العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام العامة ]:::::+ > المنتدى العام
موضوع مغلق
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-12-2002, 06:40 AM   رقم المشاركة : 1
bassem
( ود جديد )
 







bassem غير متصل

الله في كل مكان ... " قصة تعذيب الكاتب مصطفى أمين ...

الله في كل مكان ....


أسمعتَ بالإنسان يُنفخُ بطنهُ ..
حتى يُرى في هيئة البالون ِ
أسمعتَ بالإنسان يُضغط ُ رأسهُ بالطوق ِ ..
حتى ينتهي لجنوني
أسمعتَ بالإنسان يُشعلُ جسمهُ ناراً ..
وقد صبغوهُ بالفازلين ِ
أسمعتَ ما يلقى البريء و يصطلي ..
حتى يقول أنا المُسيء خذوني
أسمعتَ بالآهات تخترقُ الدُجى ..
رباهُ عدلكَ .. إنهم قتلوني
إن كنت لم تسمع فسل عن ما جرى مثلي ..
ولا ينبئكَ مثلُ سجني
و أسأل ثرى الحربي أو جُدرانهُ ..
كم من كسيرٌ فيه .. أو مطعون ِ
و سل السياط السود .. كم شربت دماً ؟ ..
حتى غدت حمراً من غير تلويني
من ظن قانونٌ هُناك ..
فإنما قانونهم .. هو ( حمزة البسيوني ) ... ( 1 )



سجن القبة ..
يوليو سنة 1965

عزيزتي .....
كان من بين وسائل التعذيب التي لجأوا إليها أن صدر قرار بمنعي من الأكل والشرب , والحرمان من الأكل مؤلم
ولكنه محتمل الجسم يتحمل الجوع , ولكن العطش عذاب لا يحتمل .. وخاصة أننا في أواخر يوليو الحرارة شديدة قاسية , وأنا مريض بالسكر ومرضى السكر يشربون الماء بكثرة ...

وفي اليوم الأول تحايلت على الأمر . دخلت إلى دورة المياه فوجدت فيها إناء للإستنجاء .. وشربت من ماء الإستنجاء ..
وفي اليوم التالي فوجئتُ بأنهم عرفوا أنني شربت ماء الإستنجاء , فوجدتُ الإناء خالياً , ووجدتُ معه ورق تواليت , وإضطررت أن أشربَ من ماء البول .. حتى إرتويت !
وفي اليوم الثالث لم أجد بولاً لأشربه ...
الجوع لمدة ثلاثة أيام أمر محتمل , أما العطش فهو عذاب مثل ضرب السياط , كنتُ أسير في زنزانتي كالمجنون
الحر في شهر يوليو مؤلم , لساني جف .. وحلقي جف .. أحياناً أمد لساني وألحس الأرض لعل الحارس نسيّ نقطة ماء وهو يغسل البلاط ...

وبينما أنا أدور حول نفسي وأنا أترنح , رأيتُ باب الزنزانة يُفتح في هدوء . ورأيتُ يداً تمتد في ظلام الزنزانة
تحمل كوب ماء مثلج ..
فزعت .. تصورتُ أنني جننت .. بدأتُ أرى شبحاً .. لا يمكن أن يكون هذا ماء , إنه سراب .. تماما كالسراب
الذي يرونهُ في صحراء ..
تذكرتُ ما قالهُ لي أحمد حسنين باشا الذي إكتشف واحة الفرافرة في صحراء ليبيا , كان إذا إشتد بهم العطش
رأوا أمامهم الماء وأسرعوا إليه , وإرتموا على المكان فوجدوهُ رملا , هذا هو السراب ولكنه ليس في الصحراء
وإنما في سجن المخابرات ...

