مشروع فاشل

[دبه تسوي رجيم]

مشروع فاشل

منذ 18 عاماً كنت طالبة أعيش في بلدة صغيرة.. يعرف معظم أهلها بعضهم البعض، على قدر من الجمال.. ومن أسرة معروفة.. وكان لنا جار يكن لي التقدير والرغبة في الارتباط بي ولكن كان مازال أمامه سنوات طويلة.. ليستعد مادياً للزواج، فرفضه الأهل رغم موافقتي عليه.. ووافق الأهل على العريس الميسور الحال.. ومن أول يوم في الخط وعقد القران بدأت المشاكل والخلافات.. التي يسميها البعض بفترة الاختبار.. وأن هذه الخلافات ستختفي حين يجمعنا بيت واحد.. واستمرت الخلافات بعد الزواج وأضيف لها مشكلة عدم الإنجاب وما صاحبها من عذاب نفسي ومعنوي وذهاب وإياب عند الأطباء.. ومضت سبع سنوات دون نتيجة.. وكان الإنجاب هو الشماعة التي نعلق عليها خلافاتنا ومشاكلنا.

وكرهت البيت.. وكرهت نفسي والحياة وحتى وظيفتي.. وأصبت بالملل وفقدت الاهتمام بكل شيء في الحياة.. وقد زاد من المشاكل ضعف شخصية زوجي وانقياده لأهله.. فأصبحت أعيش عدم الأمان والتحفز.

وفي إحدى المرات رفضت العودة إلى زوجي وتمسكت بهذا لأنقذ البقية الباقية من كرامتي وأعصابي وعمري.. وأصررت بطريقة غريبة على الرفض.. فراح زوجي يقدم الترضيات والتنازلات التي ربما لا يقدر عليها بشر وعندما رفضت فإذا به يتحول إلى شخص آخر تماماً غير الشخص الذي كان يرجو.. ويتنازل.. وأصر على أن يجردني من كل شيء.. ومن كل حقوقي مقابل الطلاق.

وخرجت بعد سبع سنوات من زواجي.. صفر اليدين.. وبلقب المطلقة البغيض وعشت أقسى فترات حياتي.

وفجأة ظهر الجار القديم العائد من الخارج بعد بعثة الدكتوراة.. بعد رحلة عمل وكفاح ودراسة.. وتزوجته وسافرت معه لمقر دراسته.. وأحسست بكل معاني الحب والاستقرار والرجولة.. ولم يمض إلا شهر واحد حتى أحسست بالحمل.. وأنجبت طفلة جميلة.. تبعتها أخرى.. سعدت بهما وحمدت الله كثيراً أن عوضني عن رحلة العذاب والشقاء الطويلة.

الـحـل:

إن الوفاق هو سياج الزواج الأول الذي يحميه من التصدع والانهيار والخطبة ليست سوى مشروع للارتباط يحتمل الفشل كما يحتمل النجاح.. وخلال هذه الفترة إذا غلبت الخلافات واستمرت فإن هذه ينبئ بعدم التوافق وتنذر بتفاقم المشاكل واتساع الفجوة بين طرفي الزواج.. وهذا الوضع يتطلب الاعتذار عن الاستمرار في هذا المشروع وذلك من باب الأمانة مع النفس ومع الآخرين.. وهذا لا يعيب أحد الطرفين ولا ينقص من قدره ولا من جدارته.. بدلاً من الاستمرار فيه ويدفع كلا الطرفين ضريبة العذاب والشقاء و يكون الضحية هم أطفال أبرياء لا ذنب لهم في سوء الاختيار بين والديهما.

ورغم أن الخلاف هو طبيعة بشرية.. إلا أن الفرق بين الحياة السعيدة والشقية هو أن الوفاق هو الأصل وليس الخلاف.. فحين تغلب الخلافات فإن ذلك يعني أن الطرفين غير مناسبين أو ملائمين لبعضهما.

والسعادة نعمة كبرى لا تشترى بكنوز الدنيا كلها إذا لم تتآلف القلوب والنفوس أو على الأقل لم تتنافر منذ البداية.

وهذا ماحدث مع هذه السيدة منذ بداية خطبتها لزوجها الأول بدأ التنافر والخلاف.. ولكن لم ينتبه الأهل وأصروا على استكمال المشروع المحكوم عليه منذ البداية بالفشل، نتيجة الخلافات المتسعة.. وقد دفعت هذه السيدة مدة سبع سنوات من أعصابها ونفسيتها وكرامتها.. الشيء الكثير.. وكان لابد من تصحيح هذه العلاقة الخاطئة التي لا يسودها سوى الخلاف المستمر ورغم الرغبة المستميتة للإنجاب وكأنه الدواء والبلسم الذي ينقذ الزواج من خلافاته المستمرة.. وصراعاته الدائمة.. إلا أنه وكما صدق قول الحق جل شأنه: {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم } لأن الأطفال هم الدافع الوحيد للاستمرار في حياة لا تحقق السعادة والاشباع النفسي والعاطفي ولعل الآباء والأمهات يدركون أن السعادة والهناء لا يمكن أن تحققها الماديات فقط، فلابد من توافق القلوب والنفوس لأنه أساس الاستمرار والنجاح وبعد ذلك يمكن الحصول على الماديات بالنفوس الراضية الهانئة المستقرة. فالماديات ماهي إلا مظاهر زائفة لا تذيب الخلافات ولا تقضي على التنافر ولا تحقق راحة النفس وهدوءها. فالدين والالتزام الخلقي هما أساس الوفاق والحب والتفاهم لأن صاحب الدين والأخلاق إذا أحب امرأته أكرمها.. وإذا كرهها لم يهنها.


__________________

منقول