الأستاذ / جاسم المطوع
تنجح المشاريع إذا كان وراءها فريق عمل يخطط ويمّول وينفذ، ولكن أحياناً يكون الشخص متميزاً بفكره ومشاريعه وليس لديه طريقة لتمويل هذه الأفكار، أو نجد من يمتلك التمويل وليس لديه الأفكار، أو نجد من يمتلك الأفكار والتمويل ولكنه لا يعرف كيف يحوّل هذه الأفكار إلى واقع عملي.
لهذا نلاحظ أن (كولومبوس) المولود في (1451م) نسب إليه اكتشاف أمريكا ومنها إثبات كروية الأرض وظهر هو في الصورة لأنه استطاع أن يحوّل الفكرة إلى عمل واقعي، ولكن الفكرة في الأصل صاحبها (الأدريسي) والمولود قبله بــ(315) سنة عندما ألف كتابه «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق»، وقسم العالم فيه إلى سبعة أقاليم وأثبت كروية الأرض وصنع كرة فلكية من الفضة، ولكن الفرق بين الأول والثاني، أن الأول حوّل الفكرة إلى واقع.
وهذا ما حصل عندنا في الكويت عندما تأسست أول مدرسة وأسمها «المباركية»، كان صاحب فكرتها (الشيخ/ ياسين طبطبائي) -رحمه الله، وظل وقتاً طويلاً وهو لا يستطيع تحويل هذه الفكرة إلى واقع عملي إلى أن جاء (الشيخ/ يوسف بن عيسى)، -رحمه الله- وجمع المال لهذه الفكرة، ثم أسس المدرسة، وهكذا هي الطاقات البشرية تجتمع لتكون وحدة اجتماعية في تعاونها.
وهذا ما نريده من الآباء مع أبناءهم بأن يربوهم على روح الفريق الواحد والتعاون، فيستفيد كل أخ من نقاط قوة أخيه، فيكون في اجتماعهم قوة وتزداد روابطهم العائلية، وهذا ما فعله (موسى عليه السلام) عندما نال شرف الرسالة وطلب من ربه أن يكلف أخاه معه ليساعده ليكوِّنا فريقاً واحداً فقال: {واجعلي وزيراً من أهلي هارون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيراً} (سورة طه/30-31)، ففي التعاون بين الأشقاء والإخوة منفعة اجتماعية كبيرة، وهذه مسؤولية تقع على الوالدين ليتعرفا على قدرات أبناءهم ونقاط قوتهم ثم يعرفون أبنائهم بها، فيجمعونهم على ذلك، ولا يربون أبناءهم على منهجية (السوبرمان)، وهي منهجية الابن الفريد المتميز عن باقي إخوته، وإنما يربون أبناءهم على أنهم كلهم أذكياء ومتميزون، ولكن فلان ذكاؤه فكري، وآخر ذكاؤه اجتماعي، وثالث ذكاؤه رياضي، وهكذا يتعاونون فيما بينهم ولا يكونون كما قال ابن المعتز لأخيه صخر:
أبوك أبي وأنت أخي ولكن تفاضلت المناكب والرؤوس
إن المنهجية التي نريدها في التربية، هي بث روح الفريق الواحد بين الإخوة، ولا نفاضل بينهم كتفاضل المناكب والرؤوس، ولهذا فإننا نقترح على الوالدين جلسة عائلية مع أبنائهم لمناقشة ما يميز كل واحد منهم عن الآخر، ثم كيف يستفيد كل واحد منهم من طاقات الآخر، وكيف يتعاونون جميعاً من أجل تحقيق هدف واحد، ولنسم هذا المشروع «تعرف على نفسك، وتعاون مع غيرك».
العرض العادي