وما لبثت أن وجدتُ أن الكوب حقيقي . ومددتُ يدي ولمستُ الكوب .. فوجدته مثلجاً , وقبضت على الكوب بأصابعي المرتعشة , ورأيتُ حامل الكوب يضعُ إصبعهُ على فمه وكأنه يقول لي لا تتكلم ....
وشربتُ الماء .. ألذ ماء شربتهُ في حياتي , لا أعرف طعم الشمبانيا .. ولكن الماء المثلج أسكرني , لو كان معي
مليون جنيه في تلك اللحظة لأعطيتها للحارس المجهول ...
عادت الروح مع هذا الكوب , عاد الدم يجري في عروقي .. عاد عقلي إلى رأسي .. هذا الماء غسلني ! غسلني
من الداخل . أعاد البصر إلى عيني .. أحسستُ بقوة غريبة .. أغناني الماء عن الطعام .. بل أغناني عن الحرية
أحسستُ بسعادة لم أعرفها طول حياتي , كل ذلك من أجل كوب ماء مثلج !! ...
ثم إختفى الحارس المجهول بسرعة كما ظهر بسرعة , وأغلق َ باب الزنزانة بهدوء !

و رأيتُ ملامح الحارس المجهول , شاب أسمر قصير القامة .. ولكني أحسستُ أنهُ ملك الجمال , أنهُ أحد الملائكة , شعرتُ في بعض اللحظات أن اليد التي حملت كوب الماء ليست يد بشر .. إنه عناية الله
وأحسست براحة غريبة .

ومضت أيام التعذيب دون أن أرى الحارس المجهول .. ثم نُقلتُ من غرفة التعذيب في الدور السفلي إلى غرفة
ملحق بها صالون !! نعم صالون في سجن المخابرات ....
وكانوا يُغيرونَ الحراس كل يوم .. وذات يوم رأيتُ أمامي الحارس المجهول .. وكنا على إنفراد وقلت له هامساً :
لماذا فعلت ما فعلت ؟ لو ضبطوك كانوا سيفصلونك !!
قالَ باسماً : يفصلونني فقط ؟ كانوا سيقتلونني رمياً بالرصاص ...
قلت : ما الذي جعلك تقوم بهذه المغامرة ؟!
قال : إنني أعرفك وأنت لا تعرفني ..
منذ تسع سنوات تقريباً أرسل فلاحٌ في الجيزة خِطاباً لك يقول فيه .. أنه فلاح في إحدى القرى , وأن أمنية حياته
أن يشتري بقرة وأنه مكث سبع سنوات يقتصد في قوته و قوت عياله , حتى جمع مبلغاً , ثم باع مصاغ زوجته
و إشترى بالمبلغ بقرة ..
وكان أكثر أهل القرية تقى وورعاً وصلاة وصياماً , وبعد ستة أشهر فقط ماتت البقرة .. مع أن جميع البقر الذي يملكه الفلاحون الذين لا يصلون ولا يصومون ولا يعرفون الله .. بقي على قيد الحياة !!
وفي ليلة القدر , بعد ذلك بشهور دق باب البيت الصغير الذي يملكه الفلاح , ودخلت محررة من " أخبار اليوم "
تجر وراءها بقرة !!
وكانت " أخبار اليوم " قد إعتادت أن تحقق أحلام مئات من قرائها في ليلة القدر من كل عام ..
وسكت الحارس المجهول لحظة ثم قال :
هذا الفلاح الذي أرسلتم له البقرة منذ تسع سنوات ... هو أبي !!

ألم أقل لكِ إن الله كان معي ؟! .. ( 2 )





* ( 1 ) مقطع لقصيدة ( الملحمة النونية ) .. للشيخ العلامة الدكتور : يوسف القرضاوي
* ( 2 ) هذه القصة نُشرت في كتاب " سنة أولى سجن " للكاتب المصري الراحل : مصطفى أمين
رئيس تحرير " أخبار اليوم " سنة 1974 م ...
* ( 3 ) هذه القصة و القصيدة ذكرت في إحدى حلقات برنامج " ساعة صريحة " .. للشيخ الداعية
" محمد العوضي " تحت عنوان " التعذيب في السجون العربية " .. في تلفزيون الكويت ..
في تاريخ الأثنين 29 محرم 1422 هـ
23 إبريل 2001 م
* ( 4 ) إعداد وتنسيق الموضوع .. Bassem







قديم 14-12-2002, 09:46 PM   رقم المشاركة : 2
فارك الزنمة
Band
 







فارك الزنمة غير متصل

موضوع رائع جداً أخي bassem

وقصة مؤثرة للكاتب الكبير ..

وتقبل تحياتي







موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:31 AM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية