الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وبعد:
خلق الله الزوجين الذكر والأنثى من نفس واحدة ومن أصل واحد { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف من الآية: 189].
قدر آدم حواء فسكن إليها فحدث ولا حرج عن كل معاني الألفة والمحبة والاحترام والتقدير.
ثم تمر السنوات فتنشأ أجيال تتربى على غير شرع الله فلم تهتدي بهداه ولم تنر حياتها بما أنزل الله، فحينئذ ٍ تتوالى النكبات وتحل الفواجع والطامات.
والمرأة قد تعرضت منذ القديم للتنقيص من قدرها حتى تحول دعاء الآباء في الصلوات في بعض الديانات إلى أن يُرزقوا بأبناء ذكور.
فإذا جاءت البشرى بولادة البنت فإنها تعني سواد الوجه وكآبة وحسرة لا يزيلها إلا أن تدفن تلك البنت وهي حية، فإن نجت من الوأد فالكآبة باقية وعلى البنت أن تعيش كسقط المتاع تـُملك ولا تـَملك محجورٌ عليها في تصرفاتها قليلة الحيلة عديمة الرجاء مكسورة البال تبيح بعض الشرائع بيعها كما تباع البهيمة أو يترفق بها فتؤجر لتعود بالأجرة بعد مدة.
وهذه مجتمعات وثنية كانت الأسرة إذا ولد لها بنات كثير وصادفت الأسرة الصعاب في إعالتهن تركتهن في الحقول ليقضي عليهن صقيع الليل أو الحيوانات الضارية دون أن تشعر الأسرة بشيء من وخز الضمير.
فحينئذ لا تسل عن تعليمهن وتثقيفهن فذاك لم يكن يخطر على بال.
حتى إذا حان زواجها زوجت بمن لا ترتضه في أنواع من أنكحة الشغار (وهو النكاح الخالي من المهر) والبدل والاستبضاع (وهو أن يرسل الرجل امرأته لغيره رغبة في نجابة الولد) فضلاً عن بيع بعضهن واستلام بدل عنهن، وماذا يكون ثمن المرأة في تلك المجتمعات؟! إنه عدد من الثيران يقدم للأب على أنه ثمن لابنته.
فكيف تعيش مع من اشتراها ودفع الثيران ثمناً لها؟!
عليها أن تقوم بالوظيفة من الخدمة وحمل الماء من الأنهار والقيام بشؤون البيت ولا مانع مع هذا كله أن تتجر هي وزوجها وإذا غضب عليها زوجها تركها معلقة فلا هي ذات زوج ولا تستطيع الزواج.
حياة مريرة تعيشها المرأة بعيداً عن شرع الله حتى قال أحد الضالين في شريعته الوضعية: الرجل رئيس فعليه أن يأمر، والمرأة تابعة فعليها الطاعة.
ألا ساء ما يحكمون.
وإذا كان هذا حال كثير من الزوجات فكيف بالمكرهات منهن على البغاء.
فعفوك ربي عفوك ممن لا يرجون لله وقاراً.
ولك أن تتصور امرأة في مجتمع من المجتمعات جالسة تنتظر الحرق وهي حيَّة.. أما الجريمة التي ارتكبتها فلا شيء سوى أن زوجها قد مات فعليها أن تلحق به طيعة راضية حتى أحرقوا نحواً من ستة آلاف امرأة في عشر سنين.
كل تلك المظالم كان رسل الله كلما أرسلوا دعوا إلى رفعها فالله لا يحب الظالمين ولكن محرفوا شرع الله لم ينفكوا عن تدنيس المرأة بدنسهم حتى حُرِّفت التوراة ونُسب فيها إلى المرأة من الخزي والعار ما شرع الله بريء منه كل البراءة، وقل مثل ذلك في تحريف الإنجيل حتى إذا كان القرن الخامس الميلادي اجتمع مجمع ماكون الذي يقدسه النصارى ليبحث في شأن المرأة، وماذا تراه يكون البحث؟!
لقد اجتمعوا ليبحثوا في حقيقة المرأة هل هي جسم بلا روح أو أن لها روح كالرجال؟ وكان القرار أن لها روح.
الحمد لله على هذا، ولكن ماذا؟ لم ينتهي الأمر بعد, لقد قرروا أن لها روحاً شريرة غير ناجية من العذاب فيما عدا أم المسيح فإنها وحدها ذات روح ناجية من عذاب النار.
كم وكم تحملت المرأة.
حتى أذن الله لشمس الإسلام أن تُشرق فتنورت الأرض بشرع الله ونوره وهداه.
انظر لترى مؤمنين ومؤمنات مسلمين ومسلمات شطر الكعبة قد ولّوا الوجوه ركعوا جميعاً وسجدوا جميعاً { فاستجاب لهم ربهم أنِّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض } [آل عمران من الآية: 195].
نعم قيام بالواجبات من كلا الطرفين، وبالمقابل وعد بالجنة يتساوى فيه الذكر والأنثى { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم * وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم } [التوبة: 71, 72].
الله أكبر شرع الله نور كله وخير كله (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك: 14].
شرع الله سوَّى بين الرجل وأخته المرأة في كثير من الواجبات والتكاليف فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
كما أن شرع الله سوَّى بينها وبين أخيها الرجل مساواة تامة في الثواب والعقاب (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً* وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً)