الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، أما بعد
يقول الله تعالى (( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون ))
نعم ، لا زالت قلوب المؤمنين معلقة بذلك اليوم الذي توفى فيه كل نفس ما عملت ، ذلك اليوم الذي لا ظلم فيه ولا تعدّ ، في يوم القصاص الذي لا محسوبية فيه ولا مناصب ، إنه يوم يعلو فيه الحق ويسفل فيه الباطل (( هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون )) ، إذ لا تلاعب بالألفاظ ، ولا اتهام بالباطل ، ولا تزييف للحقائق ، الكرامة للمؤمنين ، والخزي للظالمين ، فالحمد لله الذي جعل العاقبة للمتقين .
إن المؤمنين يسلّون أنفسهم بيوم يقفون فيه بين يدي الله مكرمين منعمين ، فتهون مصيبتهم في الدنيا ، وتسمو نفوسهم ، وتثبت أقدامهم ، ويزيد يقينهم بأن العاقبة لهم بإذن الله تعالى .
إن عزاء المؤمنين فيما يلاقونه من أذى متواصل هنا وهناك إن هذا الأذى وذلك الابتلاء سنة ماضية في طريق الأنبياء والمرسلين وخيرة البشر من الدعاة والمصلحين .
أوَ ما ترى أن المصائب جمّة *** وترى المنية للعباد بمرصد
من لم يُصب ممن ترى بمصيبة *** هذا سبيل لست فيه بأوحد
فإذا ذكرت محمدا ومصابه *** فاذكر مصابك بالنبي محمد
إن أشد المصائب هي تلك الناتجة عن ظلم وتعد على المؤمنين ، ذلك لأن الظلم ظلمات يوم القيامة ، وأنّى لأمة يُظلم الصالحون فيها أن يتنزل عليها نصر الله وتوفيقه ؟ !
لما دخل عبد الله بن علي دمشق ، بعد أن أجلى بني أمية عنها ، طلب الإمام الأوزاعي رحمه الله ، فتغيب عنه ثلاثة أيام ثم حضر بين يديه . قال الأوزاعي : دخلت عليه وهو على سرير وفي يده خيزرانة والمسودة عن يمينه وشماله معهم السيوف مصلتة والغمد والحديد ، فسلمت عليه فلم يرد ، ثم نكت بتلك الخيزرانة التي في يده .
ثم قال : يا أوزاعي ما ترى فيما صنعناه من إزالة أيدي أولئك الظلمة عن العباد والبلاد ؟ أجهاد ورباط هو ؟ .
فقلت : أيها الأمير ، سمعت يحي بن سعيد الأنصاري يقول : سمعت محمد بن إبراهيم التيمي يقول : سمعت علقمة بن وقاص يقول : سمعت عمر بن الخطاب يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه )) رواه مسلم .
فنكت بالخيزرانة أشد ما ينكت ، وجعل من حوله يقبضون أيديهم على قبضات سيوفهم ، ثم قال : يا أوزاعي ، ما تقول في دماء بني أمية ؟ فقلت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا يحل دم امرىء إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والتارك لدينه المفارق للجماعة )) رواه البخاري ومسلم . فنكت أشد من ذلك ، ثم قال : ما تقول في أموالهم ؟ قلت : إن كانت في أيديهم حراما فهي حرام عليك أيضا ، وإن كانت حلالا فلا تحل لك إلا بطريق شرعي .
ستعلم يا نؤوم إذا التقينا *** غدا عند الإله من الظلوم
أما والله إن الظلم شؤم *** وما زال الظلوم هو الملوم
سينقطع التلذذ عن أناس *** أداموه وينقطع النعيم
إلى ديّان يوم الدين نمضي *** وعند الله يجتمع الخصوم
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
منقووووووووووول
العرض العادي
