العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام الثقافية والأدبية ]:::::+ > المنتدى الثقافي
إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-07-2014, 08:08 AM   رقم المشاركة : 1
حايـ الدمعه ـر
( ود متميز )
 
الصورة الرمزية حايـ الدمعه ـر
 






حايـ الدمعه ـر غير متصل

سطوة الذكرى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وصحبه ومن والاه.. أما بعد:

فمن بدع التصوّرات التي أحدثها بعض أهل العلم والدعوة - وقد سمعتها من بعضهم بأذني - الزعم بأن أطْر الابن على تلقي القرآن من القرّاء في مدارس التحفيظ مما ينفّرهم عن كتاب الله.

لذلك فهم يرون عدم الحرص على إلحاق أبنائهم بمدارس التحفيظ حتى يكبروا وهم على علاقة جيّدة بكتاب الله.

وظاهر هذا التصوّر خادع ، يغري بتأييده خاصّة إذا استشهد القائل ببعض الحوادث التي قد يعتبرها كافية للاحتجاج بها على صحّة المقولة.

وهذا تصوّر مخاتل: ظاهرة إرادة الخير بالمتربّي.. وباطنه - والذي لا يتبيّنه القائل عادة - الركون إلى الراحة أولاً ، ومسايرة روح عامّة باتت تسري في المجتمعات المسلمة تزعم أن حضّ وحثّ الطفل على تفاصيل دينية منذ الصغر مظهر تشددي هذا ثانياً.

وإطفاء نار تأنيب الضمير على إهمال ركن من أركان التربية لدينا نحن المسلمين، وهو ربط الناشئ بكتاب الله حفظا وفهما وتدبرا وعملاً هذا ثالثاً.

وقد تجتمع هذه النوازع النفسية لدى شخص وقد تتفرّق ، وقد يخلو منها البعض .. وهؤلاء عادة يكونون مقلّدين لغيرهم.

لن أردّ هذا التصوّر بما يُردّ بها عادة من حرص الصحابة والسلف وصالحي الأمّة بل وآبائنا على تعليم أطفالهم القرآن منذ الصغر.. وكيف أن ذلك أثّر إيجاباً عليهم ، فكان منهم العلماء.

ومن لم يكن له حض من العلم كان حفظ القرآن أو شيء منه أو الاهتمام به سبباً في أطره على حق، أو صرفه عن كثير من السوء بل وكان سبباً في رجوع الكثير إلى الله عند الكبر .

بل سأطرق زاوية أرى حداثتها وإن كانت عميقة جداً ونشعر بها كلّنا دعوني أسميها بـ " سطوة الذكرى " .

وبين يدي حديثي عن " سطوة الذكرى " سأضع أسئلة مهمّة سيتبيّن من خلالها ما أرمي إليه :

- لماذا يحبّ بعضنا عطراً ما مع أنّه ليس بجميل في ذاته ؟.
- لماذا تجد الشيخ الكبير يتلذذ بسماع القرآن الكريم من قارئ ميّت ذي صوت أقلّ في إمكانيّاته من القارئ الشاب المتقن ؟.
- لماذا نكره في صغرنا بعض الأكلات الشعبية ثم نحبّها في الكبر ؟.


- لماذا نحب الآن أصوات القراء الذين كنّا نسمعهم في صباحات المدارس، مع أننا سمعناهم في أماكن تعتبر غير جيّدة لدى غالبية الأطفال ؟.
- لماذا يستعيب البعض من لهجاتهم الخاصّة ثم تراه إذا كبر بات ينسج في كلامه شيئاً من مفردات لهجته التي لم يكن يحبّذ النطق بها قديماً ؟.
- لماذا لا يكون للقبيلة والقرية والموطن الأصلي أي إحساس حب لدى كثير من الشباب فإذا ما كبروا وصاروا إلى الكهولة أقرب استيقظت في نفوسهم مشاعر الحب والحنين ؟.


- لماذا تعشق آذاننا أصوات الماضي؟ سواء كان أذان شيبان الحيّ ؟ أو قراءة إمام قديم ؟ أو ترنيمة غائرة في الزمن ؟.
- بل وحتى الطراز القديم في البناء ، وبعض قطع الأثاث ، وأشياء من المقتنيات تجد أن القديم منها بات ذا نكهة خاصة وإحساس فريد ؟.


