: أنهم استشكلوا هذه الصفة، وقالوا: لعله أرفق كما جاء في الحديث: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله وإنه يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف».
وقال ابن المبارك: الرحمن إذا سئل أعطى، والرحيم إذا لم يسأل يغضب، وهذا كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي صالح الفارسي الخوزي عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يسأل الله يغضب عليه»، وقال بعض الشعراء:
لا تطلبن بني آدم حاجة *** وسل الذي أبوابه لا تغلق
الله يغضب إن تركت سؤاله *** وبني آدم حين يسأل يغضب
قال ابن جرير: حدثنا السري بن يحيى التميمي، حدثنا عثمان بن زُفَر، سمعت العَرْزَميّ يقول: الرحمن الرحيم، قال: الرحمن لجميع الخلق، الرحيم، قال: بالمؤمنين. قالوا: ولهذا قال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} [الفرقان: 59] وقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] فذكر الاستواء باسمه الرحمن ليعم جميع خلقه برحمته، وقال: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43] فخصهم باسمه الرحيم، قالوا: فدل على أن الرحمن أشد مبالغة في الرحمة لعمومها في الدارين لجميع خلقه، والرحيم خاصة بالمؤمنين، لكن جاء في الدعاء المأثور: رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما.
واسمه تعالى الرحمن خاص به لم يُسم به غيره كما قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى} وقال تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} ولما تجهرم مسيلمة الكذاب وتسمى برحمن اليمامة كساه الله جلباب الكذب وشهر به؛ فلا يقال إلا مسيلمة الكذاب، فصار يُضرب به المثل في الكذب بين أهل الحضر من أهل المدر، وأهل الوبر من أهل البادية والأعراب.
وقد زعم بعضهم أن الرحيم أشد مبالغة من الرحمن؛ لأنه أكد به، والتأكيد لا يكون إلا أقوى من المؤكَّد، والجواب أن هذا ليس من باب التوكيد، وإنما هو من باب النعت بعد النعت ولا يلزم فيه ما ذكروه، وعلى هذا فيكون تقدير اسم الله الذي لم يسم به أحد غيره، ووصفه أولا بالرحمن الذي منع من التسمية به لغيره، كما قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110]. وإنما تجهرم مسيلمة اليمامة في التسمي به ولم يتابعه على ذلك إلا من كان معه في الضلالة. وأما الرحيم فإنه تعالى وصف به غيره حيث قال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] كما وصف غيره بذلك من أسمائه في قوله: {إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان: 2].
والحاصل: أن من أسمائه تعالى ما يسمى به غيره، ومنها ما لا يسمى به غيره، كاسم الله والرحمن والخالق والرزاق ونحو ذلك؛ فلهذا بدأ باسم الله، ووصفه بالرحمن؛ لأنه أخص وأعرف من الرحيم؛ لأن التسمية أولا إنما تكون بأشرف الأسماء، فلهذا ابتدأ بالأخص فالأخص.
فإن قيل: فإذا كان الرحمن أشد مبالغة؛ فهلا اكتفى به عن الرحيم؟ فقد روي عن عطاء الخراساني ما معناه: أنه لما تسمى غيره تعالى بالرحمن، جيء بلفظ الرحيم ليقطع التوهم بذلك، فإنه لا يوصف بالرحمن الرحيم إلا الله تعالى. كذا رواه ابن جرير عن عطاء. ووجهه بذلك، والله أعلم.
وقد زعم بعضهم أن العرب لا تعرف الرحمن، حتى رد الله عليهم ذلك بقوله: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110]؛ ولهذا قال كفار قريش يوم الحديبية لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعَلي: «اكتب {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}»، فقالوا: لا نعرف الرحمن ولا الرحيم. رواه البخاري، وفي بعض الروايات: لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة.
وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: 60].
والظاهر أن إنكارهم هذا إنما هو جُحود وعناد وتعنت في كفرهم؛ فإنه قد وجد في أشعارهم في الجاهلية تسمية الله تعالى بالرحمن، قال ابن جرير: وقد أنشد لبعض الجاهلية الجُهَّال:
ألا ضَرَبَتْ تلك الفتاةُ هَجِينَها *** ألا قَضَبَ الرحمنُ رَبى يمينها
وقال سلامة بن جندب الطهوي:
عَجِلتم علينا عَجْلَتينَا عليكُمُ *** وما يَشَأ الرّحْمَن يَعْقِد ويُطْلِقِ
وقال ابن جرير: حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا عثمان بن سعيد، حدثنا بشر بن عمارة، حدثنا أبو روق، عن الضحاك، عن عبد الله بن عباس، قال: الرحمن: الفعلان من الرحمة، وهو من كلام العرب، وقال: {الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 3] الرقيق الرفيق بمن أحب أن يرحمه، والبعيد الشديد على من أحب أن يعنف عليه، وكذلك أسماؤه كلها.
وقال ابن جرير أيضًا: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا حماد بن مَسْعَدة، عن عوف، عن الحسن، قال: الرحمن اسم ممنوع.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان، حدثنا زيد بن الحباب، حدثني أبو الأشهب، عن الحسن، قال: الرحمن: اسم لا يستطيع الناس أن ينتحلوه، تسمى به تبارك وتعالى.
وقد جاء في حديث أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقطع قرآنه حرفًا حرفًا {بسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، فقرأ بعضهم كذلك وهم طائفة من الكوفيين ومنهم من وصلها بقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وكسرت الميم لالتقاء الساكنين وهم الجمهور. وحكى الكسائي عن بعض العرب أنها تقرأ بفتح الميم وصلة الهمزة فيقولون: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فنقلوا حركة الهمزة إلى الميم بعد تسكينها كما قرئ قوله تعالى: {الم اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} قال ابن عطية: ولم ترد بهذه قراءة عن أحد فيما علمت.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2014, 12:12 AM   رقم المشاركة : 3
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

القراء السبعة على ضم الدال من قوله: {الحمدُ لِله} وهو مبتدأ وخبر. وروي عن سفيان بن عيينة ورؤبة بن العجاج أنهما قالا: {الحمدَ لِله} بالنصب وهو على إضمار فعل، وقرأ ابن أبي عبلة: {الحمدُ لُله} بضم الدال واللام إتباعًا للثاني الأول وله شواهد لكنه شاذ، وعن الحسن وزيد بن علي: {الحمدِ لِله} بكسر الدال إتباعًا للأول الثاني.
قال أبو جعفر بن جرير: معنى {الحمد لله} الشكر لله خالصًا دون سائر ما يعبد من دونه، ودون كل ما برأ من خلقه، بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد، ولا يحيط بعددها غيره أحد، في تصحيح الآلات لطاعته، وتمكين جوارح أجسام المكلفين لأداء فرائضه، مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق، وغذَّاهم به من نعيم العيش، من غير استحقاق منهم ذلك عليه، ومع ما نبههم عليه ودعاهم إليه، من الأسباب المؤدية إلى دوام الخلود في دار المقام في النعيم المقيم، فلربنا الحمد على ذلك كله أولا وآخرًا.
وقال ابن جرير: {الحمد لله} ثناء أثنى به على نفسه وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنه قال: قولوا: {الحمد لله}.
قال: وقد قيل: إن قول القائل: الحمد لله، ثناء عليه بأسمائه وصفاته الحسنى، وقوله: الشكر لله ثناء عليه بنعمه وأياديه، ثم شرع في رد ذلك بما حاصله أن جميع أهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلا من الحمد والشكر مكان الآخر.
وقد نقل السلمي هذا المذهب أنهما سواء عن جعفر الصادق وابن عطاء من الصوفية.
وقال ابن عباس: {الحمد لله} كلمة كل شاكر، وقد استدل القرطبي لابن جرير بصحة قول القائل: {الحمد لله} شكرًا.
وهذا الذي ادعاه ابن جرير فيه نظر؛ لأنه اشتهر عند كثير من العلماء من المتأخرين أن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية، والشكر لا يكون إلا على المتعدية، ويكون بالجنان واللسان والأركان، كما قال الشاعر:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة *** يدي ولساني والضمير المحجبا
ولكنهم اختلفوا: أيهما أعم، الحمد أو الشكر؟ على قولين، والتحقيق أن بينهما عمومًا وخصوصًا، فالحمد أعم من الشكر من حيث ما يقعان عليه؛ لأنه يكون على الصفات اللازمة والمتعدية، تقول: حَمدته لفروسيته وحمدته لكرمه. وهو أخص لأنه لا يكون إلا بالقول، والشكر أعم من حيث ما يقعان عليه، لأنه يكون بالقول والعمل والنية، كما تقدم، وهو أخص لأنه لا يكون إلا على الصفات المتعدية، لا يقال: شكرته لفروسيته، وتقول: شكرته على كرمه وإحسانه إليّ. هذا حاصل ما حرره بعض المتأخرين، والله أعلم.
وقال أبو نصر إسماعيل بن حَمَّاد الجوهري: الحمد نقيض الذم، تقول: حَمِدت الرجل أحمده حمدًا ومحمدة، فهو حميد ومحمود، والتحميد أبلغ من الحمد، والحمد أعم من الشكر.
وقال في الشكر: هو الثناء على المحسن بما أولاكه من المعروف، يقال: شكرته، وشكرت له. وباللام أفصح.
وأما المدح فهو أعم من الحمد؛ لأنه يكون للحي وللميت وللجماد- أيضا- كما يمدح الطعام والمال ونحو ذلك، ويكون قبل الإحسان وبعده، وعلى الصفات المتعدية واللازمة أيضًا فهو أعم.
ذكر أقوال السلف في الحمد:
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو معمر القطيعي، حدثنا حفص، عن حجاج، عن ابن أبي مُلَيْكة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: قال عمر: قد عَلِمْنا سبحان الله، ولا إله إلا الله، فما الحمد لله؟ فقال علي: كلمة رضيها الله لنفسه.
ورواه غير أبي مَعْمَر، عن حفص، فقال: قال عمر لعلي، وأصحابه عنده: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والله أكبر، قد عرفناها، فما الحمد لله؟ قال علي: كلمة أحبها الله لنفسه، ورضيها لنفسه، وأحب أن تقال.
وقال علي بن زيد بن جُدْعَان، عن يوسف بن مِهْرَان، قال: قال ابن عباس: الحمد لله كلمة الشكر، وإذا قال العبد: الحمد لله، قال: شكرني عبدي. رواه ابن أبي حاتم.
وروى- أيضًا- هو وابن جرير، من حديث بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: أنه قال: الحمد لله هو الشكر لله والاستخذاء له، والإقرار له بنعمه وهدايته وابتدائه وغير ذلك.
وقال كعب الأحبار: الحمد لله ثناء الله.
وقال الضحاك: الحمد لله رداء الرحمن. وقد ورد الحديث بنحو ذلك.
قال ابن جرير: حدثني سعيد بن عمرو السَّكوني، حدثنا بقية بن الوليد، حدثني عيسى بن إبراهيم، عن موسى بن أبي حبيب، عن الحكم بن عمير، وكانت له صحبة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا قلت: الحمد لله رب العالمين، فقد شكرت الله، فزادك».
وقد روى الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا روح، حدثنا عوف، عن الحسن، عن الأسود بن سريع، قال: قلت: يا رسول الله، ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي، تبارك وتعالى؟ فقال: «أما إن ربك يحب الحمد».
ورواه النسائي، عن علي بن حجر، عن ابن علية، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن الأسود بن سريع، به.
وروى الترمذي، والنسائي وابن ماجه، من حديث موسى بن إبراهيم بن كثير، عن طلحة بن خراش، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله».
وقال الترمذي: حسن غريب.
وروى ابن ماجه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنعم الله على عبد نعمة فقال: الحمد لله إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ».
وقال القرطبي في تفسيره، وفي نوادر الأصول عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن الدنيا بحذافيرها في يد رجل من أمتي ثم قال: الحمد لله، لكان الحمد لله أفضل من ذلك». قال القرطبي وغيره: أي لكان إلهامه الحمد لله أكبر نعمة عليه من نعم الدنيا؛ لأن ثواب الحمد لا يفنى ونعيم الدنيا لا يبقى، قال الله تعالى: {المال وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا} [الكهف: 46]. وفي سنن ابن ماجه عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم: «أن عبدًا من عباد الله قال: يا رب، لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، فعضلت بالملكين فلم يدريا كيف يكتبانها، فصعدا إلى السماء فقالا يا رب، إن عبدا قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها، قال الله- وهو أعلم بما قال عبده-: ماذا قال عبدي؟ قالا يا رب إنه قد قال: يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. فقال الله لهما: اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها». وحكى القرطبي عن طائفة أنهم قالوا: قول العبد: الحمد لله رب العالمين، أفضل من قول: لا إله إلا الله؛ لاشتمال الحمد لله رب العالمين على التوحيد مع الحمد، وقال آخرون: لا إله إلا الله أفضل لأنها الفصل بين الإيمان والكفر، وعليها يقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله كما ثبت في الحديث المتفق عليه وفي الحديث الآخر في السنن: «أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له». وقد تقدم عن جابر مرفوعا: «أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله». وحسنه الترمذي.
والألف واللام في الحمد لاستغراق جميع أجناس الحمد، وصنوفه لله تعالى كما جاء في الحديث: «اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله». الحديث.
{رَبِّ الْعَالَمِينَ} والرب هو: المالك المتصرف، ويطلق في اللغة على السيد، وعلى المتصرف للإصلاح، وكل ذلك صحيح في حق الله تعالى.
ولا يستعمل الرب لغير الله، بل بالإضافة تقول: رب الدار رب كذا، وأما الرب فلا يقال إلا لله عز وجل، وقد قيل: إنه الاسم الأعظم. والعالمين: جمع عالم، وهو كل موجود سوى الله عز وجل، والعالم جمع لا واحد له من لفظه، والعوالم أصناف المخلوقات في السماوات والأرض في البر والبحر، وكل قرن منها وجيل يسمى عالمًا أيضًا.
قال بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] الحمد لله الذي له الخلق كله، السماوات والأرضون، ومن فيهن وما بينهن، مما نعلم، وما لا نعلم.
وفي رواية سعيد بن جبير، وعكرمة، عن ابن عباس: رب الجن والإنس. وكذلك قال سعيد بن جبير، ومجاهد وابن جريج، وروي عن علي نحوه.
وقال ابن أبي حاتم: بإسناد لا يعتمد عليه.
واستدل القرطبي لهذا القول بقوله: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1] وهم الجن والإنس.
وقال الفراء وأبو عبيدة: العالم عبارة عما يعقل وهم الإنس والجن والملائكة والشياطين ولا يقال للبهائم: عالم، وعن زيد بن أسلم وأبي عمرو بن العلاء كل ما له روح يرتزق.
وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة مروان بن محمد بن مروان بن الحكم- وهو آخر خلفاء بني أمية ويعرف بالجعد ويلقب بالحمار- أنه قال: خلق الله سبعة عشر ألف عالم أهل السماوات وأهل الأرض عالم واحد وسائر ذلك لا يعلمه إلا الله، عز وجل.
وقال قتادة: رب العالمين، كل صنف عالم.
وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية في قوله تعالى {رب العالمين} قال: الإنس عالم، والجن عالم، وما سوى ذلك ثمانية عشر ألف عالم، أو أربعة عشر ألف عالم، هو يشك، من الملائكة على الأرض، وللأرض أربع زوايا، في كل زاوية ثلاثة آلاف عالم، وخمسمائة عالم، خلقهم الله لعبادته. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
وهذا كلام غريب يحتاج مثله إلى دليل صحيح.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا هشام بن خالد، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الفرات، يعني ابن الوليد، عن معتب بن سمي، عن تُبَيع، يعني الحميري، في قوله: {رب العالمين} قال: العالمين ألف أمة فستمائة في البحر، وأربعمائة في البر.
وحكي مثله عن سعيد بن المسيب.
وقد روي نحو هذا مرفوعا كما قال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى في مسنده:
حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبيد بن واقد القيسي، أبو عباد، حدثني محمد بن عيسى بن كيسان، حدثنا محمد بن المنْكَدِر، عن جابر بن عبد الله، قال: قلّ الجراد في سنة من سني عمر التي ولي فيها فسأل عنه، فلم يخبر بشيء، فاغتم لذلك، فأرسل راكبا يضرب إلى اليمن، وآخر إلى الشام، وآخر إلى العراق، يسأل: هل رئي من الجراد شيء أم لا؟ قال: فأتاه الراكب الذي من قبل اليمن بقبضة من جراد، فألقاها بين يديه، فلما رآها كبر، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خلق الله ألف أمة، ستمائة في البحر وأربعمائة في البر، فأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد، فإذا هلك تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه». محمد بن عيسى هذا- وهو الهلالي- ضعيف.
وحكى البغوي عن سعيد بن المسيب أنه قال: لله ألف عالَم؛ ستمائة في البحر وأربعمائة في البر، وقال وهب بن منبه: لله ثمانية عشر ألف عالَم؛ الدنيا عالم منها.
وقال مقاتل: العوالم ثمانون ألفًا.
وقال كعب الأحبار: لا يعلم عدد العوالم إلا الله عز وجل. نقله كله البغوي، وحكى القرطبي عن أبي سعيد الخدري أنه قال: إن لله أربعين ألف عالم؛ الدنيا من شرقها إلى مغربها عالم واحد منها، وقال الزجاج: العالم كل ما خلق الله في الدنيا والآخرة. قال القرطبي: وهذا هو الصحيح أنه شامل لكل العالمين؛ كقوله: {قال فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} والعالم مشتق من العلامة قلت: لأنه علم دال على وجود خالقه وصانعه ووحدانيته كما قال ابن المعتز:
فيا عجبا كيف يعصى الإله *** أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2014, 12:19 AM   رقم المشاركة : 4
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

قرأ بعض القراء: {مَلِك يَوْمِ الدِّينِ} وقرأ آخرون: {مَالِكِ}. وكلاهما صحيح متواتر في السبع.
ويقال: مليك أيضًا، وأشبع نافع كسرة الكاف فقرأ: {ملكي يوم الدين} وقد رجح كلا من القراءتين مرجحون من حيث المعنى، وكلاهما صحيحة حسنة، ورجح الزمخشري ملك؛ لأنها قراءة أهل الحرمين ولقوله: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} وقوله: {قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ} وحكي عن أبي حنيفة أنه قرأ {مَلَكَ يومَ الدين} على أنه فعل وفاعل ومفعول، وهذا شاذ غريب جدا.
وقد روى أبو بكر بن أبي داود في ذلك شيئًا غريبًا حيث قال: حدثنا أبو عبد الرحمن الأذْرَمِيُّ، حدثنا عبد الوهاب عن عدي بن الفضل، عن أبي المطرف، عن ابن شهاب: أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وابنه يزيد بن معاوية كانوا يقرءون: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وأول من أحدث {مَلِكِ} مروان. قلت: مروان عنده علم بصحة ما قرأه، لم يطلع عليه ابن شهاب، والله أعلم.
وقد روي من طرق متعددة أوردها ابن مَرْدُويه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ومالك مأخوذ من الملْك، كما قال: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم: 40] وقال: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ} [الناس: 1، 2] وملك: مأخوذ من الملك كما قال تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: 16] وقال: {قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ} [الأنعام: 73] وقال: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} [الفرقان: 26].
وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه، لأنه قد تقدم الإخبار بأنه رب العالمين، وذلك عام في الدنيا والآخرة، وإنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي أحد هنالك شيئا، ولا يتكلم أحد إلا بإذنه، كما قال: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} [النبأ: 38] وقال تعالى: {وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا} [طه: 108]، وقال: {يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود: 105].
وقال الضحاك عن ابن عباس: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يقول: لا يملك أحد في ذلك اليوم معه حكما، كملكهم في الدنيا. قال: ويوم الدين يوم الحساب للخلائق، وهو يوم القيامة يدينهم بأعمالهم إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر، إلا من عفا عنه. وكذلك قال غيره من الصحابة والتابعين والسلف، وهو ظاهر.
وحكى ابن جرير عن بعضهم أنه ذهب إلى تفسير {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} أنه القادر على إقامته، ثم شرع يضعفه.
والظاهر أنه لا منافاة بين هذا القول وما تقدم، وأن كلا من القائلين بهذا وبما قبله يعترف بصحة القول الآخر، ولا ينكره، ولكن السياق أدل على المعنى الأول من هذا، كما قال: {المْلُكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان: 26] والقول الثاني يشبه قوله: {وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ}، [الأنعام: 73] والله أعلم.
والمَلِك في الحقيقة هو الله عز وجل؛ قال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ} وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا أخنع اسم عند الله رجل تسمى بملك الأملاك ولا مالك إلا الله، وفيهما عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟» وفي القرآن العظيم: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} فأما تسمية غيره في الدنيا بملك فعلى سبيل المجاز كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا}، {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} {إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} وفي الصحيحين:
«مثل الملوك على الأسرة».
والدين الجزاء والحساب؛ كما قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ}، وقال: {أئنا لمدينون} أي مجزيون محاسبون، وفي الحديث: «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت» أي حاسب نفسه لنفسه؛ كما قال عمر رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على من لا تخفى عليه أعمالكم: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2014, 01:22 AM   رقم المشاركة : 5
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

