كنت أتجول في سوق الخضار عندما رأيت رجلاً من بين الزحام متجهاً نحوي وعلى وجهه إبتسامة عريضة. كأن وجهه مألوف لدي ولكني لا أتذكره جيداً , بادرني بالسلام وتصافحنا . كان سلامي له فيه نوع من البرود لأنني كنت أحاول أن أتذكر هذا الشخص الذي يبدو أنه يعرفني جيداً من سلامه الحار لي.
لقد خجلت من نفسي كيف يتذكرني شخص ما و أنا لا أكاد أتذكر سوى بعض ملامحه . يالها من قلة ذوق!! . أعتقد أنه أحد زملائي في الثانوية ولكن ما إسمه .....آخٍ.. لو أتذكر. ياترى كيف سيكون شعوره لو عرف أنني أجهله وهو الذي لم ينساني طيلة هذه السنين ؟!!!!
كل هذه الأفكار كانت تدور بمخيلتي حتى لاحظت ملامح وجهه تتغير فجأتاً وهو يسألني :" ألم تتذكرني ؟!! هل نسيتني ؟!!" هنا... إبتسمت إبتسامة عريضة وبدأت أهز يده - التي ما تزال تصافحني - بحرارة وقلت له :" افا عليك وهل يخفى القمر ؟!!!. ". عادت الإبتسامة الى مُحيَّاه مرة أخرى فحمدت الله في نفسي على ذلك , وهنا وصلت حافلة النقل الجماعي فقال :" أنا آسف يجب أن أستقل هذه الحافلة الأن ولكن أريدك أن تعدني بأن تكلمني على هذا الرقم بعد الساعة الثامنة مساءً.". قالها وهو يناولني الرقم في ورقة فقلت : "إن شاء الله سأحاول." --- وهي عبارة أقولها دائماَ عندما أنوي شيء آخر . لكن الرجل كان ذكياً وقال : "لا أريدك أن تحاول أريدك أن تتصل علي عدني بذلك . ". عندها لم يعد لي أي مفر من أن أعده بذلك . ركب بعدها الحافلة و إتجهت أنا للبيت.
لم يكتب في قصاصة الورق سوى الرقم كنت أتمنى لو أنه كتب الإسم معه ......حاولت إعتصار ذاكرتي لأتذكر أسمه ولكن دون جدوى .
الساعة الان 8:15 مساءً , رفعت سماعة الهاتف وطلبت الرقم , رن الهاتف بضع رنات ثم ....أجابتني إمرأة وقالت : "نعم .". هنا تفاجأة ماذا أقول كنت أتوقع أنه هو من سيرد على الهاتف. وبسرعة قطعت الخط , فأنا لا أعرف ماذا أقول لها لأني لا أعرف أسمه وشعرت بإحراجٍ كبير وقلت: " لن أتصل مرة أخرى.".
الساعة الان 8:45 مساءً , هدأت نفسي وبدأت أحس بالذنب لأنني وعدت الرجل . ولكن ماذا تراي أقول لها أين زوجكِ ؟!!! أين أخوكِ ؟!!! أو ماذا ؟!!! هنا قررت أن أتصل و إذا رفع السماعة شخصٌ غيره سوف أقفل الخط ليس لي أي خيارٌ آخر.
الساعة الان 8:55 مساءً , رفعت سماعة الهاتف وكنت أدعو الله بأن يكون هو من يرد علي , ثم طلبت الرقم ........بدأ الهاتف يرن ويرن ...وبعد وقتٍ ليس بالقصير رفعت السماعة نفس المرأة وقالت : "نعم .". قطعت الإتصال فوراً وهنا أحسست بأنني مزعج و أنني أفتقد حتى لأدنى حد من اللباقة والإحساس بالذوق . غضبت من نفسي على تصرفي وقلت : " كلمته مرتين ولم يرد علي. أنا وفيت بوعدي ولن أتصل مرة أخرى.".
الساعة الأن 9:23 مساءً , هدأت ثورتي وسامحت نفسي على حماقتي , وهنا خطرت ببالي فكرة , قلت سأتصل و إذا كانت المرأة سأقول لها :" إذا سمحتي أريد صاحب المنزل". فإن قالت غير موجود وهذا ما أتمناه سأعطيها إسمي ورقمي وأطلب منها أن تجعله هو يكلمني , و أكون بذلك وفيت بعهدي .
الساعة الأن 9:45 مساءً , رفعت السماعة وطلبت الرقم ...... لم يرن سوى مرتين وإذا بالمفاجأة....... إنه هو .....سمعت صوته وهو يقول لي :" مرحبا .". كدت أجن من الفرح فقد وفر لي عناءً كبيراً , وبدأت أرحب به بكل شوق .
كان يرد ببرود .... وقاطعني قائلاً : "عذراً أخي ممكن أعرف من معي ؟!! . ".
فقلت له : " أنا عادل الفهد.".
فقال :" عادل الفهد...لا أتذكر أحداً بهذا الإسم .".
هنا قاطعته قائلاً :" انا الرجل الذي قابلته في سوق الخضار عصر هذا اليوم .".
فقال :" اهاااا......إذا إسمك عادل الفهد....أنا آسف يا أخي كنت أظنك صديقٌ قديم إسمه بدر بن عبد المحسن ." . ثم إستدرك قائلاً :"ولكن...هل تعرفني؟!! "