- لماذا تحدث كل هذه الأمور؟ والتي تتناقض فيها مشاعرنا البكر مع مشاعرنا الحديثة ؟ وتختلف فيها أحاسيسنا فتنتقل من خانة السلب إلى الإيجاب والإعجاب ؟.
كل ما سبق يمكن الإجابة عنه بــ" سطوة الذكرى " .


إن في عقولنا خانة تحتفظ بالأشياء ، فإذا ما تطاول الزمن على هذه الأشياء أخرجتها مضرّجة بالحنين فصارت أفئدتنا تعتصر حزناً على فقدها وتتوق للحديث عنها واسترجاع خيالاتها .

هذه الخانة، بل وهذه الطاقة الشاعريّة خلقها الله في أنفسنا لتشكّل طريق أوبة وعودة للنفوس، لذلك ترى أن البشريّة بعموم تعود في تصرّفاتها واختياراتها في سنّ الكهولة إلى ما كان عليه آباؤها.. هكذا تجدها كالقاعدة العامّة .

فهذا الذي كان يتذمّر من طريقة كلام والده ، ما إن يفارق والده الحياة ويصير هو في عمر مقارب لسنّ والده إلا ويحذو طريقة والده التي كان يرفضها، إنّها سطوة الذكرى ومغناطيس الأشياء القديمة .

وقد قال أحد الأدباء : إن الإنجليز لا يحبّون شعر شكسبير لأنّه جيّد في ذاته ، بل لأنّ ذاكرتهم تحتفظ به منذ طفولتهم، ومن المعلوم أن الإنجليز يحفظون مسرحيات شكسبير في مدارسهم حفظاً .

وأنا أجد البعض يتلذذ ببعض الأبيات السائرة للمتنبي وغيره ، فأفحصها ناقداً فلا أجد فيها تلك الروعة التي تستحق معها ذلك التلذذ ، فلا أجد مسوّغاً لذلك الانبهار إلا كون تلك الأبيات من محفوظات ذلك الشخص .

إذا عُلم هذا : فإن القرآن الكريم إذا حفظ في الصغر ، حتى وإن أُكره الطفل على حفظه ، فسوف يحتفظ به في تلك الخانة المقدّسة من الذاكرة.

نعم سوف يتسخّط الطفل ويتذمّر من طريقة تحفيظ المدرَسة له، نعم سوف يتمنّى ألا يحفظ شيئا منه، هذا كلّه سيحدث ، ومن الطبيعي أن يحدث لدى الأطفال .. ولكنّ التذمر سيتلاشى مع الزمن وتبقى " سطوة الذكرى" تعيد في نفسه وهج ذلك المحفوظ المقدّس .

إنّك إن حفّظت ابنك القرآن أو أكثره في صغره ، فستكون بذلك قد ضمنت بقاء القرآن في خانة الأشياء العظيمة في نفسه ، حتى وإن نسيه تماماً .. فسيكبر وينضج ويسمع القرآن بكمّ من الحنين والخشوع والذكريات .

استخدم سطوة الذكرى لتعينك على تربية ابنك في الكبر .

نحن عادة نحرص على أبنائنا في الصغر، ثم نعتقد أن العلاقة التربوية قد اضمحلّت في الكبر، أو أن الحياة والتقاليد وأشياء أخرى تجعلنا نفعل ونعتقد ذلك، ولكنّك إن غرست في ذاكرته أشياء معيّنة ، ستكون بذلك غرست مجموعة من الشتلات التربوية التي لا تزيدها الأيام إلا تجذراً في العمق وتمدداً في السطح .

اجعل القرآن ضمن ذكريات ابنك الجميلة حتى يكون ضمن موضوعات حنينه في الكبر .. فلعلّ ذلك الحنين يرجعه إلى صفحات القرآن فيعود تالياً .. عاكفاً عليه .. بل قد يحفظه في كبره بسبب عدّة دوافع من ضمنها ذلك الحنين للذكريات .

استثمروا " سطوة الذكرى" في غرس أشياء جميلة في نفوس أبنائكم تظهر فجأة في المستقبل .

أسمعوهم القرآن، بل وأناشيد الفضيلة، واجعلوا ذكرياتهم في مكة والمدينة متميّزة، اجعلوا صلة الأرحام من ذمن ذكرياتهم، اجعلوا طفولتهم تستيقظ على الإحسان للجار ، وقول الحق والإيثار .

اغرسوا في ذاكرتهم أشياء كثيرة من الفضيلة والرقي والجمال .. وسيكبرون ، فتظهر هذه الأشياء أكثر فضلا ورقيا وجمالا .

تذكروا : ذكريات الماضي كانت عاديّة جداً في لحظة حدوثها ولكن لما تطاول عليها الزمن صارت تظهر في مسرح ذكرياتنا وكأنّها قطع مصغّرة من الجنّة، لها إحساس آخر وخلفيات تشبه الآهات الحزينة، ولون باهت يجعلها أكثر هيبة .

أخيرا : يكفي أن يكبر ابنك ذلك الذي أطرته على حفظ القرآن، يكفي أن يكبر فيمسك المصحف فيتلوه بلا أخطاء، إن قراءة القرآن نظراً بلا أخطاء يعدّ من أعظم الهدايا التي يهديها الآباء لأبنائهم، ولا يمكن أن تتم هذه الهدية إلا باهتمامه بالقرآن صغيرا .

بعد أخيراً : لا تنصت أبداً لأولئك الذين يأتون بنظريات تربوية جديدة وثق أن ما أجمع عليه آباؤك وأسلافك الصالحين لا يكون ضلالة .

فالإجماع يشترط أن يكون من أهل علم إن كانت المسألة علمية ، ويكفي أن يكون من أهل الإسلام والفضل إن كانت المسألة تربوية وأخلاقية .

بعد الختام:
نقطة مهمّة : هناك حيلة مؤقتة يقولها بعض الآباء لمن ينصحهم بإلحاق أبنائهم بمدارس التحفيظ ، فيزعمون أنّهم سيدخلونهم حلق التحفيظ بالمساجد، والواقع يثبت أن نسبة عالية جداً ، أخشى أن تكون فوق التسعين بالمئة لا يطبّقون وعودهم هذه إما كسلاً أو تهاوناً أو استصعاباً، فلا حل إلا العزيمة على الرشد، والغنيمة من كل بر؛ عزيمة الإلحاق بمدارس التحفيظ وغنيمة غرس القرآن في نفوس الناشئة .


نقطة أكثر أهميّة : بدأت تظهر الدعاوى لمدارس " تفهيم القرآن " فإن كان المقصود منها إنشاء مشروع جديد يقوم على تحفيظ القرآن وتفهيمه فلا بأس، وإن كان المقصود منها أن ينشأ هذا المشروع على أنقاض مدارس التحفيظ فهي حيلة شيطانية ولا شك، فمهمّة الصغار الحفظ ، أما الفهم فيأتي مستقبلاً؛ لأن موهبة الحفظ في الصغر أكثر نشاطاً، وملكة الفهم في الكبر أكثر نضجاً، فلا توضع مادّة هذا في وعاء ذاك .

نقطة أهمّ بكثير : ألا ترون الحاجة ماسّة لتكثيف عدد مدارس التحفيظ ؟ لتكن المناداة لهذا المطلب مما نتواصى عليه جميعاً، ولتكن إحدى موضوعات حسبة الأمر، والتي يبدو أن حسبة النهي أنستنا الكثير من موضوعاتها.

هذا وصلى الله وسلم على سيّدنا محمد .







رد مع اقتباس
قديم 12-07-2014, 05:34 PM   رقم المشاركة : 2
شمس القوايل
المشرفة العامة
 
الصورة الرمزية شمس القوايل

يعطيك العافيه حاير الدمعه ع الطرح والمجهود

عساك ع القوه

ننتظر جديدك القادم







التوقيع :


اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 29-09-2014, 03:43 PM   رقم المشاركة : 3
مجدكا
( ود فعّال )
 





مجدكا غير متصل

الله يعطيك عآفية على هذا الطرح الجميل والرائع

جزآك الله خير وجعله المولى في موآزين حسناتك.







رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:10 AM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية