عرض مشاركة واحدة
قديم 05-05-2014, 02:55 AM   رقم المشاركة : 2
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏1‏)‏
‏{‏ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ‏}‏
أمر اللّه تعالى خلقه بتقواه، وهي عبادته وحده لا شريك له، ومنبها لهم على قدرته التي خلقهم بها من ‏{‏نفس واحدة‏}‏ وهي آدم عليه السلام ‏{‏وخلق منها زوجها‏}‏ وهي حواء عليها السلام، خلقت من ضلعه الأيسر من خلفه وهو نائم فاستيقظ فرآها فأعجبته، فأنس إليه وأنست إليه‏.‏ وقال ابن أبي حاتم عن ابن عباس‏:‏ خلقت المرأة من الرجل فجعلت نهمتها في الرجل، وخلق الرجل من الأرض فجعلت نهمته في الأرض فاحبسوا نساءكم ‏"‏رواه ابن أبي حاتم عن قتادة عن ابن عباس‏"‏وفي الحديث الصحيح‏: ‏(‏إن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وأن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج‏)
وقوله‏:‏ ‏{‏وبث منهما رجالا كثيراً ونساء‏}‏ أي وذرأ منهما‏:‏ أي من آدم وحواء رجالاً كثيراً ونساء، ونشرهم في أقطار العالم على اختلاف اصنافهم وصفاتهم وألوانهم ولغاتهم، ثم إليه بعد ذلك المعاد والمحشر، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏واتقوا اللّه الذي تساءلون به والأرحام‏}‏ أي واتقوا اللّه بطاعتكم إياه، قال مجاهد والحسن‏:‏ ‏{‏الذي تساءلون به‏}‏ أي كما يقال أسألك باللّه وبالرحم، وقال الضحاك‏:‏ واتقوا اللّه الذي تعاقدون وتعاهدون به واتقوا الأرحام أن تقطعوها ولكن بروها وصلوها قاله ابن عباس وعكرمة‏.‏ وقرأ بعضهم‏:‏ ‏{‏والأرحام‏}‏ بالخفض عطفاً على الضمير في به أي تساءلون باللّه وبالأرحام كما قال مجاهد وغيره‏.‏
وقوله‏:‏ ‏{‏إن اللّه كان عليكم رقيبا‏}‏ أي هو مراقب لجميع أحوالكم وأعمالكم، كما قال‏:
{‏واللّه على كل شيء شهيد‏}‏؛ وفي الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏اعبد اللّه كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك‏)‏، وهذا إرشاد وأمر بمراقبة الرقيب، ولهذا ذكر تعالى أن أصل الخلق من أب واحد وأم واحدة، ليعطف بعضهم على بعض ويحثهم على ضعفائهم، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جرير بن عبد اللّه البجلي‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين قدم عليه أولئك النفر من مضر - وهم مجتابو النِّمار أي من عريهم وفقرهم - قام فخطب الناس بعد صلاة الظهر، فقال في خطبته‏:‏ ‏{‏يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة‏}‏ حتى ختم الآية، ثم قال‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه ولتنظر نفس ما قدمت لغد‏}‏ ثم حضهم على الصدقة، فقال‏:‏ ‏(‏تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من صاع بره، من صاع تمره‏)‏"‏هو جزء من حديث آخرجه مسلم وأصحاب السنن عن ابن مسعود في خطبة الحاجة‏"‏وذكر تمام الحديث‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏2 ‏:‏ 4‏)‏
‏{‏ وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا ‏.‏ وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا ‏.‏ وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ‏}‏
يأمر تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم إذا بلغوا الحلم كاملة موفرة، وينهى عن أكلها وضمها إلى أموالهم، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب‏}‏ قال سفيان الثوري‏:‏ لا تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الرزق الحلال الذي قدّر لك، وقال سعيد بن جبير‏:‏ لا تتبدلوا الحرام من أموال الناس بالحلال من أموالكم، يقول‏:‏ لا تبدلوا أموالكم الحلال وتأكلوا أموالهم الحرام، وقال سعيد بن المسيب‏:‏ لا تعط مهزولا وتأخذ سمينا، وقال الضحاك لا تعط زيقاً وتأخذ جيداً، وقال السدي‏:‏ كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم، ويجعل مكانها الشاة المهزولة، ويقول‏:‏ شاة بشاة، ويأخذ الدرهم الجيد ويطرح مكانه الزيف ويقول درهم بدرهم‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم‏}‏ قال مجاهد وسعيد بن جبير‏:‏ أي لا تخلطوها فتأكلوها جميعاً، وقوله‏:‏ ‏{‏إنه كان حوباً كبيرا‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ أي إثماً عظيماً‏.‏ وفي الحديث المروي في سنن أبو داود‏:
