امراض الحليب
الآيس كريم..الكعك اللذيذ..الشوكولا.. والحلوى..
وكثير من الأشياء الأخرى التي يعشقها الطفل
ممنوعة بالنسبة الى "ليلى" التي بلغت عامها السادس .
والخطر الذي تمثله هذه الأشياء على حياة "ليلى" بالغ جدا لدرجة أنها تتناول طعامها بمفردها ، وتحمل دائما معها الدواء اللازم في حال تعرضت لنوبة تهدد حياتها·
"ليلى" هي واحدة من أعداد متزايدة من المرضى
الذين يبدون حساسية تجاه حليب الأبقار .
وتشير الأبحاث الجديدة أن الحليب بالنسبة الى البعض قد يؤدي الى الاصابة بمرض مزمن أو الى اعتلال الصحة
وقد يؤثر أيضا على مقدرة الطفل على الكتابة·
في كل عام تستهلك مليارات الليترات من الحليب
الذي يروج له على أنه شراب صحي ومفيد
ولكنه في الوقت نفسه قد يكون مصدر عدد من المشاكل الصحية والباحثون يدرسون الآن ، جدوى شرب كميات كبيرة منه.
يقول الدكتور/ هاري مورو-براون المختص بأمراض الحساسية
شركات تسويق الحليب بالغت بالترويج لفائدة الحليب
الى درجة أن عامة الناس وحتى الأطباء أصبحوا مقتنعين بذلك
وأحذوا ينظرون الى فكرة أن للحليب أيضا مساوئه
على أنها فكرة سخيفة .
ولكن الحقيقة التي أصبحت في طي النسيان
أن حليب الأبقار مخلوق ليناسب صغارها وليس صغار البشر·
ما من شك أن الحليب يحتوي على مواد غذائية بالغة الأهمية،
بما في ذلك البروتين وفيتامين الريبوفلافين .
ولا ننسى أيضا الكالسيوم الذي يعتبر من أهم المواد الموجودة في الحليب اذ يسهل امتصاصه ويقوي العظام والأسنان ،
ولكن للحليب أيضا مضاره
اذ أنه يسبب الحساسية والمشاكل الصحية·
قبل عام 1950 كانت حالات الحساسية من حليب الأبقار نادرة جدا ولكن الآن حسب احصائيات فرنسية
فان هذه الحساسية تصيب 10% من الأطفال الصغار و 5% ممن هم أكبر سنا·
والاعتقاد بأن الحليب ومنتجاته يمكن أن تسبب الحساسية
ليست بالجديدة . ففي عام 1936 أكد الباحثون أن الأكزيما تصيب الأطفال الذين يرضعون الحليب الاصطناعي المصنوع من حليب الأبقار بنسبة خمسة أضعاف ما تصيب الأطفال الذين يعتمدون على الرضاعة الطبيعية ،
وفي تقرير حديث يشير الدكتور/ مارو براون أن الحساسية الناجمة عن الأغذية قد ازدادت خلال العقدين الماضيين بنسبة تثير القلق
اذ يقول:
(نحن اليوم نستهلك الحليب من المهد الى اللحد
بكميات أكبر بكثير من تلك التي كان يستهلكها أجدادنا ).
ويعتبر هذا تغييرا مهما في النظام الغذائي لا يستطيع البعض تحمله ، وهذا ما يؤدي الى ظهور حالات الحساسية من منتجات الحليب في أي مرحلة من العمر.
وذكر الكثير من الحالات الفردية التي ظهرت فيها الحساسية تجاه الحليب على شكل ربو أو أكزيما أو التهاب مفاصل أوغيرها ·
ويرى مار براون أن الحليب قد يكون له أيضا تأثير
على الحالة النفسية اذ يقول:
(الأطفال الذين يعانون من حساسية الحليب ومنتجاته لا يمكن جذب انتباههم الا لفترات قصيرة ولا يستطيعون البقاء في حالة هدوء وتنتابهم نوبات غضب ورغبة في ايذاء أنفسهم والتخريب ،
ولا سيما بعد تناول كمية من الحليب).
ويستشهد بحالة طفلة في الثامنة من عمرها
كانت تعاني من التبول الليلي ، والافراط في النشاط ،
ونوبات الغضب , وكان أداؤها في المدرسة ضعيفا
لأنها لم تكن قادرة على الانتباه والتركيز ،
وبعد ثلاثة أشهر من الامتناع عن تناول الحليب
حدث تغير جذري في شخصية الطفلة وسلوكها
فقد أصبحت مرحة وتحسنت مقدرتها على الكتابة بشكل ملحوظ·
ويعتقد أيضا أن الافراط في تناول الحليب والأجبان
مرتبط بارتفاع معدلات سرطانات البروستاتا والخصيتين
في بريطانيا وغيرها من الدول الغربية .
فقد درس باحثون يابانيون من كلية الطب في جامعة ياماناشي
معدلات هذه السرطانات والنظام الغذائي في 42 دولة
ووجدوا أن هناك علاقة بين الأجبان وسرطان الخصيتين ،
وبين الحليب وسرطان البروستاتا .
ففي بريطانيا حيث تبلغ نسبة سرطان الخصية 13 في كل 100 ألف تبلغ نسبة استهلاك الفرد اليومي من الجبن 12 جراما ً.
في حين في الجزائر التي يكاد ينعدم فيها وجود هذا النوع من السرطان تقل نسبة استهلاك الفرد اليومي من الجبن
عن ثلاث جرامات ·
ووجدت فرق أخرى من الباحثين
علاقات بين الحليب ومجموعة من الأمراض والمشاكل الصحية الأخرى ، بما في ذلك السكري الذي يحتاج الى تعاطي الأنسولين وأمراض القلب والعقم وحدوث المغص عند الاطفال.
كل ذلك دعم آراء الأطباء الذين يرون أن حليب الأبقار
ليس مناسبا ليكون غذاء طبيعيا للبشر ·
هناك الكثير من البدائل التي يمكن أن تحل محل حليب الأبقار
مثل
حليب الماعز.. والأغنام.. وحليب الصويا.. والأرز
بالاضافة الى الحليب قليل اللاكتوز·
وجميع هذه الأنواع تعتبر مصدرا جيدا للحصول على الكالسيوم بالنسبة الى الأشخاص الذين يعانون من الحساسية من حليب الأبقار أو الذين يرغبون بالتخفيف من استهلاكه استجابة للتحذيرات من الافراط في تناوله .
هذا بالاضافة الى أن الحليب ليس هو المصدر الوحيد للكالسيوم الذي يتوفر أيضا في
السردين.. والتين.. والمكسرات ..والفواكه.. والخضار الطازجة·
أما بالنسبة الى أولئك الذين يعانون من الحساسية من الحليب ومنتجاته فان أي نوبة تكون حادة وخطيرة ،
تقول والدة "ليلى":
( اكتشفنا حالة ليلى لأول مرة عندما كنت أرضعها وبدأت تعاني من تورم في العينين والأكزيما الجلدية . توقفت عن ارضاعها وهي في شهرها الثامن وأعطيتها زجاجة حليب وكانت استجابتها لهذا التحول بالغة السوء لدرجة أضطررنا الى اللجوء الى الطوارئ . ولسوء الحظ أنها عندما كانت في يومها الأول في المستشفى كانت قد أعطيت زجاجة حليب أدت الى حدوث الحساسية لديها . ولو لم تكن قد تناولت تلك الوجبة لكان المحتمل ألا تكون حالتها بهذا السوء. عندما أعطيتها الزجاجة الثانية بعد أن توقفت عن ارضاعها تحول لون جسمها كاملا الى الأحمر . في المدرسة يأكل الكثير من التلاميذ الآيس كريم . وبالرغم من أن ليلى تتناول طعامها بمعزل عن الآخرين ، الا أنها من دون قصد قد تلمس طفلا تناول الآيس كريم ومن ثم تضع اصبعها في فمها . وهذا يكفي ليسبب تورما في البلعوم، وهنا لا بد من التدخل لمساعدتها)
تتعاطى ليلى الأدوية المضادة للحساسية بشكل مستمر
والمشكلة أن الحليب يوجد في كثير من المنتجات
لذلك فحمايتها تتطلب الكثير من الانتباه·
وكان باحثون من أميركا وفنلندا قد تعرفوا على الجين المسؤول عن عدم تقبل الجسم للاكتوز وهذا ما يثير الأمل في امكانية التوصل الى علاج جيني لهذه الحالة.
فقد درست الدكتورة/ لينا بيلتونين من جامعة كاليفورنيا
حالة الحساسية عند عدد كبير من المرضى من بيئات مختلفة، ولاحظت أنهم جميعا يمتازون بنفس التحول في مادتهم الوراثية. تقول الدكتورة /بيلتونين:
(وجود نفس التغير الوراثي عند جميع المرضى من مختلف الأعراق يشير الى أنه تحول موغل في القدم. وأعتقد أن هذا التغير الذي اكتشفناه هو الشكل الأصلي للجين الذي بدأ يتحول ليساعد الانسان على تحمل منتجات الحليب بعد أن أخذ البشر الأوائل يعتمدون على منتجات الحليب من تربية الماشية في المزارع·(