فى ساعة من نهار كانت الشمس ترسل أ شعتها الحارقة إلى هذا الشارع الذى يبدولغيرى كأى شارع آخر, ولكن.... لا يهدأ لى بال حتى تتلامس قدماى مع ترابه, وأتنفس من رقيق نسمات هوائه, حتى يصل شذاها إلى قلبى, فيلح على عقلى لتتبع هذه النسمات كطفل صغير, هنا.. تسكن حبيبتى, أسير ببطء على أحد جانبى الشارع...أغرق فى أحلام اليقظة , أنسى كل ما حولى إلا هى... أتصورها الآن تسبح إلى القاع وسط بحر من الأحزان تستغيث, وتستغيث, حتى بات حلم النجاة مستحيلا , وفجأة.... تجد طوقا من القبلات على خدها.... تفتح عينبها ببطء... أكاد أرى شعاعا استطاع النجاة من ذلك الفيضان الذى سال على خدها, تبتسم ابتسامة طال انتظارها.... تميل على صدرى... تخرج تنهيدة معلنة طرد ألم البعد دون رجعة, أحس برعشتها كقط صغير.. تحك وجهها الأشقر الناعم بصدرى كأنها تحاول الوصول الى عالمها...ترتفع أناملى لتغوص بين شعرها الناعم المنسدل أضمها..أشعرها بقربى...بحنانى..تسكن بين جناحى.. ينتفض جسدى انتفاضا ...ألتفت ورائى باضطراب ..أسمع ضوضاء صاخبة خلفى, وصوتا جهوريا يبدوا أنه كان منفعلا ..(مش تفتح يا أستاذ) !!!تذكرت أين أنا.. وسط الطريق.. وخلفى مباشرة شبح سيارة ضخمة كادت ان تدهمنى!! فى لمح البصر.. دون انتظار أوامر من عقلى... اتخذت ناحية بيت الحبيبة!!.ومضى الشبح بسرعة خاطفة بينما ظللت أمشى ببطء شديد....الى احلام اليقظة!!
آآآه ....سنوات خمس.. سنوات خمس لم أر هذه الماسات المتلألئة التى طالما رمقتنى بنظرات دافئة.... سنوات خمس لم أسمع اللحن العذب الذى يتدفق من هذا الفم المعسول ..
الحزن يعتصرنى... ومن أين سبيل الخروج؟؟!!! لقد خشيت لحظة أن يخرج هذا الصوت المكبل بقيود من أفكار راسخة فى أعماقى على حين غفلة من إرادتى ..كان هناك خوف ما يكبل لسانى .... يعوقه عن كشف حقيقة ما بداخلى لحبيبتى أوحتى لغيرها, أحيانا أدرى ماهيته , وأحيانا لا أدرى لم وكيف يطاردنى بتلك الصورة السخيفة ؟؟ ربما لأنهم سوف يسخرون منى ويطلقون الضحكات الساخرة قائلين : (اهدأ يا روميو) ؟ ربما!! أم تراهم سيظنون أنه أصابنى مس من الجنون لمجرد أنه تعالى صوتى بكلام العشق؟ ربما!! أم أنهم سوف يضعون أياديهم على جبينى ليطمئنوا على؟ ربما !! .أم أننى أستر ضعفى تحت ستارهذا الهراء؟ فإننى لم احاول حتى ولو بنظرة ..بابتسامة ..لم أصنع أى شئ يزيح هذا الستار السميك بين القلبين, فدائما ما أشعر اننى فى بؤرة الأحداث, وأننى محط الأنظارالعاتبة المستقبحة لفعلتى حتى حين أنطق باسمها, اوبمجرد السؤال عنها.!!!
آآه ...لقد مللت هذا المجتمع ونظراته المتلاحقة المتتبعة لخطواتى , مللت حياة الجدية والعمل , أو كما أصطنعها فى عالمهم, فعالمى الواقعى هو فى عقلى, وكما أحب ان أكون!! .....عجبا لى!! وعجبا لهذا المجتمع !!!! .
لم أشعر بعد هذا الحوارإلا بيدى تمتد متثاقلة إلى جبينى وكأنها تحاول مساعدتى فى محو رواسب هذا التفكير .
