بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في هذا الموضوع لنا وقفة فيها نتعلم كيف يكون الدعاء مستجاباً مع نبي الله زكريا عليه السلام الذي كان شيخاً كبيراً وزوجته عجوز عاقر ومع انقطاع كل هذه الأسباب أجاب الله دعوته نتعلم كيف نتدبر آيات كتاب الله ونعمل بها ..
معاً نتدبر أول آيات سورة مريم ونعرف آداب الدعاء المستجاب.
قال تعالى في أول سورة مريم : ?ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِياَّ ?2?إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّا ? [مريم:3] وزكريا نبي من أنبياء بي إسرائيل المشهورين والمعروفين وفي وصف الله تبارك وتعالي له بالعبودية إشارة إلي أن عبودية الأنبياء لله تبارك وتعالي أشرف ما يصفهم الله تبارك وتعالي به, انتبه لكلمة الرب في هذه الايات المباركات وأحصي كم مرة ذكرت ?إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِياّ ?3?قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّا ?4?وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّا ?5?يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِياّ ? [مريم:5- 6]
من آداب الدعاء
في هذه الآيات جملة من آداب الدعاء ، الدعاء هو العبادة هكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء هو العبادة ?وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ? [غافر:60]
1-من آداب الدعاء : أن يلح الداعي على الله سبحانه وتعالي بندائه بوصف الربوبية ( يا رب ، يا رب ، يا رب) فإن زكريا عليه السلام تقرر منه هذا النداء مرات كما أحصيناها آنفا في هذه الآيات المباركات وهذا هو هدي نبينا في الدعاء . وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلي السماء يا رب ، يا رب ، يا رب .
2-ومن أدب الدعاء أن تخفيه عن الخلق ،وأن تخفيه عن الناس . ?إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّا ? [مريم:3] لم يسمعه أحد من الخلق لماذا أخفى زكريا عليه السلام دعائه عن الناس؟ لأن الإخفاء والإعلان بالنسبة لله تبارك وتعالي سواء قال تعالي ?سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ ?[الرعد: من الآية10] فإذا كان الجهر والإسرار بالنسبة لله تبارك وتعالي سواء فلا داعي للجهر بالدعاء لأن الدعاء كلما كان في الخفاء وفي السر كلما كان أقرب إلي الإخلاص وكلما كان أقرب إلي الإخلاص كان أقرب إلي الإجابة من الله سبحانه وتعالى ، فحاول دائما أن تخفي دعائك وأن تخفي مسألتك ?ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )
3-إظهار الضعف والافتقار : ?قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّا?[مريم:4] [/COLOR]قال العلماء أظهر زكريا عليه السلام لله تبارك وتعالي ضعفه وعجزه الباطني والظاهري فمن أدب الدعاء أن يظهر الداعي وأن يظهر السائل لله تبارك وتعالي عجزه وضعفه وذله وافتقاره وانكساره أن تطرح نفسك بين يدي ربك سبحانه وتعالى وأنت تسأله وتدعوه ذليلا منكسرا فقيرا تظهر لله تعالى ضعفك وعجزك وافتقارك وشدة حاجتك إليه سبحانه وتعالي .
4-ثم توسل إلي الله تبارك وتعالي ليجيبه ويعطيه سؤاله قال ?وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّا ?[مريم: من الآية4] ولم أكن بدعائك ربي محروما لأن من رحمة الله بالداعي أن يجيببه ومن رحمة الله بالسائل أن يعطيه والشقي هو المحروم الذي يدعوا فلا يستجاب له ويسأل فلا يعطى والعياذ بالله فزكريا يقول يا رب أسألك وأدعوك ?وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّ ?[مريم: من الآية4] فمن آداب الدعاء أن تتوسل إلى الله تبارك وتعالي بجوده وكرمه وأسمائه وصفاته حتى يجيب دعائك ويعطيك سؤالك والله تبارك وتعالي يقول ?وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَ ? [الأعراف:180] فمن أحسن أنواع التوسل أن تتوسل إلى الله تبارك وتعالي بأسمائه الحسنى ، يا رزاق ارزقني ، يا شافي اشفني ، يا غفار اغفر لي يا تواب تب علي وهكذا .
ومن أحسن ما يتوسل به أيضا إلي الله تبارك وتعالى الإيمان بالله عز وجل من أحسن ما يتوسل به إلي الله تبارك وتعالى ، ولذلك إذا تتبعت آيات القرآن ودعوات عباد الله المؤمنين الصالحين ترى أنهم يتوسلون إلي الله في الدعاء بإيمانهم بالله ?يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ?[المؤمنون: من الآية109] ?رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ? [آل عمران:53] .
5- من آداب الدعاء أيضا أن يقوى رجائك في الله سبحانه وتعالى وأنت تدعو الله مع انقطاع الأسباب ، وأنت كما وصاك رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ) مع انقطاع الأسباب يقوى الرجاء في الله سبحانه وتعالى ربما لو كانت الأسباب متوفرة يكون من الإنسان بعض الركون إلي الأسباب لكن عند انقطاع الأسباب يقوى الرجاء والله تعالي يقول في الحديث القدسي ( أنا عند حسن ظن عبدي بي ) فزكريا عليه السلام يقول ?فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ?[مريم: من الآية5] من عندك يا رب وإن كانت الأسباب من عندي قد انقطعت تماما
?فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّا ?[مريم: من الآية5] يا رب الأسباب الظاهرة التي جرت العادة أن يكون بسببها الولد هذه الأسباب الظاهرة قد انقطعت مني ، أنا شيخ كبير ?وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ?[مريم: من الآية4] وامرأتي عجوز عقيم فأنا أطمع في الولد مع انقطاع الأسباب لأنني أرجو الولد من عندك من لدنك يا رب وإن انقطعت الأسباب.
قال : ?وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيا?[مريم: من الآية6] اجعله ربي عبدا رضيا ترضى عنه ويرضى عنك ويرضى عن الناس ويرضى الناس عنه. وهذا الدعاء يدلك على أن الأباء يجب إذا حرصوا على الذرية أن يحرصوا على الذرية لا لمجرد الأبوة والبنوة وإنما يجب أن يحرصوا على الذرية لتكون ذرية طيبة صالحة تعبد الله سبحانه وتعالي وتحقق الغاية من خلقها ?وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ? [الذريات:56]
وتأتي البشارة عقب الدعوة مباشرة ?يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّا ? [مريم:7]من المنادي ؟?يَا زَكَرِيّاَ ?[مريم: من الآية7] هذا نداء ، وزكريا منادى ، من الذي ناداه ؟ الله تبارك وتعالى قال في آل عمران ?فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى ?[آل عمران: من الآية39] فالملائكة هم الذين نادوا زكريا عليه السلام ، وهم الذين بشروه بهذه البشارة بأمر الله تبارك وتعالى لهم أن يبشروه بها ?يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ ? وانتبه للبشارة وما فيها من الكرم والجود ?إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّا ?[مريم: من الآية7]
المرجع : شرح الشيخ عبدالعظيم بدوي لكتاب مختصر تفسير بن كثير لـ نسيب الرفاعي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أخواني لا تبخلوا على أنفسكم بتطبيق هذه الآداب في واقعكم العملي وحتماً بإذن الله ستأتيكم البشارة من الكريم المتعال سبحانه .
اتمنى الفائدة للجميع
أختكمـ
العـزيـزة
العرض العادي