قرأ السبعة والجمهور بتشديد الياء من {إياك} وقرأ عمرو بن فايد بتخفيفها مع الكسر وهي قراءة شاذة مردودة؛ لأن إيا ضوء الشمس. وقرأ بعضهم: {أياك} بفتح الهمزة وتشديد الياء، وقرأ بعضهم: هياك بالهاء بدل الهمزة، كما قال الشاعر:
فهياك والأمر الذي إن تراحبت *** موارده ضاقت عليك مصادره
و{نستعين} بفتح النون أول الكلمة في قراءة الجميع سوى يحيى بن وثاب والأعمش فإنهما كسراها وهي لغة بني أسد وربيعة وبني تميم وقيس. العبادة في اللغة من الذلة، يقال: طريق مُعَبّد، وبعير مُعَبّد، أي: مذلل، وفي الشرع: عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف.
وقدم المفعول وهو {إياك}، وكرر؛ للاهتمام والحصر، أي: لا نعبد إلا إياك، ولا نتوكل إلا عليك، وهذا هو كمال الطاعة. والدين يرجع كله إلى هذين المعنيين، وهذا كما قال بعض السلف: الفاتحة سر القرآن، وسرها هذه الكلمة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] فالأول تبرؤ من الشرك، والثاني تبرؤ من الحول والقوة، والتفويض إلى الله عز وجل. وهذا المعنى في غير آية من القرآن، كما قال تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود: 123] {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} [الملك: 29] {رَبَّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا} [المزمل: 9]، وكذلك هذه الآية الكريمة:
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
وتحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب، وهو مناسبة، لأنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله تعالى؛ فلهذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وفي هذا دليل على أن أول السورة خبر من الله تعالى بالثناء على نفسه الكريمة بجميل صفاته الحسنى، وإرشاد لعباده بأن يثنوا عليه بذلك؛ ولهذا لا تصح صلاة من لم يقل ذلك، وهو قادر عليه، كما جاء في الصحيحين، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب». وفي صحيح مسلم، من حديث العلاء بن عبد الرحمن، مولى الحُرَقَة، عن أبيه، عن أبي هريرة،
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، إذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] قال: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 3] قال: أثنى علي عبدي، فإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] قال الله: مجدني عبدي، وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6، 7] قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل».
وقال الضحاك، عن ابن عباس: {إياك نعبد} يعني: إياك نوحد ونخاف ونرجو يا ربنا لا غيرك {وإياك نستعين} على طاعتك وعلى أمورنا كلها.
وقال قتادة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يأمركم أن تخلصوا له العبادة وأن تستعينوه على أمركم.
وإنما قدم: {إياك نعبد} على {وإياك نستعين} لأن العبادة له هي المقصودة، والاستعانة وسيلة إليها، والاهتمام والحزم هو أن يقدم ما هو الأهم فالأهم، والله أعلم.
فإن قيل: فما معنى النون في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فإن كانت للجمع فالداعي واحد، وإن كانت للتعظيم فلا تناسب هذا المقام؟ وقد أجيب: بأن المراد من ذلك الإخبار عن جنس العباد والمصلي فرد منهم، ولا سيما إن كان في جماعة أو إمامهم، فأخبر عن نفسه وعن إخوانه المؤمنين بالعبادة التي خلقوا لأجلها، وتوسط لهم بخير، ومنهم من قال: يجوز أن تكون للتعظيم، كأن العبد قيل له: إذا كنت في العبادة فأنت شريف وجاهك عريض فقل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، وإذا كنت خارج العبادة فلا تقل: نحن ولا فعلنا، ولو كنت في مائة ألف أو ألف ألف لافتقار الجميع إلى الله عز وجل. ومنهم من قال: ألطف في التواضع من إياك أعبد، لما في الثاني من تعظيمه نفسه من جعله نفسه وحده أهلا لعبادة الله تعالى الذي لا يستطيع أحد أن يعبده حق عبادته، ولا يثني عليه كما يليق به، والعبادة مقام عظيم يشرف به العبد لانتسابه إلى جناب الله تعالى، كما قال بعضهم:
لا تدعني إلا بيا عبدها *** فإنه أشرف أسمائي
وقد سمى الله رسوله بعبده في أشرف مقاماته فقال {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} [الكهف: 1] {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن: 19] {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا} [الإسراء: 1] فسماه عبدًا عند إنزاله عليه وقيامه في الدعوة وإسرائه به، وأرشده إلى القيام بالعبادة في أوقات يضيق صدره من تكذيب المخالفين له، حيث يقول: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 97- 99].
وقد حكى فخر الدين في تفسيره عن بعضهم: أن مقام العبودية أشرف من مقام الرسالة؛ لكون العبادة تصدر من الخلق إلى الحق والرسالة من الحق إلى الخلق؛ قال: ولأن الله متولي مصالح عبده، والرسول متولي مصالح أمته وهذا القول خطأ، والتوجيه أيضًا ضعيف لا حاصل له، ولم يتعرض له فخر الدين بتضعيف ولا رده.
وقال بعض الصوفية: العبادة إما لتحصيل ثواب ورد عقاب؛ قالوا: وهذا ليس بطائل إذ مقصوده تحصيل مقصوده، وإما للتشريف بتكاليف الله تعالى، وهذا- أيضًا- عندهم ضعيف، بل العالي أن يعبد الله لذاته المقدسة الموصوفة بالكمال، قالوا: ولهذا يقول المصلي: أصلي لله، ولو كان لتحصيل الثواب ودرء العذاب لبطلت صلاته. وقد رد ذلك عليهم آخرون وقالوا: كون العبادة لله عز وجل، لا ينافي أن يطلب معها ثوابا، ولا أن يدفع عذابًا، كما قال ذلك الأعرابي: أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ إنما أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«حولها ندندن».








التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2014, 01:28 AM   رقم المشاركة : 6
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

قراءة الجمهور بالصاد. وقرئ: {السراط} وقرئ بالزاي، قال الفراء:
وهي لغة بني عذرة وبلقين وبني كلب.
لما تقدم الثناء على المسؤول، تبارك وتعالى، ناسب أن يعقب بالسؤال؛ كما قال: «فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل» وهذا أكمل أحوال السائل، أن يمدح مسؤوله، ثم يسأل حاجته وحاجة إخوانه المؤمنين بقوله: {اهدنا}، لأنه أنجح للحاجة وأنجع للإجابة، ولهذا أرشد الله تعالى إليه لأنه الأكمل، وقد يكون السؤال بالإخبار عن حال السائل واحتياجه، كما قال موسى عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24] وقد يتقدمه مع ذلك وصف المسؤول، كقول ذي النون: {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] وقد يكون بمجرد الثناء على المسؤول، كقول الشاعر:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني *** حياؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوما *** كفاه من تعرضه الثناء
والهداية هاهنا: الإرشاد والتوفيق، وقد تعدى الهداية بنفسها كما هنا {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} فتضمن معنى ألهمنا، أو وفقنا، أو ارزقنا، أو اعطنا؛ {وهديناه النجدين} [البلد: 10] أي: بينا له الخير والشر، وقد تعدى بإلى، كقوله تعالى: {اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل: 121] {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 23] وذلك بمعنى الإرشاد والدلالة، وكذلك قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] وقد تعدى باللام، كقول أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} [الأعراف: 43] أي وفقنا لهذا وجعلنا له أهلا. وأما الصراط المستقيم، فقال الإمام أبو جعفر بن جرير: أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعًا على أن {الصراط المستقيم} هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه.
وكذلك ذلك في لغة جميع العرب، فمن ذلك قول جرير بن عطية الخَطَفي:
أميرُ المؤمنين على صِراطٍ *** إذا اعوج الموارِدُ مُسْتَقيمِ
قال: والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصر، قال: ثم تستعير العرب الصراط فتستعمله في كل قول وعمل، وصف باستقامة أو اعوجاج، فتصف المستقيم باستقامته، والمعوج باعوجاجه.
ثم اختلفت عبارات المفسرين من السلف والخلف في تفسير الصراط، وإن كان يرجع حاصلها إلى شيء واحد، وهو المتابعة لله وللرسول؛ فروي أنه كتاب الله، قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة، حدثني يحيى بن يمان، عن حمزة الزيات، عن سعد، وهو أبو المختار الطائي، عن ابن أخي الحارث الأعور، عن الحارث الأعور، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصراط المستقيم كتاب الله». وكذلك رواه ابن جرير، من حديث حمزة بن حبيب الزيات، وقد تقدم في فضائل القرآن فيما رواه أحمد والترمذي من رواية الحارث الأعور، عن علي مرفوعا:
«وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم».
وقد روي هذا موقوفا عن علي، وهو أشبه، والله أعلم.
وقال الثوري، عن منصور، عن أبي وائل، عن عبد الله، قال: الصراط المستقيم. كتاب الله، وقيل: هو الإسلام.
وقال الضحاك، عن ابن عباس، قال: قال جبريل لمحمد، عليهما السلام: قل: يا محمد، اهدنا الصراط المستقيم. يقول: اهدنا الطريق الهادي، وهو دين الله الذي لا عوج فيه.
وقال ميمون بن مِهْرَان، عن ابن عباس، في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} قال: ذاك الإسلام.
وقال إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} قالوا: هو الإسلام.
وقال عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} قال: الإسلام، قال: هو أوسع مما بين السماء والأرض.
وقال ابن الحنفية في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} قال هو دين الله، الذي لا يقبل من العباد غيره.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: اهدنا الصراط المستقيم، قال: هو الإسلام.
وفي معنى هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، حيث قال: حدثنا الحسن بن سوار أبو العلاء، حدثنا ليث يعني ابن سعد، عن معاوية بن صالح: أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، حدثه عن أبيه، عن النواس بن سمعان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«ضرب الله مثلا صراطًا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس، ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا، وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب، قال: ويحك، لا تفتحه؛ فإنك إن تفتحه تلجه. فالصراط الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم».
وهكذا رواه ابن أبي حاتم، وابن جرير من حديث الليث بن سعد به.
ورواه الترمذي والنسائي جميعا، عن علي بن حجر عن بقية، عن بُجَيْر بن سعد، عن خالد بن مَعْدَان، عن جبير بن نفير، عن النواس بن سمعان، به.
وهو إسناد صحيح، والله أعلم.
وقال مجاهد: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، قال: الحق. وهذا أشمل، ولا منافاة بينه وبين ما تقدم.
وروى ابن أبي حاتم وابن جرير، من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم؛ حدثنا حمزة بن المغيرة، عن عاصم الأحول، عن أبي العالية: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} قال: هو النبي صلى الله عليه وسلم، وصاحباه من بعده، قال عاصم: فذكرنا ذلك للحسن، فقال: صدق أبو العالية ونصح.
وكل هذه الأقوال صحيحة، وهي متلازمة، فإن من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم، واقتدى باللذين من بعده أبي بكر وعمر، فقد اتبع الحق، ومن اتبع الحق فقد اتبع الإسلام، ومن اتبع الإسلام فقد اتبع القرآن، وهو كتاب الله وحبله المتين، وصراطه المستقيم، فكلها صحيحة يصدق بعضها بعضا، ولله الحمد.
وقال الطبراني: حدثنا محمد بن الفضل السقطي، حدثنا إبراهيم بن مهدي المِصِّيصي، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله، قال: الصراط المستقيم الذي تركنا عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. ولهذا قال الإمام أبو جعفر بن جرير، رحمه الله: والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي- أعني {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}- أن يكون معنيًا به: وفقنا للثبات على ما ارتضيته ووفقت له مَنْ أنعمت عليه مِنْ عبادك، من قول وعمل، وذلك هو الصراط المستقيم؛ لأن مَن وفق لما وُفق له من أنعم الله عليهم مِن النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فقد وُفق للإسلام، وتصديق الرسل، والتمسك بالكتاب، والعمل بما أمره الله به، والانزجار عما زجره عنه، واتباع منهاج النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهاج الخلفاء الأربعة، وكل عبد صالح، وكل ذلك من الصراط المستقيم.
فإن قيل: كيف يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة وغيرها، وهو متصف بذلك؟ فهل هذا من باب تحصيل الحاصل أم لا؟
فالجواب: أن لا ولولا احتياجه ليلا ونهارًا إلى سؤال الهداية لما أرشده الله إلى ذلك؛ فإن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية، ورسوخه فيها، وتبصره، وازدياده منها، واستمراره عليها، فإن العبد لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة والثبات والتوفيق، فالسعيد من وفقه الله تعالى لسؤاله؛ فإنه تعالى قد تكفل بإجابة الداعي إذا دعاه، ولا سيما المضطر المحتاج المفتقر إليه آناء الليل وأطراف النهار، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نزلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزلَ مِنْ قَبْلُ} الآية [النساء: 136]، فقد أمر الذين آمنوا بالإيمان، وليس في ذلك تحصيل الحاصل؛ لأن المراد الثبات والاستمرار والمداومة على الأعمال المعينة على ذلك، والله أعلم.
وقال تعالى آمرا لعباده المؤمنين أن يقولوا: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} وقد كان الصدِّيق رضي الله عنه يقرأ بهذه الآية في الركعة الثالثة من صلاة المغرب بعد الفاتحة سرًا. فمعنى قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} استمر بنا عليه ولا تعدل بنا إلى غيره.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2014, 01:43 AM   رقم المشاركة : 7
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7)}
قد تقدم الحديث فيما إذا قال العبد: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إلى آخرها أن الله يقول: «هذا لعبدي ولعبدي ما سأل». وقوله: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} مفسر للصراط المستقيم. وهو بدل منه عند النحاة، ويجوز أن يكون عطف بيان، والله أعلم.
و{الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} هم المذكورون في سورة النساء، حيث قال: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا} [النساء: 69، 70].
وقال الضحاك، عن ابن عباس: صراط الذين أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك، من ملائكتك، وأنبيائك، والصديقين، والشهداء، والصالحين؛ وذلك نظير ما قال ربنا تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} الآية [النساء: 69].
وقال أبو جعفر، عن الربيع بن أنس: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} قال: هم النبيون.
وقال ابن جُرَيْج، عن ابن عباس: هم المؤمنون.
وكذا قال مجاهد.
وقال وَكِيع: هم المسلمون.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هم النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه. والتفسير المتقدم، عن ابن عباس أعم، وأشمل، والله أعلم.
وقوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} قرأ الجمهور: {غير} بالجر على النعت، قال الزمخشري: وقرئ بالنصب على الحال، وهي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب، ورويت عن ابن كثير، وذو الحال الضمير في {عليهم} والعامل: {أنعمت} والمعنى اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم ممن تقدم وصفهم ونعتهم، وهم أهل الهداية والاستقامة والطاعة لله ورسله، وامتثال أوامره وترك نواهيه وزواجره، غير صراط المغضوب عليهم، وهم الذين فسدت إرادتهم، فعلموا الحق وعدلوا عنه، ولا صراط الضالين وهم الذين فقدوا العلم فهم هائمون في الضلالة لا يهتدون إلى الحق، وأكد الكلام بلا ليدل على أن ثَمّ مسلكين فاسدين، وهما طريقتا اليهود والنصارى.
وقد زعم بعض النحاة أن {غير} هاهنا استثنائية، فيكون على هذا منقطعًا لاستثنائهم من المنعم عليهم وليسوا منهم، وما أوردناه أولى، لقول الشاعر:
كأنَّك من جِمال بني أقَيش *** يُقَعْقَعُ عند رِجْلَيْه بشَنِّ
أي: كأنك جمل من جمال بني أقيش، فحذف الموصوف واكتفى بالصفة، وهكذا، {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} أي: غير صراط المغضوب عليهم.
اكتفى بالمضاف إليه عن ذكر المضاف، وقد دل عليه سياق الكلام، وهو قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ثم قال تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} ومنهم من زعم أن (لا) في قوله: {ولا الضالين} زائدة، وأن تقدير الكلام عنده: غير المغضوب عليهم والضالين، واستشهد ببيت العجاج:
في بئْر لا حُورٍ سرى وما شَعَر ***
أي في بئر حور. والصحيح ما قدمناه. ولهذا روى أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب فضائل القرآن، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: أنه كان يقرأ: {غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَغَيْر الضَّالّين}. وهذا إسناد صحيح، وكذا حكي عن أبي بن كعب أنه قرأ كذلك وهو محمول على أنه صدر منه على وجه التفسير، فيدل على ما قلناه من أنه إنما جيء بها لتأكيد النفي، لئلا يتوهم أنه معطوف على {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، وللفرق بين الطريقتين، لتجتنب كل منهما؛ فإن طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم بالحق والعمل به، واليهود فقدوا العمل، والنصارى فقدوا العلم؛ ولهذا كان الغضب لليهود، والضلال للنصارى، لأن من علم وترك استحق الغضب، بخلاف من لم يعلم. والنصارى لما كانوا قاصدين شيئًا لكنهم لا يهتدون إلى طريقه، لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه، وهو اتباع الرسول الحق، ضلوا، وكل من اليهود والنصارى ضال مغضوب عليه، لكن أخص أوصاف اليهود الغضب كما قال فيهم: {مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ} [المائدة: 60] وأخص أوصاف النصارى الضلال كما قال: {قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيل} [المائدة: 77]، وبهذا جاءت الأحاديث والآثار. وذلك واضح بين. قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، قال: سمعت سِماك بن حرب، يقول: سمعت عبَّاد بن حُبَيش، يحدث عن عدي بن حاتم، قال:
جاءت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذوا عمتي وناسًا، فلما أتوا بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صُفُّوا له، فقالت: يا رسول الله، ناء الوافد وانقطع الولد، وأنا عجوز كبيرة، ما بي من خدمة، فمُنّ علي مَنّ الله عليك، قال: «من وافدك؟» قالت: عدي بن حاتم، قال: «الذي فر من الله ورسوله!» قالت: فمنَّ علي، فلما رجع، ورجل إلى جنبه، ترى أنه علي، قال: سليه حُمْلانا، فسألته، فأمر لها، قال: فأتتني فقالت: لقد فعل فعلة ما كان أبوك يفعلها، فإنه قد أتاه فلان فأصاب منه، وأتاه فلان فأصاب منه، فأتيته فإذا عنده امرأة وصبيان أو صبي، وذكر قربهم من النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فعرفت أنه ليس بملك كسرى ولا قيصر، فقال: «يا عدي، ما أفرك أن يقال لا إله إلا الله؟ فهل من إله إلا الله؟ قال: ما أفرك أن يقال: الله أكبر، فهل شيء أكبر من الله، عز وجل؟». قال: فأسلمت، فرأيت وجهه استبشر، وقال: «المغضوب عليهم اليهود، وإن الضالين النصارى».
وذكر الحديث، ورواه الترمذي، من حديث سماك بن حرب، وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديثه. قلت: وقد رواه حماد بن سلمة، عن سماك، عن مُرِّيّ بن قَطَريّ، عن عدي بن حاتم، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} قال:
«هم اليهود» {ولا الضالين} قال: «النصارى هم الضالون».
وهكذا رواه سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم به. وقد روي حديث عدي هذا من طرق، وله ألفاظ كثيرة يطول ذكرها.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا مَعْمَر، عن بُدَيْل العُقَيْلي، أخبرني عبد الله بن شَقِيق، أنه أخبره من سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القُرَى، وهو على فرسه، وسأله رجل من بني القين، فقال: يا رسول الله، من هؤلاء؟ قال: «المغضوب عليهم- وأشار إلى اليهود- والضالون هم النصارى». وقد رواه الجُرَيري وعروة، وخالد الحَذَّاء، عن عبد الله بن شقيق، فأرسلوه، ولم يذكروا من سمع النبي صلى الله عليه وسلم. ووقع في رواية عروة تسمية عبد الله بن عمر، فالله أعلم.
وقد روى ابن مَرْدُويه، من حديث إبراهيم بن طَهْمان، عن بديل بن ميسرة، عن عبد الله بن شقيق، عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المغضوب عليهم قال:
«اليهود»، قال قلت: الضالين، قال: «النصارى».
وقال السُّدِّي، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} هم اليهود، {ولا الضالين} هم النصارى.
وقال الضحاك، وابن جُرَيْج، عن ابن عباس: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} اليهود، {ولا الضالين} هم النصارى.
وكذلك قال الربيع بن أنس، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحد، وقال ابن أبي حاتم: ولا أعلم بين المفسرين في هذا اختلافًا.
