عرض مشاركة واحدة
قديم 02-05-2014, 04:18 AM   رقم المشاركة : 58
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏257‏)‏
‏{‏الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ‏}‏
يخبر تعالى أنه يهدي من اتبع رضوانه سبل السلام، فيخرج عباده المؤمنين من ظلمات الكفر والشك والريب إلى نور الحق الوضح الجلي المبين السهل المنير، وأن الكافرين إنما وليهم الشيطان يزين لهم ما هم فيه من الجهالات والضلالات ويخرجونهم، ويحيدون بهم عن طريق الحق إلى الكفر والإفك {‏أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون‏}‏،ولهذا وحد تعالى لفظ النور وجمع الظلمات لأن الحق واحد، والكفر أجناس كثيرة وكلها باطلة كما قال‏:‏ ‏{‏وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتقرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وجعل الظلمات والنور‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏عن اليمين وعن الشمال‏}‏إلى غير ذلك من الآيات التي في لفظها إشعار بتفرد الحق، وانتشار الباطل وتفرده وتشعبه‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏258‏)‏
{‏ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين ‏}‏
هذا الذي حاج إبراهيم في ربه هو ملك بابل نمرود بن كنعان ، قال مجاهد‏:‏ ملك الدنيا مشارقها ومغاربها أربعة‏:‏ مؤمنان وكافران، فالمؤمنان سليمان بن داود و ذو القرنين الكافران نمرود و بختنصر ، واللّه أعلم‏.‏
ومعنى قوله‏:‏ ‏{‏ألم تر‏}‏ أي بقلبك يا محمد ‏{‏إلى الذي حاج إبراهيم في ربه‏}‏ أي وجود ربه، وذلك أنه أنكر أن يكون ثَمَّ إله غيره، كما قال بعده فرعون لملئه‏:
‏ ‏
{‏ما علمت لكم من إله غيري‏}
‏، وما حمله على هذا الطغيان والكفر والغليظ والمعاندة الشديدة إلا تجبره وطول مدته في الملك، وذلك أنه يقال إنه مكث أربعمائة سنة في ملكه، قال‏:‏ ‏{‏أن آتاه اللّه الملك‏}‏، وكان طلب من إبراهيم دليلاً على وجود الرب الذي يدعو إليه، فقال إبراهيم‏:‏ ‏{‏ربي الذي يحيي ويميت‏}‏ أي إنما الدليل على وجوده حدوث هذه الأشياء المشاهدة بعد عدمها وعدمها بعد وجودها، وهذا دليل على وجود الفاعل المختار، ضرورة لأنها لم تحدث بنفسها فلا بد لها من موجد أوجدها، وهو الرب الذي أدعو إلى عبادته وحده لا شريك له‏.‏
فعند ذلك قال المحاج - وهو النمرود - ‏:‏ ‏{‏أنا أحيي وأميت‏}‏، قال قتادة‏:‏ وذلك أني أوتى بالرجلين استحقا القتل فآمر بقتل أحدهما فيقتل، وآمر بالعفو عن الآخر فلا يقتل، فذلك معنى الإحياء والإماتة، والظاهر - واللّه أعلم - أنه ما أراد هذا لأنه ليس جواباً لما قال إبراهيم ولا في معناه لأنه غير مانع لوجود الصانع، وإنما أراد أن يدعي لنفسه هذا المقام عناداً ومكابرة ويوهم أنه الفاعل لذلك، وأنه هو الذي يحيي ويميت كما اقتدى به فرعون في قوله‏:‏
‏{‏ما علمت لكم من إله غيري‏}‏، ولهذا قال له إبراهيم لما ادعى هذه المكابرة‏:‏ ‏{‏فإن اللّه يأتي بالشمس من المشرق فأتب بها من المغرب‏}‏ أي إذا كنت كما تدعي من أنك تحيي وتميت فالذي يحيي ويمت هو الذي يتصرف في الوجود، في خلق ذواته تسخير كواكبه وحركاته، فهذه الشمس تبدوا كل يوم من المشرق فإن كانت إلهاً كما ادعيت تحيي وتميت فأت بها من المغرب‏؟‏ فلما علم عجزه وانقطاعه وأنه لا يقدر على المكابرة في هذا المقام بهت، أي أخرس فلا يتكلم وقامت عليه الحجة، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏واللّه لا يهدي القوم الظالمين‏}‏ أي لا يلهمهم حجة ولا برهاناً بل حجتهم داحضة عند ربهم، وعليهم غضب ولهم عذاب شديد‏.‏
