هكذا هي الحياة تسرقنا تغفلنا نتيه في شعابها قد نصل لخط النهاية وقد نتهاوى قبله تتأرجح الضمائر مابين غفلة ويقظة ربما تموت فال يكون بعد مماتها أي ممات وربما تزهر فيها الحياة فتعود ربيعا معبقا بالفرح ملونا بالفراشات تماما كما كنت أنا رجل ثري تعج خزائنه بالأموال التي يتبختر بها أمام الناس أعمال جليلة تبرعات كثيرة مسبوقة بلقاءات وحوارات بالطبع صحفية إلى أن أتى ذلك اليوم حين ذهبت إلى دار أيتام صغيرة أحمل في يدي الكثير من الهدايا وفي قلبي الأكثر من بريق الشهرة يتهافت الصغار على عطاياي ماعدا ذاك الصغير القابع هناك دون حراك يتأملني بعينين شاردتين ربما يريد المزيد دنوت منه سألته بعطف خبيث "لم أنت حزين " تتسع حدقتاه يكاد أن يجيب لكنه يلوذ بالصمت "ألم تعجبك " يتأملني أكثر ..ألح عليه "ماذا تريد " فلم يستطع أن يصمد فانطلق قائلا " أنا ؟!أريد أشياء كثيرة تجعلني أولد من جديد أريد أما رؤوما أعيش في قلبها الوارف بالحنان أنهل من ينابيع حبها الذي ترضعني إياه تناغيني تداعب مخيلتي بأقاصيصها تنفض عني ركام الحزن بثوبها فأعيش تحت قدميها أنعم بالعيش الرغيد .. أريد أبا أشبهه كثيرا حتى يقال ذاك الشبل من ذاك الأسد أقلده أتبع خطاه يقيل عثرتي يمسح عبرتي يقيمني إن ملت ويميل جانبي إن قسوت فلا أعيش معه في تشريد .. أريد مدرسة شامخة البنيان شعارها "لكل مجتهد نصيب " أجد بها معلما فاضلا يرفرف له قلبي الصغير معلما عالما يرسم بطبشورته دوائر وأرقاما هياكل وأجساما يبدعني يدفعني يقول لي اصنع صاروخا من حديد ..أريد بشرا يحملون في قلوبهم شموعا تضيء لي دربي تمحو عن خاطري ظلمات ذلك الأس العربيد .. أريد مدا يأخذ بجزري فيحيله مدا من العطاء فربما فاقد الشيء لايعطيه إلا إن وجد ذلك الفقيد .. أريد إعصارا يأخذ بتلابيبي يحيلني من العدم إلى الوجود يقويني لايكسرني فيصنع من الطفل المبعثر ذاك الرجل الصنديد ..أريد أيد بيضاء تمنح دون مقابل تعطي دون تساؤل تربت على رأسي تأخذ بيدي فأتيقن معها أني لست في زمن العبيد ..أريد طفولة لم تخمشها مخالب القهر لم تشوه معالمها غياهب الدهر إنما نقية بريئة تحفر ذكراها عمري المديد ..أريد وأريد وأريد .. ماأريده إنسانية تحى في القلوب لاتمحى مع نكبات أو حروب إنما تظل أنهارا وينابيعا ينهل منها من لم يعرف ولو للحظة كيف هو حال السعيد ؟؟
وهنا تنتهي آمال ذاك الصغير دون آلامه فيعود للصمت لكن شيئا ما يقطع سكونه إنها سحائب عينيه التي تنوء بحملها فتنهمل من الحزن أمطارا على أرض وجنتيه الشاحبتين فهل يمكن أن تنبت مع هذه الأمطار تلك الأرض اليباب ؟؟
أما أنا فلم أدر ماحل بي مشاعر متأججة أنات ضمير كان في غيابات جب لاقرار له فرائص مرتعدة وأوصال نفس لا تعرف أين المصير لم يسكنها سوى شيء طالما سمعته وحفظته إلا أن عقلي المحدود لم يعيه سوى تلك اللحظة إنه كلام الرحمن عزوجل "فأما اليتيم فلا تقهر"