العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام الثقافية والأدبية ]:::::+ > منتدى القصص والروايات
إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-05-2013, 01:58 AM   رقم المشاركة : 1
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور
Icon7 ۩ قصـــة حكايات شعبية


السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
حكايات شعبية
أبو البنات السبع
الجزء الأول

كان يا ما كان في سالف العصر والأوان, أخوان شقيقان
أحدهما صياد ماهر, و أخوه الأكبر رجل ثري تاجر
وذات يوم, و بعد أن يئس من الحصول على المزيد من أسماك البحر
طوى شبكته المُهترئة الخالية
ثم القى بجسده المنهك النحيل تحت ظِلِ قاربٍ مُتهالك
محتميا من لظى الهجيرة المستعر, ناشدا الإستظلال والإستبراد
وإلتقاط الأنفاس
كان العرق يتصبب بغزارةٍ على جبهته, فالنهار قد إنتصف
والشمس متوهجة في كبد السماء, وسياط لهيبها الحاِرقة تجلد بدنه بوحشية
وقد أوهاه وأعطَشه تكرار رمي الشبكة في البحر, وجرها فارغة إلى اليابسة
ثم تناول قربته الرثَّة, إجترع منها شربة ماء صرد(بارد) أطفأت نار الظمأ في جوفه
رفع بعدها كفيه في ضراعة, وقال مُبتهلا : لك الحمد يا رب البحر, ويا ربَ السماء
على ما رزقتني من خير كثير, وقد أنجيتني من المهالِك, وأبقيتني أسعى على بناتي
ثم قرَر العودة إلى المدينة, فكوخه الطيني يبعد ميلا
فركِب حِماره الأعرج الهرم
ولما أضحى في السوق, باع بعض السمكات, وأبقى على البعض منها, كوجبة غداء لإسرته
إنّهُ "أبو البنات السبع" الشقيق الأصغر"لأبي ساعِدة"
و قد رَزَقه الله بنات سبع, كأنّهنَّ أقمار سبعةَ
بيض الوجوه, أسيلات الخدود, ممشوقات القوام, ساحِرات العيون
ولو أنَّ التوأم سعدِيّة و سعيدة كانتا بدينتان, بطينتان, لا تأخُذهما بالطعام رأفة ولا شفقة
لكن حُسنهما البديع لا يخفى على عين راءٍ, ودماثة خُلُقهما جلِيةٌ على الأوجان المحمّرة حياء
أما سعاد وسعادة و مِسِعدة فإنهن شَبهن أمَّهن المولَّدة في اللُطف والرِقةّ وحُب الجمال
وكنَ مولعات بالحياة, يرغبن بالغالي والنفيس من المُقتنيات, ويعشقنَ المرح والسرور
بينما كانت سعدة وسعدى وهما الأصغر سنا, قد شبِهتا أبيهما في سمرة بشرته
وحَمَلتا عنه الذكاء الحاد, والجُرأة
علاوة على ما كسبتاه من طبائع أمهما الفضيلة, من بِرٍ و تقى, و رحمة بالضعفاء
ولدت "أم البنات السبع" في "كهف طيق"
(يوجد في جبل سمحان, في ولاية مرباط)
وقد أرضعتها إحدى جنيات الكهف الصالحات, مع أبنائها فصارت أمها
بعد ذلك كان الجن إخوتها من الرضاع, يساندونها في كل شدة
فلمّا توفيت عطفت الجن على بناتها السبع. وإهتمت بهن, وخدمتهن, وساعدتهن
على تجاوز الكثير من المحن, بفضل الله و إرادته, إلا أنّهم كانوا لا يحضرون دائما
عندما وصل الصياد إلى كوخه الطيني المُتهالك, وهو مُعنتٌ(مرهق)مُنهك
إستقبلته بناته بالبشر والسرور, وحملن أمتعته القليلة وتبادرن إلى خِدمته
وبعد أن تناولوا تلك السمكات القليلة التي جلبها, وحمدوا الله وشكروُه
أحاطت البنات بأبيهنَّ إحاطة السور بالمعصم, وجلسن حوله, يُسلينه ويُشجعنه
فنسي الوصب (العذاب)الذي كان يُكابِده (يُقاسيه) في البحر, وحمد الله على القناعة
إرتفعت ضحكات الصياد و بناته السبع, وهم يُثرثرون في هناء وغِبطة
(سرور)كأنهم قد حازوا أيوان كِسرى, أو عرش بلقيس
فوصلت ضحكاتهم إلى مسمع أخيه "أبي ساعِدة" القابع في نافذة من نوافذ قصره
مهموما كئيبا, ساخِطٌا ناقِما
كان"أبو ساعِدة" قد إستولى على تركة أبيهما, ولم يترك لأخيه الأصغر شرو نقير
بل تخلىَّ عنه وهو طفل, فتولت خالاته تربيته ورعايته وحفِظه, حتى صار رجلا
ثم تزوّج "أبو ساعِدة" من "أم ساعِدة" وهي كريمة كبير تُجارالمدينة, فزادت ثروته
ونمت تجارته, وأنجبت له سبعا من البنين, ولكنّه أهمل تربيتهم وتهذيبهم وتعليمهم
و أسند أمرهم إلى "أم ساعِدة" التي أرضعت ولدها الإستعلاء والغرور, وإزدراء الفقراء
وعلَّمتهم قطيعة الرحِم, وكراهية عمهم وبناته السبع, وجعلتهم أعداء, وخصوم
وحين شبَّ الصِبية السبعة أغدقت عليهم الأموال, وأفسدت أخلاقهم بفرط الدلال
فلمَّا بلغوا مبلغ الرِجال كانوا عديمي الحيلة, فاقدي المروءة, وهاة العزيمة
و بعد أن عرفت خبث معدن زوجها, وجوره على أخيه, وظلمِه له
تسلّطَت عليه, وأستعبدته, فأستسلم لها زوجها وأستكان
وخاف الفضيحة والعار, ولم يخف الله ثم النار
وقد حرّضته على أخيه, فزعمت أن "أبا البنات السبع" يسعى للانتقام منه
و يحتال لأخذ حقَّه من الميراث
فصدَّقها "أبو ساعِدة" , و حقد على أخيه, وأبغضه, وأبطن له سؤ النية
وفي ذلك اليوم وحين سمع ضحكات أخيه وبناته السبع
أغتاظ غيظا شنيعا, وزاد شقاؤه ونحسه
فصاح على خادمه ياقوت الذي جاء مسرعا, والحُزُن بادىٍ عليه
فقال له آمِرا : أدعو لي إبني ساعِدة في الحال
إنصرف الخادم, وعاد بعد قليل لوحده
فسأله "أبو ساعِدة": الم آمُرك أن تأتي بابني ساعِدة ؟ ... فأين هو ؟
قال الخادم : لقد أبى أن يأتي يا سيدي ...
قال "أبو ساعدة" : ولم ؟ ماذا يفعل ؟
قال الخادم : إنه يأكُل يا سيدي
فهمهم "أبو ساعِدة" : لا شبِعت بطنه ...
ثم قال : إذن فأدعو لي سعدأو سعيدأو أي من أبنائي السبعة
خرج الخادم على الفور, ثم مكث طويلا قبل أن يأتي, و وقف بعيدا لا يتكلّم
فلما رآه "أبو ساعِدة" قد عاد لوحدة, قال غاضبا : إنهم جميعا نائمون, اليسوا كذلك ؟
هز الخادم رأسه مُوافقا, فتمتم بكلمات, تُنِمُ عن الغيظ الذي ملأ صدره
ثم قال : فلتذهب أنت إذن يا ياقوت إلى "أبي البنات السبع" ...
وأمنعه من الضحِكِ, وأمره أن يسكت, وليُسكِت بناته اليائسات
فإني أبغض ضحِكهم, ولا أحتمل سماع أصواتهم
ذهب الخادم, وبعد قليل قرعَ باب الكوخ مُترددا
فتلقّته سعدى وهى أصفر أخواتها, وكانت ذكية جريئة
فلما رأته واقفا منكِّس الرأس, علمت بما جاء من أجلِه
فقالت له : إنّه عمي "أبو ساعِدة" يأمرنا بالصمت, كعادته كل يوم
لا عليك سوف نصمت...!!
فأنصرف الخادم
لكن صدر "أبي ساعِدة" إمتلأ غيظا وحنقا, فأخوه وبناته, لم ياتمِروا بأمره, ولم
ينصاعوا لرغبته, وهم بالخروج من قصره, والتوجُه إليهم, ليُسمِعهم سِبابه
وشتائمه, لكن ضخامة جسمه, وعِظم بطنه منعاه من ذلك, خاصة وأنه قد تناول
طبقا مليئا رُزا, وصحنا من العصيد, وخضم ثلاث دجاجات سِمان, كما إلتهم فخذ
عِجل قد شُوِيت على الفحم, , وقوالب, الفالوذج والخبُز المُحلى بالعسل
فضلا عما شربه من الماء الممزوج بالسُكر
فثقُلت رأسه, وخارت قواه, فأرتمى على سريره
مغموما نكدا
ثم أنه أغمض عينيه, يريد القيلولة, ولما أحسَّ بحلاوة النوم تسري في بدنه
هبَّ فجأة من على فراشه مذعورا ...
محمرة عيناه, ضيق صدره, حائر فكره
فقد سمع أصواتا مزعجة مرعبة مخيفة, كأنها هدير الرعد, تهز أركان القصر
فخرج من غرفته فزعا, يلتمس مصدر الصوت وهو مرتبك مضطرب, وأخذ يتتبعه
حتى عرف أنّه ينبعِثُ من غرفة إبنه ساعِدة, فأقترب على حذر, ومشى الهوينى
خِشية أن تراه "أم ساعِدة", فتمنعه من الدخول, ولا تسمح له بمعاقبة أو بمعاتبة ولدها
وعندما وصل بأمان تام إلى الغرفة, التفت يمنة ويُسرة, فلمّا أطمأن إلى عدمِ وجودها
دفع الباب بكل ما أوتي من قُوة, فوجد أبنائه الخمسة
ساعِدة, سعيد, سعد, سعود, و سعدي قد إجتمعوا في الغرفة
أمّا ساعِدة فكان رابطا طبلا ضخما إلى حقوه
(خيط يربط حول الخاصره)يقرعه بقوة وحماس, وهويُغنيِّ أُعنية بلهاء
بينما كان الأربعة الآخرون يرقصون في صفين مُتقابلين
وهم يلبسون لباسا مهلهلا ومُوحّدا, وقد صبغوا وجوههم بِطلاء, كما يفعل الزِنج
فذُهِلَ والدهم, والجمه المشهد, لكنه سيطر على ثورة غضبه
وأنتظر ردة فعل أبنائه حين يلاحظون وجوده, لكنهم لم يحفلوا به
وتجاهلوا حضوره, وأستمروا في لهوهم, لا يعيرونه أدنى إهتمام
فكان إذا حاول أن يفتح فمه, يأتون بحركة جديدة
ولكنه عندما رآهم يتمايلون بأجسادهم, ويهزّون رؤوسهم و مؤخراتهم
في خلاعة و ليونة, إحمرت عيناه غيظا ولم يُطِق الصمت
وعزم على تعنيفهم, وزجرهم, وتأديبهم, وإرشادهم إلى سوى السبيل
غير أنَّ الطبل والرقص توقّفا بغتة, وسمع صفيرا عاليا, وتصفيقا حارَّا من خلفه
فلمّا إلتفت رأى "أم ساعِدة" وقد أشرق وجهها غِبطة, وهي واقفة تحيي بنيها, فهابها
وأخذ يصفق مكرها, ثم إبتلع ريقه, وسأل إبنه بهُدوء وسكينة : ماذا تفعلون يا بُني ؟
قال ساعِدة بِفخر وإعتزاز: إننا نُمرِن أنفسنا, على رقصة, نؤديها أمام إبن الوزير ورِفاقه
بمُناسبة يوم ميلادِه. فما رأيُك في رقصتنا يا أبي ؟
لم يجرؤ أبوه على قول ما يتوجب عليه قوله, بل قال : إنها رقصة رائعة
ثم أنصرف مسرعا قبل أن ينفذ صبره, ويتفوّه, بكلا م يُغضب "أم ساعدة"
فإستوقفه إبنه ساعِدة قائلا : إنّ أخوي سعدون و سعدان
قد رفضا مُشاركتنا في مُجاملة إبن الوزير, فهلا عاقبتهمايا أبي ؟
عندها كاد أن يُغمى على "أبي ساعِدة" وهو يسمع هذا الكلام المُهين
قخرج ذليلا
وفي غرفته جلس يبكي بحُرقةٍ, وقد رأى بام عينيه, سُخف بنيه وتفاهتهم
ساعِدة وهو أكبر إخوته سنا, وقد بلغ تسعا وعشرين سنة من العمر
كان شابا مُدللا بطىء الفهم, قاصر الهمة, على الرغم من طوله الفارع, يحب اللهو
لا يُخالط أقرانه من الفتيان إلا نادِرا, فغدا ضعيف العقل, عديم الحيلة مسلوب الإرادة
وتأثر به إخوته, فكان كل من سعيد, سعد, و سعود يعتمدون عليه و يقلدونه في كل شىء
أما سعدون وهو خامس إخوته, وفي الثالثة والعشرين من العمر, فكان قصيرا دميما
بطين بدين شره, سليط اللسان, خبيث النفس, شرب كأس اللؤم مترعة من طبع أمه
سعدي وهو آخر العنقود وأصغر الأخوة, كان شهما نبيلا, تقيا ورِعا, في قلبه رحمة
بعد عصر ذلك اليوم أراد "أبو ساعِدة" أن يخرُج إلى السوق, و وقف يرتدي ملابسه
فحانت منه إلتفافتة إلى كوخ أخيه القريب من القصر, فجذبه مشهدُ أخيه وبناته السبع
وهم يُرممون كوخهم الطيني بهمة ونشاط, ولاحظ أن البنات قد شددن ثيابهن البالية
وشمّرن عن سواعدهن النحيلة, وهن يساعدن أباهن, ويفعلن فِعل الرِجال
فأغتم "أبو ساعِدة", من ذالك المشهد, وضاق صدرُه, ثَّم تنهَّدبمرارة وحسرة
وعقد مُقارنة سريعة, بين بنيه المائعين, المُدللين, التافهين, المُرفهين
وبين بنات أخيه الشبيهات بالرجال الأسوِياء, فشعر بالحزن يعتصِر قلبه
ولكن سرعان ما عادت إليه إبتسامته, عندما تذكّر إبنيه سعدون و سعدان
اللذين لم يكونا مع الراقصين, وقد ظنّ انهما أفضل حالا من الآخرين, فشعر بالرضاء
لذلك نادى خادمه, وقال له : أتني بإبنيّ سعدون و سعدان في الحال
فبحث عنهما الخادم, حتى عثر عليهما يلعبان في حديقة القصر
ولمّا أبلغهما برغبة أبيهما, ردا عليه بكل وقاحةٍ, وقلة أدب, وقال سعدون :
دعه يأتي إلينا إذا رغِب في رؤيتِنا, فإننا مشغولان ...
نزل "أبو ساعِدة" مُسرعا, وهو فرحانا مسرورا, لانه ظنّهما مشغولان بأمرٍ هام
وقال في نفسه : ليست بنات أخي وحدهن, من يشغلُهُ الجليل من الأمور ...
وحين وقع نظره على إبنه سعدون رآه واضعا على رأسه ما يُشبه عرف الديك
فتعجب من ذلك, وبينما هو في دهشته وذهوله, سمع نقيقا يشبه نقيق الدجاجة
فلما إلفت شاهد ولده سعدان الذي يبلغ السادسة عشر من العمر
يجلس القرفصاء على الأرض, فداخله الريب والفضول
وسأل إبنه سعدون : ماذا يفعُل أخوك ؟
فرد على أبيه بحزم : إنه دجاجة يا أبي, ألا تسمعه ينِقّ ؟
قال "أبو ساعِدة" وقد خاب رجاؤه : وأنت الديك, اليست كذلك ؟
قال سعدون : بلى يا أبي ألا ترى عرفي العظيم ؟
كتم "أبو ساعِدة" غيظه, وأنصرف لا يلوي على شىء ...
ثم خرج لائذا بالصمت و قد اختلجت في صدره مشاعر اليأس و القنوط
فصب جام سُخطه على أخيه المسكين و على بناته السبع, دون ذنب أو سبب
ليس إلا الحسد له على ما هو فيه من قرة عين و طمأنينة و سكينة, وتآلف
فركب حصانه الجرشع(الواسع البطن), و خرج من قصره, مصطنِعا العظمة, يحّفُ به الخدم
فكان كلما مر من طريق أو من زقَّاق, يرى الأطفال والصبية يفرون من أمامه في هلع
و يُلاحظ أنَّ الناس لا تحفل به, ولا تعيره أدنى اهتمامه, فقال في نفسه :
إنّ هولاء الرجال قد حسدوني, على ما أملكه من مال و بنين, ويتمنون زوالهما
وأمّا الصبيه, فإنّهم إنّما يوسعون لي الطريق, إحتراما وتقديرا, فهم يعلمون من أكون
أقنع نفسه بهذه الحجج الواهمة, ولكّن الحقيقة إن الناس لا تكن له ذرة احترام
والصبية إنما كانوا يهربون خوفا من بطش خدمه, و وحشِيّتهم وجبروتهم
عندما وصل "أبو ساعِدة" الى السوق وجد التجار قد سبقوه, وانتظموا في مجالسهم
وسمِعهم يتحدثون, فلما أنضم اليهم ساد الصمت, وأنصرف معظمهم. وبقي نفر قليل منهم
وبينما كان "أبو ساعِدة" يحادثهم لَمَحَ اخاه الصياد يأتي ماشيا على قدميه الحافيتين
و كان "أبو البنات السبع" كلما مر على ِمجموعة من الناس رحبوا به وحيوه وضاحكوه
ودعوه إلى الجلوس معهم, ثم شاهده يجلس مع بعض الصيادين في حلقة صغيرة
وبعد برهة لاحظ أنَّ عدةِّ حلقات قد إنضّمت الى مجلس إخيه, و أحاط به الصيادون
فكاد "أبو ساعِدة" أن يموت كمدا وتعاسة, و لم يطق السكوت
فسأل زملائه : ما بال أولئك الصيادين البؤساء قد إجتمعوا في مجلس واحد ؟
رد عليه أحد رفاقه : إنهم يستمعون الى أحاديث أخيك "أبي البنات السبع" الشيِّقة
قال "أبو ساعِدة" هازئا : و ماذا يعرف ذلك السفيه ؟!
إنه مجرد صياد جاهل ...
قال صديقه : لا يا "أبا ساعِدة" ان اخاك رجل حكيم, عذب الحديث, يُحبه الناس
قال "أبو ساعِدة" ساخِطا : أحبهم الموت, انهم تافهون مثله, لا يجيدون سوى الكلام الفارغ
فإنّك لو دخلت كوخه الحقير, لن تجد فيه عُشر مِعشار ما في قصري
إنه يائسُ مُعِدم, و بناته بائسات دميمات, و أنا رجل ثري أمتلك بستانا في قصري
و بساتين في القرى المُجاوِرة, و متاجر كثيرة. فضلا عن سفنى الراسية
والصافنات الجياد
و أبنائي السبعة من خيرة شباب المدينة, بل هم الأفضل والأمثل, والأحكم والأحذق
عندما ذكر "أبو ساعِدة" أبنائه تضاحك القوم, وتمتموا في سخرية و إزدراء
فأستشاط غضبا, و صاح في وجوههم ناقما : ما بالكم تضحكون من حديثي ؟
رد عليه أحدهم قائلا وهو يضحك :
أمّا وإنّك قد ذكرت أبنائك, فإنك تعلم كما نعلم, إنهم اقل شأنا مما تصف وتدَّعي
فأستبسل "أبو ساعِدة" في الدفاع عن ولده قائلا :
ما أعلمه ان أبنائي هم النّخبة من شباب المدينة
وإن أردت أن أدعوهم إليك لتنظر إليهم فعلت
قال الرجل متحديا : فأدعهم, و لكن لا تتدخل حينما أخاطِبهم أو أسألهم عن شئ !
قال "أبو ساعِدة": لك ذلك. ثم صاح بخادمه : أقبل يا ياقوت
فلما مثل بين يديه, ساره طويلا, ثم انصرف الخادم راكضا
انتظر "أبو ساعِدة" ورفاقه و قتا غير قصير, قبل أن يحضر أبناؤه السبعة
راكبين خيولهم الأصيلة, و قد ارتدوا من الملابس اغلاها, ومن التيجان اجملها
و تقلدوا سيوفهم الهندوانية المذهبة, و تخنجروا بالخناجر العمانية
و وضعوا العمامات الديوانية, و تمضخوا بالعود والغالية
فلما رأهم أبوهم مقبلين هب واقفا, وأخذ يصفق بيديه, وعلامات السرور بادية عليه
وشمخ برأسه عتوا وعُجبا






