قد أودع الله ـ عز وجل ـ في بني البشر نعمتين عظيمتين،
ألا وهما نعمة الضحك والبكاء،
{ وَأَنَّ إِلَىرَبّكَ الْمُنتَهَى وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم:42-43].
ضحك أودعه الله النفس البشرية، لتعبر به عن فرحها المرغوب،ورضاها به، وأنسها بما يسر، وبكاء أُودِعَتْه النفس، لتعبر به عن الخشية والفَرَق، والخوف والوجل، ولربما هجم السرور على النفس، فكان من فرط ما قد سرها أبكاها، فهي تبكي في الأفراح والأحزان. إن الله ـ عز وجل ـ أنعم علينا بنعمة البكاء لنشكروه عليها، إذ كيف يعيش من لا يبكي؟ كيف تتفاعل نفسه مع الأحداث والمواقف؟ بماذا يترجم عن الحزن والأسى؟ بماذا يعبر عن الخشية والخوف من الله ـ جل وعلا ؟ البكاء قافلة ضخمة، حطت ركائبها في سوق رحبة، ما ابتاع الناس منها فعلى ثلاثة أضرب: ضرب من الناس اشتروا بكاء العشاق والمشغوفين،أصحاب الهوى والتيم، أهل الصبابة والغرام، الذين هربوا من الرق الذي خلقوا له، وبلوا أنفسهم برق الهوى والشيطان،فاشترى هؤلاء القوم هذا الضرب من البكاء شراء مفتقرا لشروط الصحة،فابتاعوا بيعا فاسدا، ثم زادوا السقم علة، والطين بِلَّة، حين أوقفوا هذه الدموع، واحتبسوها، في غير وجه شرعي، فبطل الوقف، وخسر الواقف، وهام الموقوف عليه، فما أعظمها شِقْوَةً! وما أوعرها هُوَّة!
[poet font="Arial,5,darkblue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
فما في الأرض أشقى مـن محب = وإن وجد الهـوى حلو المذاق
تـراه باكيـا فـي كــل حـين = مخافـة فرقـة أو لاشـتياق
فتسخـن عينـه عنـد التلاقـي = وتسـخن عينـه عند الفراق
ويبكـي إن نـأوا شوقـا إليهـم = ويبكي إن دنوا خوف الفـراق
[/poet]
أعاذنا الله وإياكم من هذه الحال، ومن حال أهل النار.وضرب من الناس، ابتاعوا بكاء أهل الحزن على مصائبهم ورزاياهم، وعلى هذا الضرب جل الناس، فاقتصروا على سلعةٍ وافقت جبلتهم التي جبلهم الله عليها، فأصبحوا لا لهم ولا عليهم. وضرب ثالث اشتروا بكاء الخشية من الله ـ عز وجل ـ، تلكم البضاعة التي زهد فيها معظم القوم إلا من رحم الله. آيات تتلى، وأحاديث تروى، ومواعظ تلقى، ولكن تدخل من اليمنى وتخرج من اليسرى، لا يخشع لها قلب ولا تهتز لها نفس، ولا يسيل على أثرها دمع ((اللهم إنا نعوذ بك من قلب لا يخشع ومن عين لا تدمع)).لقد أثنى الله ـ جل وعلا ـ في كتابه على البكائين من خشية الله، وفي طاعة الله. الأتقياء الأنقياء، ذوي الحساسية المرهفة، الذين لا تسعفهم الكلمات للتعبير عما يخالج مشاعرهم، من حب لله، وتعظيم له، وخشية وإجلال، فتفيض عيونهم بالدموع، قربة إلى الله وزلفى لديه.{إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء:107-109]. وقال ـ تعالى ـ: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مّنَ النَّبِيّيْنَ مِن ذُرّيَّةِ ءادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرايلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَىعَلَيْهِمْ ءايَـاتُ الرَّحْمَـنِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً }[مريم :58].وقال ـ تعالى ـ:{ وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَق} [المائدة:83].البكاء من خشية الله وصف شريف، ومسعى حميد، به وصف الله أنبياءه، والذين أوتوا العلم من عباده، وقد ذكر رسول الله من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ((رجلا ذكر الله خاليا ففاضت عيناه)) متفق عليه قال رسول الله : ((عينان لا تمسهما النار؛ عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله)) [رواه الترمذي] ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود ، أن النبي قال له: ((اقرأ علي القرآن))، فقال: أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟ قال: ((إني أحب أن أسمعه من غيري))، فقرأ من سورة النساء حتى بلغ قول الله:{ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىهَـؤُلاء شَهِيداً }[النساء:1]. فقال رسول الله : ((حسبك)) فإذا عيناه تذرفان
بأبي أنت وأمي يارسوووووووول الله
لكم تحياااااااااااااااT وتشكراااااااااااااااااT