كانت صغيرة بريئة .. جميلة ذكية ..
طفلة يملأ حياتها المرح والفرح .. !
تزرع الجمال هنا وهناك ..
نتثر الابتسامات على محيا الأشخاص والجمادات !
يرتوي من عقلها الساحر بحكمة لاتخلو من مشاكسة طفلة ..
يرتوي كل ظمآنٍ لمعاني الطهارة والنقاء .. !
دخلت ذات يومٍ على أمها وعينيها البنيتيّن الواسعتين ملأى بأحداث اليوم المشوّقة .. !
ارترمت بأحضان أمها بعد عناء اللعب في فناء الخارج ..
وقالت:
أماااه .. حدث لي اليوم شيءٌ غريب .. !
الأم : وماهو ياحلوتي ؟
الطفلة: كنتُ ألعب في الفناء مع أطفال الحارة ..
فإذا بعجوزٍ تقترب مني وأرادت أن تهديني تفاحة شهية .. !
لم أرى في حياتي مثل هذه التفاحة يا أمي .. كانت كبيرة وتبرق كما البلور ..
وذات أحمرارٍ شاب ينم عن جمال وإغراء كبيرين .. !
الأم : حقاً ؟ وماذا حدث بعد ذلك ياعزيزتي ؟
الطفلة : سألت العجوز لمَ تهديني هذه التفاحة لي دوناً عن البقية ؟
أجابت لأنكِ طفلة مميزة ومختلفة .. ! فأخبرتها بأن أمي علّمتني
ألا آخذ شيئاً من الغرباء .. أو من أي شخص لا أعرفه .. !
نظرت الطفلة في عيني أمها لترى ردة فعلها .. فماكان من الأم إلا أن
ابتسمت ابتسامة فخر ورضا لابنتها المطيعة ..
فتشجعت الطفلة أكثر وأردفت:
لكنني تذكّرت أمراً هاماً يا أمي .. تذكّرت بأنه إن أخذتُ منها تلك التفاحة فإنني لا أعلم ماذا سأخسر غداً .. !
وهل ستكون تلك التفاحة بابٌ لمساعدتها في أمورٍ " شريرة " في المستقبل أم لا ؟
ماذا لو طلبت مني أن أضرب لها أحد الأطفال الذين ألعب معهم ؟
ماذا لو قالت لي لاتلعبي مع أحد ولا تكلّمي أحد وسأعطيكِ بالمقابل تفاحة كل يوم ؟
ماذا لو علّمتني أشياء " قبيحة " لا أحب أن تكون فيني ؟
بعدها يا أماه هززتُ رأسي نفياً وحاولتُ الإبتعاد .. إلا أنها سحبتني من ذراعي وألقت التفاحة في جيبي ..
وقالت .. خذيها إنها لكِ يافتاة .. أنتِ تستحقينها .. !
أخرجتُ التفاحة من جيبي وألقيتها على الأرض .. ورأيتها تتدحرج أمامي بسرعة ..
وإذا بها وقد تلوّثت بالأتربة والأوساخ .. ورغم ذلك .. رأيتُ الأطفال الآخرين يجرون خلفها لإمساكها
وكلٌ منهم ينافس الآخر في إمساكها .. وأنا في ذهول .. !
هل تصدّقين يا أمي ؟ تفاحة ملوّثة يجري خلفها ثلة من الأطفال رغم عدم احتياجهم لها .. !
إلا أن الرغبة في التملك والوصول أجبرتهم على التدافع والتدافر حتى سقط بعضهم متألماً !
أدركتُ حينها يا أمي .. أن هذه الدنيا أحياناً تكون قبيحة .. بقدر مايعاني فيها البشر من قبحٍ مزمن !
أدركتُ حينها يا أمي .. أن التفاحة لم تكن يوماً مميزة .. بل لهث البعض وراءها هو ماجلعها مميزة من لاشيء !
وأعطاها قيمة من لاشيء .. !
أدركتُ حينها يا أمي .. أنني أحب النقاء والبياض ..
أحب الأمل والعدل والمعاملة الحسنة ..
أحب الأخوة والعطف والطيبة ..
وكلّها لم أجدها في التفاحة الخبيثة ..
لذلك ألقيتها على الأرض .. بإرادتي .. وكان بإمكاني أخذها والتلوّث معها .. !
وهنا سقطت دمعة من خد الطفلة وألقت برأسها على صدر أمها الحنون وقالت :
كيف لي أن أعرف أن حياة البشر غير ملوّثة ؟ وأن حديثهم غير ملوّث ؟
وأن مشاعرهم غير ملوثّة ؟ كما التفاحة الملوّثة ؟
كيف لي أن أميّز يا أمااااه طهر الأخلاق وبياضها الأصلي في عالمٍ كثُر فيه البياض المزيّف ؟
كيف لي يا أماه أن أبقى كما أنا شامخة بمبادئي رغم أنفِ القبح لأكون أجمل وأجمل ؟
ساعديني أمي .. ساعديني ..
ابتسمت الأم ابتسامة محبّة لإدراكها أن طفلتها اليوم قد كبُرت وأن عقلها كفيل بأن يبني لها سعادة من نور ..
وقالت بلطف:
صغيرتي ..
لستِ بحاجة لمساعدتي ياصغيرتي .. قد كبرتِ اليوم .. !
نظرت إلى عينيها وقالت بمشاكسة حنونة :
" أهلاً بكِ في عالم الكبار ياحلوة .. ! "
منقوووووووووووول