شقيقتي متزوجة منذ أربعة عشر عاماً، ولها ثلاثة أبناء، وزوجها قائم بحقوقه معها، ولكن مشكلته هي أهله، فوالدته وأخته وإخوانه يريدون أن يكونوا برفقتهم في كل وقت، وشقيقتي لا تشعر بالاستقلالية بسبب هذا الشيء، وزوجها يعلم أن هذا خطأ، ولكنه يخشى أن يقول أهله: إن زوجته أبعدته عنهم، ووالدته تغضب منه إذا ذهب مع زوجته وأبنائه بدونها. فما هو الحل في حالته، وكيف يعامل أهله وزوجته بما يرضي الله؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أخي الكريم:
بداية لا بد أن تعلم أن هذه المشكلة متكررة الحدوث، وكثير من الزوجات والأزواج يعانون منها، وغالباً ما يكون سبب ذلك رغبة الأم في أن يبقى ولدها لها، ولا تخطفه منها (بنت الناس) كما يقال، بعد أن بلغ أشده واستقام عوده ورجي خيره، وهي التي تعبت عليه في صغره وتقلبات مراهقته!!
جانب آخر مهم وهو انتشار فكرة أن الزوجة تريد أن تسيطر على زوجها؛ ليسير وفق رغباتها ويرمي أهله وراءه، ولذلك تفسَّر كثير من التصرفات (العفوية) التي تصدر عن الزوجة من هذا القبيل، وهذا يفسر بدء المشكلات العريضة من مواقف تافهة!!
وفي بعض الأحيان تكون الأم مستبدة محبة للسيطرة بطبيعتها، وهذه بعض الأسباب التي تدفع أهل الزوج لمثل التصرفات التي أشرت إليها في سؤالك؛ ومعرفة السبب تؤدي إلى اتخاذ الموقف المناسب من المشكلة، وعلاجها بطريقة صحيحة، ونظراً لأني لا أعرف طبيعة أهل زوج أختك فسوف أعطيك بعض الإضاءات المهمة في هذا الموضوع:
(1) يعتمد العلاج في مثل هذه المشكلات على الزوج بشكل أساس في حكمته ورويته وحسن تصرفه، وقدرته على احتواء المشكلة في بدايتها.
(2) للزوجة دور مهم في مساعدة زوجها على مواجهة أهله، بحيث لا تؤجج الصراع برعونتها وانفعالها لتفتح جبهات عدة على زوجها لا يدري بأيها يبدأ، بل تحاول الشد من أزره والوقوف بجانبه، وتحمُّل ما قد يأتيها من أهل زوجها؛ حتى تكون لها العاقبة في النهاية.
(3) لابد من تفهم مشاعر الأم، وهي مشاعر حقيقة بالمراعاة؛ إذ -كما ذكرت- هي من تعبت في تربية هذا الزوج، وأنفقت لذلك زهرة شبابها، فلما كبرت سنها ورق عظمها وحان قطاف ثمرة تربيتها لولدها تجد منه الإهمال والتقصير أو العقوق لانشغاله بزوجته وأولاده وكسب الرزق لهم.
(4) من الضروري إشعار الأم أن ابنها لا يزال لها، وأنه طوع أمرها، ومستعد لبذل ما يستطيع لإرضائها بالكلام الحسن والهدية النفسية ومرافقتها في (بعض) الرحلات والنزهات، وكثير من الأمهات يسكن قلبها وتطمئن بمجرد إحساسها بهذا الأمر.
(5) شعور الزوجة أنها ستكون أماً في يوم من الأيام، وتمر بنفس الموقف يجعلها تلتمس العذر لوالدة زوجها إن بدر منها ما يزعج من التصرفات؛ فتنظر إليها بعين الرحمة والشفقة، لا بعين الحقد والعداوة والاستهجان.
(6) في كل شؤون حياتنا نحتاج إلى تقديم تنازلات حتى تستمر عجلة الحياة، إذ لا يوجد إنسان يمكن أن ينال ما يصبو إليه كما يحب هو، لكنه قد يتنازل عن الأقل للحصول على الأكثر، وهذه القاعدة تبرز أكبر ما تكون في الحياة الزوجية، التي هي حياة متراطبة متداخلة طويلة الأمد لا علاقة عابرة تنتهي بعد حين، لذلك لا بد أن تتفهم أختك أنها قد تضطر إلى التنازل عن بعض رغباتها في مقابل أن تستمر حياتها الزوجية مستقرة، وأن تكون علاقة زوجها بأهله إيجابية تنعكس على علاقته بها بشكل إيجابي أيضاً.
(7) ليس بالضرورة أن تعلم أمه كل صغير وكبير عن حياتهم، وعن خروجهم ورحلاتهم، وربما كان استخدام المعاريض (التورية) في إخبارها مفيداً.
(8) قد يضطر أحياناً إلى الكذب!! والكذب إذا كان مقصده الإصلاح، ولم يجد الإنسان بُداً فلا حرج عليه فيه.
أسأل الله أن يصلح شأنهم