*7
لا شىء يتغير , لا شىء يتغير غير طعم الهواء ,
فى ظلام الغابه الوحشيه , يجرى تعديل طفيف على نص الدم المفتوح ,
المفتوح الى ما لا نهايه . . .
غير ان المخرج يتكلم , هذه المره , لغه عربيه شديده الحماسه ,
والمكان هو المكان ذاته . . . المكان الذى يذكر بدم لم يجف بجثه لم تنشف , بصرخات لم تنقطع ولم تصل ,
والقتله هم القتله : الضحايا السابقه لقاتل لم تاخذ منه الضحيه غير التقليد الطائش , تماما كما قلد هو ايضا قاتله السابق .
القتله يغيرون شارتهم . ويتقدمون من الضحيه ذاتها , الضحيه التى لم تجد ما تغيره فى المكان , ولا فى عمليه انتظار الموت .
صبرا وشاتيلا رقم 1
صبرا وشاتيلا رقم 2
هل نجح هذا الكابوس الى هذا الحد ليجدد انتاجه ؟
يمد قاتل سابق لسانه ساخرا وشاتما : الم اقل لكم ان هذا الشعب زائد ؟!
هذا الشعب الزائد هو الشعب الفلسطينى . ماذا تفعل السكين بالدوده الزائده ؟
تستاصلها . . .
العمليه ذاتها , عمليه استئصال الشعب الفلسطينى : من ارضه , ومن امله , ومن جسده ,مستمره منذ حوالى خمسون عاما . ولكن طائر الفينيق , او الطائر الاخضر لا يتوقف عن الولاده من رماده .
ان مسرح العبث الدموى فى الشرق الاوسط يترك الخيال الاسود عاجزا عن ابتكار صوره السوداء !. وعلى جثه الفلسطينى ان تغيب , ان تغيب تماما عن المسرح , اولا , ليتسنى للطوائف ان تلعب ادوارها بطريقه اخرى اكثر تلقائيه , ان تبتكر نصها الجديد , ان تواصل تقاليدها التاريخيه فى اخذ ثار اخر , وان تتقاسم الغنائم الغامضه . . .
ولكن ,
هل عرف شعب اخر غير الفلسطينى هذا العدد من الهجرات ؟ هذا الكم من المنافى ؟ وهذه الاعداد من المذابح ؟ دون ان يكافا بوطن . . اعنى وطنه ؟ ودون ان يحظى باعتراف , او . . . او بوعد ما من بلفور جديد ؟
ان الشعوب , او الطوائف التى حولت نفسها الى شعوب , مدين بحقه فى الحضور , او بحقه فى تغييب شعب اخر , لما لحق به من مجازر . فبماذا يكافا هذا الشعب المطبوخ على نار صبرا وشاتيلا ؟ والى اين يراد له ان يذهب لتنتظره مذبحه جديده ؟
وهل يصدق الضمير الغربى , هل ان له ان يصدق , ان القاره العربيه , او السجن العربى الشاسع الواسع , لا تشكل بديلا عن وطن الفلسطينيين , ولا توفر لهم على الاقل اجازه واحده من وظيفه الذبح ؟
وهل ان له ان يجد علاقه ما بين اعلان القاتل الاول : ان فاسطين بلد بلا شعب , حتى اعلان القاتل قبل الاخير : ان الفلسطينيين شعب زائد !.
لن يفهم غير الذين يريدون ان يفهموا : كيف يقتل العربى العربى , وللتمييز : كيف يقتل العربى الفلسطينى ؟
لان النظام العربى الواحد , على ما يبدو , يقاوم تطور الوعى والوجدان الفلسطينيين بهويه الفلسطينى الوطنيه , اذا ان مثل التطور يجعل الشعب الفلسطينى طرفا اساسيا فى الحرب وفى السلام على السواء , لا لانه قد يدفع الفلسطينيين الى ما وراء << المشروع العربى الكبير >> كما يقول الاعلام القومى العربى الاجوف , بل لانه يفضح غيابه . فاين هو المشروع العربى الكبير خارج الخطابه الاذاعيه ؟ اين هو على ارض الواقع ؟ اين الزحف العربى ذو اللون الواحد او المتعدد الالوان , نحو الوحده والديمقراطيه وفلسطين ؟
نعم , يقتل العربى العربى ,
ويقتل العربى الفلسطينى ,
لان قطعان الذئاب الطائفيه هى التى تستولى على الامه .
ولان القضيه الفلسطينيه هى فضيحه الامه , هى الاثم والكابوس المرهق الذى يتحول الى عدو . وهى التى تنغص عليهم امنهم الطائفى , وامنهم العائلى , وامنهم الشخصى , وامنهم الاستهلاكى .
وهكذا تنتج شركات القتل العربى صبرا وشاتيلا رقم 2 , ليكون للحرب السياسيه على منظمه التحرير الفلسطينيه مصداقيه التصفيه الجسديه , ليصدق الفلسطينيون ان اختلاف النظام العربى عنهم ومعهم اختلاف عرقى ايضا , وانهم شعب زائد مطالب بالتلاشى , التلاشى المعنوى والجسدى .
سيصحو السيد المريض شارون من اكتئابه العميق ليشاهد صبرا وشاتيلا 2 , على شاشه التلفزيون . سيقول مره اخرى : ان غير اليهود يقتلون غير اليهود , فما ذنب اليهود ؟
وسيكون فى وسعه ان يواجه معارضيه متسائلا بقوه : هل فشلنا , حقا , فى لبنان ؟ الم اجعل الطوائف حراسا متطوعين لسلامه الجليل ؟ الم نصنع ادوات قتل مجانيه , وعربيه , ضد الفلسطينيين ؟.
وسيتسائل الاسرائيليون , وهم مرتاحون هذه المره , عن الفوارق بين الاحتلال المباشر وفوائد الانسحاب غير المباشر من لبنان .
ولكن احدا لن يسال عن معاقبه ابطال مجزره صبرا وشاتيلا رقم 2 . ولن يطالب احد بتشكيل لجنه تحقيق , ولا باقاله وزير الدفاع العربى الذى ترتكب المذبحه فى ظل هيمنته , لان لجان التحقيق هى صناعه صهيونيه لتضليل الراى العام , ولان الديمقراطيه الغربيه البرجوازيه تفسد عمليه بناء الاشتراكيه العربيه ! .
بدلا من ذالك :
ستواصل صحف دمشق الشريفه اتهام ياسر عرفات بارتكاب المجازر ضد شعبه ليغطى خيانته الساعيه الى دوله _ مسخ للفلسطينيين يزيد بها تفكيك العالم الموحد فى دوله عربيه موحده ! . . .
وستواصل تلك الصحف قولها : ان تطهير المخيمات الفلسطينيه من انصار عرفات هو شرط حفظ الامن والسلام فى لبنان , وان تسليم السلاح الفلسطينى للواء السادس اللبنانى , المشارك فى المجزره , هو شرط اساسى لوقف المجزره ! .
نعم , يقتل العربى العربى ,
وتاريخ الحرب اللبنانيه ملىء بالمذابح المعبره عن تمسك الطوائف باصالتها ! اللعب بالجثث والرؤوس المقطوعه المعلقه على الشجر وخلف نوافذ سياره الجميل , ورقصات الشمبانيا والغيتارات بين الجماجم . . هى احدث انواع الرياضه والتسليه فى بلد ترشحه الطوائف لان يتحول الى سويسرا العرب .
ولكن لم تتوحد الوحوش على جسد كما توحدت على الجسد الفلسطينى . لم يمر عام واحد فى تاريخ الشعب الفلسطينى الحديث دون مذبحه .
خذوا هذه العناوين البارزه , عناوين فقط فى روايه ضخمه لم نكتمل فصولها , لتروا بعض اختام الموت على الجسد _ المعجزه : دير ياسين , كفر قاسم , قبيه , عمان , تل الزعتر , بيروت , صبرا وشاتيلا رقم 1 , طرابلس , صبرا وشاتيلا رقم 2 . وكل ادوات القتل منذ تطور الحيوان الى انسان حتى عوده الحيوان اليه : البلطه , السكين , البندقيه , المدفع , الصواريخ , والاسلحه الالكترونيه .
غير ان الطائر الاخضر يعاود الانبعاث فى كل مره , ويصوغ اسطوريته الجديده .
فباى سلاح يقاتل هؤلاء الفتيان المحاصرون دائما , المحاصرون فى شارع او بنايه او خندق , المحاصرون فى هويه ؟ .
سلاحهم الوحيد هو الجنون , الجنون , الجنون : جنون الحياه , وجنون الياس , وجنون العزله .
وهم الذين يعرفون وجوه قتلتهم الجدد . وقد يبكون من المفارقه الجارحه : فهم الذين علموهم جدوى القتال للحريه , هم الذين نقلوهم بالامثوله والزماله من دموع الشكوى والحرمان الى القتال دفاعا عن حق وعن وطن , هم الذين زرعوا جنوب لبنان تقاليد صمود وبطوله , هم الذين اسسوا مناخا جديدا لمقاومه الاحتلال , هم الذين استشهدوا معهم فى مقاومه الغزو , وهم . . . هم الذين _ اكاد اقول _ ساهموا فى تكوين قتلتهم ! .
وها هم القتله , ابناء سلاح امس القريب المشترك , يتقدمون مقلدين القتله السابقين , قتلتهم الاسرائيليين . لماذا تتقلد الضحيه قاتلها كثيرا , لماذا ؟ يصطادون المدنيين من اطراف المخيمات . يحفرون القبور الجماعيه . يمتصون دم الجرحى . يقتلون الجرحى فى المستشفيات . يسرقون الجثث ويخفونها . يطاردون الفلسطينى الحى الميت .
فمن اين جائت هذه الكراهيه ؟
من اين جائت قوه الوحش الغامضه ؟
ومن حول محرومى لبنان الفقراء الى قتله فلسطين . . . من ؟
لا يكفى ان نعرف ان الافه الاسرائيليه قد تركت اثارها ورائها . علينا ان نعرف ايضا ان غابه الطائفه السياسيه قد اطلقت ذئابها الكامنه , واكلت حدود التمييز بين الاخوه , وبين الاعداء والحلفاء . كل شىء هنا جائز , كل قيمه مستباحه . والفلسطينى هو العدو الجاهز دائما . هو العدو السهل الان . هو الضحيه التى ترضى ابادتها كل العواصم , وتسهل ابادتها شروط التفاوض ودخول النادى السياسى الليلى . ولكن , اى تفاوض ؟ واى نادى ؟ لا احد يعرف . لانه ليس من الضرورى ان يكون السؤال والجواب واضحين لكى تقتل فى لبنان الان او تقتل . اذ لا مرجع الان للعرب : لا مرجع وطنى , او قومى , او اخلاقى , او انسانى . لا رساله لهم الان ولا خطاب . والفوضى تفيض . . .
ويعرف الفلسطينى , المحاصر فى امتار مربعه , وظهره الى حائط هش , يعرف ان ليس من حقه بعد الان ان يطمئن الى الوعى العربى المشترك تجاه الصراع العربى _ الاسرائيلى , بعدما تحول هذا الوعى الى وعى سابق . . . عندما اختلت المسرح السياسى العربى العصبيات الطائفيه والانانيات الاقليميه , وتحولت الاوطان الى شركات خاصه محدوده الضمان لا يشغلها الا الخوف من الغضب الاسرائيلى خلف الحدود , ومن الغضب الشعبى داخل الحدود , فتواجه الخوف الاول بتقديم كل اشكال حسن النيه وبمحاربه العدو الفلسطينى المشترك , وتواجه الخوف الثانى بمزيد من القمع والخطابه .
لهذا يسكت الشارع العربى . يسكت تماما من وطاه الارهاب ومن الصدمه , ولا يعبر عن طاقته المكبوته الا فى حالات فوز او خسارته فى العاب كره القدم !
هل نقول ان صبرا وشاتيلا 2 اقسى علينا من صبرا وشاتيلا 1 ؟ .
لن يستطيع الفلسطينى المقارنه , لانه مزدحم بالموت , مشغول بالدفاع الشيطانى عن بقايا جسده , وعن كامل حلمه , لانه مشغول بالتميز عن المناخ السائد ,
ظهره الى الحائط ,
وعيناه الى الوطن ,
ولا يستطيع الصراخ اكثر , ولا التسائل عن حكمه صمت العرب وعن لا مبالاه الغرب ,
لا يستطيع ان يفعل غير شىء واحد : ان يكون فلسطينيا اكثر , فلسطينيا حتى الدوله والحريه , فلسطينيا حتى الموت , لانه لا يملك خيارا اخر .
هل هذا هو الجنون ؟
فليكن !
وشكرا
اختكم
____________
k17f17
القلم نزف حروف اسمى
واللسان تلفظ بقدسكى
واليدين تتمنى لمسكى
والجسد يتمنى شرفكى
ممتزج الجسد بثراكى
والروح علت فى سماكى
والطيور غردت بلقياكى
وفرحت بقدوم شهداكى
فلسطين يا رمز الكفاحى
القدس ستحيا بنداكى
k17f17
العرض العادي