وقد ذكر السدي أن هذه المناظرة كانت بين إبراهيم ونمرود بعد خروج إبراهيم من النار، ولم يكن اجتمع بالملك إلا في ذلك اليوم فجرت بينهما هذه المناظرة، وروي زيد بن أسلم أن النمرود كان عنده طعام وكان الناس يغدون إليه للميرة، فوفد إبراهيم في جملة من وفد للميرة فكان بينهما هذه المناظرة، ولم يعط إبراهيم من الطعام كما أعطى الناس، بل خرج وليس معه شيء من الطعام، فلما قرب من أهله عمد إلى كثيب من التراب فملأ منه عدليه، وقال‏:‏ أشغل أهلي عني إذا قدمت عليهم، فلما قدم وضع رحاله وجاء فأتكأ فنام، فقامت امرأته سارة إلى العدلين فوجدتهما ملآنين طعاماً طيباً، فعملت طعاماً، فلما استيقظ إبراهيم وجد الذي قد أصلحوه فقال‏:‏ أنى لكم هذا‏؟‏ قالت‏:‏ من الذي جئت به، فعلم أنه رزق رزقهم اللّه عزّ وجلّ‏.‏ قال زيد بن أسلم‏:‏ وبعث الله إلى ذلك الملك الجبار ملكاً يأمره بالإيمان باللّه فأبى عليه، ثم دعاه الثانية فأبى، ثم الثالثة فأبى وقال‏:‏ اجمع جموعك وأجمع جموعي، فجمع النمرود جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس وأرسل اللّه عليهم باباً من البعوض بحيث لم يروا عين الشمس، وسلطها الله عليهم فأكلت لحومهم ودماءهم، وتركتهم عظاماً بادية، دخلت واحدة منها في منخري الملك، فمكثت في منخري الملك أربعمائة سنة عذبه اللّه بها، فكان يضرب رأسه بالمرازب في المدة حتى أهلكه اللّه بها‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏259‏)‏
{‏ أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير ‏}‏
تقدم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه‏}‏ وهو في قوة قوله هل رأيت مثل الذي حاج إبراهيم في ربه ولهذا عطف عليه بقوله‏:‏ ‏{‏أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها‏}‏ اختلفوا في هذا المار من هو‏؟‏ فروي عن علي بن أبي طالب أنه قال‏:‏ هو عزيز، ورواه ابن جرير عن ابن عباس والحسن وقتادة وهذا القول هو المشهور، وقيل‏:‏ اسمه حزقيل بن بوار وقال مجاهد‏:‏ هو رجل من بني إسرائيل، وأما القرية فالمشهور أنها ‏"‏بيت المقدس‏"‏مر عليها بعد تخريب بختنصر لها وقتل أهلها ‏{‏وهي خاوية‏}‏ أي ليس فيها أحد من قولهم خوت الدار تخوي خوياً‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏على عروشها‏}‏ أي ساقطة سقوفها وجدرانها على عرصاتها، فوقف متفكراً فيما آل أمرها إليه بعد العمارة العظيمة، وقال‏:‏ ‏{‏أنَّى يحي هذه اللّه بعد موتها‏}‏‏؟‏ وذلك لما رأى من دثورها وشدة خرابها، وبعدها عن العود إلى ما كنت عليه‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ فأماته الله مائة عام ثم بعثه‏}‏‏.‏ قال‏:‏ وعمرت البلدة بعد مضي سبعين سنة من موته، وتكامل ساكنوها، وتراجع بنوا إسرائيل إليها‏.‏ فلما بعثه الله عزّ وجلّ بعد موته، كان أول شيء أحيا اللّه فيه عينيه لينظر بهما إلى صنع الله فيه، كيف يحيي بدنه‏.‏ فلما استقل سوياً ‏{‏قال‏}‏ الله له، أي بواسطة الملك‏:‏ ‏{‏كم لبثت‏؟‏ قال لبثت يوماً أو بعض يوم‏}‏‏.‏ قال‏:‏ وذلك أنه مات أول النهار، ثم بعثه اللّه في آخر النهار، فلما رأى الشمس باقية ظن أنها شمس ذلك اليوم، فقال‏:‏ ‏{‏أو بعض يوم‏.‏ قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه‏}‏، وذلك أنه كان معه فيما ذكر عنب وتين وعصير فوجده كما تقدم لم يغير منه شيء، لا العصير استحال، ولا التين حمض ولا أنتن، ولا العنب نقص‏:‏ ‏{‏وانظر إلى حمارك‏}‏ أي كيف يحييه الله عزّ وجلّ وأنت تنظر، ‏{‏ولنجعلك آية للناس‏}‏ أي دليلاً على المعاد ‏{‏ونظر إلى العظام كيف ننشزها‏}‏ أي نرفعها فيركب بعضها على بعض، وقرىء ‏{‏ننشرها‏}‏ أي نحييها قاله مجاهد،
‏{‏ثم نكسوها لحماً‏}‏‏.‏
قال السدي‏:‏ تفرقت عظام حماره حوله يميناً ويساراً، فنظر إليها وهي تلوح من بياضها، فبعث الله ريحا فجمعتها من كل موضع من تلك المحلة، ثم ركب كل عظم في موضعه حتى صار حماراً قائماً من عظام لا لحم عليها، ثم كساها اللّه لحماً وعصباً وعروقاً وجلداً، وبعث اللّه ملكاً فنفخ في منخري الحمار فنهق بإذن الله عز وجلّ، وذلك كله بمرأى من العزير‏.‏ فعند ذلك لما تبيّن له هذا كله‏:‏ ‏{‏قال أعلم أن اللّه على كل شيء قدير‏}‏ أي أنا أعلم بهذا، وقد رأيته عياناً فأنا أعلم أهل زماني بذلك، وقرأ آخرون‏:‏ ‏)‏قال إعْلَم‏(‏ على أنه أمر له بالعلم‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏260‏)‏
‏{‏ وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزء ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم ‏}

ذكروا لسؤال إبراهيم عليه السلام أسباباً، منها أنه لما قال لنمرود‏:‏‏{‏ربي الذي يحيي ويميت‏}‏ أحب أن يترقى من علم اليقين بذلك إلى عين اليقين وأن يرى ذلك مشاهدة، فقال‏:‏ ‏{‏رب أرني كيف تحيي الموتى‏!‏ قال أولم تؤمن‏!‏ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي‏}‏ فأما الحديث الذي رواه البخاري
عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏نحن أحق بالشك من إبراهيم، إذ قال‏:‏ رب أرني كيف تحيي الموتى، قال‏:‏ أو لم تؤمن‏؟‏ قال‏:‏ بلى، ولكن ليطمئن قلبي‏)‏
"‏أخرجه الشيخان واللفظ للبخاري‏"‏فليس المراد ههنا بالشك ما قد يفهمه من لا علم عنده، بلا خلاف‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك‏}‏ اختلف المفسرون في هذه الأربعة ما هي‏؟‏ وإن كان لا طائل تحت تعيينها، إذ لو كان في ذلك مهم لنص عليه القرآن، فروي عن ابن عباس أنه قال‏:‏ أخذ وزاً ورألاً وهو فرخ النعام وديكاً وطاووساً، وقال مجاهد‏:‏ كانت حمامة وديكاً وطاووساً وغراباً، وقوله‏:‏ ‏{‏فصرهن إليك‏}‏ أي وقطعهن‏.‏ وعن ابن عباس ‏{‏فصرهن إليك‏}‏ أوثقهن، فلما أوثقهن ذبحهن ثم جعل على كل جبل منهن جزءأً، فذكروا أنه عمد إلى أربعة من الطير فذبحهن ثم قطعهن ونتف ريشهن ومزقهن وخلط بعضهن ببعض، ثم جزأهن أجزاء وجعل على كل جبل منهن جزءاً ثم أمره اللّه عزّ وجل أن يدعوهن فدعاهن كما أمره اللّه عزّ وجلّ، فجعل ينظر إلى الريش يطير إلى الريش، والدم إلى الدم، واللحم إلى اللحم، والأجزاء من كل طائر يتصل بعضها إلى بعض حتى قام كل طائر على حدته وأتينه يمشين، سعياً ليكون أبلغ له في الرؤية التي سألها‏.‏
ولهذا قال‏:‏ ‏{‏واعلم أن اللّه عزيز حكيم‏}‏ أي عزيز لا يغلبه شيء ولا يمتنع من شيء، وما شاء كان بلا ممانع لأنه القاهر لكل شيء، حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس