أراها واضحةً في أعينكم.. فلمَ لا تنطقونها؟؟
أبصرها جليةً في ملامحكم فلمَ لا تظهرونها؟؟
اسمعها عاليةً في همسات جوارحكم.. فلمَ تشيحون لتخفوها؟؟
إنها أسئلتكم الصارخة رغم صمتها..الصاخبة رغم سكونها.. إنها حيرة عبرات طفولتكم.. وحزن خواء صباكم.. وخوف قدوم شباب أيامكم..
إنها تلك الأسئلة الحائرة: أين أبونا؟؟ لماذا تركنا؟؟ لماذا تخلَّى عنا؟؟
لماذا لا ننعم بحياة أسرية هادئة ونعيم معيش مستقر؟؟ أين أبونا؟ أين دفؤه؟؟ أين احتواؤه؟؟ أين ابتسامته العذبة ، ومعين عطائه الحاني ، وظلال وجوده الدافئ بيننا؟؟
لماذا تركنا وباتت الأيام خاوية خالية من طرقات الباب؟؟ كنا ننتظره ونتلهف لما يحمله لنا ويجلبه من أجلنا؟؟
أين أبانا؟؟ وأين قوة يده الممسكة بنا لعبور الطريق ، وسعادة صحبته في الأسواق ، وفرحة رؤيته يبتاع لنا ما نشاء؟؟
أين أبونا؟؟ أين أمان المستقبل؟؟ وجدار الحماية من قسوة الأيام ؟؟وظلال الراحة في أنس وجوده؟؟
لقد كان هنا يا أمي.. كان معنا يؤنس وحشتنا ويلبي لهفتنا ويفجر بالحب ينبوع سعادتنا..
نعم كنتما على خلاف دائم وخصام كبير وتباعد يدوم بطول الأيام وعرضها ، لكنه كان هنا كان معنا يعوضنا مرارة الخصام ، وقسوة الهجر ، ولوعة شبح الفراق القادم..
لكن لماذا تعجلت يا أمي؟؟ وبادرت بالفراق وانتهى كل شيء وارتحلت وارتحلنا لهذا المكان الموحش الخاوي الخالي من ظل أبانا الظليل؟؟
- نعم يا أبنائي أسمع همساتكم الصامتة الصارخة الغاضبة الحزينة والتي تتلون في ظلمات الليل بأنين الحزن الصامت.. وسخونة عبرات تزرف فوق الوجنات.. وبريق من أمل خافت من وقع الخطوات على الطرقات ولكن.. هيهات...
أعلم يا أبنائي..
لا أعلم هل هو خطئي أم خطؤه أم خطأ الأيام؟؟
كنتُ الطفلة المدللة التي تحظى بالرعاية والعناية.. متوجة من قبل الجميع ملكة على القلوب.. وكبرت وكبر معي تمرد نفسي ودلالها وعنادها..
كنت أرفض أية نصيحة وألفظ أي توجيه واعتبر أن إطاعة الأوامر انتقاصٌ من شأن نفسي المتعالية.. صادقت من أردت ، وعشت كما تمنيت منفتحة منطلقة أبحث عن سعادة يومي ومتاع لحظتي..
حتى فوجئت به يوماً..كان وسيماً جميلاً بهي الطلعة متعالٍ على الجميع.. أحبته الكثيرات وتمنته الصديقات والرفيقات ولكن لم يأبه لهن.. شعرته وكأنه فارس أحلامي ومجسد كل أفكاري وخيالاتي إلى إنسان يخطو يمشي يسكن فوق الأرض محطماً في طريقه قلوب الكثيرات..
كان هذا هو ميدان حياتي وحياته: الشلة والأصحاب والرفيقات وقصص العشق الوهمي..المحادثات والرسائل والنغمات التي ترقص على أوتار قلوبنا..الذكريات والهمسات والضحكات ومتاع الشباب الزائل..
كان هذا هو الميدان ..كان هو فارس الميدان وكنت أنا فاتنة الميدان..وتلاقينا وابتسمت لنا الحياة ابتسامة زائفة.. ابتسامة ساخرة.. سخرية من يدرك آلام النهاية لمن يغترف من وهم سعادة البداية..
وتمت الخطبة وطارت بنا أحلامنا بما تدخره الأيام من سعادة اللقاء المنتظر.. اللقاء الذي طالما حلمنا به.. واحترقت نفوسنا شوقا إليه.. وسابقت خيالاتنا عبور الأيام لهفة لسعادته وروعته و....
وكعادتي لم انتبه لنصائح أمي أن أتروى ولم ألتفت لتوجيه أبي أن أتفكر أن أدرك معنى الحياة.. مسؤولياتها.. مهامها.. واجباتها.. كنت أحياها عبثا في عبث وكانت نفسي تتهاوي لتنال شيئا من سعادة اللقاء القادم.. كنت أبيح نفسي وهو يمد يده لينال ما أمنح وما أعطي.. لم يتفكر كثيرا ولم أتدبر كثيراً في صواب أفعالنا وفي تداعي نفوسنا...
وكان اللقاء وكانت البداية.. سعادة البداية.. روعة البداية.. متعة البداية ثم ...بدأت السعادة تتسرب والبريق يخبو والمتعة تتلاشى ليبقى كل منا حقيقةً تتجلى مع الأيام ..كتلةً من أخطاء الماضي.. وجملةً من مخاوف ما يدخره المستقبل..
استيقظت على الاختلافات الصارخة في أحوالنا في أفكارنا في أسلوب معيشتنا استيقظت على ما لحق بي من شوائب تهاون وتهاوي نفسي .. استيقظت على نظرة الاحتقار والشك والازدراء.. واستيقظ هو على نظرة يملؤها ضعف الثقة وعدم الإحساس بالأمن والأمان في قادم الأيام..
بدأ كل منا يكيل الاتهامات للآخر أنه هو من دفع الآخر للتهاوي والتنازل وأن ثوب الماضي نظيف طاهر إلا من لقائه.. ولكن عبثاً أن نصدق أو نصدِّق كنا كاذبين ندرك أن أصدق كلمة يمكن أن يحكيها أحدنا للآخر هي أفكٌ وزورٌ وبهتان..
وهبت رياح الشك والريبة وضعف الثقة والازدراء عاتية لتبدد معها أي أمل في سعادة باقية أو حب ساكن ..لقد زال متاع الأيام سريعاً.. وما بني على لذة فانية يفنى بفنائها ويخبو بخواء بريقها..
والآن أنا هنا اجتر مرارة الألم والندم.. ولكن لم أعد وحدي التي أدفع الثمن ولكنكم معي لتحرقني نظراتكم الصامتة وأنين حزنكم الساكن..
وااحسرتي..
مقاله اعجبتني فأحببت ان انقلها لكم
اتمنى تعجبكم وتنال على راضاكم
اختكم : القلاده