قوافل الزمن أشبه بدوائر الإعصار ، تمضي في هذه الحياة وفق غاية مرسومة يتدبرها بعض الناس ، ويدعها آخرون ، تأكل أعمارنا دون أن نحس بوخزها ، حتى إذا ما شارفت على النهاية فتحنا أعيننا ، لنجد أنفسنا على مفترق طرق ، ننظر في خنوع إلى أصداء الماضي وأطلال المكان الذي كنّا فيه
جو كئيب ، يفرضه واقع الحياة التي أعيشها بعيداً عنكِ ، ودموع تذرفها الجفون التي أعياها الحزن ، لتشرأب الأعناق وتشخص من حولها الأبصار ، لترمق بصيصاً من الأمل
حبيبتي وغاليتي
وأنا بقرب نافذة الطائرة أتيه شوقاً بين ثنايا أوراقكِ أقلبها ، استشعر دفء جوارحك من علو ثلاثون ألف قدم محلقةً فوق مدينتكِ ، وهدير محركاتها يتعالى في أنغام حزينة تكاد تشتت أفكاري وتخلخل اتزاني ، وأصوات المآذن تصدح لتعلن بزوغ فجر يوم جديد ، وأنا كما أنا بعيداً عنكِ أحاول أن أنسى في حلكة الليل ظلام قلبي الذي عشق النور بقربكِ وتفتح الأزهار من ثغركِ ، فقلبي الذي يخفق اليوم حزناً كان بالأمس يحتفل بكِ بفرحة طاغية عارمة
حبيبتي
لم تكن البحور الواسعة والجبال الشاسعة لتحجب عن بصري وبصيرتي ملامحكِ اللطيفة الشفافة ، ومحياكِ الوهاج ، فإني أتذكركِ كلما لاح بدر وغنى حمام ، وإنني ألهج بذكركِ كل يوم ، فلقد طالت غيبتكِ عني ، وضاقت بي الحال حتى أصبحت في جيش من الأفكار كريشة في مهب الريح طائرة لا تستقر على حال ، حتى أضحى بعدكِ عني أشد عليَّ من وقع السهام ، وأحد من ضرب أي حسام
حبيبتي
لقد أصبح جمالكِ قلادةً في جيد الزمان ، وبهجة تبتسم بها ثغور كل مكان ، ويرقص لها الطير طرباً على أشجار الغياض ، مغنياً فوق الأفنان بفنون الألحان ، ولو كان لليالي لسان ينطق أو قلم يكتب ، لنطق اللسان ، وجرى القلم بين البنان بما لليلة لقاءنا من تألق وافتتان
ولو كان لي من الفصاحة ما أفيض به من قوة البيان ، لتحولت لي مياه البحر مداداً وأغصان الأشجار أقلاماً وفصح اللسان عما يكنه قلبي نحوكِ من إخلاص المحبة والوفاء
إن قلبي يحمل لك من الحب أكثر مما يستطيع القلم تسطيره وإن بلغت براعة الكاتب ذروتها
فلتعلمين حبيبتي أنه لا يطيب لي عيش بدونكِ ، واسعد أيما سعادة يوم أراكِ لأزداد بك رقياً في معارج المجد ، ولتثقي بحبي فأنا لا أنزع إلى الحياة إلا رغبة في نظرة من سناكِ
فيا فريدة حبي ووحيدة قلبي وقرة عيني
وكأني بي أرى البحر يغسل أحزانك ، ككل الصبايا اللواتي يصيبهن القلق ، فخرجن يبحثن عن الهدوء في ظل أشجار الزيزفون ، وأرى الموج بثورته العارمة يغازل جسدكِ يحاول أن يحيطكِ بذراعية ليلامسكِ ، فما تلبث عندها أصوات الموج أن تهدأ وتنحسر من تحت أقدامكِ أمواج عذبة مياهُها ، ورؤى خضراء يانعة
ففي آفاق المجهول التقيتكِ ، أنثى رائعة الأنوثة ، يطرزها خيالي بأشكال تتفاوت بين الحقيقة والخيال ، لقد كان كل شيء فيكِ يوحي بقصيدة شعر ينحتها بارع أجاد طرق الأحرف والكلمات ، فتتوهج الحروف على مفرق شعرك الأسود وهالة عيناك المضيئة أكاد ألمس ضوءها بيدي بينما يلامس شغاف قلبي صورة وجهك الأبيض الجميل
حلم أنت من أحلام الطفولة أكاد أراه يطل من بين عيني في إطاره الذهبي الرائع لقلب مفتون بكِ عشق الروعة منذ الصغر
يستبد بي القلق وأنا بعيداً عنك حبيبتي
ارمق الماضي بعينين دامعتين
لا تتركيني
فقد ألفتك حبيبتي