أطلق صرخته الأولى بأول قطرة من دموعه 00 فانطلقت لصداها ألوان السعادة فرحا لمقدمه 00 وعانقت التهاني مسامعه الصغيرة وغفت على عينيه قبلات الفرح 00
قد دخل المدرسة ! دخلها جاهلا كل شئ إلا الفطرة التي فُطِر عليها, تلقفته أيدي الأيام ليبدأ مشواره في تلك المدرسة 00 ليًُفتح سجله , مستقبلا على صفحتيه درجات التفوق أو الإخفاق 00 وعلى سُلّم النمو صعد جسمه , عقله , إنفعاله , متمثلا بسلوكه درجة درجة 00 دفعته مظاهر النمو ليتعلم الألف باء في مختلف العلوم والمعارف والتجارب 00 كم من المناهج تلقاها فاتحا ذراعيه لينهل من معينها 00 يستقبل ويستجيب , يأخذ ويعطي 00 كم من المراحل انتقل بين فصولها يتعلم ويتعلم 00 كم مرة زج به فضوله لخوض غمار المجهول والغامض 00 كم من العلاقات نمت بنموه , تتطورت أو توقفت 00 تشعبت أو تقلصت 00 دامت أو انقطعت 00 كم من البشر قابلهم وبصفات شتى أطلقها عليهم من خلال تعايشه , مشاركته , تفاعله معهم 00 التصقت بصماتهم على جدار نفسه محفورة بالسلب أو الإيجاب 00 كم من المواقف انصهر فيها بدور أساسي أو ثانوي , تأثر أو أثر بها , اكتسب أو كسب منها 00 كم من الخبرات المربية أو المؤلمة , بلورت شخصيته , صقلته كبريق أو ضاعفت جرعات ألمه ليخبو بريقه 00 كم من الانفعالات , انتشرت على مساحة عمره , حلقت في سماء حياته , حزِن وفَرِح , سعد أو تألم , نجح أو فشِل 00 كم من التأملات والمحاسبة والوقوف مع الذات دعمت تطلعاته , أو صادرت إسقاطاته 00 هل ارتقت به لمراقبة النفس مع أسمى علاقة أو أرجأت الأمر لأجل غير مسمى 00 كم من الدرجات دُوِنت في سجله عن أصغر فعل أو رد فعل , لتزداد محصلته من الدرجات في شهادة تخرجه من تلك المدرسة 00 كم من محافل التخرج رآها نصب عينيه , أو سمع عنها , هل ألقى لها بالا أو مر عليها مرور الكرام ؟ هل علم يقينا وجزم سلفا أنه لابد وأن يكون له يوما يتخرج فيه 00 يوما يودعه من حوله بدموع يختلف طعمها عن دموعه يوم قدومه ؟ هل أعد العدة ليوم التخرج للمرحلة الأبدية ؟
هناك رأيته في أقدس وأطهر البقاع المقدسة 00 وقد أوشكت شمس النهار بالمغيب , وبدأ الليل يتسلل فيغشى سواده الكون 00 في ذلك المكان حيث تجتمع النفوس المؤمنة لتؤدي مختلف العبادات , كما تهرع الأفئدة المثقلة بالهموم , تلوذ بأكرم الأكرمين وأجود الواهبين , ترجوه الرحمة ةتسأله المغفرة 00 رأيته هناك محمولا على الأعناق , إلى أن وضعوه وانصرفوا 00 كان على مقربة مني , لا أحد بقي بجانبه , لم يكن له نصيب من جوارهم 00 ابتعدوا , كأن لم يكن بينه وبينهم صلة تحتم احترامه ولو بات جثة هامدة , تودع آخر سويعاتها بالحياة منتظرة الصلاة عليها 00 نعم الموت حق علينا جميعا وهو مصيرنا جميعا , فقط هزتني تلك الجفوة القاسية من ذويه 00 بقي مسجى بغطائه الأخضر الزاهي يرتاح تحته ثوب أبيض نقي , يكاد ينطق ذلك الجزء الظاهر منه بلسان صاحبه , - هذا ما أخذته منك يادنيا - , يفترش صلابة الخشب , يتوسدها برضا 00 أتفرس أطرافه علها تهتز , صدره عله يعلو ويهبط , لا روح ولا حياة , ميت , تجمدت أمام رهبة الموقف 00 وجدتني مستعبرة , وجلة , لا أعرفه , لكني مشفقة عليه , مشفقة على نفسي التي سترقد مكانه ذات يوم , وجدت نفسي أتحدث إليه : من أنت؟ من تكون ؟ كيف أنت الساعة ؟ هل تعلم مالذي ينتظرك ؟ هل كنت غافلا عن يوم تخرجك من المدرسة فباغتتك المنية ؟ هل أعددت ليوم كهذا العمل الطيب والسيرة الحسنة أم الصدقة الجارية أم الولد الصالح الذي يدعو لك ؟ بالأمس القريب كنت بين أهلك , أصدقائك , يلتفون حولك 00 تستجيب لندائهم , لحديثهم 00 يألمون لألمك ويسعدون لفرحك , أين هم الآن ؟ بعيدا تفرقوا , هل يدعون لك بالمغفرة والرحمة أم جذبتهم مصالحهم الدنيوية حتى في لحظات وداعك الأخير ؟ سيبكونك قطعا , سيحزنزن لفراقك ليوم , لعشر , لسنة , ثم تصبح ذكرى , إسما فقط 00 هل سيزورك أهلوك أم تلههم الدنيا فيجفوك فلا تقوى على معاتبتهم ولومهم ؟
هنا أقف لأودعك بعد الصلاة عليك بنظراتي , بدموعي , داعية لك بالرحمة وأنت تُحمل إلى أول منازل الآخرة 00 أشكرك على مشاعر أيقظتها , كادت أن تخدرها رغبات الدنيا في نفس مؤمنة , أوشكت عناكب اليأس أن تنسج بيوتها الواهية على نوافذها 00 أشكرك وكلي أمل أن تبقى صورتك مشرقة أمام عيني فلا ألهو كثيرا فانسى ساعتي الموعودة , ولا أقبع مرتعدة على هامش الحياة تاركة الأخذ بأسباب العيش , بل أجعل مبدأي ( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ) اللهم احسن خاتمتنا في الأمور كلها 0000