السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة ...
المدرسة وثقافة الطفــل
للمدرسة دور كبير في تثقيف الطفل وتربيته ، ويزداد هذا الدور أهمية في المجتمعات النامية ،
إذ أن المهمة التي تُلقى على عاتق المدرسة تكون أشد حيوية ، فهي مؤسسة نظامية تستطيع أن
تسد العجز في ضآلة الثقافة التي قد تعاني منها الأسرة في ظلال المعرفة المحدودة لديها في عصر
تدفق المعلومات ، أو في ضحالة ما تقدمه للطفل من معرفة وثقافة ،
نتيجة انشغالها عنه لأسباب عدة ، ومن هنا يتضاعف الدور الذي يُلقىعلى عاتق المدرسة ،
إذ عليها أن تسد هذا العجز بما تقدمه من معارف وخبرات منوعة ومنظمة ، كل ذلك يكون
وفق فلسفة محدودة تتمشى مع فلسفة الدولة وأهدافها ، ومع متطلبات العصر الحديث ، وأن تلبي
المناهج الدراسية حاجات الطفل المعرفية والثقافية .
وتكمن أهمية المدرسة أيضاً في كونها الحلقة الوسط بين الطفولة المبكرة التي يقضيها الطفل
في منزله ،وبين مرحلة اكتمال نموه التي يتهيأ فيها الطفل للقيام بدوره داخل المجتمع ،
ولهذا يجب أن يكون هناك ا
تصال وثيق بين الحلقات الثلاث المنزل والمدرسة والمجتمع ..
ولا يقتصر دور المدرسة على التلقين النظري فقط ، وإنما ينبغي أن تتكامل المعرفة والانفعال
لأن الاقتصار على الجانب النظري يؤدي في كثير من الأحيان إلى الانفصام
والممارسة ،ما بين القول والعمل أو تسبب له قصور
تربوي في مستقبل حياته فأصبح من الضروري الآن حق الطفل في تربية تناسب عصره وثقافة تؤهله
للعيش والتعايش مع مستوى العالم الجديد الذي أصبح قرية صغيرة ..
ولكي تؤدي المدرسة دورها المنوط بها على الوجه الأكمل ، لابد أن تتوافر لها أركان أساسية ،
تلك التي تتمثل في المعلم ، والمادة المقدمة للطفل ، وطريقة توصيلها له ، وأنماط السلوك المتوافرة
في البيئة المدرسية ، ومتابعة ومواجهة مشكلات التلاميذ ، والتعليم الموازي .
إن نجاح العملية التعليمية مرتبط بوضوح الهدف وتحديده وإعداد الخطط والبرامج
لتحقيق ذلك الهدف.
الركن الأول ..المعلم ..المربي) .
الواقع إن المعلم كما أوضحت دراسات وبحوث عديدة هو الركن الأساسي للمدرسة الفعّالة ،
فهو المصدر الذي يعتبره الأطفال نموذجاً يستمدون منه النواحي الثقافية والخلقية ،
التي تساعدهم على أن يسلكوا سلوكاً سوياً ، مما يكون له بالغ الأثر في نجاحهم لتلقي العلم بجهد
أقل ووقت أوفر ، وبالتالي يتضح لنا جلياً أن المعلم هو جلُّ العملية التعليمية ، ومن هنا تكمن
أهمية إعداد المعلم إعداداً تربوياً ونفسياً فيكون على دراية ومعرفة كاملة
بخصائص النمو ومدرك لسلوك التلاميذ في كل مرحلة من
مراحل النمو بحيث يميز ما بين – السلوك الطبيعي وغير الطبيعي للمتعلمين –
فيقدم لهم المعرفة بطريقة تتناسب
مع قدراتهم واستعداداتهم وميولهم ، متفطناً إلى ضرورة إثارة الدافعية والتنافس بين التلاميذ ،
ويقدم المعلومةبطريقة مثيرة ومشوقة ،
وذلك يتطلب منه معرفة ودراية بطرق التدريس الخاصة والعامة ونظريات التعلم، فإذاكان
المعلم بهذه الصفات يكتسب ثقة التلاميذ وحبهم له
، فيسهل عليهم التأثر به ، وتقبُل سما يقوله ويفعله بل
قد يتخذونه قدوة يقتدون بها في التصرفات والسلوك وهذا قد لا يتحقق إلاّ بتأهيل مستمر
للمعلم حتى يستطيع متابعة التغيرات السريعة .
الركن الثاني ..المادة المقدمة للطفل ..
أما الركن الثاني والأساسي في العملية التعليمية يكمن في المادة المقدمة للطفل (المقررات الدراسية.إذ يستطيع الطفل أن يستفيد من المادة المقدمة له ، إذا كانت تشبع حاجاته وفي مستوى نضجه
العقلي والعكس بالعكس ،
كما أن الأطفال يستطيعون أن يتعلموا بطريقة أكثر سهولة ، إذا كانت المادة المقدمة لهم
تقع في مجال اهتماماتهم ، وإذا قدمت لهم في الوقت المناسب ، حتى لا تشكل عائقاً أمامهم
ويصعب عليهم فهمها ، ومعنىذلك أن يكون تقديم الخبرات للطفل مستنداً إلى
تحديد علمي دقيق للوقت المناسب ، أو كما يُطلق عليها .اللحظات المواتية للتعلم..
، وهذا يتطلب من واضعي المناهج والمقررات الدراسية معرفة كاملة باستعدادات الطفل وتهيئته
للتعلم ومعرفة ظروف البيئة التي يعيش فيها وأفضل الطرق التي يمكن استخدامها لتعليمه وتثقيفه ..كما يتطلب من واضعي المناهج مراعاة السلاسة في المقررات الدراسية وانتقالاً تدريجياً
وترابط بين المواضيع ،وأن يراعى تسلسل السلم التعليمية وسلاسة التدرج
فيه حتى لا يكون هناك إقلاع مفاجئ للمقررات الدراسية ،
كما هو الحال في مقررات السنة الرابعة من التعليم الأساسي في ليبيا فيكون هم الطفل منصباً على
محاولته لفهم هذه المفردات التي لا تتناسب مع نضجه ويضطر إلى أن يهمل الأنشطة المدرسية
الأخرى التي تساهم بشكل كبيرفي نمو ثقافته. أما من حيث الشكل ،
فيجب أن يحمل المضمون الجيد لغة تتناسب والمرحلة العمرية للطفل
من حيث الألفاظ والتراكيب والأسلوب ، وأن تُكتب الكتب بخط واضح يساعده على القراءة الجيدة ،
وأن تكون الكلمات مضبوطة بالشكل ، وأن تكون نوعية الورق مريحة للنظر،
وأن تكون مزودة بالرسوم التوضيحية التي تخدم المحتوى .
الركن الثالث .. الطريقة التي تقدم بها المعلومات للتلاميذ ..
إن أهم ركن من أركان المدرسة الفعّالة يكمن في الطريقة التي تقدم بها المعلومات .طريقة التدريس.
وهي الأسلوب الذي يتبعه المعلم في توصيل المعلومة للتلاميذ، واستخدامه الجيد للوسائل التعليمية المختلفة، فيجب أن
تعتمد طريقة التدريس على أنشطة مختلفة تثير الطفل وتنمي ثقافته والابتعاد عن الرتابة التي
تدعوه إلى الملل والسرحان ، كما يجب على المعلم أن يهيئ الأذهان لما يريد أن يقدم من معلومات ،
لأن عملية التعلم مشروطة بالاستعداد للتعلم مع بيان الهدف من كل
درس محاولاً ربط المعلومات النظرية بواقع حياة الطفل قدر الإمكان ، كما
يجب أن ينمي المعلم ثقة الطفل بنفسه ، وإيمانه بذكائه ومقدرته على التعلم، وتنمية ثقة التلميذ في نفسه من أهم عناصر العملية التعليمية وحقوقه التربوية ، لأن الإنسان بطبيعته مبنياً على مجموعة من المعنويات ، إذا رُفعت زادت إنتاجيته وقدرته على التعلم والعطاء ، وعن طريق غرس الثقة في النفس تقوى لديه الشجاعة الأدبية التي نفتقدها في أغلب أطفالنا .
ومن الأسباب التي تجعل طريقة التدريس ناجحة هو مدى ارتباطها باستخدام التقنيات التربوية
سواء السمعية منها أو البصرية التي تُخرج الأطفال من جو الفصل التقليدي والرتابة المملة ،
إلى جو المشاركة الحقيقية الممتعة ، وفي أثناء كل ذلك على المعلم أن يضع في اعتباره أن هؤلاء
الأطفال مختلفون في استعداداتهم وقدراتهم وميولهم العقلية وظروفهم النفسية
(الفروق الفردية) لأن كل طفل له فرديته في التعلم فلا يتوقع منهم نفس الاستجابة ،
بل عليه أن يفهم كل فرد منهم فهماً مستقلاً ، وأن يقوم بعملية
تشخيص وعلاج ، فعليه أن يُشخص الضعف ، وأن يضع له العلاج المناسب ، ومن الخطأ أن يكلفهم بواجبات منزلية متساوية من حيث النوع ، بل عليه أن يطلب من كل تلميذ العمل الذي يخدمه ويطوره
، فمثلاً أحد تلاميذ الصف الأول لديه إشكالية في كتابة حرف العين ، فعلى المعلم أن يكلفه
بواجب يطلب منه كتابة حرف العين ،