كثيرا ما نتخاصم أنا وقلبي
وخلال هذه الفترة أعلن الصمت
حتى مع نفسي
لأني وإن حدثتها سراً
سمعت صوته يسبق أنفاسي
وأنا حينها أكون غاضبٌ منه للدرجة التي لا أطيق سماعه فيها
في إحدى تلك المرات ..وكنت في أشد حالات غضبي منه
توجهت إلى مكتبتي لأنتقي كتابا أشغل به عقلي عن التفكير
فاخترت أول كتاب وقعت عليه عيني
لم يكن هدفي حينها قراءة شيء محدد
بل الهروب من ذلك الصوت الصارخ القادم من أعماقي متحديا بصراخه نوبات غضبي الثائرة
مسجلا اعتراضاته على جدران جسدي
أخذت أقرأ بشراهة محاولاً أن أجعل كل تركيزي منصبا على ما احتوته صفحاته
وكلما شعرت أن قلبي بدأ حديثه هامسا
أرفع صوتي بالقراءة حتى تبدأ تلك الهمسات بالتلاشي
فأقلب الصفحة بغضب متهماً إياها بعدم كفاءتها في مهمتها التي أسندتها لها وهي شغل تفكيري بالدرجة الكافية التي لا اسمع فيها سوى كلمات الكاتب !
قلبي يحاورني كثيرا .. ولذلك نختلف
وتجاربنا ومحاوراتنا تؤكد رأيي فيه دائما وتؤكد موقفه مني
فنحن على خلاف وإن ظهر في تصرفاتنا غير ذلك
إذا أحب .. اندفع وأنا أدعوه للانضباط
وإذا أعطى أسرف .. وأنا أطالبه بالاعتدال
وإذا صدق أخلص .. وأنا أقول له تريث قليلا
نختلف .. ويتمسك هو برأيه
وأتمسك أنا برأيي
أتركه يفعل ما يريد
وأراقبه من بعيد
حتى إذا سقط مغشيا عليه ذهبت إليه وأخذت بيده وداويت جراحه وكثيرا ما سقط مني
وكثيرا ما رأيت الكدمات على وجهه
وأقول لنفسي غدا يكبر وينضج ويفهم الحياة
مرات كثيرة أشفقت عليه ولكن بيني وبين نفسي أقول :
دعه يتعلم
وكلما خرج وأفلت مني وحاول أن يتعلم جاءني بجرح جديد
قلت له يوما : مأساتك يا قلبي أنك تحلم كثيرا مثل كل الشعراء
ولكن يجب أن تفرق بين الحلم الذي تراه والواقع الذي تعيشه
أتفقنا على أن نعيش الواقع معا
وأن يبقى الحلم بين أوراق دفاترنا
ولكنه يخلط الأمور كثيرا ويتعبني معه!
أنا لا أريده أن يتخلى عن براءته ونقائه
وأصراره على أن يحمل بين راحتيه أحزان الناس ومعاناتهم
وصلنا إلى صيغة متوازنة
أن نحلم معاً بكل ما نريد وأن نرى العالم كما نحب أن نراه
وأن نعيش الحياة كما هي
ومرت الأيام ولم ينس قلبي حلمه
وأخذته أمواج عاتية من أحزان كثيرة تحاصر زماننا المختل عقليا
ولم يفقد براءته .. وما زال
يندفع كلما أحب
ويسرف كلما أعطى
ويتمسك بصدقه القديم في عالم من الزيف والدجل
ولم نعد نختلف كثيرا .. كبرنا معا .. وتعلمنا من تجاربنا السابقة
وكلما جاء طارق جديد يسألني : هل نفتح الباب ؟
فأقول له ضاحكاً : أصبحت لدينا مناعة ضد كل الأوراق المزورة
جاءني أخيرا وقال لي : أشعر بضوء خافت ينساب داخلي
ماذا أفعل ؟
قلت له : انضبط ..
قال لي : أشعر برغبة في العطاء
قلت له : اعتدل
قال لي : أريد أن أخلص
قلت له : في حدود
وتركني قلبي وعاد لتمرده القديم
وما زلت واقفا أرقبه من بعيد وأتمنى ألا يعود لي بجرح جديد
======================
كنت أعتقد أن العلة في قلبي أنا فقط
وبعد رؤيتي " عودة المتمرد القديم"قلت لعل قلب الشاعر يشبه قلبي لأن قلبي يعشق الشعر ... لكني الآن متأكد من أن هناك أشخاصا آخرين يعانون تمرد القلوب هذا
كم عددهم ؟ .. لا يمكنني معرفة ذلك
لكني أجزم بأنهم أقل بكثير من أولئك الذين لم يعتادوا العطاء
ولا يستحقونه أبــداً