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 02-05-2013, 01:59 AM   رقم المشاركة : 2
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور



و لما وصل ساعِدة واخوته إلى المجلس, إستقبلهم والدهم إستقبال الفاتحين
وأخذ يرحب بهم, و يمتدحمهم, و يثني عليهم قائلا:
أهلا بالغر الميامين, مرحبا بصناديد المدينة, أهلا بفخر الشباب ...
كان رفاقه يغالبون ضحكهم, فلما قال : اهلا بالتقاة الأبرار, أهلا بحماة الديار ...
عجَّوا الناس بالضحك, فغضب "أبو ساعِدة" من سخريتهم, و إغتاظ من إستهزائهم
وقال لهم ساخطا : اما والله لأرينّكم العجَبَ ... ثم سألهم :
هلا نظرتم الى ما يرتدون ؟ هل رأيتم مثل هيئتهم النبيلة ؟
الا تنظرون إلى التيجان المرصعة و السيوف الهندية و السواعد الفتية ؟
اليست هذه الرجولة ؟ اليست هذه الفخامة ؟ اليست هذه الشهامة ؟!
قاطعه أحد رفاقه وهو يضحك : ليس الرجل بمظهره, و لكن بمخبره
فسكت "أبو ساعِدة" مندهشا, ثم سأل : ماذا تقصد ؟ّ!
قال الرجل : دعني آمرهم وانهاهم واسألهم. فان أحسنوا كانوا كما تقول
و إلا فلتعلم أنَّ قيمة الإنسان إنَّما تحددها أفعاله و أخُلاقِه
وافق "أبو ساعِدة", وهو واثِق كل الثِقة من أن أبنائه سيفحمون السائل, قولا وفعلا
قال الرجل : أُدنو مني يا ساعِدة, فدنا منه وهو مذهول مرتعِش, مبديا خوفه
فهي المرة الأولى التي يقف فيها أمام جمع كبير من الناس, وأخذ يلتفت إلى أبيه و إخوته
قال الرجل :

يتبع ...