وشاهد ما قاله هؤلاء الأئمة من أن اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالون، الحديث المتقدم، وقوله تعالى في خطابه مع بني إسرائيل في سورة البقرة: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنزلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} [البقرة: 90]، وقال في المائدة {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 60]، وقال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78، 79].
وفي السيرة عن زيد بن عمرو بن نفيل؛ أنه لما خرج هو وجماعة من أصحابه إلى الشام يطلبون الدين الحنيف، قالت له اليهود: إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله. فقال: أنا من غضب الله أفر. وقالت له النصارى: إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من سَخَط الله فقال: لا أستطيعه. فاستمر على فطرته، وجانب عبادة الأوثان ودين المشركين، ولم يدخل مع أحد من اليهود ولا النصارى، وأما أصحابه فتنصروا ودخلوا في دين النصرانية؛ لأنهم وجدوه أقرب من دين اليهود إذ ذاك، وكان منهم ورقة بن نوفل، حتى هداه الله بنبيه لما بعثه آمن بما وجد من الوحي، رضي الله عنه.
مسألة: والصحيح من مذاهب العلماء أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء لقرب مخرجيهما؛ وذلك أن الضاد مخرجها من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس، ومخرج الظاء من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا، ولأن كلا من الحرفين من الحروف المجهورة ومن الحروف الرخوة ومن الحروف المطبقة، فلهذا كله اغتفر استعمال أحدهما مكان الآخر لمن لا يميز ذلك والله أعلم. وأما حديث: «أنا أفصح من نطق بالضاد» فلا أصل له والله أعلم.
فصل:
اشتملت هذه السورة الكريمة وهي سبع آيات، على حمد الله وتمجيده والثناء عليه، بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العليا، وعلى ذكر المعاد وهو يوم الدين، وعلى إرشاده عبيده إلى سؤاله والتضرع إليه، والتبرؤ من حولهم وقوتهم، وإلى إخلاص العبادة له وتوحيده بالألوهية تبارك وتعالى، وتنزيهه أن يكون له شريك أو نظير أو مماثل، وإلى سؤالهم إياه الهداية إلى الصراط المستقيم، وهو الدين القويم، وتثبيتهم عليه حتى يُفضي بهم ذلك إلى جواز الصراط الحسي يوم القيامة، المفضي بهم إلى جنات النعيم في جوار النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين.
واشتملت على الترغيب في الأعمال الصالحة، ليكونوا مع أهلها يوم القيامة، والتحذير من مسالك الباطل؛ لئلا يحشروا مع سالكيها يوم القيامة، وهم المغضوب عليهم والضالون. وما أحسن ما جاء إسناد الإنعام إليه في قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وحذف الفاعل في الغضب في قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} وإن كان هو الفاعل لذلك في الحقيقة، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} الآية [المجادلة: 14]، وكذلك إسناد الضلال إلى من قام به، وإن كان هو الذي أضلهم بقدَره، كما قال تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف: 17]. وقال: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأعراف: 186]. إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنه سبحانه هو المنفرد بالهداية والإضلال، لا كما تقوله الفرقة القدرية ومن حذا حذوهم، من أن العباد هم الذين يختارون ذلك ويفعلونه، ويحتجون على بدعتهم بمتشابه من القرآن، ويتركون ما يكون فيه صريحا في الرد عليهم، وهذا حال أهل الضلال والغي، وقد ورد في الحديث الصحيح: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم». يعني في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران: 7]، فليس- بحمد الله- لمبتدع في القرآن حجة صحيحة؛ لأن القرآن جاء ليفصل الحق من الباطل مفرقًا بين الهدى والضلال، وليس فيه تناقض ولا اختلاف؛ لأنه من عند الله، تنزيل من حكيم حميد.
فصل:
يستحب لمن قرأ الفاتحة أن يقول بعدها: آمين مثل: يس، ويقال: أمين. بالقصر أيضًا مثل: يمين، ومعناه: اللهم استجب، والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داود، والترمذي، عن وائل بن حجر، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقال: «آمين»، مد بها صوته، ولأبي داود: رفع بها صوته، وقال الترمذي: هذا حديث حسن. وروي عن علي، وابن مسعود وغيرهم.
وعن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} قال: «آمين» حتى يسمع من يليه من الصف الأول، رواه أبو داود، وابن ماجه، وزاد: يرتج بها المسجد، والدارقطني وقال: هذا إسناد حسن.
وعن بلال أنه قال: يا رسول الله، لا تسبقني بآمين. رواه أبو داود.
ونقل أبو نصر القشيري عن الحسن وجعفر الصادق أنهما شددا الميم من آمين مثل: {آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2].
قال أصحابنا وغيرهم: ويستحب ذلك لمن هو خارج الصلاة، ويتأكد في حق المصلي، وسواء كان منفردًا أو إمامًا أو مأمومًا، وفي جميع الأحوال، لما جاء في الصحيحين، عن أبي هريرة، رضي الله عنه،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه» ولمسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال أحدكم في الصلاة: آمين، والملائكة في السماء: آمين، فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه». قيل: بمعنى من وافق تأمينه تأمين الملائكة في الزمان، وقيل: في الإجابة، وقيل: في صفة الإخلاص. وفي صحيح مسلم عن أبي موسى مرفوعا: «إذا قال، يعني الإمام: {ولا الضالين}، فقولوا: آمين. يجبكم الله».
وقال جُوَيبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: قلت: يا رسول الله، ما معنى آمين؟ قال: «رب افعل».
وقال الجوهري: معنى آمين: كذلك فليكن، وقال الترمذي: معناه: لا تخيب رجاءنا، وقال الأكثرون: معناه: اللهم استجب لنا، وحكى القرطبي عن مجاهد وجعفر الصادق وهلال بن كيسان: أن آمين اسم من أسماء الله تعالى وروي عن ابن عباس مرفوعًا ولا يصح، قاله أبو بكر بن العربي المالكي.
وقال أصحاب مالك: لا يؤمن الإمام ويؤمن المأموم، لما رواه مالك عن سُمَيّ، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«وإذا قال، يعني الإمام: {ولا الضالين}، فقولوا: آمين». الحديث. واستأنسوا- أيضا- بحديث أبي موسى: «وإذا قرأ: {ولا الضالين}، فقولوا: آمين».
وقد قدمنا في المتفق عليه: «إذا أمن الإمام فأمنوا» وأنه عليه الصلاة والسلام كان يؤمن إذا قرأ
{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}
وقد اختلف أصحابنا في الجهر بالتأمين للمأموم في الجهرية، وحاصل الخلاف أن الإمام إن نسي التأمين جهر المأموم به قولا واحدًا، وإن أمَّن الإمام جهرًا فالجديد أنه لا يجهر المأموم وهو مذهب أبي حنيفة، ورواية عن مالك؛ لأنه ذكر من الأذكار فلا يجهر به كسائر أذكار الصلاة. والقديم أنه يجهر به، وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل، والرواية الأخرى عن مالك، لما تقدم:
«حتى يرتج المسجد».
ولنا قول آخر ثالث: أنه إن كان المسجد صغيرًا لم يجهر المأموم، لأنهم يسمعون قراءة الإمام، وإن كان كبيرا جهر ليبلغ التأمين مَنْ في أرجاء المسجد، والله أعلم.
وقد روى الإمام أحمد في مسنده، عن عائشة، رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت عنده اليهود، فقال: «إنهم لن يحسدونا على شيء كما يحسدونا على الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام: آمين»، ورواه ابن ماجه، ولفظه: «ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين»، وله عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على قول: آمين، فأكثروا من قول: آمين». وفي إسناده طلحة بن عمرو، وهو ضعيف.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2014, 01:48 AM   رقم المشاركة : 8
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

وروى ابن مَرْدُويه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «آمين: خاتم رب العالمين على عباده المؤمنين».
وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت آمين في الصلاة وعند الدعاء، لم يعط أحد قبلي إلا أن يكون موسى، كان موسى يدعو، وهارون يؤمن، فاختموا الدعاء بآمين، فإن الله يستجيبه لكم».
قلت: ومن هنا نزع بعضهم في الدلالة بهذه الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [يونس: 88، 89]، فذكر الدعاء عن موسى وحده، ومن سياق الكلام ما يدل على أن هارون أمَّن، فنزل منزلة من دعا، لقوله تعالى: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس: 89]، فدلّ ذلك على أن من أمَّن على دعاء فكأنما قاله؛ فلهذا قال من قال: إن المأموم لا يقرأ لأن تأمينه على قراءة الفاتحة بمنزلة قراءتها؛ ولهذا جاء في الحديث: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة»، وكان بلال يقول: لا تسبقني بآمين. فدل هذا المنزع على أن المأموم لا قراءة عليه في الجهرية، والله أعلم.
ولهذا قال ابن مَرْدُويه: حدثنا أحمد بن الحسن، حدثنا عبد الله بن محمد بن سلام، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا جرير، عن ليث بن أبي سليم، عن كعب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقال: آمين، فتوافق آمين أهل الأرض آمين أهل السماء، غفر الله للعبد ما تقدم من ذنبه، ومثل من لا يقول: آمين، كمثل رجل غزا مع قوم، فاقترعوا، فخرجت سهامهم، ولم يخرج سهمه، فقال: لِمَ لَمْ يخرج سهمي؟ فقيل: إنك لم تقل: آمين».
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 18-05-2014, 12:37 AM   رقم المشاركة : 9
شمس القوايل
المشرفة العامة
 
الصورة الرمزية شمس القوايل

بارك الله فيج وجزاج الله الخير

وجعله في ميزان حسناتج







التوقيع :


اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 19-05-2014, 02:40 AM   رقم المشاركة : 10
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شمس القوايل
بارك الله فيج وجزاج الله الخير

وجعله في ميزان حسناتج

●●●
هلااااااااااوغلاااااااااااا

يسعدلي قلبك ويسلمووو وربي على الحضور الرائع بصفحتي
وجزاك الله كووول خير ويعطيك الصحة والسعادة يارب
تقبلي شكري وتقديري واحترامي
مع تحياتي : قلب الزهـــور ..بباي









التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:54 PM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية