عرض مشاركة واحدة
قديم 16-11-2011, 12:05 AM   رقم المشاركة : 3
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

وأما في سورة هود : فذكر أنهم أخذتهم الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين وذلك لأنهم قالوا لنبي الله على سبيل التهكم والإستهزاء والتنقص : " أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد " فناسب أن يذكر الصيحة التي هي كالزجر عن تعاطي هذا الكلام القبيح ، الذي واجهوا به هذا الرسول الكريم الأمين الفصيح ، فجاءتهم صيحة أسكتتهم مع رجفة أسكنتهم


وأما في سورة الشعراء : فذكر أنه أخذهم عذاب يوم الظلة ، وكان ذلك إجابة لما طلبوا ، وتقريباً إلى ما إليه رغبوا ، فإنهم قالوا : " إنما أنت من المسحرين * وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين * فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين *قال ربي أعلم بما تعملون "


قال الله تعالى وهو السميع العليم : " فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم "


ومن زعم من المفسرين كقتادة وغيره : أن أصحاب الأيكة أمة أخرى غير أهل مدين ، فقوله ضعيف


وإنما عمدتهم شيئان : أحدهما أنه قال : " كذب أصحاب الأيكة المرسلين * إذ قال لهم شعيب" ولم يقل أخوهم كما قال : " وإلى مدين أخاهم شعيبا "


والثاني :أنه ذكر عذابهم بيوم الظلة ، وذكر في أولئك الرجفة أو الصيحة


والجواب عن الأول : أنه لم يذكر الأخوة بعد قوله : " كذب أصحاب الأيكة المرسلين" لأنه وصفهم بعبادة الأيكة ، فلا يناسب ذكر الأخوة هاهنا ولما نسبهم إلى القبيلة ساغ ذكر شعيب بأنه أخوهم


وهذا الفرق من النفائس اللطيفة العزيزة الشريفة


وأما احتجاجهم بيوم الظلة ، فإن كان دليلاً بمجرده على أن هؤلاء أمة أخرى ، فليكن تعداد الإنتقام بالرجفة والصيحة دليلاً على أنهم أمتان أخريان ، وهذا لا يقوله أحد يفهم شيئاً من هذا الشأن


فأما الحديث الذي أورده الحافظ ابن عساكر في ترجمة النبي شعيب عليه السلام ، من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، عن أبيه ، عن معاوية بن هشام ، عن هشام بن سعد ، عن شقيق بن أبي هلال ، عن ربيعة بن سيف ، عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً : " إن قوم مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله إليهم شعيباً النبي عليه السلام "


فإنه حديث غريب وفي رجاله من تكلم فيه والأشبه أنه من كلام عبد الله بن عمرو مما أصابه يوم اليرموك من تلك الزاملتين من أخبار بني إسرائيل والله أعلم


ثم قد ذكر الله عن أهل الأيكة من المذمة ما ذكره عن أهل مدين من التطفيف في المكيال والميزان ، فدل على أنهم أمة واحدة ، أهلكوا بأنواع من العذاب وذكر في كل موضع ما يناسب من الخطاب


وقوله : " فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم " ذكروا أنهم أصابهم حر شديد ، وأسكن الله هبوب الهواء عنهم سبعة أيام ، فكان لا ينفعهم مع ذلك ماء ولا ظل ، ولا دخولهم في الأسراب ، فهربوا من محلتهم إلى البرية ، فأظلتهم سحابة ، فاجتمعوا تحتها ليستظلوا بظلها ، فلما تكاملوا فيها أرسلها الله ترميهم بشرر وشهب ، ورجفت بهم الأرض ، وجاءتهم صيحة من السماء ، فأزهقت الأرواح ، وخربت الأشباح


" فأصبحوا في دارهم جاثمين * الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين " ونجى الله شعيباً ومن معه من المؤمنين ، كما قال تعالى وهو أصدق القائلين : " ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين * كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود "


وقال تعالى : " وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون *فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين * الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين " وهذا في مقابلة قولهم : " لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون "


* * *


ثم ذكر تعالى عن نبيهم : أنه نعاهم إلى أنفسهم موبخاً ومؤنباً ومقرعاً ، فقال تعالى : "فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين"


أي أعرض عنهم مولياً عن محلتهم بعد هلكتهم قائلاً : " يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم " أي قد أديت ما كان واجباً على من البلاغ التام والنصح الكامل ، وحرصت على هدايتكم بكل ما أقدر عليه وأتوصل إليه ، فلم ينفعكم ذلك ، لأن الله لا يهدى من يضل وما لهم من ناصرين فلست أتأسف بعد هذا عليكم ، لأنكم لم تكونوا تقبلون النصيحة ، ولا تخافون يوم الفضيحة


ولهذا قال : " فكيف آسى " أي أحزن " على قوم كافرين " أي لا يقبلون الحق ولا يرجعون إليه ولا يلتفتون إليه فحل بهم من بأس الله الذي لا يرد ما لا يدفع ولا يمانع ، ولا محيد لأحد أريد به عنه ، ولا مناص عنه


وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس :أن شعيباً عليه السلام كان بعد يوسف عليه السلام وعن وهب بن منبه : أن شعيباً عليه السلام مات بمكة ومن معه من المؤمنين ، وقبورهم غربي الكعبة بين دار الندوة ودار بني سهم








التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة