الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم على آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم في العلم والعمل والدعوة إلى الله إلى يوم الدين ، وبعد :
يلاحظ بين وقت وآخر أن الإنسان يشيع أقاربه وغيرهم إلى المقبرة ، أمه وأباه وأخته وأخاه وابنه وبنته وعمه وخاله وخالته وجده وجدته وأصهاره وجيرانه وغيرهم من أموات المسلمين الذين فارقوا هذه الحياة .
ثم لا يعتبر بهم ولا يتغير من حاله شيء وكأنه مخلوق للبقاء في هذه الحياة ، تجده مقيما على ترك الواجبات وفعل المحرمات والعادات المخالفة للشرع ، تجده يتهاون بالصلاة ويتخلف عن الجمع والجماعات ويتهاون بالزكاة ، تجده يطلق لنفسه العنان في الكلام المحرم بالغيبة والكذب والنميمة والسب واللعن والسخرية بالآخرين ، تجده يتعامل بالربا وأكل الحرام ، تجده يستمع الأغاني ويسبل ملابسه ويحلق لحيته وربما كان يستعمل المسكرات والمخدرات وغيرها من المحرمات .
وينسى أو يتناسى أن الله يراه ويسمعه ويعلم ما يكنه ضميره ، ينسى أو يتناسى العبادة التي خلق من أجلها والتي تشمل جميع نواحي الحياة ، ينسى أو يتناسى نعم ربه عليه الظاهرة والباطنة التي يجب عليه شكرها بقلبه ولسانه وعمله بأداء ما افترضه الله عليه وترك ما حرم عليه ، ينسى أو يتناسى مصيره ومرجعه إلى ربه وحسابه ، ينسى القبر وظلمته ويوم الحساب وأهواله وعسرته ، ينسى أو يتناسى أنه سوف يختبر ويمتحن فيسأل في قبره ( من ربك وما دينك ومن نبيك ) ولا يستطيع الفوز بالإجابة الصحيحة إلامن كان في هذه الحياة مطيعا لله ولرسوله وعاملا بشرائع الإسلام ، كما أنه سوف يسأل يوم القيامة الأولون والآخرون ( ماذا كنتم تعبدون وماذا أجبتم المرسلين ) ولا يستطيع الإجابة الصحيحة إلا من كان في هذه الحياة الدنيا تائبا إلى الله في جميع الأوقات من جميع الذنوب والسيئات ومؤمنا بالله ورسوله وكتابه إيمانا صادقا ، وعاملا أعمالا صالحة خالصة لله وموافقة لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى (( فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين )) كما أنه سوف يسأل كل إنسان يوم القيامة عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه وعن ماله من أين أكتسبه وفيم أنفقه وعن علمه الذي تعلمه ماذا عمل به ، كما في الحديث الذي رواه البزار والطبراني بإسناد صحيح .
فليعد الإنسان لهذه الأسئلة جوابا صحيحا عن طريق محاسبته لنفسه فيما يقول ويفعل ويذر ويسمع ويبصر ويأكل ويشرب ويمشي ويتناول هل هو حلال أو حرام وهل هو مشروع أو ممنوع مادام أنه مسئول ومحاسب فليحاسب نفسه قبل يوم الحساب ، قال الله تعالى (( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا )) وقال تعالى (( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون )) .
أيها الإنسان تذكر أنك مولود حافيا عاريا ثم تموت لا تصحب معك شيئا سوى العمل وخرقة تلف بها الكفن ثم تبعث حافيا عاريا ليس عليك ثياب ولا نعال وليس معك سوى العمل ، قال تعالى (( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم )) .
جاءوا فرادى مثل ما خُلقوا
بلا مال ولا أهل ولا إخوان
ما معهم شيء سوى الأعمال
تقودهم إلى النار أو الجنان
فقدم أيها الإنسان لنفسك عملا صالحا ينجيك وتسعد به ويكوي سببا في فوزك بالجنة ونجاتك من النار (( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم )) .
اللهم اختم لنا بخاتمة السعادة ويسر لنا أسبابها ، اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، يا حي يا قيوم (( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار )) وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
العرض العادي
