ومنذ ُهدم ِالخلافة
الحمدُ للهِ القائل ِفي محكم ِالتنزيل ِ:
( لأنتم أشدُّ رهبة ًفي صدورِهم منَ اللهِ ، ذلكَ بأنهم قومٌ لا يفقهون{13} ) الحشر
ويقولُ الرسولُ الأكرمُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ :
( أعطيتُ خمساً لم يعطهُنَّ نبيٌّ قبلي... وذكرَ منها نـُصرتُ بالرعبِ مسيرة َشهرٍ )
أجل أيُّها الإخوة ُالمؤمنونَ :
فيومَ كانَ لنا دولة ٌ, وقبلَ أن يتحركَ جيشـُها ، الذي ملأ َصِيتـُهُ الآفاقَ , كانت ترتعدُ فرائصُ الكفارِ بمجردِ النفيرِ للجهادِ , وما أثقلَ هذهِ الكلمة َعلى نفوسِـهم ، وقد أوجدت رأياً عاماً بأنَّ جيشَ المسلمينَ لا يُغلبُ ، وقوة ٌلا تـُقهر.
وهذا هوَ الأصلُ .
فقد كانَ خليفتـُنا يخاطبهُم إيتـُوا طوعاً أو كرها ، فما يَسَعُهم إلاَّ أن يقولوا أتينا طائعين .
ولكنَّ تخلـَّفَ المسلمينَ عن حمل ِالدعوةِ الإسلاميةِ عن طريق ِالجهادِ ذروةِ سنام ِالإسلام ِأقعَدََهم ،
فلم يعُودُوا أمَّة ًوَسَطاً تقتعِدُ الصدارة َ,
وها همُ اليومَ يتقاعسونَ عن ِالعمل ِلاستئنافِ الحياةِ الإسلاميةِ بإعادةِ الخلافةِ لتحكمَ بالعدل ِالذي غابَ عن الأرض ِبغيابها , إلاَّ من رحمَ الله .
فمنذ ُهدم ِالخلافةِ :
لم يَعُدِ المسلمونَ شهداءَ على الناس ِبالتبليغ ِحسبَ ما كلـِّفوا ... فتخلفوا .
وفاقدُ الشيءِ لا يُعطيهِ،
ومن يومهَا لم نـُنصر بالرعبِ مسيرة َشهرٍ ولا أسبوع ٍ ولا يوم ٍ ولا حتى ساعة ،
بل على النقيض ِ من ذلكَ ،
فمن يومها نـُغزى ولا نـَغزُوا !
نـُقتلُ ولا نـَقتل !
تـُنتهبُ خيراتـُنا ،
وتـُنتهك أعراضُنا ،
تـُسفكُ دماؤ ُنا ،
وتـُغتصبُ أرضُينا .
شوكتـُنا مكسورة ٌ،
وثروتنا مهدورة ٌ,
ولن يرفعَ اللهُ عنا ما نحنُ فيهِ ، حتى نرفعَ عنا ما نحنُ فيهِ .
وصدقَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ إذ يقول :
( إن دينَ اللهِ لن ينصرَهُ إلاَّ من حَاطـَهُ من جميع ِجوانبهِ )
وقالت العربُ : إذا بانَ السببُ بطـُلُ العجب .
فمنذ ُهدم ِالخلافةِ:
ودماءُ المسلمينَ جَدَاول.
قامَ بذلكَ الأعداءُ وأعانهم علينا الحكامُ وكلُّ عميل ٍمتآمر.
ومنذ ُهدم ِالخلافةِ:
غارَ الإسلامُ عن التطبيق ِالعمليِّ ، فتداعت علينا الذئابُ من كلِّ جانب .
بعدَ أن غابَ الأميرُ الذي نحبهُ ويُحبنا , ونصلي عليهِ ويُصلي علينا ،
ليقولَ للكفار : من أميرِ المؤمنينَ :
إلى كلبِ أمريكا القذر. وجعلان ِأوروبا الأشرار، سآتيكم بجيش ٍأولـُهُ عندكم وآخرُهُ عندي ، لأحققَ وعدَ اللهِ فيكم وأنسيكُم وساوسَ شيطانكُم .
وليقولَ لأضرابهم : ألردُّ ما ترونَ لا ما تسمعون ، أيُّها المشركونَ , أيُّها المغضوبُ عليكم ,أيُّها الضالون .
ومنذ هدم ِالخلافةِ :
لم نقاتِلـَهُم ، ولم يصبهم عذابٌ بأيدينا ، و يَجعلـُهُم خزايا ، أو يعطوا الجزية َعن يدٍ وهم صاغرونَ , أو ينصرنا عليهم ،
ومنذ ُذلكَ الحين ِلم يَشفِ اللهُ صدورَ قوم ٍمؤمنين .
ومنذ ُهدم ِالخلافةِ :
لم نذق طعمَ العزةِ ، لأنـَّا فقدناها بفقدان ِالأميرِ السياسيِّ ، الإمام ِالرحيم ِ, والراعي الكريم ِ, والأبِ الرؤوم ِ .
مَعَ أن أصلَ معدنِنا ثمينٌ ، إي وربي واللهِ ثمين .
ومن يومها لم نسعد بنشوةِ النصرِ المُؤزرِ المُبين .
ومنذ ُهدم ِالخلافةِ:
لم ننعم بالسعادةِ لأن اللهَ غيرُ راض ٍعن تصرفاتِنا ، وتقاعُسِنا عن نصرةِ دينهِ.
ومنذ ُهدم ِالخلافةِ:
لم يقف أميرُ الجهادِ موقفاً يُرضي اللهَ ورسولـَهُ والمؤمنينَ بمقدمةِ الجيش ِمخاطباً الذينَ كفروا : ( ستغلبونَ وتـُحشرونَ إلى جهنمَ وبئسَ المهاد {12} ) آل عمران .
ومنذ ُهدم ِالخلافةِ :
صِرنا كالأيتام ِعلى موائدِ اللئام ِ، بعدَما فقدنا الأخوين ِالتوأمين ، السلطانُ والإمام .
فما لا أسَّ لهُ فمُنهَدِم ، وما لا حارسَ له فضائع .
فانهدمتِ الخلافة ُوغابَ الحارسُ الأمينُ ،
فتكالبت علينا قوى الشرِّ من كلِّ جانب ،
وما عادَ المسلمونَ يسمعونَ أميرَهُم يُخاطِبُ الغمام َ: أيتها الغمامة ُإذهبي حيثُ شئتِ ، فإن خراجَكِ عائدٌ إليَّ .
واليومَ خيراتُ المسلمينَ عائدة ٌللكفارِ المستعمرينَ ، ولا حولَ ولا قوة َإلاَّ باللهِ العليِّ العظيم .
ومنذ ُهدم ِالخلافةِ :
صرنا نخشى الكفارَ ونهابُهُم , وما كانَ لهم ذلكَ لو كانَ لنا الأميرُ الجُنـَّة ُ,
كيفَ لا ! وقد قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ :
( يوشِكُ أن تداعى عليكـُمُ الأممُ من كلِّ أفق ٍكما تداعى الأكلة ُعلى قصعتِهَا ، قلنا يا رسولَ اللهِ : أمِن قلةٍ بنا يومئذٍ ؟ قالَ : أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكن تكونونَ غـُثاءً كغثاءِ السيل ِ، يَـنتزِع ُ المهابة َمن قلوبِ عَدُوِّكِم ، ويَجعلُ في قلوبكـُمُ الوَهـْنَ، قلنا وما الوَهـْن ِ؟ قال: حُبُّ الحياةِ وكراهية ُ الموتِ )
وهذا الحديثُ يُبينُ بحقٍّ ما آلَ إليهِ حالُ أمتنا اليوم .
وإنهُ لا يرفعُ الضيمَ والذلَّ وهيمنة َالكفارِ علينا إلاَّ الخلافة ُالراشدة ُالثانية ُالقادمة ُالموعودينَ بها كفلـَق ِالصبح ِقريباً بإذن ِ اللهِ.
ومنذ ُهدم ِالخلافةِ :
عُطـِّلَ الجهادُ ولم تـَعُد تنزلُ علينا رحْمَاتُ الملائكةِ , لا مُنزلينَ ولا مَسَوِّمينَ .
ولم يَعُد الكفارُ يَروننا مِثليهم رأيَ العَين ِ،
بل نحنُ أمامَهم بالكثرةِ غـُثاء ،
وبالقوةِ هَباء ، وبالوزن ِالدوليِّ إماء .
فكيفَ لا نكونُ كذلكَ وقد تركنا وراءَنا ظِهرياً نداءَ السماءِ ( قاتلوهُم , يُعذبْهُمُ اللهُ بأيديكُم , ويُخزِهِم ويَنصُركُم عليهم , ويَشفِ صدورَ قوم ٍمؤمنين{14}) التوبة
وقولهِ : ( أن اللهَ بريءٌ من المشركينَ ورسُولـُهُ {3}) التوبة . فلم نعادِهم , أو نبرأ َمنهم ، بل اتخذناهُم أنداداً وأعوانا , وجعلنا لهم على المؤمنينَ سُلطاناً , فسامُونا سوءَ العذابِ حتى أصابنا الشقاءُ وعمَّنا البلاء .
وصدقَ اللهُ : ( ظهرَ الفسادُ في البرِ والبحرِ بما كسبتْ أيديْ الناس ِليُذيقـَهُم بعضَ الذي عملوا لعلهم يرجعون {41} ) الروم . ( ففروا إلى اللهِ إني لكم منهُ نذيرٌ مُبين{50}) الذاريات .
ويقول : ( وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضُها السماواتُ والأرضُ أعدَّت للمُتقين{133} ) آل عمران . فعندما تقفُ يا بنَ عبدِ اللهِ بينَ يدي ِاللهِ وترى إنعامَ اللهِ على العاملينَ المخلصينَ يومَ الجزاءِ الأعظم ِبقولِهِ : ( فنعمَ أجرُ العاملينَ {74} ) الزمر .
ويقفُ المتقاعسُ ويقولُ نادماً : يا ليتني كنتُ مَعَهُم فأفوزَ فوزاً عظيما .
أو يقولُ : ليتني كنتُ تبنة ًفي لبنةٍ في بناءِ صرح ِالإسلام ِالشامخ ِ،
ولكن، هيهاتَ هيهات ! يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بنونَ إلاَّ من أتى اللهَ بقلبٍ سليم ) .
وأسألُ اللهَ العظيم , ربَّ العرش ِالكريم ِ, أن يجعلنا وإيَّاكم ممن يستمعونَ القولَ فيتبعونَ أحسنهُ. وآخرُ دعوانا أن ِالحمدُ للهِ ربِّ العالمين .