كنتُ أشعلُ الصمت ميمماً بوحي لقيثارةٍ قديمة تتكئ على الجدار . ويخذلني صوتي وهو يهربُ أمامي وخلفي كرجلٍ معتوه .
شعرت بالحزن الشديد ، وأنا أرى كل الكونِ وكأنه بدأ يتخلقُ من جديدٍ متجاوزاً معالم صورتي وهويتي ، مما أجبرني على الدخولِ في تحدياتٍ هلاميةٍ وميتافيزيقيائيةٍ لأصل الى وجهٍ يشبه وجهي ولو من بعيد .
غامرتُ بنشر أشرعتي رغم الضباب الذي يخفي محيط عيني وكامل قامتي ، ووزعت ارصفتي وخرائط مدني على نجماتٍ تضيء في سماء أحلامي المتعثرة .
لم تمهلني بواباتُ الريح لأصعد على صدر موجةٍ عاتيةٍ تخترق القلبَ من أقصاه الى أقصاه . لم تمهلني لأغني .
بدأتُ في رسم ظلي ، متفائلاً بصديقتي الشمس ، ومتوجساً من غيمةٍ ترقب خشوع انتظاري ، رأيتها وهي تقلبُ تقويم جسدي ، وتتربصُ لفراغات عيني متحينةً لوقتٍ تخبو فيه ظلالي ، فتقرئني .
لم تمهلني الريح ، لأغني ، وأغني .
لن أعود أدراج بوحي ، وسأظلّ قابعاً خلف صورتي المعلقة حتى أختنقُ أو يختنق الجدار . سأمارسُ عليه همجيتي المهذبة حتى يذوب .
أجل ، يوماً ما ، سيذوبُ الجدار ، وعندها سأحمله في آنية حزني ، وأصبه في المحيط . أو أفرغه في جوف صهيوني ٍ لعين .
رباه يا الهي ، متى ستندقُّ هذه اللوثة المتعفنة ؟؟ .
أحمل الآن حطب مهجتي لأعتقه بنور الشمس ، وبذكرى لحظةٍ هزّت القلب ، سيكون رائعاً هذا الحطب المعتق . سأهديه لأبي ليزرعه أشجاراً تقاومُ مواسم الغبار . أو أهديه لصديقي ليملأ به مزهريته الفارغة .
لن أحتار في حطب مهجتي المعتق ، حتى لو وضعته سلـَّماً لعاشق ٍوعشيقة . وربما سأبيعه في مزادٍ علني في سوق الأفئدة الحزينة .
لن أحتار فيه ، ومليونُ مكلوم ٍسيشتريه . لن أحتار ، حتى لو طرزته على شال قصيدةٍ مجروحة ، أو وضعته بصمة ًعاشرة على شماغ ِشاعر ٍمطاردٍ منبوذ .
لن أحتار ، فالريح لن تمهلني ، حتى يذوبَ الجدار .
مشعل البراق