الحمد لله الذي لا يخلف وعدَهُ رُسُلَه (يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون)1 ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ونشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله ، جاء بالهدى ودين الحق بشيرا للعالمين ونذيرا.
عباد الله : اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، أما بعد: فإن أصدقَ الكلام كلام الله ، وخيرَ الهدي هدي نبيكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وإن من كلامه تعالى قولَه:(الذين آمنوا ولم يلبِسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون )2 ، وقد أخرج البخاري ومسلم والإمام أحمد واللفظ له ، أن هذه الآية (لما نزلت شق ذلك على الناس فقالوا: يا رسول الله فأينا لا يظلم نفسه قال: إنه ليس الذي تعنون ، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح : )يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم(3 إنما هو الشرك(4 .
وبين الظلم الصغير والظلم العظيم الذي هو شرك سبب ونسب ، وكما قال السلف رضي الله عنهم : لا صغيرة مع الإصرار .
والتفريط في ارتكاب المظالم الصغيرة مَهلكةٌ يؤدي اعتيادها إلى ارتكاب ما هو أعظم والرضى بها ، وربما أودت إلى أكبر الكبائر وهي الشرك بالله ، و إن ملابسة المؤمن للظلم أمر خطير ، فكلما ازدادت ملابسته له خلع الأمن عنه والإيمان ، و في الصحيح : (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ، ولا يَنتَهِبُ نُهبة ذاتَ شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن)5 . والأمن مطلب يُفزع إليه ، والخوف من فواته يلزمه حرص شديد ، ووعي رشيد ، وصدق حميد ، وقد فرط كثير من الناس أفرادا أو مجتمعات بلوازم الأمن الإيماني ، وفتحوا أبواب الخوف الشيطاني لقلوبهم تستقي منها فيزدادون خبالا وضياعا ؛ أما الخوف الرباني فضعف فيهم فدالت دولة شجاعتهم ، وأرجفت الشياطين فيهم تزرع فيهم خوفا لا يعرفه المؤمن ولا ينبغي له أن يرضى به فحرمتهم بذلك من سكينة الإيمان ، والخوف في الإنسان فطرة إما أن تتجه إلى محاريب العبودية فتكون لله وإما أن تنحرف إلى المخاريق الضلالية فتكون للباطل وأهله ، وكلما ازدادت الصلة بالله ومعرفته زادت شجاعة العبد في مواجهة الباطل وأحس بالأمان وفارقه الخوف ، وكلما وهت الصلة مع الله زاد جبن العبد وذله بين يدي الباطل وركبه الخوف وفارقه الأمن والإيمان.