عندما يداهمني صوتك المسلح مفجراً بذلك قنابل الهوى ومرسلاً صواريخ الحب في مدائن الخيال أقف كالمستسلم أمامه رافعاً الراية البيضاء.. وكيف أقوى على المقاومة وأنا لا أملك سوى عصا نخرها الريح الحزين وعذبها طول السفر والتنقل من غربة لأخرى.. فما كان بالأمس مجرد فضول أصبح اليوم عادة ميئوساً الإقلاع عنها.. لا.. لا.. بل الضرورة لا تستمر خطى الحياة إلا بها, فحينما تغرس الحقيقة مخالبها في جسد الكبرياء وتعض بالنواجذ هامات الشموخ يتسنى للموت الولوج عبر صمتنا القاتل حتى يلفظ الضمير أنفاسه البطيئة.. عندها لا نجاة من سكرة الاحتضار وما تخفيه المشاعر في أحشائها من أجنة, حتى لو قادنا لحبل المشنقة أو ساحة الإعدام.. وهذا شبه اعتراف مني أقرأه على مسامعك رغم عنادي المؤدي للهلاك وتحفظي ألا عقلاني.. يا امرأة لقد نما حبك في أعماقي كالهواء لا يرى ولا يمسك بدليل الأشعة المخبرية التي أجريت بعيادة قلبي.. نبرات صوتك التي عزفت أجمل النغمات الغرامية ما زال رجع صداها يتردد في ذهني عبثاً حاولت تناسيها أو تجاهلها.. أشعر بها تكبلني تقيدني بسلاسل اللهفة والحنين عندئذ تستحيل الحركة ويصعب المسير إلا بسماعك والإنصات لهمسك الشجي وعتابك المفعم بالشفافية.
فيا امرأة تسلقت أسواري الشاهقة واقتحمت حصوني المنيعة, تعالي أمنحك وسام المحبة المرصع بنبضاتي الدافئة, تعالي أسلمك شهادة العشق المختومة بدمعاتي الغالية.. تعالي أعطيك مفاتيح قصوري وأبوابي كي تأتي متى شئت.. تعالي أعيشك واقعاً لا وهماً تريدين عمري.. ليتني أستطيع فهو بك أصبح أغلى من كل شيء مضى.. تريدين روحي.. معذرةً لا يمكنني ذلك لأنك الروح التي بها أحيا.. تريدينني بكامل تفاصيلي الدقيقة وأجزائي المبعثرة.. أخاف أن أنسى فيم نفسي وأنشغل بحسنك البابلي.
اسألي ظلام الليل وكم سهرته مناجياً طيفك البدري.. اسألي نور الشمس وكم حسبته وجهك الصبوحي.. اسألي بياض الثلج وكم شبهته بنقاء قلبك الجليدي.. اسألي ملكات النحل وكم حسدتها تسكن مبسمك العسلي.. اسألي هبوب النسيم وكم حملته سلامي لتبلغه أنوثتك الجنوبية.. اسألي زهر الحدائق وكم قبلته متوهماً أنه خدك الوردي.. اسألي موانئ البحار وكم انتظرت على شاطئها وصول قاربك الذهبي.. اسألي هذه الدنيا بكل ما فيها وكم لك في الفؤاد من تقدير واحترام.. كأنك الأكسجين الذي يتسلل لرئتي خلسةً وبدونه لا تتم عملية التنفس.. أو قلبك الذي يشحن عروقي بالدم جهاراً لولاه تقاعدت أعضائي عن الخدمة.. فلحظاتي بدونك يكاد يخنقها الملل بكلتا يديه دون أدنى شفقة.. فهيا نطفئ نيران السكوت التي تحتدم قبل أن يحرقنا لهيبها ونعلن للزمن الصراحة التي طال البوح بها ونصرخ في اوجه الناس بأعلى صوت ونودع الحزن إلى غير رجعة.