‏(‏اغفر لنا حوبنا وخطايانا‏)‏ وروى ابن مردويه بإسناده عن ابن عباس‏:‏ أن أبا أيوب طلق امرأته، فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏يا أبا أيوب إن طلاق أم أيوب كان حوبا‏(‏ قال ابن سيرين‏:‏ الحوب الإثم، وعن أنس‏:‏ أن أبا ايوب أراد طلاق أم أيوب، فاستأذن النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏إن طلاق أم أيوب لحوب‏)‏ فأمسكها والمعنى‏:‏ إن أكلكم أموالهم مع أموالكم إثم عظيم وخطأ كبير فاجتنبوه‏.‏
وقوله‏:‏ ‏{‏وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى‏}‏ أي إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف أن لا يعطيها مهر مثلها فليعدل إلى ما سواها، فإنهن كثير ولم يضيق اللّه عليه، وقال البخاري عن عائشة‏:‏ أن رجلاً كانت له يتيمة فنكحها وكان لها عذق، وكان يمسكها عليه، ولم يكن لها من نفسه شيء فنزلت فيه ‏{‏وإن خفتم ألا تقسطوا‏}‏ أحسبه قال‏:‏ كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله، ثم قال البخاري‏:‏ عن ابن شهاب قال‏:‏ أخبرني عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عن قول اللّه تعالى ‏{‏وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى‏}‏ قالت‏:‏ يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يُقْسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا إليهن، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب له من النساء سواهن، قال عروة‏:‏ قالت عائشة‏:‏ وإن الناس استفتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعد هذه الآية فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏ويستفتونك في النساء‏}‏ قالت عائشة‏:‏ وقول اللّه في الآية الأخرى‏:‏ و‏{‏ترغبون أن تنكحوهن‏}‏ رغبة أحدكم عن يتيمته إذا كانت قليلة المال والجمال، فنهو أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال‏.‏
وقوله ‏{‏مثنى وثلاث ورباع‏}‏ أي انكحوا ما شئتم من النساء سواهن إن شاء أحدكم ثنتين، وإن شاء ثلاثا، وإن شاء أربعا، كما قال اللّه تعالى‏:‏
{‏جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع‏}
أي منهم من له جناحان، ومنه من له ثلاثة، ومنهم من له أربعة، ولا ينفي ما عدا ذلك في الملائكة لدلالة الدليل عليه، بخلاف قصر الرجال على اربع فمن هذه الآية كما قال ابن عباس وجمهور العلماء، لأن المقام مقام امتنان وإباحة، فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره، قال الشافعي‏:‏ وقد دلت سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المبينة عن اللّه أنه لا يجوز لأحد غير رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة، وهذا الذي قاله الشافعي مجمع عليه بين العلماء، إلا ما حكى عن طائفة من الشيعة أنه يجوز الجمع بين أكثر من أربع إلى تسع، وقال بعضهم‏:‏ بلا حصر وقد يتمسك بعضهم بفعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في جمعه بين أكثر من أربع إلى تسع كما ثبت في الصحيح، وهذا عند العلماء من خصائصه دون غيره من الأمة لما سنذكره من الأحاديث الدالة على الحصر في أربع، ولنذكر الأحاديث في ذلك‏.‏ قال الإمام أحمد عن سالم عن أبيه‏:‏ أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏اختر منهن أربعا‏)‏، فلما كان في عهد عمر طلق نساءه، وقسم ماله بين بنيه، فبلغ ذلك عمر فقال‏:‏ إني لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك فقذفه في نفسك، ولعلك لا تلبث إلا قليلا، وأيم اللّه لتراجعن نساءك ولترجعن مالك أو لأورثهن منك ولآمرن بقبرك فيرجم كما رجم قبر أبي رغال ‏"‏رواه الترمذي وابن ماجة والدار قطني إلى قوله‏:‏ ‏{‏اختر منهن أربعاً‏}‏ والباقي من رواية أحمد‏}وعن ابن عمر‏:‏ أن ‏"‏غيلان بن سلمة‏"‏كان عنده عشر نسوة، فأسلم وأسلمن معه فأمره النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يختار منهن أربعاً،
هكذا أخرجه النسائي في سننه‏.‏ فوجه الدلالة أنه لو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لسوّغ له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سائرهن في بقاء العشرة وقد اسلمن، فلما أمره بإمساك أربع وفراق سائرهن، دل على أنه لا يجوز الجمع بين أكثر من أربع بحال، فإذا كان هذا في الدوام، ففي الاستئناف بطريق الأولى والأحرى، واللّه سبحانه أعلم بالصواب‏.‏
‏"‏حديث آخر‏"‏قال الشافعي في مسنده عن نوفل بن معاوية الديلي قال‏:‏ أسلمت وعندي خمس نسوة، فقال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏(‏اختر أربعا أيتهن شئت وفارق الأخرى‏)‏، فعمدت إلى أقدمهن صحبة، عجوز عاقر معي منذ ستين سنة فطلقتها، فهذه كلها شواهد لحديث غيلان كما قاله البيهقي، وقوله‏:‏ ‏{‏فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم‏}‏ أي إن خفتم من تعداد النساء أن لا تعدلوا بينهن كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم‏}‏ فمن خاف من ذلك فليقتصر على واحدة أو على الجواري السراري، فإنه لا يجب قسم بينهن، ولكن يستحب، فمن فعل فحسن ومن لا فلا حرج‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ذلك أدنى أن لا تعولو‏}‏ قال بعضهم‏:‏ ذلك أدنى أن لاتكثر عيالكم قاله زيد بن اسلم والشافعي وهو مأخوذ من قوله تعالى‏:‏{‏وإن خفتم عيلة‏} أي فقرأ{‏فسوف يغنيكم اللّه من فضله إن شاء‏}
وقال الشاعر‏:‏
فما يدري الفقير متى غناه * وما يدري الغني متى يعيل‏؟‏
وتقول العرب‏:‏ عال الرجل يعيل عيلة إذا افتقر، ولكن في هذا التفسير ههنا نظر، فإنه كما يخشى كثرة العائلة من تعداد الحرائر كذلك يخشى من تعداد السراي أيضاً، والصحيح قول الجمهور‏:‏ ‏{‏ذلك أدنى ألا تعولوا‏}‏ أي لا تجوروا يقال‏:‏ عال في الحكم إذا قسط وظلم وجار، وقال أبو طالب في قصيدته المشهورة‏:‏
بميزان قسط لا يخيس شعيرةً * له شاهد من نفسه غير عائل
عن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏{‏ذلك أدنى ألا تعولوا‏}‏ قال‏:‏ ‏(‏لا تجوروا‏)‏،
روي مرفوعاً والصحيح عن عائشة أنه موقوف، وروي عن ابن عباس
وعائشة ومجاهد أنهم قالوا‏:‏ لا تميلوا‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وآتوا النساء صدقاتهن نحلة‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ النحلة‏:‏ المهر عن عائشة نحلة‏:‏ فريضة، وقال ابن زيد‏:‏ النحلة في كلام العرب الواجب، يقول‏:‏ لا تنكحها إلا بشي واجب لها، وليس ينبغي لأحد بعيد النبي صلى اللّه عليه وسلم أن ينكح امرأة إلا بصداق واجب، ومضمون كلامهم أن الرجل يجب عليه دفع الصداق إلى المرأة حتما، وأن يكون طيب النفس بذلك، كما يمنح المنيحة ويعطي النحلة طيباً، كذلك يجب أن يعطي المرأة صداقها طيباً بذلك، فإن طابت هي له به بعد تسميته أو عن شيء منه فليأكله حلالاً طيباً، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً‏}‏ وقال هشيم‏:‏ كان الرجل إذا زوج بنته أخذ صداقها دونها فنهاهم اللّه عن ذلك ونزل‏:‏ ‏{‏وآتوا النساء صدقاتهن نحلة‏}‏ ‏"‏رواه ابن أبي حاتم وابن جرير‏"‏‏.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس