السلام عليكم ورحمة الله وبركاته000
قبورنا تبنى ونحن ما تبنا يا ليتنا تبنا من قبل ان تبنى
القبر
هو ذلك المكان الضيق الذي يضم بين جوانبه جثث الموتى ،
و هو موطن العظماء ، و الحقراء ، و الحكماء ، و السفهاء، و منزل الصالحين والسعداء ، و هو إما روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار،
فواعجبا لذوي القربى كيف يتقاطعون و يتحاسدون و هم يعلمون أنهم إلى القبور صائرون؟!!
قال عمر بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ لبعض جلسائه:
"... يا فلان ، لقد أرقت الليلة أتفكر في القبر و ساكنه ، إنك لو رأيت الميت بعد ثلاثة في قبره لاستوحشت
من قربه، بعد طول الأنس منك به ، و لرأيت بيتا تجول فيه الهوام ، و يجري فيه الصديد ، و تخترقه الديدان
مع تغير الريح و بلي الأكفان بعد حسن الهيئة ، و طيب الروح ، و نقاء الثياب ".
إن الموت حقيقة قاسية رهيبة تواجه كل حي ، فلا يملك لها ردا، و لا يستطيع لها أحد ممن حوله دفعا ، و
هي تتكرر في كل لحظة ، يواجهها الكبار و الصغار، و الأغنياء و الفقراء ، و الأقوياء و الضعفاء ، و يقف
الجميع منها موقفا واحدا، لا حيلة ، و لا وسيلة ، و لا قوة ، و لا شفاعة ، مما يوحي بأنها قادمة من صاحب
قوة عليا لا يملك البشر معها شيئا ، و لا مفر من الاستسلام لها .
بيد الله تعالى ـ وحده إعطاء الحياة ، و بيدة استرداد ما أعطى في الموعد المضروب ، و الأجل المرسوم ،
سواء كان الناس في بيوتهم ، وبين أهليهم ، أو في ميادين الكفاح يطلبون الرزق .. الكل مرجعه إلى الله
ـ تعالى ـ محشور إليه ، ما لهم مرجع سوى هذا المرجع ، و ما لهم مصير سوى هذا المصير ، و التفاون
إنما هو في العمل و النية ، و في الاتجاه و الاهتمام ، أما النهاية فواحدة ، الموت في الموعد المحتوم ، و
الأجل المقسوم ، و رجعة إلى الله ، و حشر في يوم الجمع و الحشر ، فمغفرة من الله ، و رحمة أو غضب
منه ـ سبحانه ـ و عذاب.
إن أحمق الحمقى من يختار لنفسه المصير البائس ، و هو ميت على كل حال. لا بد من استقرار هذه
الحقيقة في النفس ، حقيقة أن الحياة في هذه الأرض موقوتة ، محدودة بأجل ، ثم تأتي نهايتها حتما . .
يموت الصالحون و يموت الطالحون
يموت المجاهدون ، و يموت القاعدون
يموت الشجعان الذين يأبون الضيم
و يموت الجبناء الحريصون على الحياة بأي ثمن
يموت ذوو الاهتمامات الكبيرة ، و الأهداف العالية
و يموت التافهون الذين يعيشون فقط للمتاع الرخيص
يموت الحكام ، و يموت المحكومون
يموت الأغنياء ، و يموت الفقراء
الكل يموت - كل نفس ذائقة الموت
كل نفس تذوق هذه الجرعة ، و تفارق هذه الحياة ، لا فارق بين نفس و نفس في تذوق هذه الجرعة من
هذه الكأس الدائرة على الجميع ، إنما الفارق في شئ آخر ، الفارق في قيمة أخرى ، الفارق في
المصير (( و إنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار و أدخل الجنة فقد فاز )).
هذه القيمة التي يكون فيها الإفتراق ، و هذا هو المصير الذي يفترق فيه فلان عن فلان ، القيمة الباقية
التي تستحق السعي و الكد ، و المصير المخوف الذي يستحق أن يحسب له ألف حساب..
كان يزيد الرقاشي يقول قي كلامه : " أيها المقبور في حفرته ، المتخلي في القبر بوحدته ، المستأنس
في بطن الأرض بأعماله ، ليت شعري بأي أعمالك استبشرت ، و بأي أحوالك اغتبطت ؟ ثم يبكي حتى
يبل عمامته ، و يقول : استبشر ـ و الله ـ بأعماله الصالحة و اغتبط و الله بإخوانه المعاونين له على طاعة
الله"
منقول والله اعلم000