كعنصرٍ محايدٍ في هذه الحياة، لا أتمي لحزبٍ سياسيٍ أو حركةٍ قوميةٍ، أو خليةٍ راديكاليةٍ أو تنظيماتٍ إسلاميةٍ، غير أني مسلم موحد أحب الصالحين ولست منهم، وربما كان للفطرة السليمة التي فطرني الله عليها في معترك حياتي دور في هذا الحب، ومابين تشعب التيارات والتنظيمات المتنوعة في هذه الحياة على اختلاف مشاربها وأهوائها ودعواتها وأهدافها، رأيت لزاماً على نفسي أن أقوم بالإطلاع الحر غير المقيد على أدبيات بعض الأحزاب، وقوانين بعض الجماعات الليبرالية منها والدينية، فتبلورت لدي رؤية واضحة ومحددة ومستقلة حول غالبيتها، فمابين التيارين الديني والليبرالي، تكمن فروقات جوهرية في الأيدلوجيات والأفكار والتنظيرات وصولاً إلى الأخلاق وانتهاءً بالمشارب والأهداف .
وأعتقد في قرارة نفسي، أن أكثر القراء المستقلين أو المنضوين تحت لواء بعض الجماعات الليبرالية أو الإسلامية أو الحركية شكلوا أو خلصوا من وراء أبحاثهم وقراءاتهم الحرة بنتائج وأراءٍ وأفكارٍ معينةٍ حول مفهوم الجماعة التي يوافقونها أو يخالفونها، أو تتقاطع مصالحهم الاستراتيجية والشخصية معها .
لا أتحدث عن هذا، لأن الحديث حول هذه المسألة طويل ومتشعب وممل للغاية، ولا تتأتى منه مصلحة ظاهرة إلا للمختصين أو الباحثين أو الملمين بأدبيات هذا الفن .
حديثي سيكون عن المقارنة بين تيارين مشهورين لجميع القراء والباحثين والمطلعين على أدبيات الجماعات والحركات والتنظيمات المختلفة، أعني بهاذين التيارين الليبراليون وأتباع التيار الديني المعتدل، كثيراً ما سألت نفسي وغيري من أقراني أي التيارين أكثر ثقافةً واطلاعاً ومتابعةً للأحداث والمستجدات والوقائع على الصعيد الدولي والمحلي ؟
وقبل أن أورد الجواب الذي سيكون على شكل مقارنةٍ مختصرةٍ للغاية بين هاذين الخصمين اللدودين، سأحاول أن أسلط الضوء بشكلٍ مختصرٍ جداً على تاريخ نشأة هاذين التيارين .
نشأة التيار الديني الإسلامي
التيار الديني نشأ منذ بزوغ فجر الدعوة الإسلامية على يد نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم في مكة شرفها الله، وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو أول من دعى إلى دين الإسلام وبشر به قومه وأنذرهم عقاب الله إن خالفوا أمر الله أو حادوا عن منهج الله تعالى، وأيد الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالمعجزة الخالدة الباهرة، فأنزل الله سبحانه وتعالى عليه الدستور الخالد إلى يوم القيامة( القرآن الكريم ) ليقرأ ويعمل به، كما أوحى الله إليه بالسنة النبوية المطهرة التي هي من كلام نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، آمن بنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام الذين نصروا بهذا الدين وهذا النبي الطاهر صلى الله عليه وسلم ففتح الله عليهم الدنيا، ونشر الله على أيديهم هذا الدين في أرجاء المعمورة، حتى وصل إلينا بفضل الله تعالى ثم بفضل جهودهم المباركة، فجزاهم لله خيراً على هدهم وجهادهم .
إذن الدين الإسلامي هو الحق وهو الأصالة وهو العدل وهو الموضوعية وهو الإنصاف وهو الكرامة وهو الحرية وهو المساواة إلخ ...
نشأة التيار الليبرالي
نشأت هذه الدعوة في أوروبا وعمت أقطار العالم بتأثير الاستعمار والتبشير، والسبب الرئيسي في بروزها وشيوعها هو الطوق الخانق الذي فرضه الطغاة من رجال الدين رؤساء الكنيسة على أتباعهم من المساكين والمضطهدين، طوق من القهر والذل والمهانة والفقر والجوع والاحتقار والسلب والنهب، ورافق هذا الاضطهاد محاكم التفتيش سيئة السمعة خبيثة الذكر، فكانت الثورة الفرنسية عام 1789 م وكان أن هدم معتقل الباستيل الفرنسي رمز الرعب والخوف والقتل في ذلك الوقت، لا يوجد للعلمانية دستور خالد يعتمد عليه، بل إن هذا الدستور يتبلور ويتشكل على حسب الظروف والمستجدات التي تعتري هذه الحياة وفق الأهواء والرغبات البشرية .
دخلت العلمانية إلى العالم العربي بفضل الاستعمار البريطاني والفرنسي والاسباني، وصفق لها بعض الشهوانيين وأصحاب الأغراض السيئة من الطابور الخامس في المجتمعات المسلمة .
العلمانية ليست هي الحق وليست هي الأصالة كما لا تتحلى بالعدل ولا بالإنصاف ولا بالكرامة ولا بالموضوعية ولا بالعدل ولا بالحرية وتفتقد إلى المساواة في أبسط الحقوق والواجبات، لأنها دخيلة على المجتمع العربي المسلم ( وياعيني على علمانية أمريكا مع الهنود الحمر ومع الزنوج ) مثال بسيط جداً .....
سأعرض صفحاً عن هذا وسألج إلى صلب الموضوع مباشرةً وبدون مواربةٍ أو إطالةٍ في المقدمة فأقول :
1- المسلم الملتزم يعرف تاريخ أمته الإسلامية جيداً ويعتز به ويفاخر به بين الناس ويرفع رأسه عالياً إذا ذكره في المجالس المختلفة ويهفو بشدةٍ إلى إعادة أمجاد تلك الأمة .
- العلماني العربي لا يعرف تاريخ أمته جيداً، وإذا علم منه شيئاً تبرأ منه وسخر به وطأطئ رأسه حياءً إذا ذكره، ويرى أن ذلك التاريخ هو وصمة عارٍ على جبين الإنسانية، فيزدري الخلافة ويحتقر اللغة العربية، ويطعن في السنة النبوية، ويلعن سنسفيل جدود الفتح الإسلامي، ويحارب بكل ضراوةٍ أية محاولةٍ جادةٍ لإعادة أمجاد الأمة .
2- المسلم الملتزم يلم بأحكام الشرع أو يتقنها، كما يعظم النصوص الشرعية ويقدسها ويحترمها، ولا يزايد عليها أو يحابي أحداً .
- العلماني العربي يجهل أحكام الشرع والدين ولا يكتفي بهذا الجهل، بل يسخر من النصوص الشرعية والسنة النبوية ويطعن في الأثار، ويتطاول على أهل العلم مدعياً أنهم ليسوا أهلا ً للعصمة ( كلمة حقٍ أريد بها باطل ) وأنهم علماء حيضٍ ونفاس، وبأنهم مدمني الكتب الصفراء، لكنه في المقابل يرغي ويزبد إذا تم شتم ممثلٍ أو ازدراء ساقطةٍ من بنات الهوى يتابع أخبارها على صدر صفحات الفن، كما يفقد صوابه إذا تم نقد قصةٍ إباحية أو التحذير منها، لأنه يرى أن الفن والإبداع الساقط أو الإباحي لا ينتقد ولا يزدرى حتى لو دعى إلى مقارفة الفاحشة وازدراء الأديان ( أبو زيد - حيدر حيدر - نجيب محفوظ - أنيس منصور ) وياويلك لو تنتقد واحد من هؤلاء، ولكن مسموح لك في نظره أن تشتم ابن تيمية وتلعن ابن حنبلٍ وتسخر بالشافعي وهو شخصياً لا يرقى إلى عذرة أحد هؤلاء .
3- المسلم الملتزم يحفظ القرآن الكريم أو يلم بأكثر سوره الكريمة، مع شيئٍ من التفسير، كما يقيم لفظ الآيات بشكلٍ صحيح .
- العلماني العربي لا يعرف اسم السورة ولا يحفظ آيةً من القرآن بشكلٍ صحيح، رأيت علمانياً عربياً على الهواء مباشرةً في قناة الجزيرة يذكر آيةً من القرآن الكريم، استطاع أن يفك حروفها بصعوبةٍ تضحك الثكلى، ثم عندما سأل في أية سورةٍ هذه الآية ؟؟ قال في سورة ( الرمز )هكذا قال، فقيل له لا توجد سورة واحدة في القرآن اسمها سورة الرمز، ثم قيل له بأن اسم السورة التي قرأ منها الآية بشكلٍ يثير الاشمئزاز والسخرية والرثاء اسمها سورة الزمر،استمعت إلى علمانيٍ آخر يقول : إنني أعتقد جازماً أنه في يومٍ من الأيام سيتم اختراع علاجٍ للموت، ( الرجال خايف يموت ) واستمعت إلى علمانيٍ آخر يقول : كما جاء في أمثال العرب ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) وهذا ليس مثلا بل آية كريمة من سورة الحشر .
4- المسلم الملتزم يطبق السنن النبوية في أبسط أمور حياته، مثل الدخول إلى الحمام والخروج منه والوضوء والسواك، أو عند النوم ودخول البيت والخروج من البيت، أو ركوب السيارة .
- العلماني العربي لا يحسن آداب الدخول إلى الخلاء، وغالباً لا ينظف مؤخرته، فيلوث بنطاله ببقايا الغائط أكرمكم الله وهذه الوساخة هي أصل الحضارة في نظره، أما البول أجلكم الله فحدث ولا حرج، بنطاله يتعبر منديلاًُ محترماً لديه، إذا دخل بيته لا يسلم وربما شتم ولعن أهل بيته، سواكه من نوع مارلبورو ونومه يشبه نوم صريع الغواني، رائحته أخبث من رائحة الكلب المبلول بفعل سروال الصرف الصحي الذي يلبسه .......
5- المسلم العربي يستشعر حال أمته في كل وقتٍ وحين، فيقف معها في كل مكانٍ وزمانٍ، في فلسطين والشيشان وكشمير والفلبين وأفغانستان، بالمال والنفس والمتاع والدعاء وإلقاء المحاضرات والبحوث حول قضاياها المصيرية، مثل كتب وأبحاث الشيخ محمود شاكر والشيخ علي الطنطاوي، وكتب الباحث فتحي يكن وروايات نجيب الكيلاني رحمة الله عليهم أجمعين .
- العلماني العربي يتبرأ من المسلمين في كل مكانٍ، ففي الشيشان هم ثوار انفصاليون، وفي أفغانستان إرهابيون، وكذا في الفلبين والصومال، وليته يسكت ويكف لسانه عنهم في المحافل المختلفة، بل هو ينظر لحربهم ويستعدي أمريكا والغرب لضربهم وقمع أصواتهم وقتل رجالهم وقصف مساجدهم ( لا أدري ماهي علاقة الإرهاب بالمساجد والمدارس )
6- المسلم العربي يدعو لنشر الخير في المجتمع، فهو يشرف على حلقات تحفيظ القرآن الكريم، يذكر الصغار ويعلمهم بأن لزوم المساجد خير من الخروج إلى الشارع، كما ينظم المحاضرات المختلفة لتعليم الناس أمور الدين وأحكام الشرع .
- العلماني العربي يدعو لنشر الفن المختلط والرقص، وإنشاء دور السينما وينادي بقيادة المرأة للسيارة ( انحلت كل مشاكلنا ) ماباقي إلا إنشاء دور السينما وقيادة المرأة للسيارة، العلماني العربي يزدري حلقات تحفيظ القرآن ويدعو لتحجيمها وتقليصها وأنه لافائدة ترجو من ورائها .
