مخاوف الطفل ..
إنهم يذبحون صديقي!
.................................................. .................عبير صلاح الدين
خروف العيد هو أهم شخصية في العيد بالنسبة للطفل، وبعض الأطفال يأخذون الخروف في نزهة حول المنزل؛ خاصة في الريف، وفي بعض المدن التي تسمح تصميمات بيوتها بوجود منطقة خضراء حول كل منزل، يأمن فيها الطفل للعب مع صديقه الخروف، وكثيرًا ما تحدث مفاجآت عندما يفرّ الخروف ويجري الكثيرون للإمساك به وإعادته لصديقه، ويسعد الطفل بهذه المغامرات وهذه الأحداث، ويرتبط وجدانيًّا بهذا الكائن الجميل..
ويقدم له الطعام ويركب على ظهره ، وقد يغسل صوفه.
لكن ما تلبث الصدمة أن تقع بذبح الخروف -الصديق- أمام عين الطفل، ويراق دمه ويُقطَّع لحمه، ويطلب الأهل من الطفل أن يتناول لحم صديقه فيصاب الطفل بحزن شديد، وقد يتطور الأمر إلى أكثر من ذلك...
حواء وآدم استطلعت آراء خبراء التربية والصحة النفسية والطب النفسي في هذا الموضوع:
في البداية سألنا الدكتور نبيل حافظ -أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس-:
ما هي السن التي يمكننا فيها أن نصطحب الطفل لرؤية مشهد ذبح الخروف وتقطيع لحمه؟
فقال: قبل سنة 8 سنوات.. لن يستطيع الطفل أو الطفلة إدراك معنى الأضحية، أو لماذا خلق الله لنا هذه الحيوانات؛ ولهذا فمن الأفضل ألا يرى الطفل مشهد الذبح قبل هذه السن، وإذا سألنا أين ذهب الخروف الذي كان موجودًا بالبيت، فنرد عليه أننا ذبحناه وهذا هو لحمه، وقد يحدث مع بعض الأطفال خاصة الذين يعيشون في بيئة متوترة خوف دائم من السكين أو مشهد الدم إذا رأوا مشهد ذبح الخروف، ويكون من الصعب أن يتخلصوا من هذا الخوف، وقد يتطور بهم الأمر إلى عدم تناولهم هذا اللحم لفترات طويلة بعد ذلك.
وترى الدكتورة فوقية عبد الفتاح -أستاذ علم النفس التربوي بكلية التربية بمحافظة بني سويف- أنه لا ينبغي أن يرى الطفل مشهد ذبح الأضحية قبل أن يصل إلى سن السعي الذي وصل إليه إسماعيل -عليه السلام-، عندما رأى والده إبراهيم -عليه السلام- أنه يذبحه في المنام، وفداه الله بذبح عظيم، وهذه السن هي مرحلة الطفولة المتأخرة التي تبدأ من سن 10 سنوات، عندها يمكنه أن يرى مشهد الذبح؛ ليعرف الهدف من وراء الفداء والأضحية، سواء أكان طفلاً أم طفلة، أما قبل هذه السن.. فلا ينبغي أن يرى هذا المشهد؛ لأنه صعب على نفس الطفل، وعندما يسأل الطفل: أين ذهب الخروف الذي يلعب به ويقدم له الطعام؟ نقول له: ذبحناه مثلما نذبح الدجاج والأرانب والحمام، ومثلما نصطاد السمك لنأكله، وقبل هذا.. يجب أن نظل نقول للطفل أثناء وجود الخروف في البيت قبل الذبح: إننا أتينا بالخروف لكي نذبحه ونأكله في العيد، وإن فترة بقائه معنا هي فترة مؤقتة حتى يحل العيد، حتى يدرك الطفل أنه يلعب بالخروف وليس معه، والطفل الذي يعتاد وجود الدواجن التي تربَّى في البيت خاصة في الريف، مثل الأرانب والدجاج والحمام وغيرها، ويعرف أننا نربيها لكي نأكلها، وقد يشاهد والدته وهي تذبح هذه الدواجن يعتاد على أننا نربي بعض الحيوانات لنأكلها، وبعضها لنركبه، ويعرف أن الدجاجة تبيض، والأرنب الصغير لا يولد إلا بوجود أرنب أنثى وأرنب ذكر يعرف حقائق الحياة ببساطة، ويتقبل ذبح الخروف الذي رعاه حتى قدوم العيد.
يهذِّب المشاعر!
وعلى العكس تمامًا كان رأي الدكتور عادل سراج الدين -أستاذ الطب النفسي بمركز الطب النفسي جامعة عين شمس-، فهو يرى أن العلاقة بين الطفل والحيوان؛ خاصة خروف العيد هي علاقة صحية جدًا، إذا اقترنت بالمفهوم الصحيح لقيمة هذا الحيوان، وكيف أنه مخلوق لكي يكون طعامًا للإنسان بعد ذبحه، ورؤية مشهد إراقة الدم في ذبح الحيوانات عمومًا تهذب المشاعر الإنسانية؛ لأنه يراها في الحيوانات وليس في الإنسان، فهو توجيه لربط إراقة الدم بالحيوان، وليس الإنسان أبدًا فيتعلم الطفل حرمة دم الإنسان وإباحة دم الحيوان ليؤكل. وهي أيضًا تساهم في علاج الأطفال من المخاوف التي قد تنتابهم عند رؤية مشاهد العنف التي تنتشر في عصرنا؛ لكي يتعامل معها بشيء من الواقعية، ولكي ننجح في هذا يجب أن يقترن ما يشاهده الطفل بمفهومه الصحيح، فالحيوانات كالقطط والكلاب وغيرها مما لا يذبح بل يكون أليفًا في البيت أو للحراسة تختلف كل الاختلاف في قيمتها عن خروف العيد الذي جعله الله –عزوجل - ذبيحة وفداء لأي إصابة من إصابات الإنسان.
ويتابع الدكتور عادل سراج الدين: فالمخاوف التي تنشأ عند الإنسان يمكن علاجها بطريقتين سلوكيتين: الأولى هي طريقة التحصين التدريجي، فإذا كان الإنسان يخاف من الأماكن المرتفعة على سبيل المثال، اصعد معه تدريجيًّا طابقًا طابقًا، حتى نصل إلى أقصى ارتفاع فيذهب الخوف عنه في كل مرة حتى ينتهي تمامًا، والطريقة الثانية هي طريقة العلاج الفيضي، بمعنى تعريض الشخص لما يخيفه مرة واحدة مع ربط هذا التعرض بالمفهوم الصحيح للشيء، وبهذا المنطق يتعامل أهل الريف مع مشهد ذبح الخروف حينما لا يكتفون فقط باطلاع الأطفال على مشهد إراقة الدم، بل يجعلونهم يغوصون بأيديهم في الدماء ويكبرون عند الذبح، ويجعلون الأطفال يتطلعون إلى أسلوب الطبخ والأكل، لا فرق في ذلك بين الطفل أو الطفلة بداية من العام الثالث من عمر الطفل، ويركزون على أن تنبيه الأطفال بأن هذا لا يحدث مع حيوان لم يخلقه الله – تعالى - للأكل مثل الحمار أو الحصان مثلاً.
يجيب د. عادل سراج الدين: الوقاية خير من العلاج، المفروض ألا تعزز الأم وجود علاقة بين الطفل والخروف، واللعب والمداعبة معه والحفاظ عليه دون أن تخبر الطفل بأنه سيأتي يوم نذبح فيه هذا الخروف ونأكله، حتى لا تكون الصدمة مؤثرة ومفجعة عند الطفل الذي نشأ على علاقة خاطئة ومفهوم خاطئ، في حين أنه يجب أن يعي أن الإنسان يفقد كثيرًا ممن حوله حتى من بني البشر عن طريق الموت أو المرض ويجب أن يتعامل مع كل هذا بواقعية، فقصص القرآن يستطيع الطفل أن يسمعها وعمره أربع سنوات، ويدرك فيها بعض الأشياء ويسمعها مرات بعد ذلك في كل مرحلة من مراحل حياته، وفي كل مرة يكتشف أشياء أخرى أكثر عمقًا في القصة.
بقي أن نقول إن طبائع الأطفال تتفاوت، والوالدين لديهما القدرة على مراعاة مشاعر الطفل واختيار السن المناسبة لكل طفل لتعريضه للتجربة ووضعها في سياقها المفاهيمي والتربوي الصحيح.
تحياتى للجميع