المتكبرون المتفيهقون
ومن مظاهر أزمة الأخلاق عند بعض الناس :حالة الكبر التي تسيطر عليهم،
فيتعالون على خلق الله ويظنون أنهم أعلى من الناس وأفضل منهم ،
إنهم المتفيهقون الذين وصفهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ببعض صفاتهم حين سئل عنهم بأنهم المتكبرون ؛
إذ من أبرز صفات المتكبر التعاظم في كلامه ،
والارتفاع على الناس في الحديث ،
وإذا كان مثقفاً فإنه يحاول التحدث بالغريب من الكلام إظهاراً لفضله ،
كما يحلو له ! وازدراءً لغيره ،
تلك علة خلقية تشعر بضعف نفسية المتفيهق ،
ولذلك يكون بعيداً في الدنيا عن قلوب الناس ، معزولاً عن خيارهم ،
مقروناً في الآخرة بمن أبغضهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
حيث قال :
( إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إلي ,
وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون ,
قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون ؟ قال :المتكبرون )
إنهم يعيشون أزمة حقيقة سببها ضعف نفوسهم ومرض قلوبهم
إذ لو كانوا يعلمون ويفقهون
لتواضعوا ولرفعهم الله بذلك التواضع عنده وعند خلقه :
تواضع تكن كالنجم لاحلناظر على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخان يعلـو بنفسـه على طبقات الجو وهووضيع
القنوات الفضائية والرويبضة
وإن مما أصاب الأمة في صميم أخلاقها انتشار القنوات الفضائية
وغزوها بيوت المسلمين ،
واستخدام هذه القنوات من قبل بعض الناس استخداماً مُخلاً بالإيمان ،
مخلاً بالشرف والمروءة والأخلاق وليته اقتصر في ذلك على نفسه
بل جعل أولاده - ذكرهم وأنثاهم - في غياهب الظلمة ،
وأفسد عليهم أخلاقهم ودينهم بترك الحبل على الغارب
تعاوناً منه مع أعداء الإسلام في إفساد الأمة من حيث يشعر أو لا يشعر ،
فصارت الأسرة بهذا الشكل تشاهد ما هب ودب في هذه القنوات
إذ لم تشعر أن عليها رقيب فأثيرت الشهوات ، وفسدت المروءات ،
وانتشر التبرج والسفور ، والتشبه بالكفار والكافرات
وبدأنا نرى صوراً غريبة في بعض بقاع العالم الإسلامي
لمن هن من المسلمات ، متبرجات كاسيات عاريات ،
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عن مثل هؤلاء :
( العنوهن فإنهن ملعونات )
ولقد رأينا شباباً من المسلمين يتسكعون في الطرقات ،
قد أثارتهم مثل هذه الصور الخليعات ،
فآذوا عباد الله في بناتهم وأخواتهم المؤمنات ،
كل ذلك هو من نتائج مشاهدة الأفلام والمسلسلات الخليعة
التي انتشرت في بلاد المسلمين فتميعت أخلاق كثير من الشباب ،
بل وصل الأمر إلى مواقعة الفواحش من زنا ولواط وغيره
نسأل الله لنا ولهم الهداية والعافية ..
ولا شك أن الإسلام يحرم الونا، ويجعله من الفواحش والكبائر ،
ومن أجل خطورة هذا الموقف فقد حرم الإسلام المقدمات التي تؤدي إلى ذلك
ومنها إطلاق البصر إلى الحرام
قال تعالى :
{ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ }
[النور : 30 ]
وقال بعد هذا :
{ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ }
[النور : 30 ]
وهنا دليل : على أن عدم غض البصر يؤدي إلى الوقوع في الفاحشة ،
وقد قال -تعالى- محذراً من البصر الخائن :
{ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ }
[غافر : 19 ]
وليس البصر وحده مقدمة للحرام ، فهناك أيضاً السمع والقلب ،
{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْم
إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً }
[الإسراء : 36 ]
وكثير من هذه القنوات جعلت من نفسها أبواقا للفتنة وإشاعة الفوضى
والاضطراب في المجتمعات من خلال نشر الأكاذيب واستضافة التافهين
ليتكلموا في الأمور الكبار التي تهم الأمة وتؤثر في حاضرها ومستقبلها ،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( أنها ستأتي على الناس سنون خداعة ؛ يصدق فيها الكاذب ،
ويكذب فيها الصادق ، ويؤتمن فيها الخائن ، ويخون فيها الأمين
وينطق فيها الرويبضة قيل : وما الرويبضة ؟
قال :السفيه يتكلم في أمر العامة )
[ رواه أحمد ]
إن ديدنهم رواية الأخبار، ونقل الغث والصحيح ، والصدق والكذب ،
ينتقل أحدهم من قناة إلى أخرى ممتطياً مطية الكذب ،
قالوا كذا وزعموا كذا- دون تثبت في النقل أو وزن لما يحدث به
وذلك من أوضح البراهين على اعتلال خلقه وضعف نفسيته ,
يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم :
( بئس مطية الرجل زعموا )
مع أن الشرع الحنيف قد أمر العباد بالتثبت قبل نقل الكلام
أو اتخاذ قرار بناء على مجرد قيل وقال
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا
أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }
[الحجرات : 6 ]