لما كان القلب يوصف بالحياة وضدها ، انقسم بحسب ذلك إلى هذه الأحوال الثلاثة :
* فالقلب الصحيح هو القلب السليم الذي لن ينجو يوم القيامة إلى من اتى الله به ، قال تعالى [ يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون * إلا من اتى الله بقلبٍ سليم ] الشعراء 88-89 .
فالقلب السليم هو القلب الذي سلم من كل شهوة تخالف امر الله ونهيه ، فسلم من عبودية ما سواه ، وسلم من تحكيم غير رسول الله ، المتوكل على الله والمنيب إليه وإيثار مرضاته في كل حال والبعد عن سخطه بكل طريق وهذا هو حقيقة العبودية التي لا تصلح إلا لله جل وعلى .
فإن أحب أحب في الله وإن ابغض أبغض في الله وإن أعطى أعطى لله، وإن منع منع لله .
فيكون الحاكم عليه في ذلك كله دِقه وجله ، هو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يتقدم بين يديه بعقيدة ولا قول ولا عمل ، كما قال تعالى [ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ] الحجرات -1- أي لا تقولوا حتى يقول ولا تفعلوا حتى يأمر . فتكون جميع أعمالك كلها خالصة لله ومتابعة لأوامره وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم.......... فإن الله لا يقبل عملاً إلا بهما ( الإخلاص، والمتابعة ) .
فهذه حقيقة سلامة القلب الذي ضُمنت له النجاة والسعادة .
------------
* والقلب الميت : هو ضد القلب الصحيح ، لا حياة به ، فهو لا يعرف ربه ، ولا يعبده بأمره وما يحبه ويرضاه ، بل هو واقف مع شهواته ولذاذاته ، ولو كان فيها سخط ربه وغضبه ، فهو لايبالي إذا فاز بشهوته وحظه ، رضي ربه أم سخط ، فهو متعبد لغير الله : حُباً ، وخوفاً ، ورجاءً ، ورضاً ، وسخطاً ، وتعظيماً ، وذلاً .
إن أحب أحب لهواه، وإن أبغض أبغض لهواه، وإن أعطى أعطى لهواه، وإن منع منع لهواه، فهواه آثرُ عنده وأحبُ إليه من رضا مولاه.
فالهوى إمامه ، والشهوة قائده ، والجهل سائقه ، والغفلة مركبه .
إن ناداه أحد إلى الله وإلى الدار الآخرة فلا يستجيب لناصح ، ويتبع كل شيطان مريد ، الدنيا تسخطه وترضيه ، فهو في الدنيا كما قيل في ليلى :
عدوٌ لمن عادت ، وسِلمٌ لأهلها ................ ومن قرَّبت ليلى أُُحبُ وأقربُ
فمخالطة صاحب هذا القلب سَقم ، ومعاشرته سُمٌ ، ومجالسته هلاك .
------------
* القلب المريض : قلب له حياة وبه علة فله مادتان تمده ، هذه مره وهذه أخرى هو لما غلب عليه منهما .
ففيه من محبة الله تعالى والإيمان به والإخلاص له ، والتوكل عليه ، وهذه مادة حياته .
وفيه من محبة الشهوات وإيثارها والحرص على تحصيلها ، والحسد والكبر والعُجب وحب العلو في الأرض بالرياسة ، وهذه مادة هلاكه وعطبه .
وهو ممتحن بين داعيين : داعٍ يدعوه إلى الله ورسوله والدار الآخرة ، وداعٍ يدعوه إلى العاجلة . وإنما يجيب أقربهما منه باباً ، وأدناهما إليه جواراً.
فالقلب المريض إما إلى السلامة أدنى وإما إلى العطب أدنى .
------------
وقد جمع الله سبحانه وتعالى هذه القلوب الثلاثة في قوله [وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله مايُلقِى الشيطان ثم يحكم الله ءاياته والله عليمٌ حكيم * ليجعل مايلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرضٌ والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد * وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتُخبت قلوبُهُم وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراطٍ مستقيم ] سورة الحج آيه 52-54 .
فجعل الله سبحانه وتعالى القلوب في هذه الآيات ثلاثة : قلبين مفتونين ، وقلباً ناجياً .
فالمفتونان : القلب الذي فيه مرض ، والقلب القاسي . والناجي : القلب المؤمن المخبت إلى ربه ، وهو المطمئن إليه الخاضع له ، والمستسلم المنقاد . وذلك أن القلب وغيره من الأعضاء يُراد منه أن يكون صحيحاً سليماً لا آفة به .
اللهم أجعلنا من أهل القلوب السليمة المخبتين لك المنقادين للحق إنك ولي ذلك والقادر عليه .
والله أعلم .