7 - المسلم العربي يحرص على الثقافة الجادة جداً، دينيةً كانت أم أدبيةً أو حتى علمية، جميعنا نرى أن أكثر المتمكنين من علوم الحاسب الآلي هم من الشباب المستقيم، وكذا في المستشفيات وفي المدن الصناعية وفي مجالات الكيمياء والفيزياء والرياضيات .
- العلماني العربي يحرص على تتبع أخبار المغنية فلانة والراقصة فلانة والساقطة فلانة والشاذ فلان، يحفظ أغانيهم التي لا تحتوي على معانٍ شعريةٍ سامية على غرار ( كوز المحبة اتخرم ) ثقافته الأدبية ضحلة وأحادية الاتجاه، بضاعته مزجاة في علوم الحاسب الآلي، متخصص في مطاردة النسوان على التشاتينجٍ، لم أسمع بطبيبٍ علمانيٍ محترفٍ في مجال الطب، أو مهندسٍِ أو عالم رياضياتٍ .
8 - المسلم العربي حريص كل الحرص على وقته، فهو يقلب بين يديه كتاب الله أوكتاباً في السنة النبوية أو في الأدب والتاريخ والشعر أو اللغة .
- أما خصمه العلماني فهو حريص على تقليب المواجع، مجلات فنية، مجلات أزياء، بوردة ملابس نسائية يمكن بيفصل فستان قصدي بدلة مناسبة .
9- المسلم العربي إذا تمكن من الحكم والرئاسة فإنه يقود الأمة إلى بر الأمان، ويسعى بجهدٍ وصدقٍ لكي يعيد إليها عزها وهيبتها وتوفير ثرواتها وخيراتها ( الخلفاء الراشدون - عمر بن عبد العزيز - هارون الرشيد - صلاح الدين - الملك الصالح أيوب ) .
- العلماني العربي إذا مسك الحكم في حارةٍ فإنه يقلب الحكم إلى كارثةٍ فما بالكم بدولةٍ ذات مؤسسات ؟، تخلف وجهل، فقر وسرقات، قتل وقمع، فساد وإفساد ( مصر - سوريا - الأردن - العراق - تونس - الجزائر - ليبيا - اليمن - المغرب ) وجه الترابط بين هذه الدول ( الديكتاتورية - الفقر - التخلف - الفساد - الجوع - الحرمان )
10- المسلم العربي صاحب رسالةٍ خالدة ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين )
- العلماني العربي صاحب ................. ولا مايحتاج، أو ................ أعتقد أنني سأقول : سأل البغل يوماً من يكون والدك ؟ أطرق البغل ملياً ثم هتف في حبورٍ قائلاً ( خالي هو الحصان ) العلماني العربي ولد سفاحاً من مؤخرة الغرب فخرج خديجاً مشوهاً .
أخيراً : في مقالي هذا تحدثت باختصارٍ شديدٍ عن المسلم الملتزم، ولم أتحدث عن المسلم المنحرف أو المسلم المتطرف، العلماني الغربي في نظري أرقى وأفضل من العلماني العربي، فهو يدعم العقيدة الصليبية بقوةٍ في كل مكانٍ، يدعو إلى استقلال الأقاليم ذات الأغلبية النصرانية ( تيمور الشرقية - ليتوانيا - جنوب السودان ) لكنه في المقابل يغض الطرف عن استقلال الشيشان مثلاً لأنهم مسلمون، العلماني الغربي لا يسخر من تاريخه ولا يزدري علماء دينه ويحفظ نصوصاً من الكتاب المقدس لزوم العودة إلى الأصالة في يومٍ من الأيام، بعكس العلماني العربي الذي يدوس على دينه ويزدري علماء أمته ولا ينظف مؤخرته إذا خرج من الحمام، العلماني العربي هو الغراب الذي أعجب بالطاووس فحاول أن يقلد مشيته فلم يوفق، وعندما حاول أن يعود إلى أصل مشيته التي خلقه الله عليها، فشل فأصبح معلقاً بالخطأ بقية حياته..
العرض العادي
