الحمد لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإن للأسرة المسلمة رسالة كبرى في تماسك المجتمع وتربيته واحتواء مشاكله، ولأهمية الأسرة ورسالتها كان مولدها دائما مبكرا عند اختيار الزوجة الصالحة ومن هذا الاختيار يبدأ عمر الأسرة الفاضلة كما يقول صلى الله عليه وسلم »تزوجوا الودود الولود« ويقول : »فاظفر بذات الدين تربت يداك« والزوجان الصالحان يكونان معا الوعاء الصالح لنشأة الأجيال الصالحة وتربيتهم التربية الإسلامية الفاضلة. ولهذا كان في نسك الحج إشارة لأهمية الأسرة ورسالتها في الحياة فها هو إبراهيم عليه السلام يترك أسرته في واد غير ذي زرع استجابة لأمر الله سبحانه »ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة« . وهاجر تقول له قبل الرحيل : الله أمرك بهذا يقول : نعم ، فتقول رضي الله عنها »إذا لن يضيعنا« .
وبيقين إبراهيم عليه السلام وإيمان هاجر وبتسليم إسماعيل لله حين قال له والده (إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال : يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) . كل ذلك جعل لهذه الأسرة الفاضلة ذكرى خالدة في حج بيت الله الحرام ، حيث يشاهد الحاج من المناسك وقفات إبراهيم وإسماعيل وهاجر عليهم السلام فيتعلَّم أن هذه الأسرة الفاضلة هي التي عمرت أرض الله الحرام وقد جدد بناء الكعبة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وهما يناجيان الله بهذا الدعاء »ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم« »البقرة« .
والأسرة المسلمة تتعلم من دروس الحج أن الإيمان واليقين والرضا والتسليم أساس تكوين الأسرة المسلمة الفاضلة . والإسلام في نظامه الخالد قادر على اقتلاع المشاكل من جذورها أليس هو نظام الإسلام الذي قضى على مشاكل هجرة المهاجرين والإيواء والغذاء والاغتراب ؟ نعم إنه الإسلام الذي أقامه الله دينا لسعادة البشرية .
وهو الإسلام في نظام الأسرة المسلمة . وكان من هذا النظام تعدد الزوجات لحكم إلهية شاملة فالتعدد في الزواج كما يقول سبحانه وتعالى »مثنى وثلاث ورباع « النساء .
وهو نظام رباني للقضاء على المشاكل الأسرية العديدة ومنها الأسرة التي تفقد عائلها فتصبح الأرملة بعد زواجها بآخر في عصمة رجل يحميها وينفق عليها وقد تزوج النبي عليه الصلاة والسلام بأم سلمة وحفصة رضي الله عنهما بعد استشهاد زوج كل منهما. بل كان جميع أمهات المؤمنين ثيبات كلهن ليس منهن بكر إلا عائشة رضي الله عنهن واقتدى الصحابة رضي الله عنهم برسول الله صلى الله عليه وسلم لضم أسر الشهداء إليهم .
فكان من فوائد التعدد زواج الأرامل ورعاية الأيتام في الأسرة الجديدة وهي اكبر اتساعا من الأسرة السابقة والراعي الجديد للأسرة يسعد برعاية الأيتام فقد تعلمت الأمة من نداء الله الخالد في كتابه العزيز »فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر« .
كما عرفت الأمة مكانة راعي اليتيم من قوله صلى الله عليه وسلم »أنا وكافل اليتيم هكذا في الجنة« وأشار بإصبعيه فضلا عن ان تعدد الزوجات يسد أبواب الزنا ويقضي على العنس وما لا يرضاه شاب يرضاه غيره فيقبل على زواج العانس أو الأرملة من يوفقه الله رحمة باليتيم بعد فقدان أبيه أو رحمة بالعانس ، وكم من أزمات قضى عليها الإسلام بتربيته وبشريعته الغراء .
ولذا لما أصبحت الأسرة المسلمة اليوم تحاكي ثقافة الغرب ظهرت مشاكل الأسرة وقلت الرغبة في الزواج وكثر الطلاق وتفاقمت مشاكل الأيتام وتعرض الشباب للفتنة بل وأصبحت الشيخوخة تعاني من ضعف الأسرة في أداء رسالتها حتى أن الوالدين يلجآن أحيانا إلى دور العجزة بدلا من حب وعطف الأبناء والأحفاد وذلك يكثر في البلاد التي انتشر فيها فكر الغرب وثقافته ونسى الأبناء قوله تعالى »وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما . واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا« واليتيم أول من يتأثر بمشاكل الأسرة حتى ولو كانت مشاكل عاطفية أو مادية أو تربوية .
وفي الآونة الأخيرة ونتيجة للثقافة الغربية كذلك ضعفت الأسرة في بعض الأحيان عن وظيفتها في الرعاية والتربية وظن الناس أن المؤسسات هي أولى من الأسرة في رعاية الأيتام .
ولكن ذلك يُسبب لليتيم الحرمان من عطف وحب إخوته كما يسبب عزلته عن جو الأسرة التي نشأ فيها مما يؤدي إلى انطواء الطفل وعدم قدرته على التوافق الاجتماعي وضعف صحة الطفل النفسية لهذا كانت رعاية اليتيم في أسرته أولى من رعايته في المؤسسات فإن لم تتيسر تربية اليتيم في أسرته فعلى المؤسسات العناية بكل عطف على اليتيم ومحاولة تعويض ما فاته من الأم والأسرة من العطف والحنان والرحمة مع تربيته الدينية والحرفية ليواجه حياته بغير تسول .
وفي بنغلاديش في بعض الأحيان أسر ممزقة لأسباب كثيرة فقد يهاجر الأب بعيدا أو يهجر زوجته وأولاده بحثا عن حياة أفضل أو بسبب الأمراض الأخلاقية. وعموما تصبح الأسرة في البيئة الفقيرة أحيانا يتربى الطفل فيها وكأنه يتيم مع وجود الأب والأم لكنهما منشغلان عن أولادهما سواء بحثا عن الرزق أو انحرافا عن رسالة الأسرة .
ويكون علاج الأسر هذه أولى من كل علاج لو كان في المستطاع ذلك لأنه قد ترتب على تمزق بعض الأسر تشريد الأطفال بين الفقراء .
ولكثرة ذلك تكونت عصابة خطف الأطفال لسرقة الكلى منهم ، وخطف الأطفال بعصابات لغرض لا أخلاقي ، أو للتسول والسرقة ، وخطف الأطفال من أجل الكنيسة والتنصير .
وخطف الأطفال ظاهرة بسبب تشريدهم في بعض البيئات المسلمة التي طحنها الفقر أو أفسدتها أخلاق الانحرافات الجنسية . والعودة إلى الأسرة في نظامها الإسلامي يقضي على فساد كبير ، فقد جعلت الأسرة المسلمة لتكون قلعة من قلاع الإسلام وحصنا من حصونه لتربية الأجيال المسلمة في ظل حياة زوجية يسودها الرباط المقدس والسكينة والرحمة ويتعلم أطفال الأمة في مهد حياتهم »يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأتي بها الله« لقمان ، والله يحفظ الأمة ويرعاها وهو خير حافظ وهو أرحم الراحمين . |