- الحلم الثاني:
عندما هبّ شكسبير من نومه منزعجاً، كانت الطّرقات العنيفة على الباب ماتزال مستمرّةً. قفز نحو الباب مسرعاً، فكّ رتاجه، فتحه على مصراعيه فإذا بقامة شابٍّ صغير تنهض أمامه. مدّ له يداً تحمل شيئاً ما، قال له:
-... أنا ساعي البريد، إليك هذه الرسالة.
-... ساعي البريد؟. وهل يأتي ساعي البريد ليلاً.
-... هذا كان في زمانكم. لقد تغيّرت الأحوال. نحن الآن في عصر آخر.
اختفى ساعي البريد كالبرق الخلّب. ظلّ شكسبير يدور في مكانه، يحمل بين يديه لفافةً من الورق. أغلق الباب خلفه وعاد ليتربّع فوق فراشه، وأخذ يقرأ والدهشة تعتصره من الداخل:
من أديب وكاتب العربية الأكبر، أبي عثمان عمرو بن بحر إلى أديب الإنكليز الأكبر وليم بن جون شكسبير ... ماتزال آثار التحدّي السافر الذي واجهتني به تحزُّ في نفسي، ورغبتي في مناظرتك والحوار معك ماثلةٌ في خاطري كلّ لحظة. لكنّك فررت من اللقاء سريعاً، وكتبت على نفسك الهزيمة المرّة. وإلا فلماذا اختفيت هكذا فجأة. وعلى الرغم من أنك خاسرٌ لامحالة، فإنّ هناك أمراً هاماً جداً وسؤالاً محيّراً. بأيّة مسألةٍ سوف تناظرني، وماهي حجّتك أثناء الحوار.. لقد ملأت المكتبة العربية والعالمية علماً وأدباً وظرفاً وسخرية ونقداً وتعليماً وتوجيهاً، ولا أشكّ أبداً بأنكم أنتم في بلاد الإنكليز وأطراف العالم الأخرى، قد أفدتم جليل الفائدة من علمي وأدبي ومن كتابات من سبقني ولحقني من أبناء جلدتي نحن العرب.. فبأيّ منطقٍ تواجهني وأنت مثلّم السلاح، ناقص الحجّة والمعرفة.
اسمع ياشكسبير. كم أتمنّى أن ألتقيك لأعيدك إلى حجمك الطبيعي. ولكن أين سيكون اللقاء، لست أدري.. هل آتي إليك؟.. يا الله.. اقترب منّي لأهمس في أذنك، وليبق ذلك سرّاً بيننا. فأنا الآن في وضعٍ مزرٍ، لا أملك نفقات السفر، والمسافة بيننا طويلةٌ موحشة، تقتضي شهوراً طويلة.. أم تأتي إليّ أنت. فإن كان ذلك. فتّش عنّي في بغداد وبصرى والكوفة، أو في أيّة عاصمة عربية، فلا بدّ أن يصادفك الحظ بلقائي ولكن اقترب منّي ثانية.. اسمع... اجلب معك طعامك وشرابك ودواءك وكساءك، وإلاّ فسوف تتعرض للعري والجوع والمرض.. وسترى أيّنا الغالب والمغلوب....
الحلم الاول
وانتظروا وصله الحلم الثالث في احد الردود