وقفت أمام امرآة تتأمل نفسها بإعجاب. إنها جمبلة اليوم...ففستان زفافها رائع، وطرحتها الطويلة أضفت إليها ذلك الوقار الخاص الذي لا تشعر به سوى عروس. مكياجها متقن وخصل شعرها منسابة على جبهتها العريضة في نعومة وجمال.....كل شيء جاهز وهي أكثر من رائعة، كل شيء سوى قلبها الذي كان لا بد أن يكون أول الموجودين لاستقبال عريس الحفل وشريك العمر، ولكنه أبى إلا أن يسبح بعيدا عبر الحدود و المسافات ليتعلق بآخر!!
تتذكر حبيبها عمر، ليته يرى كم هي جميلة اليوم، ليته يمسك بيدها ليقودها إلا عالم آخر لا يعرفه سواهما........
تجول بفكرها الأيام الحلوة التي جمعتهما معا، كانت أيام بريئة ليس فيها من سوء فعل يذكر، فصارحت بالموضوع خطيبها ولم تترك له مجالا للشك، فالكل بما فيهم أهلها ورفيقاتها كان يظن أن تلك العواطف الساذجة لم تتعد مشاعر الصبا والمراهقة والإعجاب الغير متكافئ والذي بمساعدة بعض الظروف والخلافات لم يعد سوى ذكرى قديمة مرت عليها الأعوام.........ولكن ذلك لم يكن حقيقة! لا..فهي ما زالت تعشقه وتتعذب بحبه دون أن يدري مخلوق، فهو قد أوهمته بالتخلي عنه، ووالدها انزاح الهم من قلبه حينما اعتقد أنها أخيرا اقتنعت بوجهة نظره...
انحدرت دمعة حارة من عينها و تذكرت عندما تقدم خالد لخطبتها. لقد أعجبت به لدرجة كبيرة، فهو رجل ذو أخلاق عالية وسمعة معروفة بالإضافة إلى الوجه البشوش و الذوق الراقي والحديث الجذاب وأشياء أخرى جعلت منه فتى أحلام أي فتاة. فقبلت فيه شفقة على نفسها من العنوسة و إرضاء لوالديها وصممت على أن تحبه وتخلص له حتى آخر رمق....
أما الإخلاص وهي بنت شريفة وطاهرة فهي قادرة عليه، وأما الحب فالكل يعلم أنه ليس بأيدينا............
وهنا انحدرت دمعة أخرى، فهي لا تريد أن تظلم زوجها ولكنها أيضا تكره أن تعصي أوامر والدها وتتجاهل عدم رضاه عنها إذا تزوجت من حبيبها، وأكثر من هذا كله تكره أن يمحي الزمن شبابها و هي عازفة عن الزواج، عالة على والديها. ثم إن خالد يعجبها و تفسها اطمأنت له.
ولكن هل تستطيع أن تدفع ذلك الحب العميق لعمر إلى زاوية مظلمة من زوايا قلبها المحطم؟ هل تستطيع أن تخفيه إلى الأبد؟ فهي قادرة على أن توهم زوجها بعشقها له، ولكن هل هي قادرة على أن تعيش معه هذا الوهم بقية حياتها؟
أسئلة محيرة كان يجب أن تحسم أمرها قبل هذه الليلة، فالتراجع الآن صعب بل مستحيل، ولكن ما العمل الآن وقد نشب صراع بين قلبها وضميرها؟!
و نظرت إلى صورتها في الرآة و تخيلت لآخر مرة وجه حبيبها عمر، تخيلته واقفا بجانبها، يسدل الطرحة على وجهها وكأنه يقول:" لا أنت لست لي". غمرته بنظرة حب عارمة، النظرة الأخيرة......فهي لا تريد أن يطفو على أمواج ذاكرتها بعد الآن..فخالد لا يستحق منها ذلك، ولذلك فهي تريد أن تشبع قلبها وحواسها منه الآن ولآخر مرة و............
وهنا وصل إلى مسامع منال صوت زغاريد الأهل ورائحة البخور، وانفتح الباب ليدخل عليها خالد بطلته الجميلة و مشيته الواثقة، وهي مازالت مسمرة في مكانها وعيناها مغمورتان بدموع لم يدر أحد من أي عاطفة نبعت...
وأحست منال أن خالد يقترب منها....نعم،حانت اللحظة الحاسمة واشتد صراع القلب والضمير.....................
إنها قوية، تستطيع الصمود، ليت هذا العبء ينزاح عن كاهلها...وفجأة سمعت صوتا قويا بداخلها، صوتا يحدثها, ولكن من أين أتى ما مصدره؟ أهو قلبها العائد؟ أم عقلها السائد؟ أم نفسها المعذبة؟أو هو عمر يحثها على التقدم؟!
" ما بالك تبكين؟ والقدر قد اختار أن أن تعزفي على أوتار الأنين؟ ما أمرك تحلمبن..بالذي جمعتك به أيام ففرقتكم السنين؟ ما هذا؟ ماذا تفعلين؟ أبرداء عرسك وسط الضباب تقفين؟ أم بمستقبل باهر إلى الماضي تنظرين؟ تلفتي حولك..الحياة جميلة وقصرك جاهز.....فلماذا..لماذا..ثم لماذ مازلت هناك....بعيدا هناك بعيون الرجاء وبدموع الأسى تنظرين؟ "
ســــــــــــــــــــامحـنـــــــــي يا عمـــــــــر!
العرض العادي
