عرض مشاركة واحدة
قديم 10-05-2012, 01:09 AM   رقم المشاركة : 2
شمس القوايل
المشرفة العامة
 
الصورة الرمزية شمس القوايل

داء الاستعجال: ( وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ،وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ ) فالنصر قادم لا محالة ودين الله غالب لا ريب في ذلك ولقد تحقق وعد الله لرسوله صلي الله عليه وسلم ولكنكم تستعجلون , تستعجلون النصر تستعجلون الخير وكأنكم تريدون ثمرة بدون زرع شجرة ورعايتها , أو عسلا بدون وخذ أو لسع من نحلة , إن الاستعجال داء خطير , وهو موصل جيد لليأس والقنوط .
قال أبو القاسم الشابي:
إذا الشــعب يوما أراد الحياة *** فلابــد أن يــستجيب القدر
ولابــد لـلــيـل أن يـنـجلــي *** ولابــــد للــقـيـد أن ينكسر
ومن يـتـهـيب صعود الجبال *** يعش أبــد الدهر بين الحفر
وإذا كانـت الـنـفـوس كبــارا *** تعبت في مرادها الأجســـام

الأمل توأم الإيمان
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (الزمر :53)

هذا خطاب الله لعباده فإذا كنت عبدا من عباد الله فهذا النداء يخصك فلا يتسرب اليأس إلي قلبك فيدخل معه الكفر والعياذ بالله .


الأمل صفة الأنبياء:

إبراهيم عليه السلام:

{وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ*إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ*قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ*قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ*قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ *قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}(الحجر :51-56)
إنه الخطاب لرسول الله صلي الله عليه وسلم يعلم أصحابه المضطهدين والملاحقين أن ينبئهم عن خبر إبراهيم يوم أن جاءته الملائكة مبشرين بغلام عليم فتعجب إبراهيم من قدرة الله أبعد الكبر والزوجة العاقر يكون الولد ؟ كيف ذلك ؟إن قلبه مملوء بالأمل وهذا ما دفعه للدعاء ,حتى بعد ما بلغ الثمانين من العمر يطلب الولد {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ } (الصافات :100) ولكنه يسأل عن السبب والكيفية فكان الرد ( قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ ) فوعد الله حق وقدرة الله حق وإرادة الله حق واعلم أن هذا الكون يسير بقدرة مقتدر لا يحتاج إلي سبب ليُوجد المسَبَّب , والكون يسير بتدبير الله , بعلم الله , بحكمة الله , بلطف الله (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) فلم يتسرب اليأس يوما إلي قلبه لأنه لا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون . الضالون عن طريق الله ، الذين لا يستروحون روحه ، ولا يحسون رحمته ، ولا يستشعرون رأفته وبره ورعايته . فأما القلب الندي بالإيمان ، المتصل بالرحمن ، فلا ييأس ولا يقنط مهما أحاطت به الشدائد ، ومهما ادْلَهَمَّت حوله الخطوب ، ومهما غام الجو وتلبَّد ، وغاب وجه الأمل في ظلال الحاضر وثقل هذا الواقع الظاهر . . فإن رحمة الله قريب من قلوب المؤمنين المهتدين .

{وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ*قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ*قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ }(هود :71-73)


يقول سيد قطب : وكانت عقيماً لم تلد وقد أصبحت عجوزاً . ففاجأتها البشرى بإسحاق . وهي بشرى مضاعفة بأن سيكون لإسحاق عقبٌ من بعده هو يعقوب . والمرأة وبخاصة العقيم يهتز كيانها كله لمثل هذه البشرى ، والمفاجأة بها تهزها وتربكها وهو عجيب حقاً . فالمرأة ينقطع طمثها عادة في سن معينة فلا تحمل . ولكن لا شيء بالقياس إلى قدرة الله عجيب : ولا عجب من أمر الله . فالعادة حين تجري بأمر لا يكون معنى هذا أنها سنة لا تتبدل . ( في ظلال القرآن )


يعقوب عليه السلام:

يفقد ابنه بنيامين متَّهَما بالسرقة فيكون رد فعله {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا } كلمته ذاتها يوم فقد يوسف . ولكنه في هذه المرة يضيف إليها هذا الأمل أن يرد الله عليه يوسف وأخاه فيرد ابنه الآخر المتخلف هناك { إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} الذي يعلم حاله ، ويعلم ما وراء هذه الأحداث والامتحانات ، ويأتي بكل أمر في وقته المناسب ، عندما تتحقق حكمته في ترتيب الأسباب والنتائج .

هذا الشعاع من أين جاء إلى قلب هذا الرجل الشيخ ؟ إنه الرجاء في الله ، والاتصال الوثيق به ، والشعور بوجوده ورحمته . ذلك الشعور الذي يتجلى في قلوب الصفوة المختارة ، فيصبح عندها أصدق وأعمق من الواقع المحسوس الذي تلمسه الأيدي وتراه الأبصار .


{ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ }
وهي صورة مؤثرة للوالد المفجوع . يحس أنه منفرد بهمه ، وحيد بمصابه،لا تشاركه هذه القلوب التي حوله ولا تجاوبه ، فينفرد في معزل ،يندب فجيعته في ولده الحبيب يوسف الذي لم ينسه ، ولم تهوّن من مصيبته السنون ، والذي تذكره به نكبته الجديدة في أخيه الأصغر فتغلبه على صبره الجميل : {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} ويكظم الرجل حزنه ويتجلد فيؤثِّر هذا الكظم في أعصابه حتى تبيض عيناه حزناً وكمداً :{وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} ويبلغ الحقد بقلوب بنيه ألا يرحموا ما به ، وأن يلسع قلوبهم حنينه ليوسف وحزنه عليه ذلك الحزن الكامد الكظيم ، فلا يسرون عنه ، ولا يعزونه ، ولا يعللونه بالرجاء ، بل يريدون ليطمسوا في قلبه الشعاع الأخير: { قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} . .وهي كلمة حانقة مستنكرة . تالله تظل تذكر يوسف ، ويهدك الحزن عليه ، حتى تذوب حزناً أو تهلك أسى بلا جدوى . فيوسف ميئوس منه قد ذهب ولن يعود!ويرد عليهم الرجل بأن يتركوه لربه ، فهو لا يشكو لأحد من خلقه وهو على صلة بربه غير صلتهم ، ويعلم من حقيقته ما لا يعلمون :{ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} فإذا أصابك مكروه فقل يا الله وإذا وقعت بك واقعة فقل يا الله وإذا مرضت فقل يا الله يا الله يا الله ...

وفي هذه الكلمات يتجلى الشعور بحقيقة الألوهية في هذا القلب الموصول؛ كما تتجلى هذه الحقيقة ذاتها بجلالها الغامر ، ولَأْلائِها الباهر .إن هذا الواقع الظاهر الميئِّس من يوسف ، وهذا المدى الطويل الذي يقطع الرجاء من حياته فضلاً على عودته إلى أبيه ، واستنكار بنيه لهذا التطلع بعد هذا الأمد الطويل في وجه هذا الواقع الثقيل . . إن هذا كله لا يؤثر شيئاً في شعور الرجل الصالح بربه . فهو يعلم من حقيقة ربه ومن شأنه ما لا يعلم هؤلاء المحجوبون عن تلك الحقيقة بذلك الواقع الصغير المنظور!وهذه قيمة الإيمان بالله ، ومعرفته سبحانه هذا اللون من المعرفة . معرفة التجلي والشهود وملابسة قدرته وقدره ، وملامسة رحمته ورعايته ، وإدراك شأن الألوهية مع العبيد الصالحين .

إن هذه الكلمات : {وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} تجلو هذه الحقيقة بما لا تملك كلماتنا نحن أن تجلوها وتعرض مذاقاً يعرفه من ذاق مثله ، فيدرك ماذا تعني هذه الكلمات في نفس العبد الصالح يعقوب . . . والقلب الذي ذاق هذا المذاق لا تبلغ الشدائد منه مهما بلغت إلا أن يتعمق اللمس والمشاهدة والمذاق!

ثم يوجههم يعقوب إلى تلمس يوسف وأخيه ، وألا ييأسوا من رحمة الله ، في العثور عليهما ، فإن رحمة الله واسعة وفرجه دائماً منظور {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } فيا للقلب الموصول !!! تحسسوا بحواسكم ، في لطف وبصر وصبر على البحث . ودون يأس من الله وفرجه ورحمته . وكلمة {رَوْحِ} أدق دلالة وأكثر شفافية ففيها ظل الاسترواح من الكرب الخانق بما ينسم على الأرواح من روْح الله الندي .


{ إنه لا ييأس من روْح الله إلا القوم الكافرون }
فأما المؤمنون الموصولة قلوبهم بالله ، الندية أرواحهم بروْحه ، الشاعرون بنفحاته المحيية الرخية ، فإنهم لا ييأسون من روْح الله ولو أحاط بهم الكرب ، واشتد بهم الضيق . وإن المؤمن لفي روح من ظلال إيمانه ، وفي أنس من صلته بربه ، وفي طمأنينة من ثقته بمولاه ، وهو في مضايق ومخانق الكروب . . ( في ظلال القرآن بتصرف) (يوسف:83-87)

{ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ }
ريح يوسف! كل شيء إلا هذا . فما يخطر على بال أحد أن يوسف بعد في الأحياء بعد هذا الأمد الطويل . وأن له ريحاً يشمها هذا الشيخ الكليل! إني لأجد ريح يوسف . لولا أن تقولوا شيخ خرف { لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ } لصدقتم معي ما أجده من ريح الغائب البعيد .

كيف وجد يعقوب ريح يوسف منذ أن فصلت العير ؟ ومن أين فصلت ؟ يقول بعض المفسرين : إنها منذ فصلت من مصر ، وأنه شم رائحة القميص من هذا المدى البعيد . ولكن هذا لا دلالة عليه . فربما كان المقصود لما فصلت العير عند مفارق الطرق في أرض كنعان ، واتجهت إلى محلِّة يعقوب على مدى محدود . ونحن بهذا لا ننكر أن خارقة من الخوارق يمكن أن تقع لنبي كيعقوب من ناحية نبي كيوسف .

كل ما هنالك أننا نحب أن نقف عند حدود مدلول النص القرآني أو رواية ذات سند صحيح . وفي هذا لم ترد رواية ذات سند صحيح . ودلالة النص لا تعطي هذا المدى الذي يريده المفسرون!

ولكن المحيطين بيعقوب لم يكن لهم ما له عند ربه ، فلم يجدوا ما وجد من رائحة يوسف :{ قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ } في ضلالك بيوسف ، وضلالك بانتظاره وقد ذهب مذهب الذي لا يعود . ويسمون الثقة في القادر المقتدر الذي علي كل شيء قدير والذي إذا أراد شيئا إنما يقول له كن فيكون يسمون الأمل ضلال ومن يثق في الله وفي شرعة ودينه ويدعو الناس إلي ذلك أنه يدغدغ مشاعر الناس ويخدرهم بالأوهام فالأمل والثقة في الله عند من لا يعرفون الله ضلال , ولكن المفاجأة البعيدة تقع ، وتتبعها مفاجأة أخرى :{ فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا } مفاجأة القميص . وهو دليل على يوسف وقرب لقياه . ومفاجأة ارتداد البصر بعد ما ابيضت عيناه , وهنا يذكر يعقوب حقيقة ما يعلمه من ربه . تلك التي حدثهم بها من قبل فلم يفهموه :{ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } . (في ظلال القرآن بتصرف) (يوسف : 94-98)

ووقت أن يقع وعد الله , ويصدّق أولياءَه , ويتحقق موعود الله علي لسان أوليائه , ما أجمله من شعور ,! إنه أعظم انتصار وأبلغ فرح وأروع سعادة , وكأني أري بعيني رأسي دين الله يقام وشريعته تحكم , ويعم الرخاء وتنتشر الأمانة ويفيض الخير وتأتي الدول الغير إسلامية تتعلم منا ومن قرآننا سبل العيش السعيد وإعجاز قرآننا إنه إعجاز جديد إعجاز تشريعاته , ولقد لاح هذا من قريب فها هي دول الغرب لندن وفرنسا ... تطبق الاقتصاد الإسلامي ويقول خبراؤها أن حل مشكلاتهم الاقتصادية في الفائدة الصفرية أي في تطبيق شرع الله في تحريم وتجريم الربا , فالله أكبر انتصر دين الله .








التوقيع :


اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة