السلام عليكم
والطلاق؟ إنه صمام الأمن في هذه الخلية. إنه أبغض الحلال إلى الله ولكنه مكروه تبيحه الضرورة، تحقيقاً للسلام الحقيقي في جو البيت حين يعزّ السلام عن كل طريق سواه. وأنه لاعتراف بالمنطق الواقع الذي لا تجدي في إنكاره حذلقات المتحذلقين، ولا تدفع وجوده كذلك أحلام الشعراء. إن هنالك حالات واقعية تتعذر فيها الحياة الزوجية، فإمساك الزوجين على هذا الرباط مرغمين لا يؤدي إلى خير، ولا ينتهي إلى سلام.
والإسلام لا يسرع إلى رباط الزوجية المقدس فيفصمه لأول وهلة، ولأول بادرة من خلاف. إنه يشد على هذا الرباط بقوة، ويستمسك به في استماتة، فلا يدعه يفلت إلا بعد المحاولة واليأس والمحال.
إنه يهتف بالرجال: (وعاشروهُنَّ بالمعروفِ، فإنْ كرهْتُموهنّ فعسى أن تَكَرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً). (النساء: 19). . فيميل بهم إلى التريث والمصابرة حتى في حالة الكراهية، ويفتح لهم تلك النافذة المجهولة: (فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً).. فما يدريهم في هؤلاء النسوة المكروهات خيراً. وأن الله يدخر لهم هذا الخير فلا يجوز أن يفلتوه, إن لم يكن ينبغي لهم أن يستمسكوا به ويعزوه! وليس أبلغ من هذا في استحياء الانعطاف الوجداني واستثارتهن وترويض الكره وإطفاء شرته.
فإذا تجاوز الأمر مسألة الكره والحب إلى النشوز والنفو، فليس الطلاق أول خاطر يهدي إليه الإسلام، بل لا بد من محاولة يقوم بها الآخرون، وتوفيق يحاوله الخيرون: (وإن خفتمْ شقاق بينهما فابعثوا حَكماً من أهلهِ وحَكَماً من أهلها، إن يريدا إصلاحاً يوفق اللهُ بينهما. إن الله كان عليماً خبيراً) (النساء35).
فإذا لم تجد هذه الوساطة، فالأمر إذن جد، وهنالك ما لا تستقيم معه هذه الحياة، ولا يستقر لها قرار. وإمساك الزوجين على هذا الوضع إنما هو محاولة فاشلة، يزيدها الضغط فشلاً. ومن الحكمة التسليم بالواقع؟ وإنهاء هذه الحياة على كره من الإسلام، فإن أبغض الحلال إلى الله الطلاق. ولعل هذه التفرقة تثير في نفس الزوجين رغبة جديدة لمعاودة الحياة، فكثيراً ما نتفقد الشيء بعد أن نفقده، ونرى حسناته عندما نحرمه. والفرصة لم تضع: (الطلاقُ مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)(البقرة229) . على أن الطلاق يجب ألا يقع في فترة الحيض. بل ينبغي أن يقع في طهر لم يكن فيه وطء. وهذه مهلة يمد فيها الإسلام، عسى أن يسكن الغضب إن كان هو الذي يوحي بالطلاق.. ثم هناك فترة العدة في حالة الدخول بالزوجة، بعد الطلاق الأول، ثلاثة أشهر على وجه التقريب إن لم يكن هناك حمل، وحتى الوضع إن كان وعليه أن ينفق عليها في هذه الفترة ولا يقتر في النفقة. وفي خلالها يجوز له إن كان قد ندم أن يراجع زوجه، وأن يستأنفا حياتهما بلا أي إجراء جديد. فهو طلاق رجعي، والحياة الزوجية قابلة للاستئناف بأيسر الأسباب
منقول