ما زلت أسير..... تمنيت أن أقف ويقف الزمان لحظات ..تمنيت لو أراها أو أن تدفع الشمس بضيائها عليها, فأحتضن شبحها كيلا يمسه التراب!!
سار كل شئ حولى فى بطء , سرقت نسمات الهواء أسرارى, فاسود لون السحاب من فوقى, وتهامست الأشجار وتغامزت فيما بينها مرثية لحالى!!! حتى انقلب كل ماحولى رأسا على عقب !!
ماذا حدث؟ أين لهيب الشمس ؟ أين سواد السحاب ؟ أين همس الأشجار؟ أهذا حلم من أحلام يقظتى؟ ..لحظة!! ...ما هذه الأعين التى تتلألأ وسط هذا الاضطراب؟ إنها....إنها ليست بغريبة ..أبدا...بل إننى لم أعشق سواهما!! نعم ..إنه طيف الضيف الذى يهون علىّ وحدتى فى عالمى!!!
آآه حبيبتى ..أخيرًا... تخلص لسانى من القيود, قام وانتفض من سجنه, أطلقها بكل حرية, تحررت أفكارى الحبيسة, أحسست كأننى أنسلخ إلى شخص أكثر جرأة وقوة , تراقص قلبى فرحا إثر هذه الانتصارات كطفل وجد ضالته... فقدت اتزانى, لحظات لا أدرى كيف أتصرف.
أحست كعادتها بى..بادرت بنظرات هادئة لتساعدنى على الصمود, وأرسلت على إثرها نسمة لطيفة حاملة أعذب وأرق رسالة !!! .....صباح الخير!!!
لملمت أشلائى, وتمنيت لحظتها أن أمسك بيديها ..أن أقبلها من شفتيها ..أن أطير معها الى السحاب ...فوق القمر... إلى جنتنا !!
لاااااا!!! مستحيل !! نفس نداء الخوف الذى طالما أعاقنى , ولكن...تذكرت لم أرد التحية!! صبـ..بـبـ..باح الخيــ..ييـ..ـير !!!!!
عادت الأشجار لتظللنا, لتقينا من سيطرة الشمس, توقف السحاب ليتنصت على كلام الأعين ..نعم ..إنها اللحظة المناسبة...سأصارحها..لم أرد أن أرتب أوأنسق أفكارى , فقد كانت منسقة فى عقلى وبطلاقة.
أأقول لها الشعر وليد سهر الليالى؟ :
فمـا مرت ليلـة دونمـا نشـــــــــدت ....... طيفك وحلمت بأعيـن تتلاقا
وطاف خيالى على ذكريات مضت ...... دمع القلم كـان لخطها منساقا
نعم سأتحدى كل العالم قائلا:
لا تلومونى فلو عرفتم لوعــــــــتى ...... ما لمتمونى أو لمتم العشاقـــا
أمهلتنى ... أرسلت رسولا على سهم نظرات عينيها, سامحا لى بالدخول, آآه ...ما زلت ضعيفا.... عاد الخوف يطرق من جديد .. تمكن منى.. يا حسرتاه....ضاعت الفرصة!!
عذرا حبيبتى!!... أرسلها دمع العين, سرعان ما تردى صداها فى عينيها, أحسست ببركان داخلها يود أن يطلق كلمات كثيرة ضاق بها صدرها, ولكنه ظل داخلها ثقلا لا تجرؤ على إخراجه مكتفيا بحممه ولهيبه داخلها!! ... لا بد أنه نفس الخوف قد طرق عقلها أيضا, فلطم احساس اللحظة داخلها بقسوة حتى أرداه صريعا!!
تشبثت الأعين , وتباعدت الأجساد عنوة ,حتى أدارت رأسها فى بطء, ومضت منكسرة الفؤاد .. مهلا!! إلى أين أنت ذاهبة ؟إلى أيـ..يـ..ين ؟!!
أحسست كأننى يغشى على, فلا أدرى هل انطلقت تلك الكلمات أم أنها ظلت حبيسة كعادتها؟؟؟..
لملمت السحب أذيالها مشفقة, وتركت وراءها دمعات سقطت مع دمعات الأشجار على خدى ليتلاقا مع دمعى, سالكين سويا طريق الحزن..طريق الافتراق ..لتعود الشمس لتلقى بلهيبها , ولأعود الى أحلام اليقظة!!!