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 02-05-2013, 02:00 AM   رقم المشاركة : 3
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور


حكايات شعبية
أبو البنات السبع
الجزء الثاني
قال له الرجل : إني أرى ذبابة واقعة على عين القاضي النائم هناك وتؤذيه
أريد منك يا ببُني أن تخلصه منها
فكر ساعِدة دهرا, ثم مشى على أصابع قدميه, حتى جلس
خلف القاضي منتظرا مجىء الذبابة
وعندما حطّت و أستقرت على أنف القاضي, صفعه ساعدة صفعة
أطارت النوم من عينيه, و أخذ يحكُّ خدّه متوجعا
بينما جلس ساعدة أمامه حائرا, وعندما سكن القاضي من الهلع
سأله : ماذا دهاك يا بُني ؟
فتلجلج ساعدة وضحك الناس
ووقف ساعِدة واضعا أُصبَعَه الإبهام في فمه, لا يفهم لم هم يضحكون
فغضب أبوه غضبا شديدا, وأعتذر إلى القاضي
ثم قال لإبنه : عد إلى أِمك لا بَارَك اللهُ فيك...!!
أمّا الرجل فإنّه نادى سعيدا, وهو الإبن الثاني "لأبي ساعِدة", وسأله :
قل لي يا بُني, كيف رفعوا هذه المِئذنة العالية؟
وأشار إلى مئذنة الجامع
طال تفكير سعيدٍ قبل أن يهتدي للإجابة, وفجأة صرخ قائلا :
لقد عرفت يا عم, لقد عرفت ...
فقال له الرجل : هيا ... أخبرنا يا بني ...
قال سعيد: لقد بنوها على الأرض, ثم جبذوها بالحبال, فأنتصبت كما ترى
فضحك الناس, وضحك الرجل حتى إستلقى على قفاه
فتقدم أبوه منه, وأمسكه من عضده, قائلا : عُد إلى أمِك لا بارك الله فيك
وضحك الناس حتى سالت أدمع أعينِهم, وأستلقوا على أقفيتهم
وعجبوا لهولاء الفتية, وقد لبسوا اغلى ما يُلبس, وظهروا على أكمل هيئة
ولكنهم, لا يُحسنون قولا ولا فعلا, وأدركوا أن لاخير في مظهر الإنسان
ما لم يكن له عقل وحكمة, وحُسن تصرُّف ...
و أيقن "أبو ساعِدة" أنّه قد أضاع بنيه بإهمال تربيتهم, وتركهم دون تهذيب أورعاية منه
وأن دلال أمهم المُفرِط, قد أفسدهم, فأمسوا ضعاف العقل, عديموا الحيلة
بُلهاء, حمقى, أعماهم الغرور, وفتنهم الترف, و أضاعهم المديح الكاذب
ومع ذلك, فقد أراد أن يُداري فضيحة أبنائه, وأن يُبررعجزهم وإخفاقهم
برمي الفشل على أخيه, وبناته السبع, حسدا وكيدا, ولم يشاء أن يقوم بنيه
فصاح بالرجل, الذي فضحهم, وكشف معدنهم, قائلا :
إن أبنائي لم يروا هاهنا من يماثلهم في سداد الرأي والحنكة, فأرتبكوا وخجلوا منكم
فلو بعثت إلى "أبي البنات السبع", و جلب بناته, ليناظرن أبنائي, لوجدتهن أقلُّ شأنا منهم !!!
إندهش الرجل من كلام "أبي ساعِدة", وسأله مذهولا :
وما شأن أخيك و بناته بالأمر ؟ إنَّ أخاك لاعلم له بما يدور بيننا
قال "أبو ساعِدة" : بل له شأن, فلقد أحرجت أبنائي, و أضحكت عليهم الصيادين
ولم تُتِح لهم فرصة إظهار براعتهم, والإفصاح عن مخزون عقولهم من الحكمة
فمن الإنصاف أن يستردوا كرامتهم, أمام القضاء, وبحضور جميع الناس
ولن نرضى إلاَّ بمناظرة البنات السبع, فهنَّ عدلهم في الأصل والنسب
و إلاَّ شكوتك إلى القاضي
فصاح أخوال ساعِدة, وأصدقاءُ أبيه, وجُملةٌ من ذوي الأغراض السقيمة, وقالوا :
نحن نشهد عليك مع "أبو ساعِدة", فإنك قد سخرت من بنيه, والحقت بهم العار وأحرجتهم
و إمتنعت عن إنصافهم, ومكرت بهم, وأنكرت حقهم, وأضحكت الناس عليهم, فتُحبس لهذا
أسقط في يد الرجل, وحار في أمره, فقال له "أبو ساعِدة" متوعِدا :
موعدنا غدا في دار القضاء, وهولاء الناس جميعا شهودٌ على عدوانك وبغيك
ثم أنصرف مع بنيه مُبتهجا
ذهب الرجل بعد مغيب الشمس, إلى "أبي البنات السبع", يجر رجليه جرا
وقد تمكن منه الإحراج والخجل, و ندِمَ على إستفزاز أولئك الطُغاة القساة
كان ذلك الرجل أحد أصدقاء "أبي البنات السبع" ألأوفياء, وجاره الجنب
لذلك لم يكن من السهل عليه ان يُورِّط جاره في هذه المناظرة, أو أن يزُجَّ ببناته
في منازعات الرجال وخصوماتهم, ولكنه يعلم تسلُّط و نفوذ "أبوساعِدة" وأصهاره
ويعرف قدرتهم على شِراء شُهود الزور, لذلك قصد صديقه وجاره وكاشفه بالأمر
فأراد "أبو البنات السبع" أن يجنِّب بناته هذه المواقف, وأن يسلم من الفتنة, فبكى الرجل
وشكى إليه خوفه وحزنه, وتوسَّل إليه وأستعطفه فرحمه ورثي لحاله, ووعده خيرا
عاد "أبو البنات السبع" إلى كُوخه بعد المغرب, وكان مُغتما حزينا, مشغول البال
لكنه يظهر البِشر و الإنشراح, و يكتُمُ الهم, فإستقبلته بناته فرِحات مُستبشرات كعادتهن
ولم يلاحظن ما بِهِ من غم, لكن إبنته الصغرى سعدى, وكانت ذكية أريبة, حادة الفهم
متوقِدة الذِهن, أدركت ما به, و لم تشاء أن تدخل الحزن على قلوب أخواتها الغافلات
فتركتهن حتى نمن, ثم تسللت إلى أبيها وسألته عما به, فأخبرها بكل شىء
فقالت له واثقة : لا عليك يا أبي, نم قرير العين, و دعني أتصدى لأولئك الحمقى
و مع أذن الفجر ايقظها "الجن" الصالح, وأيقظت هي أباها وأخواتها , ثم جمعتهم
و طلبت منهم ان يتركوا لها حرية التصرف, فوافقوا جميعا, لثقتهم بها
ثم خرجت البنات السبع برفقة أبيهن إلى دار القضاء, بعد شروق الشمس
فكانوا أول من وصل, و بينما كانوا ينتظرون قدوم الناس, و بدء المناظرة
أقبل ذلكم الرجل المسكين, وأخذ يعتذر اليهن, فكلمته سعدى من خلف الحجاب قائلة :
إّنك يا عم قد أوقعتنا في شراك "أبي ساعِدة", دون ذنب إقترفناه, وتعلم خبثه ومكره
فمن الإنصاف ان تضع عليه غرما, اذا نحنُ غلبنا أبنائه, وتفوقنا عليهم, فماذا تقول؟
قال الرجل : صدقتي يا بنتي ولك علي أن اثقل كاهله بشرط مذل, فماذا يرضيك ؟






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 02-05-2013, 02:01 AM   رقم المشاركة : 4
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور


قالت البنت : يرضيني أن يمنح أبي حمارا فارها و قاربا واسع
و أن يرسل إلينا ثيابا تستر أجسادنا
سمع القاضي شروطها, عندما دخل فقال : و أنا ضامن ذلك إن شاء الله
إجتمع الناس, وأستعدوا لبدء جلسة المناظرة, و لكن "أبو ساعِدة" و بنوه لم يحضروا بعد
ثم أقبل "أبو ساعِدة" وحيدا, منكس رأسه, يبدو عليه القلق, فلما أخذ مجلسه سأله القاضي :
أن أبناؤك يا "أبا ساعِدة" ؟
سكت "أبو ساعِدة" و تجاهل سوال القاضي
فصاح به القاضي غاضبا : الا تسمعني يا "أبا ساعِدة" ؟ لقد سألتك فلم لا تجيب ؟
قال "أبو ساعِدة" خائفا : معذرة يا سيدي... سيأتون ... سيأتون حالا
إنتظر الناس مدة طويلة و لم يأتي الأخوة السبعة, عندها وقف القاضي و نادى حاجبه
ثم قال له :
خذ معك بعض الرجال, وأذهب إلى قصر "أبي ساعِدة", وإتني بأبنائه على أية حال وجدتهم
نفذ الحاجب أمر القاضي وأحضر الإخوة السبعة وهم مذهولون, و لما دخلوا دار القضاء
شخصت إليهم الأبصار, فرأى الناسُ ساعِدة قد وقف مستترا خلف أبيه, يرتعد خوفا
و ذاك سعيد يتثاب بشدة, بينما إنزوى سعد وسعود و سعدي في زاوية المجلس
يغالبون النُعاس, وبقي سعدان وسعدون ينتبهان مرة, ويغفوانِ مرّة أخرى
كان بنو "أبي ساعِدة" قد أمضوا ليلهم سهرا, حيث إستقدموا بعض المُغنين
فأحيوا حفلة غناء, ورقصوا, حتى الفجر, وعندما أراد أبوهم إصطحابهم
للمناظرة, منعته "أم ساعِدة", فأتى لوحده, مقهورا
ثم خاطب القاضي "أبا ساعِدة", فقال :
أنظر الى ولدك يا "أبا ساعِدة", فلما رآهم على تلك الحال لطم خديه
فسأله القاضي : أتكتفي بما تراى أم تحب أن نكمل المناظرة؟

يتبع ...






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 02-05-2013, 02:07 AM   رقم المشاركة : 5
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور



حكايات شعبية
أبو البنات السبع
الجزء الثالث
أراد أبو ساعدة أن ينسحب, عندما رأى غفلة أبنائه وتفاهة أحلامهم
لكن فساد تدبيره أوقعه في ما يكره. فلقد ردَّ بإصرارٍ وغباء قائلا :
بل تبدأ المناظرة حالا
قال القاضي : فأختر أتكون المناظرة قولا أم فعلا ؟
قال : فلتكن قولا وفعلا, ولتسألهم سؤالا ولتسألنا سؤالا
فخاطب القاضي سعاد : أسألكِ عن شىءٍ أطولُ مني ومن أبيكِ
ولكّنه لا يستطيع لمس ضرع البقرة, ما هو؟!
قالت سعاد : إنه الدّرب يا سيدي

قال القاضي : أحسنت , بارك الله فيكِ
فأنبهر الناس مسرعة بديهتها, وجودة خاطرها

ثّمَ سأل القاضي ساعدة, فقال :
منتصب قـــــائم كالبنيان فـــي الطـول رمـح بـلا ســـنان
لا أذن لـــــه ولا لــسان يُشرب بعد العصرِ في رمضان

فما هو ؟
لم يفكّر ساعدةٌ, بل قال : أستغفر الله أيها القاضي
لا شيء يشرب بعد العصر في رمضان فالناس صائمون

قال له القاضي :
بل هناك ما يشربه المسلمون بعد العصر في رمضان .. !!
ثمّ سأل سعادة : أتعرفين أنت الجواب ؟
قالت سعادة : هو قصب السكر يا سيدي, يصنع منه العصير
فارتفعت صيحات الصيادين فرحة وسرورا

قال القاضي :
ما تقول يا سعدون في رجل مسلم بالغ, سميع بصير
صلـى بـالنـاس إمـامـــا , فــقـالـوا : صلاته باطلة
ثم صلى مع الناس مأموما, فقالوا: صلاته باطلة
وصلى لـوحـــده مـنفردا , فـقــالوا : صلاته باطلة

فما علته يا سعدون ؟
إرتجّ على سعدون , وأخذ يسأل إخوته و أباه و أخواله وأعوانهم
فلم ينجده أحد منهم بجواب

فقال أبو ساعدة : إنّ هذا كلامٌ مُبهم, لا تفسير له
قال القاضي : أفتينا يا أبنتي , إن كنت تعرفين
قالت سعيدة : إنَّ الرجل مجنون بلا عقل يا سيدي
ولا تصح الصلاة لفاقد العقل, من جنون أو من غيره
فكبّر القاضي, وعلت الأصوات تثني على البنات
فغضب أبو ساعدة وقال : فلتسألني أنا أيها القاضي

ثم اسأل أبا البنات السبع
قال القاضي : حسنا, فبين لن الحكم الشرعي في :
رجل مسلم , يأكل الميتة, ويصلي بلا ركوع ولا سجود
ويبغض الحق, ويحب الفتنة
قال أبو ساعدة : إنّ من يفعل هذا ليس بمسلم

قال القاضي :
بل هو مسلم, وليس عليه ذنب فيما يفعل, ولكنك رجل جاهل
يا أبا ساعدة فلتسمع ماذا يقول أخوك
قال أبو البنات السبع :
الرجل إنما يأكل السمك والجراد, وهما ميتتان, ويصلي على الموتى
وليس فيها ركوع وسجود, ويبغض الموت وهو حقَ
ويحب المال والبنين وهما فتنة
فأبتسم القاضي, وفرح الصيادون, وإغتم أبو ساعدة
وقال بعد أن أدرك أنهم ماضون في طريق الفشل :
فلننتقل من القول إلى الفعل أيها القاضي

قال القاضي : فماذا لديك ؟
قال : إنني أطلب من أبي البنات السبع أن يأتى بعد أيامٍ ثلاث
حاملا سلة مملوءة من شحم البعوض, وقد طُبخ بلبن العصفور
و إلاّ فإنّه و بناته يخسرون المناظرة, و يكون الشرف و الفضل لي
و لأبنائي النجباء
عجب الناس من هذا الطلب الغريب العجيب, وأشفقوا على الصياد وبناته
قال القاضي : فصف لنا شحم البعوض ماهو ؟ وماذا يكون لبن العصفور ؟
قال أبو ساعدة مُستخِّفا : إنّ شحم البعوض شيءٌ لينٌ دسمٌ أبيض
أما لبن العصفور فهو سائل أشهب, ثم إستغرق في نوبة ضحك مجنونة

فقال القاضي : أمّا إن فعل أبو البنات السبع ما طلب منه
فوالله لنغرمنَّك غرما يقصم ظهرك

ثمّ إنفضَّ المجلس, وإنصرف الناس, وغادرت البنات ووالدهن
وقد غلب عليهم الحزن والهم وحاروا في طلب أبي ساعدة
وبين جدران الكوخ جلسوا يتدارسون ذلك الطلب العجيب
فلم يتوصّلوا إلى شىء يقنع أبا ساعدة والقضاة

ومضى اليوم الأول , وتبعه الثاني, وبعد مغيب شمس اليوم الثالث
خرجت سعدى إلى منزل بعض الجيرانن

فشاهدت جارتها أم أحمد وقد وضعت جريشا أبيضا ناعما في صحن تريد تجفيفه
فسألتها : ما هذا أيتها الخالة ؟
فأخبرتها بإسمه

فسألت البنت : وهل يأكله الناس ؟
قالت الجارة : نعم يا أبنتي, بل ويستخرجون منه حليبا أيضا
قالت سعدى : فهل لي بالقليل منه ؟
دخلت أم أحمد وأحضرت شيئا, ناولته الفتاة
ثمَّ قالت لها : لقد أرسل إلينا أبو أحمد حمل بعيرٍ منها
ولكن أرجوك يا بُنيتي لا تخبري أحدا
إنصرفت سعدى تسابق الريح, و في الكوخ فتحت الكيس
وأخرجت هدية الجارية, ولكن أيٍّ من أخواتها لم تبدىء إهتماما

فهن لا يعلمن حقيقة تلك الهدية
فقامت سعدى وعالجت بعضا منها,
وجرشته, فتناثرت منه قطعا صغيرة بيضاء اللون
فلمّا رأت ذلك سُرَّت سرورا بالغا

ثم قبضت على حفنة من ذلك الجريش وعصرته بين يديها
فدَّرَ عليها حليبا ناصع البياض, فلمَّا تذوّقته, وجدته طيبا مستساغ
فأدركت أنّ أحجية أبي ساعدة قد فُكَّ لُغزها فحمدت الله وشكرته على لطفه
ثمّ أخفت ما تحصّلَ لها, وأنضمّت إلى أخواتها الباكيات
أمّا أبوها ,فإنّه إعتكف في المسجد يذرف العبرات, ولسانه يلهج بالدعاء
ولم يعد إلى الكوخ إلاّ بعد ان تيقّن من نوم البنات, فدخل مُتسللا

ونام حزينا كئيبا, كسير الخاطر, مشغول البال
وحين نهض فجرا لأداء الفرض, وجدَ سلّة أنيقة, مُغطاة بمنديل لطيف
قد وُضعت أمامه, وعندما رفع الغطاء شاهد شيئا لم يره قبل ذلك
فأحتار في أمره, وتشوش خاطره, وبينما هو كذلك , دخلت عليه إبنته سعدى
فبادرها مُتسآئلا : أأنت من جلب هذه السلّة ؟ وما هذا الذي فيها ؟
فأجابته : نعم يا أبي. ولكن الا تعرف ماذا فيها ؟






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 02-05-2013, 02:10 AM   رقم المشاركة : 6
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

ردّ الأب نافيا : لا والله , لا أعلم ماذا يكون هذا الشيء


فابتسمت الفتاة قائلة : إنه شحم البعوض وقد طبخ بلبن العصفور
فضحكا حتى أيقظا النائمات, فأتينَ يستفسرن عن السر
في دار القضاء كان أبو ساعدة يترنح بِطرا وغرورا , وقد وضع على رأسه
عمامة " كشميرية" تِزنً أرطالا, وهو يقطع الساحة ذهابا وإيابا
ينتظر قدوم الناس ليشهدوا هزيمة أخيه النكراء ـ هكذا كان يُمني نفسه ـ
فإذا حضر احدٌ ما إستقبله هاشا باشا, باسم الثغر منشرح الصدر
وما ذاك إلا ليقينه بأنّ البنات السبع وأباهن لن يفكوا أبدا طلاسم لغزه العويص

فكان يضحك مغتبِطا
وحين قدِم أخوه حاملا سلته, بادره أبو ساعدة ساخِرا :
ماذا تحملُ في هذه القُفّة القذرة ؟ أتظُنُّ أنّك قد عثرت على شحم البعوض؟
أم إنّك قد حلبت عصفورا أيها الأحمق ؟

ثم ضحِك ملتفتا إلى أعوانه الذين شرعوا في إمتهان أبي البنات السبع
لكن الرجل لم يهُشّ ولم ينُشّ, بل رماهم بنظرة تحدٍ ملتِهبة
فشعروا بالقلق, فهو يبدو واثقا من نفسه, وأضطرب "أبو ساعدة"
وحاول معرف سر السلّة, وقبل أن تبُدر منه بادرة أخرى
حضر القاضي. فشعر بالخذلان المبين وبدأت المخاوف تساوره
كانت القاعة تعجُّ بالحضور أبناء أبي ساعدة و أصهاره و أعوانه
وكذلك الصيادينن, ومحبوا أبا البنات السبع وغيرهم
فبدأ القاضي جلسته بحمد الله والثناء عليه

ثمّ سأل أبا البنات : هل أحضرت شحم البعوض ولبن العصفور ؟
فقال نعم يا سيدي, إنّهما في هذه السلّة
فأستدعى با ساعدة فلما دنى منه
أمر أبا البنات السبع بإظهار المُخبّى فأزال المنديل, ورفع الغِطاء
وإغترف غرفَة وضعها في طبق فشاهد القاضي و أبو ساعدة الجريش الأبيض

يطفو فوق سائل يشبه اللبن , وعندما لمساه وجداه دسما
فتعجّبا أشدّ التعجب, و نكّس أبو ساعدة رأسه في حيرة ووجل
فأمر القاضي بعرض الجريش و اللبن على الحضور, ولمّا عاينوه جميعا
سألهم : أيعرِف أحد منكم ما هذا الشىء الذي رأيتم ؟

فلم ينطِق أحد بردّ

عاد القاضي وسأل : فماذا يكون ذلك السائل ؟
قالوا : إنه لبن, ولكننا لا نعلم لبن أي شىء هو
قال القاضي : فما تقول أنت يا أبا ساعدة ؟
تلعثم أبو ساعدة ثم قال : لا أعرف ... لا أعرف
قال القاضي : وما تقول أنت يا أبا البنات السبع ؟

قال أبو البنات السبع :

إنه لبن العصفور الذي طلبه أخي, وذاك شحم البعوض
فأعترض أبو ساعدة قائلا :

إنّ ما يقوله غير صحيح . فلا شحم للبعوض ولا لبن للعصفور
فوثب الصيادون و هتفوا : إنه شحم البعوض .. ذاك شحم البعوض
فخاف أبو اعدة و أنصاره, و اندحروا

فقال القاضي : لقد أخزاك الله أيها المغرور وفرّج كربة هذا الرجل الشهم
والآن. قل يا أبا البنات السبع : بماذا تُحب أن نعاقب هذا المغرور القاسي ؟
قال أبو البنات السبع : أطلب ...

يتبع ...






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 02-05-2013, 02:13 AM   رقم المشاركة : 7
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور


حكايات شعبية
ابو البنات السبع
الجزء الرابع
قال : أريد حمارا يحملني ويحمل أمتعتي, و أريد قاربا واسعا, و أريد كُسوة لبناتي
فأمر القاضي أبا ساعدة بتلبية مطالب أخيه فورا دون تأخير
حينئذ شعر أبو ساعدة بمرارة الخسران , وعاقبة الإستخفاف بالناس
ثم توجه إلى أبنائه يلومهم و يسُّبهم و يصفعهم ويلطمهم
فأمسك به الحاجب و النقباء, و أخرجوه من دار القضاء
وعندما أراد أبو النات السبع أن ينصرف, أستوقفه القاضي, وسأله :
قل لي يا بُني : ما حقيقة الشحم واللين, اللذين أحضرتهما ؟
قال الصياد : لست والله أعلم ماذا يكونان, و إنما كان ذلك من تدبير إبنتي سعدى
قال القاضي: بارك الله لك في بناتك, فإنّ البنت نعمة وهبة, وقُرَّة عين
وعرفوا فيما بعد أنّ ذلك الجريش واللبن, إنَّما يستخرجان من ثمار شجرة
باسقة تسمى شجرة جوز الهند "النارجيل"
أما الصياد وبناته فقد عادوا إلى كوخهم يحفُّ بهم الأهلُ والأصدِقاء
مباركين و مهنئين, و قد عمَّهم الفرحُ, وغَمَرَهُم السُروُر
وعلم الناس بما يضمُرَهُ أبو ساعِدة من بغض وكراهية وحسد لأخيه و بناته
فصار ممقوتا, بغيضا, يتحاشون مخالطته والتعامل معه
أمَّا هو فقال في نفسه : إنَّ هولاء الصيادين قد حَسَدوني, فهم يكرهونني
ولم يرعوى عن ظُلمه وغيّه, بل زاد عتوا ونفورا
وكان ديدنه كسر خاطر أخيه, و الحطّ من قدره, والقدح على بناته
فبعد مدة من تلك المناظرة, تدبَّرَ حيلة ماكرة, يدخل بها الحزن والغم
على أخيه وبناته السبع, وتمكنه من الإساءة اليهم, لشدّ’ حِقده عليهم
فهداه عقله السقيم الى خدعة دنيئة, وَجَدَ فيها خير وسيلة تحقق مرامه
فأستدعى أحد العيَّارين, وأختلى به, ثم قال له :
أُريدُ منكَ أن تسرق حمار أخي, ثم بِعه في إحدى القرى البعيدة
فإذا قبضت ثمنه فأتني بِهِ نقتسمه, والزم الكِتمان
في تلك اللحظة مر إبنه ساعِدة و سمع تآمُرَ أبيه مع العيَّار
و قال في نفسه : سوف أسرقُ أنا الحمار و آتي به إلى القصر
فإني إن فعلت ذلك أدخلتُ السرور على قلب أَبي , و رضي عني
ثم خرج مسرعا الى إخوته, و أعلمهم بمرامه. قائلا :
أحب أن أفاجئ أبي, فوافقوه على رايه, و أمتدحوا ذكائه و نجابته
وفي اليوم التالي ظهرا, وضع ساعِدة لثاما على وجهه و خرج يريد سرقة الحمار
ومر على مجموعة صبية من أبناء الصيادين, كانوا يلعبون في الحي
فلما رأوه عرفوه وأستوقفوه و أردوا ان يهزأو به, ويسخروا منه
لشّدةِ جَهلِه وغبائه, وما اشتهر عنه من يلادة وحمق
فقال له أحدهم, وهو يصطنع عدم معرفته : من أنت أيها الملثم ؟
قال ساعِدة وقد إنطلت عليه الحيلة : أنا رجل غريب ...
قال ولد آخر : و لماذا أنت ملثَّم هكذا ؟
قال ساعِدة : أَخشى أن تحرق الشمسُ وجهي ؟
قال الصبي الماكِر : لكنني أرى ملامح وجهك الأسود ...
عندها غضب ساعِدة و كشف اللثام عن وجهه, ورمى به أرضا
ثم صاح بالصبي : أُنظر إلى وجهي أيها الأعمى.أتراني أسودا ؟
فضحك الصبية بعد أن كشفوه, وأوقعوا به. ثم أنصرفوا
أما هو فأعاد وضع اللثام, وأخذ يتسلل كما يفعل العسس
فلما وصل إلى الكوخ, سمع بنات عمه يتحدثن ويضحكن, فخاف أن يكشِفنه
وبقي مُختبئا في الزريبة حتى دخل الليل, عندها ظهر له جِنيٌّ من أخوال سعدى
وقد تشكَّل على هيئة الحمار, وحين رآه ساعدة شعر بالرعب يملاء كيانه
وسرت قشعريرة غريبة في جسمه, وثقُل لسانه, وخارت قواه وزاع بصره
و أراد أن يصرخ فلم تخرج الكلمات من فمه, وحاول أن يهرب فلم تتحرك رجليه
وظّل بصره معلقا على الحمار الذي كان يقترب منه رويدا رويدا ...
وفجأة فتح الحمار فمه و أخرج لسانه ...
يتبع ...






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 02-05-2013, 02:18 AM   رقم المشاركة : 8
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور


حكايات شعبية

أبو البنات السبع
الجزء الخامس
أغمي على ساعدة, ولكنه سرعان ماأستفاق
إذ أنَّ الحمار كان يلعق وجهه بلسانه, فلمّا عاد إليه رُشده
وزال خوفه, رأى أنَّ الحمار مطاوع له, فاقتاده إلى قصرأبيه
أما العيّار فإنه ذهب عند منتصف الليل ليسرق الحمار وعندما
فتح الزريبة ولم يجده عاد مُسرِعا إلى أبي ساعِدة وأبلغه
فداخلهما الفزع وخافا أن يكون قد سمع مؤآمرتهما أحد وأبلغ الصياد
فباتا ليلة كئيبة وهما ينتظران رجال القاضي
أدخل ساعِدة و إخوته الحمار مع حمير و بغال أبيهم
ثم تَشَاوروا في أمره
فقال سعدون : أرى أن نصعد به غدا إلى غُرفة أبي
بعدان يستغرق في نومه ظهرا
وحين ينهض من قيلولته يجِد الحمار أمامه فيسُرمنا
و يعلم اننا رجالا ذوو حِنكةٍ و تدبير
فإبتهج إخوته لهذا الرأي الذي ظنَّوه سديدا
وعزموا و إتفقوا على تنفيذه
في صباح اليوم التالي
وعندما أراد أبا البنات السبع أن يخرُج للصيد كعادته
ذهب ليطعم الحِمار و يحمِّل عليه مؤنته
فوجد باب الزريبة مفتوحا و الحمار قد خرج
فظن أنّه خرج لوحده
وراح يبحث عنه في النواحي القريبة
حتى صار الوقت ضحى وفاته موعد الصيد
وحين لم يعثِر عليه أخذ يسأل كُل من يلتقي به و يقابله
و قد تملّكه الحز نُ وغلبت عليه مرارة خُسران قوت البنات
و بينما هو كذلك مر بِه أحد الصبية
الذين كانوا يعبثون مع ساعدة
فسأله و قد رآه حزينا : مابك ياعم ؟

فأخبره بضياع حِماره
قال الصبي : بالأمس وعندما كِنا نلعب
مر علينا إبن أخيك ساعِدة و كان مُلثما
و هو يمشي بإتجّاه كوخكم مشية مُريبة
فربما يكون قد شاهد الحمار
أسرع أبو البنات السبع إلى قصر أخيه و هو يُمنّي النفس

بسماع إجابة شافية من فم إبن أخيه
أو أن يُساعده في البحث عن الحمار
وحين وصل إلى باب القصر طلب من أحد الخدم

أن يستدعي ساعِدة
و الذي همّ بالخروج إلى عمه و هو خائف
من أن يكون قد كشف أمره
فاستوقفته أمه الجالسة على الدرج المشرفة على قاعة الضيوف
وسألته : إلى أين أنت ذاهب ؟

قال ساعِدة : إلى عمي أبي البنات السبع
سألت أمه : أين هو؟
وماذ ايُريد ؟

قال : إنه على الباب قد أضاع حِماره
و هو يتهمُني بسرقته.
كانت أم ساعِدة إمرأة جسيمة بدينة مُتسلِّطة
مع شراسة في أخلاقها و بذائة في لسان
ولها ولع شديد بأبنائها
ففي نظرِها هم أذكاء من إياس و أشجع من كُليب
و أجود من حاتم و أفقه من سُفيان و أنبل من عروة
فتُدللهم وتُنعِّمهم و تتساهل في تقويمهم
بل إنها تخالهم أشبه بالملائكة الكرام
فلا يُخطئون و لا يزِلّون

وعندما سمعت مقالة إبنها بشأن عمه
أخذتها العِزة بالإثم
فأرغت وأزبدت ثم هبطت كالصاعقة المرسلة
وقد شمَّرت عن ساعدها الغليظة, وإتّجهت صوب الصياد
ثّم وقفت خلف الباب وشرعت تكيلُ الشتائم و السباب
والقدح والذّم لأبي البنات السبع, و هو مذهول
لايدري علام تسبُّه تلك الشيطانة الرجيمة !!
ثم إنها صرخت في وجهه قائلة :

ماالذي جاء بِك إلى قصرنا أيها الفقير التعيس ؟
أجئت تستجدي قُوتا, أم جئت لتشفي غِلّك وحسدك؟
ردَّ الصيَّادُ مستهجنا فضاضة تلك المرأة :
إنما جئت لأسأل إ بن أخي إن كان قد رأى حماري
فقاطعته قائلة بوقاحة وغرور: يالك من نذل حقير
أتتّهمُ إبني الشهم النبيل بسرقة حمارك الغبي؟

يالجرأتك !!
يالوقاحتِك!!
ثم إستنفرت خدمها

وأمرتهم بإشباع الصياد ضربا و لكما.
فهب الناس الذاهبون والعائدون من السوق
والقاعدون على الطُرقات لنجدة الصياد المسكين
عندما سمعوه يستغيث ويستنجِد فخلّصوه
من أيدي الخدم و قد شارف على الهلاك

ثم حملوه إلى (الماريستان)
بينما أسرع بعضهم و أبلغ ا لقاضي بالحادثة
كان الوقت قد أوشك على موعد أذان الظهر
والمحكمة تكادت غلق أبوابها

فأمرالقاضي حاجبه بالذهاب الى الصياد قبل الصلاة
وأن يعرف منه ماحدث, ومن ثم يذهب إلى أبي ساعِدة
ويخبره بالأمر و يأمره بالمجىء إلى دارالقضاء بعد الصلاة

لعله يتصالح مع أخيه.
وصل الحاجب والنقباء إلى (الماريستان)
فوجدوا البنات السبع يندبن ويبكين بحزن ومرارة






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 02-05-2013, 02:19 AM   رقم المشاركة : 9
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور


وقد لبسنا السواد,وامتنعن عن الاكل والشرب
فرقّ الحاجب ومن معه لأولئك المساكين
ورثوا لحالهم المُتعثِّر

وبعد قليل من الوقت
أفاق الصياد من غيبوبته وهو يتأوه و يتألم
فقال له الحاجب : أخبِرنا يابُني
لماذا إعتدت عليك أم ساعِدة و خدمُها ؟
فأخبره, وهمهم الناس تأسُفا وشفقة
وهزالحاجِب رأسه تعجّبا !!

ثم أشهد الحضورعلى شكوى الصياد
وتوجه بعدها الى دا ر القضاء و أبلغ القاضي
بكل ما سمعه من فم الصياد
فأمره بِإستِدعاء أبي ساعِدة حالا
و عندما أقبل الحاجب و النقباء عليه و هو في متجرهِ
وعاينهم

إنخلع قلب أبي ساعِدة من مكانه وتشوّش خاطِره
وتملكه الخوف و الرُعب

وقد خالهم علموا بتدبيره مع العيار
وظل منكّس الرأس صامتا
مستسلما لمصيره ناويا على الإعتراف ...

يتبع






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 02-05-2013, 02:21 AM   رقم المشاركة : 10
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور


حكايات شعبية

أبو البنات السبع
الجزء السادس
ولما وصلوا إليه بادره الحاجب بالقول :
أما لك من سلطان على زوجتك يا رجل ؟
الا تخافان الله ؟ أهكذا تصل رحمك ؟
أهكذا تساعد أخاك ؟
فإنها قد فتكت بذلك الصياد المسكين أبا البنات السبع و كادت تزهق روحه
فأحس أبو ساعِدة وكأنّ جبلا هائلا قد أُزيح عن كاهله, عندما سمع خطاب الحاجب
وعلم أن لا أحد قد فضح كيده, أو كشف تدبيره مع العيار, فتحجر قلبه ...
و أنسلخ من آدميته, وصار وحشا كاسرا
و رد بحزم وجبروت : إن زوجتي إمرأة راجحة العقل
وهي لن تتعرّض لذلك التعيس
أو لأحدٍ سواه بمكروه ما لم يسئ الأدب
أو يرتكِب أمرا قبيحا يغضبها
أو يستفز مقامها الكريم !!
فلما سمع الحاجب منه ذلك,الكلام قال غاضبا : فإن القاضي ينتظرك
فذهب معهم معتدا بنفسه, يكاد عنقه يندقُّ من فرط الشموخ الزائف
وتنادى أخوال ساعِدة وعُصبتهم, وتوجهوا إلى دار القضاء وقد كثُر لغطهم
لم يكن أبو ساعِدة يعلم أن الحمار موجودٌ في غُرفته, بل وفي خزانة ملابسه
عندما أسمعه القاضي شكوى الصياد فثار غضِبه و إشتد سُخطه على أخيه
فهاج وماج, وأرغى وأزبد, وعلا صوته, و إرتفع صراخه وضجيجه
فسمعه الناس خارج دار القضاء, فأيقظ فضولهم , فقدموا مسرعين
وسمعوه يقول :
إنك غير منصف أيها القاضي, تتهِمُ ابني بالسرقة
و ليس بيدك دليل ولا برهان
قال القاضي :
لا أحد يتهِم إبنك, كل ما في الأمر أن أخاك أراد أن يسأله
إن كان قد رأى حماره, ولكن زوجتك ,وخدمك
عاجلوه بالشتم والضرب
فهل تنكر أنَّ إبنك ساعِدة قد رأى حِمارِ عمه ؟
رد أبو ساعِدة ردا قبيحا, فقال :
بل أقسم على ذلك, وإن شئت أيها القاض
فإبعث رجالك ليفتِّشوا عن الحِمار بين حميري وبغالي
ذهبت رُسل القاضي, وفتشوا زريبة أبي ساعِدة فلم يعثروا على الحمار
إذ أن ساعدة وإخوته كانوا قد أصعدوه إلى غرفة أبيهم
وأغلقوا عليه في خزانة ملابسه
ليفاجئوا أباهم مفاجأة سارة, عندما ينهض من قيلولته, كما يتمنون !!!
وعند ما عادت الرسل, ولم يجدوا الحِمار, قال القاضي :
برِئت ساحة إبنك من رؤية الحمار
ولكن ماذا عن إعتداء زوجتك, وفعلها بأخيك ؟
وضرب خدمك المبرح له ؟
قال أبو ساعِدة :
إنه قد تجرأ على إتهام إبني الهمام بما ليس فيه
وأساء إلى سمعته الطاهرة بهذه الأكاذيب
ورماه بالسرقة زورا وبُهتانا
فهو يستحق أن تُضرب عنقه, لا أن يجلد !!!
فسكت القاضي, وهو مذهول
ثم إنه رفع الجلسة لأداءِ صلاة الظُهرِ
وأنصرف الناس
خرج أبو ساعِدة من دار القضاء نشوانا جذلا
قد غمرته الفرحة وطغى عليه السرور
فلقد تحقق له مراده, في حِرمان أخيه و يناتَه من الإنتفاع بالحمار
وأعتقد أنه حققَ نصرا تايخيا مُؤزّرا, وأنه لن تقوم لهم قائمة
وأيقن أن مؤامرته الدنيئة مع العيار لن تُكشف
فزاده هذا الظن بِطرا وغُرورا
ولم يسأل نفسه عن مصير الحمار
فلما دخل قصره نادى بأعلى صوته : يا أم ساعِدة أقبِلي ...
فأتته مُتثاقِلة, مقطّبة الجبين, عابِسة الوجه, مُتجهِّمة
فلمّا رأى منظرها فزع وخاف
ولكنه تماسك وتضاحك, وقال لها مُمتدحا :
أحسنت صنعا أيتها الأصيلة
لا عدمتُك, هكذا تصنع الحرة, وهكذا تكون الأمهات ...
لقد لقّنتي ذاك السفيه درسا لن ينساه
ولن يجرؤ بعدها على النيل من سمعتنا
ولن يكون بمقدور بناته السبع التافهات أن تقف
لِتناظر فتيتنا السبعة النُجباء
قالت أم ساعِدة ساخِرة :
يا لك من رجلٍ مهين, أتكتفي بعقوبتي له ؟
إذهب إليه أنت بنفسك الآن,
وقم بتأديبه بكل قسوة وغِلظة, لكي لا يعود لمثلها أبدا
قال أبو ساعِدة مُرتجِفا : سمعا وطاعة, ولكن أولئك الصيادون التُعساء
قد خرجوا للتو من صلاة الظهر, وهم مجتمعون أمام(الماريستان)
وأخشى إن أنا عرضت له, أن يفتكوا بي ...
أعرضت عنه أم ساعِدة وهي ساخطة, تسُب وتلعِن ...
أما هو فقد صعد إلى غرفته, مُبتهج بالنصر المؤزر الذي حققه على أخيه
الفقير المُعدم المسكين و بناته السبع اليتامى, ولم يتخيَّل أن الحمار في غرفته
فألقى بِجثته الضخمة على السرير وهو متخم, بعد أن التهم الكثير من الطعام
بينما حَرَمَ بناتَ أخيه من القوتِ في ذلك اليوم ...
إذ أن أباهن راقد في(الماريستان)
يثئن من وطئة الألم, كسير الخاطر, حزين, مُهُموم
كان أبو ساعِدة مُثقلا, وقد أرهقه إستجواب القاضي, و نكّد خاطره ذم زوجته
فأراد أن ينال قِسطا من الراحة, وما إن وضع رأسه على الوِسادة حتى غط في النوم.
فنامَ نومة أهل الكهف, وحين أستيقظ وجد نفسه مُتأخِرا عن السوق
وقد ولى وقت العصر, وفاته مجلس القوم, فاراد أن يرتدي ملابسا فخمة
تُظهر سطوته و جبروته, فأندفع نحو الخزانة وأمسك بالمغلاق يرزعه


يتبع ...






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:37 AM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية