بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الكوكب المطل من علياء سمائه . أأنت عروس حسناء تشرف من نافذة قصرها ، وهذه النجوم المبعثرة حواليك قلائد من جمان ؟ أم فصّ من ماس يتلألأ ، وهذا الأفق المحيط بك خاتم من الأنوار أم مرآة صافية ؟ وهذه الهالة الدائرة بك إطار ؛ أم عين ثرة ثجّاجة ؟ وهذه الأشعة جداول تتدفق ؟ أو تنور مسجور ، وهذه الكواكب شرر يتألق ؟ !
أيها القمر المنير :
إنك أنرت الأرض : وهادها ونجادها ، وسهلها ووعرها ، وعامرها وغامرها ؛ فهل لك أن تشرق في نفسي فتنير ظلمتها ، وتبدد ما أظلمها من سُحب الهموم والأحزان ؟ .
أيها القمر المنير :
إن بيني وبينك شبها واتصالا ؛ أنت وحيد في سمائك ، وأنا وحيد في أرضي ، كلانا يقطع شوطه صامتا هادئا منكسرا حزينا ، لا يلوي على أحد ولا يلوي أحد عليه ، وكلانا يبرز للآخر في ظلمة الليل فيسايره ويناجيه ، يراني الرائي فيحسبني سعيدا ، لأنه يغترّ بابتسامة في ثغري ، وطلاقة في وجهي ، ولو كُشف له عن نفسي ورأى ما تنطوي عليه من الهموم والأحزان لبكى لي بكاء الحزين إثر الحزين ، ويراك الرائي فيحسبك مغتبطا مسرورا ، لأنه يغترّ بجمال وجهك ولمعان جبينك ، وصفاء أديمك ، ولو كُشف له عن عالمك لرآه عالما خرابا ، وكونا يبابا ، لا تهبّ فيه ريح ، ولا يتحرك شجر ، ولا ينطق إنسان ، ولا يبْغم حيوان .
أيها القمر المنير :
كان لي حبيب يملأ نفسي نورا ، وقلبي لذة وسرورا ، وطالما كنت أناجيه ويناجيني بين سمعك وبصرك ، وقد فرّق الدهر بيني وبينه ، فهل لك أن تحدثني عنه ، وتكشف لي عن مكان وجوده ؟ فربما كان ينظر إليك نظري ، ويناجيك مناجاتي ، ويرجوك رجائي .
وهأنذا يخيل إليّ أني أرى صورته في مرآتك ، وكأني أراه يبكي ومن أجلي كما أبكي من أجله ، فأزداد شوقا إليه ، وحزنا عليه .... فابقَ في مكانك طويلا تطلْ وقفتنا ، ويدوم اجتماعنا
أيها القمر المنير :
ما لي أراك تنحدر قليلا قليلا إلى مغربك كأنك تريد أن تفارقني ، وما لي أرى نورك الساطع قد أخذ في الانقباض شيئا فشيئا ، وما هذا السيف المسلول الذي يلمع من جانب الأفق على رأسك ؟ .
قف قليلا ، لا تغب عني ، لا تفارقني ، لا تتركني وحيدا ، فإني لا أعرف غيرك ، ولا آنس بمخلوق سواك .
آه ، لقد طلع الفجر ، ففارقني مؤنسي ، وارتحل عني صديقي ، فمتى تنقضي وحشة النهار ، ويُقبل إليّ أنسُ الظلام ؟ !!
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
منقووووووووووووووووول