ألقى فضيلة الشيخ الدكتور / عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله
خطبتي الجمعة من المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة بعنوان:
غزوة بدر والنصر القادم
والتي تحدَّث فيها عن غزوة بدرٍ وما فيها من عِبَرٍ وعِظات؛
حيث ذكرَ آيات القرآن التي ذكرَت أحداثَها،
ثم أشارَ إلى نصر الله الموعود لعباده المؤمنين إذا هم سارُوا في نفس طريق السابقين:
النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم .
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،
من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبده ورسوله،
صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
آما بعد ....
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى؛ فتقوى الله تزيدُ النِّعَم، وتدفعُ النِّقَم.
أيها المسلمون:
أصول الدين معرفةُ الله ومعرفةُ دينِه ومعرفةُ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -،
وبواسِطة النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرفُ العبدُ ربَّه ودينَه،
وسعادةُ الدارَين مُعلَّقةٌ باتباع هديِ النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قال ابن القيم - رحمه الله -:
[ يجبُ على كل من نصحَ نفسَه وأحبَّ نجاتها وسعادتَها أن يعرفَ من هديِه وسيرتِه
وشأنِه ما يخرُجُ به عن الجاهِلين به، ويدخُلُ به في عِداد أتباعه وشِيعتِه وحِزبِه ]
والناسُ في هذا بين مُستقلٍّ ومُستكثِرٍ ومحرومٍ،
ويومُ الجُمعة السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية من الهِجرة يومٌ عظيمٌ
في الإسلام، سمَّاه الله تعالى "يوم الفرقان"، وقال عنه - عليه الصلاة والسلام -:
( اللهم إن تهلِك هذه العِصابةُ
أي: الجماعةُ من أهل الإسلام - لا تُعبَد في الأرض )
رواه مسلم.
قال القرطبيُّ - رحمه الله -:
[ وعلى ذلك اليوم ابتُنِيَ الإسلام ]
حضرَه النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسِه،
ونزلَ ألفُ ملَكٍ من السماء يقدُمُهم جبريلُ - عليه السلام - من أجلِه،
من شهِد ذلك اليوم من المؤمنين فذنبُه مغفورٌ ومُحرَّمٌ عليه النار،
وكان في أعالِي الجِنان، ومن حضرَه من الملائِكة فُضِّلَ على غيرِه من أهل السماء.
فيه عِبرٌ وآيات .. ودروسٌ ومُعجِزات.
حاربَت قُريشٌ دينَ الله وأخرَجوا نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - من مكَّة وآذَوا صحابتَه،
فهاجَروا إلى المدينة، ولما بلغَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم –
أن عِيرًا مُقبِلةً من الشام صُحبةَ أبي سُفيان تحمِلُ أموالاً جزيلةً لقُريش ندبَ أصحابَه
للخروج إليها ليتنفَّلُوها، وليعلمَ المُشركون أن المُسلمين ليسُوا في ضعفٍ وهوانٍ.
وخرج معه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، لا يُريدون غزوًا، وإنما العِير،
ولما علِم أبو سُفيان بخروجِهم استصرخَ قُريشًا بالنفيرِ إليه،
ثم سلكَ طريقَ الساحلِ ونجا، وأخبرَهم بنجاتِه.
ولكن قُريشًا خرجَت بساداتِها ولم يتخلَّف من أشرافِهم أحدٌ سِوى أبي لهبٍ،
وحشَدوا من حولَهم من قبائلِ العربِ لإبادَة المُسلمين،
وخرَجوا كما قال - سبحانه -:
{ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ }
[ الأنفال: 47 ].
وصحابةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيرُ صحبٍ لخير نبيٍّ،
لما علِموا بمقدَم قُريشٍ لقتال النبي - صلى الله عليه وسلم
قام المِقدادُ بن الأسود رضي الله عنه - وقال:
[ لا نقولُ كما قال قومُ موسى:
{ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ }
[ المائدة: 24 ]
ولكنا نُقاتلُ عن يمينك وعن شمالِك وبين يديك وخلفَك ]
قال ابن مسعودٍ - رضي الله عنه -:
[ فرأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أشرقَ وجهه، وسرَّه - يعني: قولَه ]
رواه البخاري.
وقالت الأنصار للنبي - صلى الله عليه وسلم -:
[ لو أمرتَنا أن نُخيضَها - أي: الخيل - البحرَ لأخضناها،
ولو أمرتَنا أن نضرِبَ أكبادَها - أي: نركُضَ بها - إلى بركِ الغِماد –
أي: مدينة الحبشة – لفعَلنا ]
ولما دنَت قُريشٌ وعددُهم بقدر المُسلمين ثلاث مرات، باتَ النبي - صلى الله عليه وسلم
يدعُو ربَّه ويسألُه النصر، وابتهلَ ابتِهالاً شديدًا. وكان رِداؤُه يسقُطُ عن منكِبَيْه،
وأبو بكرٍ - رضي الله عنه - يُصلِحُه ويقول: يا رسولَ الله !
بعضَ مُناشَدتِك ربَّك؛ فإنه سيُنجِزُ لك ما وعدَك.
ولم يبِتِ النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلتَئذٍ؛ بل كان يجأرُ إلى الله.
قال عليٌّ - رضي الله عنه -:
[ ولقد رأيتُنا وما فِينا إلا نائِم، إلا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم –
تحت الشجرة يُصلِّي ويبكِي حتى أصبَح ]
فاستجابَ الله دعاءَ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، وبشَّر صحابتَه بالنصر،
وأخبرَهم بمواضِع مصارِع رُؤوس المُشركين.
وأقبلَت قُريشٌ بكتائِبِها إلى بدرٍ، واجتمع الجيشان على غير مِيعادٍ لحكمةٍ يُريدُها الله،
كما قال - سبحانه -:
{ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا }
[ الأنفال: 42 ].
وألقَى الله على المُؤمنين النُّعاسَ أمانًا وطُمأنينةً لهم
{ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ }
[ الأنفال: 11 ].
وقلَّل الله أعداد المُسلمين في أعيُن المُشرِكين لئلا يفِرُّوا،
وقلَّل أعدادَ المُشرِكين في أعيُن المُسلمين ليُقدِموا
{ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ
لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا }
[ الأنفال: 44 ]