السلامے عليكمے ورحمهے الله وبركاتهے
أين نحن من التربية العاطفية ..؟!
ما أن يرزق الله أحدنا ابناً أو بنتاً، إلا ويعد العدة ويبذل كل الجهود وينفق الكثير من الأموال على تربيتهم منذ ولادتهم، وحتى يكبروا، بل نستمر معهم بالدعم المادي السخي، حتى نراهم أفضل الناس، وربما لا يحب المرء أن يرى آخر أفضل منه، إلا ولده. وجوانب التربية التي نهتم بها، ونوجه إليها كل طاقاتنا، كما نراها في مجتمعاتنا، هي التربية الجسدية أولاً، وقبل كل شيء، لذلك نرى قطاعاً كبيراً يوجه أبناءه إلى تعلم السباحة والفروسية والرياضات بأنواعها، من أجل أن يحظى الأبناء بأجساد قوية، لأننا نؤمن -وهذا خطأ- بأن البقاء في عصرنا للأقوى، لا للأصح. نراقب تغذية أولادنا وهدفنا أن يكونوا من أصحاب البُنى الجسمانية القوية، ولو تمكن كل منّا من أن يجعل ابنه بطلاً في كمال الأجسام لفعل، وما أكثر قلقنا حينما نشاهد فلذات أكبادنا ينحفون أو يَذبلون، فنسارع إلى الأطباء حتى نحفظ لهم أجساداً صحيحة، وقواماً سليماً. ولا بأس في ذلك كله..
وآخرون منا يبذلون جهدهم وطاقاتهم في تربية وتنشئة أبنائهم وبناتهم نشأة علمية، فيضيعون عليهم طفولتهم بدروس القراءة والكتابة، والكمبيوتر، وإجادة استخدام «النت»، والألعاب الإلكترونية المختلفة.. ولا بأس في ذلك كله أيضاً. وفريق ثالث، وقليل ما هم في عصرنا هذا، يحرصون على تربية أولادهم تربية دينية خالصة، فيجعلون جل همهم، أن يحفظ أولادهم القرآن الكريم والحديث الشريف، حتى ولو لم يعملوا به، فنجد هذا يتفاخر بأن ولده يحفظ القرآن كاملاً، لكننا لا نجد من يتفاخر بتطبيق ابنه أو ابنته ما تعلمه نصاً.
في اعتقادي أنه لا بأس في هذا كله، لكننا نجرم في حق أولادنا إن اقتصرنا على هذه التربية فقط، ونخطئ في حقهم -كذلك- إذا لم نسع إلى تربيتهم- إلى جانب ما سبق- تربية عاطفية، يعتبرها الكثيرون في عصرنا هذا غير ذات أهمية، بل ربما اعتبرها البعض لا تلائم العصر الحديث، ولهذا نجد العلاقات الأسرية والعائلية قد تحولت إلى «علاقات الكترونية»، بدءاً من رسائل الجوال، وانتهاءً بالدردشة على «النت». قلما نجد أباً أو أماً يوجه انتباه أولاده إلى «الحب» و«الرحمة» و«التعاطف» تجاه الآخرين، هل منا من قال لابنه: أريدك عاطفياً تراعي أهلك وأصدقاءك ووطنك؟ لا، إنما نطلب منهم أن يكونوا أقوياء أشداء، بل جبابرة، حتى إذ كبر الأولاد، ذاق الآباء والأمهات ثمار التربية المادية الخاطئة، وكان الأبوان أول من يكتوي بنيران هذه التربية.
ليس للحب مراحل، إنما الحب عاطفة تلازم الإنسان منذ ولادته، وحتى وفاته، لكننا نحكم على هذه العاطفة بالقتل، حينما نفهم خطأ أن التربية العاطفية لأولادنا «مفسدة»، وعواقبها وخيمة.
إن العاطفة هي المفتاح السحري، لا للعلاقات الأسرية وحسب، كما يرى البعض، وإنما هي المفتاح السحري للعلاقات الإنسانية جميعها.